مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

تنشيط سويسري لمبادرة جنيف

Keystone

لم تكتف سويسرا بدعمها لمبادرة جنيف للسلام بين الفلسطينيين والإسرائيليين، بل تحاول مجددا دفعها إلى سطح الأحداث، حتى لا تظل كغيرها من المبادرات حبيسة الأدراج.

فقد شهدت برن يوما كاملا خصص للنقاش مجددا حول مستقبل تلك الاتفاقية ودور سويسرا فيها، شاركت فيه جهات رسمية ومنظمات غير حكومية ومواطنون سويسريون يهود ومن أصول فلسطينية.

كان واضحا من خلال أعمال هذا اليوم الحافل الذي نظمته مؤسسة السلام السويسرية Swiss peace في 10 مارس، أن الحكومة الفدرالية تقف بثقلها وراء مبادر جنيف، لا سيما في المرحلة الراهنة والخطوات المستقبلية.

وقال لوران كوتشل مدير “سويس بيس” بأن الهدف من الندوة، يتمثل في دراسة كيفية الاستفادة من الديناميكية التي ولدتها انطلاقة مبادرة جنيف، وأن استضافة هذا الحشد الكبير من المشاركين سوءا على الصعيد الرسمي أو الخاص، المتمثل في عدد من الفلسطينيين والإسرائيليين أو يهود سويسرا، هو لاستعراض وجهات نظر كافة الأطراف.

مشاركة اثنين من واضعي بنود المبادرة، الفلسطيني غيث العمري والإسرائيلي دانيال ليفي، كان لها انعكاسات كبيرة على سير الندوة. فقد هوجم الرجلان من قبل الفلسطينيين الذين حضروا، كما اضطر ليفي لسماع انتقادات لاذعة لسياسة الحكومة الإسرائيلية من أعضاء منظمات المجتمع المدني السويسرية والهيئات الإنسانية التي تساهم بمشروعات في المناطق الفلسطينية المحتلة.

وفي حين لم يجد غيث العمري الردود المناسبة على الانتقادات العديدة والمختلفة الموجهة إلى المبادرة، اكتفي ليفي بالرد بإسهاب حول الطرق المستخدمة لإقناع الرأي العام الإسرائيلي بها ومحاولة كسب تأييد شعبي لها، وفي إجابته على سؤال حول السبب في تهميش عرب إسرائيل في المشاركة في إعداد المبادرة، قال دانيال ليفي بأن ذلك “كان متعمدا حرصا على عدم وضعهم في موقف حرج”.

“السلام الافتراضي”

ومن المصطلحات الجديدة التي ظهرت أثناء المناقشات، استعمال كلمة “السلام الافتراضي” في وصف المبادرة، على اعتبار أنها الوحيدة التي قدمت إلى الرأي العام العالمي نصا مكتوبا لتصور السلام بين الفلسطينيين والإسرائيليين.

وقد أثار هذا التوصيف – تحديدا – حفيظة جميع الفلسطينيين المشاركين في فعاليات الندوة، وتتالت الاحتجاجات من خلال المداخلات، فهناك من أشار إلى أنه لابد من ذكر أن المبادرة (والقائمين عليها) ليس لها أي سند رسمي، في المقابل حرص آخرون على التنويه بإغفال المبادرة حق العودة للاجئين، أو تناوله بشكل سطحي عشوائي لا يتناسب مع حجم المشكلة.

وقد فجر الدكتور سامي الديب أستاذ القانون في جامعة لوزان وهو سويسري من أصل فلسطيني، مفاجآت عدة أثناء مداخلاته، الأولى أن المبادرة لم تتطرق إلى ما تم إزالته من قرى فلسطينية لها قيمة تاريخية ودينية كبيرة، والثانية أن الطرفين الفلسطيني والإسرائيلي المساهمين في إعدادها والترويج لها، ليس لهما أي سند رسمي أو دعم شعبي أو تفويض بالحديث في أمور لها جذور تاريخية مثل عودة اللاجئين أو مستقبل الدولة الفلسطينية، ووصل في مداخلته إلى حد اعتبار المبادرة “عنصرية”.

في المقابل ردت بعض الأطراف المؤيدة للموقف الإسرائيلي بأن إعادة بناء القرى الفلسطينية المهدمة لن يتم، وأنه لابد من الواقعية في البحث عن السلام، كما أشار دانيال ليفي بأنه لا يعتقد بأن إقامة دولة واحدة لشعبين أمر ممكن، واتفق معه في هذا الرأي غيث العمري، الذي يرى بأن قيام دولتين لكل منهما مقوماتها وخصوصياتها هو الحل الواقعي.

الدكتور إداورد بدين الأستاذ بجامعة بازل السويسرية وهو من أصل فلسطيني، تساءل في مداخلته عن هذا السلام الذي يمنع حتى الفلسطينيين المقيمين داخل الحزام الأخضر من العودة إلى قراهم، وضرب على ذلك مثالا برفض المحكمة الإسرائيلية العليا عودة أسرة من عرب 48 إلى قريتها التي تم تهجيرها منها قسرا.

وأضاف الدكتور بدين بأن السلام ليس فقط لإعطاء الحلول بل يجب أيضا أن يتيح المجال لتطبيق تلك الحلول، أو بمعنى آخر أن تكون الفروض التي يقدمها الحل السلمي قابلة للتطبيق على أرض الواقع، متسائلا لماذا يُحرم من هاجر قبل 50 عاما من حق العودة بينما يُمنح هذا الحق لمن يقول بأنه حق ضائع منذ 2000 سنة؟

وفي تعليقه على مداخلة الدكتور بدين رأي الحاخام توفيا بن كورين بأنه من الصعب أن يحصل كل الناس على جميع حقوقهم عقب أي صراع، وإذا كانت هناك مطالب بالإعتراف بحق عودة الفلسطينيين، فيجب أيضا طرح السؤال: هل يمكن تحقيق ذلك؟

مداخلات من الواقع

في المقابل رأي الحاضرون من السويسريين أن مبادرة جنيف هي آخر ما هو موجود على الساحة السياسية حاليا وان دعمها هو أفضل ما يمكن عمله الآن بدلا من الوقوف في صفوف المتفرجين.

ويرى أنصار هذا الطرح، أن إقناع الرأي العام على الجانبين الإسرائيلي والفلسطيني بمواد المبادرة، ولو بشكل بطيء قد يكون مقدمات الاقتناع بها تمهيدا لفرضها على واقع الأمر.

كما حفلت الندوة بشهادات الكثير من السويسريين الذين عملوا في مشاريع إنسانية في المناطق الفلسطينية، واقروا بما عايشوه من صعوبات في الحياة، حتى أن أحد المشاركين تمنى لو أن الحاضرين والمهتمين بالصراع العربي الإسرائيلي ذهبوا لزيارة المخيمات ولو لفترة قصيرة.

إلا أن اكثر المداخلات واقعية في هذا المضمار كانت تلك التي أدلى بها ماتياس هوي الذي عمل لعدة سنوات في مشاريع إنسانية في المناطق الفلسطينية، ورأي من وجهة نظره بأن جميع نقاط الخلاف لها حل أو مخرج، مثل مشكلة المستوطنات الإسرائيلية في المناطق الفلسطينية، واختتم شهادته قائلا بأن الفلسطينيين عاشوا منذ بداية الصراع قبل 55 عاما ولم يروا سوى الخسارة والتنازلات تلو الأخرى، وإذا كانت مبادرة جنيف جادة، فيجب عليها أن تعمل لصالحهم أي في الاتجاه المعاكس، وان استغرق هذا وقتا طويلا.

موقف رسمي سويسري واضح

على الصعيد الرسمي السويسري أشار السفير اورس تسفيلر المستشار الديبلوماسي لوزيرة الخارجية ميشلين كالمي راي إلى أن الكنفدرالية تأمل في أن تكون المبادرة مكملة لخارطة الطريق الأمريكية أو أن تتبناها الدول العربية في اجتماع القمة الذي ستشهده تونس في موفى هذا الشهر.

كما أشار الدبلوماسي السويسري إلى أن بلاده تدعم فكرة إنشاء دولتين، تتبادلان الاعتراف فيما بينهما، وحرص على الإشارة بأن الكنفدرالية كانت أول من أكد في أكثر من مناسبة على أن معاهدة جنيف الرابعة المتعلقة بأوضاع المدنيين تحت الاحتلال تنطبق على الفلسطينيين في المناطق التي تسيطر عليها إسرائيل.

وجدير بالذكر أيضا أن سويسرا وعلى عكس الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة كانت من الدول التي أيدت وبشدة عرض قضية الجدار العازل أمام محكمة العدل الدولية، ورأى الخبراء السويسريون أن الجدار خرق واضح للقانون الدولي، وأنه يجب على محكمة العدل الدولية توضيح الآثار المترتبة على ذلك.

وعلى الرغم من ترحيب الجمعيات والمنظمات غير حكومية الفلسطينية منها والإسرائيلية بالموقف الرسمي السويسري سواء على صعيد المساعي الديبلوماسية أو العمل التنموي، إلا أن الأمر لم يخل من توجيه انتقاد حاد لها بسبب تعاونها العسكري مع الدولة العبرية، وعدم لجوئها إلى استخدام المقاطعة، حسبما طالب بعض الحضور من الفلسطينيين.

وقد تولى أحد ممثلي الجمعيات الإسرائيلية السويسرية الرد على هذا الإنتقاد بالقول: “إن المقاطعة غير مجدية، وان سويسرا تشتري السلاح الإسرائيلي لأنه الأرخص والأحسن” على حد وصفه.

مفاهيم .. وواقع

وفي المحصلة، يظل الدعم السويسري لمبادرة جنيف جهدا مقدرا ومطلوبا على أمل أن تتحول المبادرة إلى أداة تساعد على الوصول إلى إنجاز السلام، إلا أن مفهوم هذا السلام يختلف من وجهة نظر الفلسطينيين والاسرائيليين. فكلاهما لا يقبل بالخسارة، ولا يريد أي طرف تقديم تنازلات حتى لا يشعر الآخر بأنه حقق انتصارا أو تنازل عن حق لا يتشكك في صحته احد.

هذا ما بدا واضحا من مداخلات المشاركين العاديين من فلسطينيين واسرائيليين، ولا شك في أن من تابع فعاليات اليوم الدراسي قد خرج بأسئلة كثيرة تبحث عن إجابات مثل مفهوم الحق والسلام وكيفية الحصول عليهما، بينما هناك في الافق واقع يقول أن السلاح والقوة يفرضان أوضاعا، يجب على الضعيف أن يقبل بها، سواء عن قناعة أو مضطرا.

وإذا ما كانت “مبادرة جنيف” تتعامل مع هذا الواقع، فهي في هذه الحالة اقرب ما تكون إلى دعوة لتحويل النظر عما هو موجود فعلا والبحث عن كيفية خلق واقع جديد بمفاهيم “مبتكرة” للحق والسلام.

تامر أبو العينين – سويس انفو

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية