مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

توتّـر سوري عراقي.. والحلّ إقليمي

AFP

احتواء التوتّـر السوري العراقي في أروقة الجامعة العربية وبحضور وزير خارجية تركيا النشيط، صاحب الرؤية الإستراتيجية لدور بلاده في عموم الإقليم، مليء بالدّلالات.

أولها، أن قضايا العرب لم تعُـد محصورة عليهم وحدهم ونظامهم الرّسمي بات مُـنفتحا لأدوار إقليمية، كلّـما كانت سِـلمية وكلما كانت موضِـع تِـرحاب. وثانيها، أن الطامحين في إعادة تشكيل المُـعادلات الإقليمية الكلية، كُـثر، بعضهم عبْـر العنف والتدخّـلات غير الحميدة، وآخرون، كما هو حال تركيا، عبْـر وسائل حميدة، تدعم الإستقرار وبناء المصالح بعيدة المدى.
وفي واقع الأمر، فإن التوتّـر السوري العراقي نفسه مليء بالدلالات والرّموز السياسية والتفسيرات، وهنا نظرة كلية.

البداية؛ “إنه موقف لا أخلاقي”، .. “وإن كُـنا نسلم السياسيين المُـقيمين لدينا لبلدانهم، لَـما كان المالكي وزيرا”.. هذه بعض التصريحات السورية، أولها منسوب للرئيس بشار، والثاني لقيادة سورية كبيرة، أقِـيلت بعد اتِّـهامات العراق بتورّط سوري في تفجيرات يوم 19 أغسطس الماضي، الأربعاء الدامي.

الردّ السوري العنيف، عكَـس قلقا من أن تكون هذه الاتهامات بداية سياسة عراقية، ربما بتنسيق أمريكي كما قالت بعض التفسيرات، لممارسة مزيد من الضغوط على سوريا.

القلق السوري صاحبه في حقيقة الأمر قلق عراقي في أن تكون هذه التفجيرات بداية إستراتيجية سورية جديدة، لتعكير الأجواء الأمنية الهشّـة أصلا في العراق.

القلق متبادل ومشروع أيضا من كِـلا الطرفين، غير أن المُـفارقة أن هذه التفجيرات، التي جرت في داخل ما يُـعرف بالمنطقة الخضراء الحصينة، التي تضم كل الوزارات والسفارات الأجنبية، جاءت بعد أيام قليلة من زيارة رئيس الوزراء العراقي نورى المالكي لدمشق، حين تقابل مع الرئيس بشار، واتّـفقا سوِيا على تفاهُـم استراتيجي لتعميق العلاقات وآلية لحلّ الخلافات التي تطرأ بشأن الأمن على الحدود.

وجوهر المفارقة، هو أن التفجيرات هي نقيض التّـفاهم الاستراتيجي وحالة الانفتاح المُـتبادل بين البلدين البازغة، وهو الأمر الذي كان الطّـرفان قد أظهرا حِـرصا كبيرا على إنجاحه وتطويره.

ولذا، يبدو أي تفسير بتورّط سوري رسمي، مسألة غير مُـقنعة ولا دليل عليها، لأن لا عائد سياسي أو أمني لمثل هذه التفجيرات، وإن كان ذلك لا يعني أن سوريا في مرحلة سابقة، كانت بالفعل المصدر الرئيسي لعناصر مسلّـحة انطلقت من أراضيها إلى الأراضي العراقية لغرض مقاتلة الأمريكيين ومناهضة العملية السياسية، التي حاكها المحافظون الجُـدد في واشنطن، وتضمن بشكل ما تهديدات لسوريا نفسها هذا التدخّـل المُـسبق، وهو ما يعطي حجّـة للذين يتّـهمون سوريا بأنها وراء تفجيرات الأربعاء الدامي.

وفي الوقت نفسه، فإن احتمال تورّط عناصر عراقية مُـقيمة على الأراضي السورية، مناهضة للحُـكم العراقي، يبدو احتمالا منطِـقيا إلى حدٍّ كبير وربّـما لغرض رئيسي، وهو إفشال العلاقة المُـتنامية بين دمشق وبغداد، حتى لا تتضمّـن لاحِـقا أي تضييق على حركة الناشطين العراقيين داخل سوريا، سواء كانوا بعثِـيين أو من انتماءات سياسية أخرى.

إيران.. اختراق وتدخّـلات معروفة

هذا التفسير ليس الوحيد الذي يُـمكن أن يجد بعض دلائل تمنَـحه شيئا من القوة النِّـسبية، فهناك تفسير يرى أن هذه التفجيرات لم تكن لتتِـم بهذه القوة، لولا اختراق في أجهزة الأمن، عبّـر عنه وزير الخارجية هوشيار زيباري صراحة أكثر من مرة، ولما كانت إيران هي صاحبة اليد الطولى في الشأن العراقي، فإن المنطق يقود أيضا إلى تورّط إيراني، أراد أن يوصل رسالة إلى حكومة المالكي ليذكِّـره بأن أي تحالف أو علاقة إستراتيجية بين العراق الجديد وطَـرف آخر، لابُـد أن تمر عبْـر طهران، حتى ولو كان هذا الطرف هو سوريا، الحليفة للسياسة الإيرانية منذ أكثر من ثلاثة عقود.

وهناك كثير من السياسيين العراقيين يُـؤمنون بأن التدخلات الإيرانية هي المسؤولة، وهو ما لا يمكن للمالكي أن يقوله أو يُـصرِّح به، وأن هدف إيران هو إبعاد العراق عن مُـحيطه العربي وإبقائه دائما تحت رحْـمة الإستخبارات والسياسة الإيرانية وتوتير العلاقات العراقية مع جيرانه الإقليميين، ليبقى دائما بحاجة إلى التحالف مع إيران.

مثل هذا التفسير، يستمد قوّته من موقِـف إيران نفسها، التي تقدّمت إلى تركيا بطلبٍ لتشكيل تحالُـف رُباعي يضمّـها مع تركيا وكلاّ من العراق وسوريا، تحت زعم أن ذلك التحالف كفيل بأن يوفِّـر آلية لحلّ الإشكالات التي تطرأ بين هذه البلدان في إطار إقليمي، وأن يثبت رغبة إيران في أن تلعب دورا إقليميا لصالح الاستقرار، من وجهة نظرها.

ونضيف أن انزعاج إيران من الديناميكة التركية المتصاعِـدة في شؤون الإقليم وقبول العرب لذلك، ولو على مَـضض، هو سبب آخر يدفع إيران إلى بلورة معادلات أمنية في العراق، تدفع إلى إقناع جيرانها بقبول دورٍ إقليمي مباشر لها، يغطّـي على تدخّـلاتها المعروفة في العراق.

معادلات الداخل العراقي

أيّـاً كان تفسير التفجيرات الدّامية والجهة التي تقِـف وتستفيد منها، فقد جاء الموقِـف الانفعالي من قِـبل حكومة المالكي السريع في توجيه الاتِّـهام إلى سوريا، وكذلك اللّـجوء إلى مجلس الأمن لتشكيل محكمة دولية لمحاسبة منفِّـذي التفجيرات، ليبلور معادلة جديدة، شقّـها الداخلي، يعني وجود أطراف داخل الحكومة العراقية ليست راضية تماما على الانفتاح العراقي على سوريا، التي يرونها كانت سببا رئيسيا في تدهور الأوضاع الأمنية لسنوات خلت، وأنه يجب التريُّـث قليلا في أي انفتاح عراقي على العرب أيضا.

كذلك، فإن اتهام سوريا قد يسهِـم في اتخاذها سياسة جديدة ضدّ البعثيين المُـقيمين على أراضيها، ومن ثَـمَّ تُـخفِّـف دمشق مطالبها الخاصة بدمْـج البعثيين في المصالحة العراقية، وبالتالي، تقوي حجة المالكي ومؤيِّـديه الرافضين بقوّة توسيع المصالحة، لتشمل البعثيين، نظرا لما ينطوي عليه ذلك من تغيير في معادلات السياسة الداخلية لصالح قِـوى سُـنية، في وقت يقترب فيه العراق من الإنتخابات العامة بعد أشهر قليلة ويرغب فيه التحالف العراقي الشيعي أن يظل مُـهيْـمنا على الحياة السياسية.

تركيا والقلق من التدويل

أما الشق الخارجي، فقد طرح احتمال تدويل هذا التوتُّـر وتحويله إلى مسألة لا يمكن السّـيطرة المباشرة عليها، إلا بحسابات دولية كُـبرى، وهو ما يعني مزيدا من الضغوط على الطّـرفين معا، ويعني أن العلاقات العراقية السورية باتت مرشّـحة لأن تكون مصدَرا لتوتُّـر إقليمي طويل المدى.

القلق من التّـدويل وتداعِـياته المُـربِـكة، دفع بتركيا إلى التحرّك، حيث ذهب وزير خارجيتها أحمد داوود أوغلو إلى البلدين، لمحاولة السيطرة على التوتُّـر الناشِـئ وإيجاد آلية لتفكيك أسبابه.

مُـنطلق أوغلو في التحرك السريع، يستند إلى نظريته التي تشكِّـل أساس عمل السياسة الخارجية التركية في الإقليم، وهي نظرية العُـمق الإستراتيجي، التي تعني ببساطة أن موقِـع وتاريخ تركيا يضطرانِـها إلى التحرّك في كل اتِّـجاه، للحفاظ على مصالحها وأمنها.

فتركيا لا تستطيع أن تغيِّـر الجغرافيا ولا يمكنها أن تهرب من تاريخها، حسب قول أوغلو في كتابه الشهير “العمق الاستراتيجي”. ومن هنا، فإن استقرارها ونمُـوّها الاقتصادي مرهُـون بمدى الاستقرار في علاقات جيرانها وبعضهم البعض، فإن حدَث حريق في الجوار، أصاب بالقَـطع المصالح التركية، وهذا غير مرغوب ولا مطلوب.

هذه الحركة التركية تستنِـد أيضا إلى مبدأين آخرين: أولهما، التّـوازن بين الحرية والأمن. وثانيهما، العمل على نزع فتيل أي صِـراع بين تركيا وجيرانها، وبين جيران تركيا وبعضهم البعض، وُصولا إلى حالة صِـفْـر صِـراع ولا نزاع، ومن ثمَّ التفرّغ إلى الإمتداد الاقتصادي وبناء شبكة مصالح عريضة تدعم الاستقرار.

ومن هنا، تحركت أنقرة من قبل، لكي تكون طرفا في أي مفاوضات بين سوريا وإٍسرائيل، كما تحرّكت أيضا، وبسرعة، للسّـيطرة على التوتر السوري العراقي، ووقف الإنجرار نحو تدويله.

المُـهم، تحرّك الوزير التركي حمل أدلّـة وقرائن عراقية حول تورّط عناصر بعثية مُـقيمة في العراق في تفجيرات “الأربعاء الدامي”، وهو ما رفضت سوريا قَـبولَـه أو الاعتراف به، ومن ثَـمّ رفَـضت الطّـلب العراقي لتسليم هؤلاء البعثيين، وعلى رأسهم يونس الأحمد.

تشابك عربي تركي

التحرك التركي استدعى اهتماما عربيا، وهنا تشابك التحرّك التركي مع التحرّك العربي، ممثلا في اجتماع وزراء الخارجية العرب في القاهرة في دورتهم 132، وهو الاجتماع الذي شهد في بدايته مشادّة واتِّـهامات بين الوزيرين، زيباري والمعلّـم، ولكنه انتهى باتِّـفاق.

لكن أفكارا مصرية وعربية سهّـلت اجتماعا رُباعيا، بين المعلّـم وزيباري وعمرو موسى وأوغلو، نتَـج عنه اتِّـفاق على احتواء التّـدويل ووقْـف الحملات الإعلامية وإفساح المجال أمام الجهود الدبلوماسية وعودة السفيريْـن إلى مقارِّ عملهما، وتشكيل لِـجان أمنية مشتركة لدراسة الوضع على الحدود المشتركة. ناهيك عن الاتِّـفاق على عقد اجتماعات أخرى في أنقرة وفي نيويورك، على هامش اجتماعات الأمم المتحدة.

الاتفاق في حدّ ذاته يبدو جيِّـدا، كبداية لاحتواء التوتُّـر ومنع تفاقمه، غير أن ردّ مسؤولي الحكومة العراقية كان حذِرا إلى حدٍّ كبير، مع التأكيد على أن طلب تسليم المطلوبين من سوريا لم يتِـم التنازل عنه، كما أن سحب الطلب من الأمم المتحدة لتشكيل محكمة دولية بشأن محاسبة فاعلي التفجيرات، ما زال موجودا على الطاولة، في إشارة إلى أن وجود الطلب، يمثِّـل ورقة ضغط لن تُـسحب بسهولة، اللّـهمّ إلا إذا أثبتت سوريا تعاوُنا مقدّرا يرضي المطالب العراقية.

لكن الملاحظة البارزة هنا، هي أن التحرّك العربي جاء مكمّـلا للتحرك التركي، فعمرو موسى في مشاركته للاجتماع الرّباعي، كان يرمُـز للنِّـظام العربي الرسمي، الذي لم يعُـد يستطيع التعامل مع قضايا أعضائه، إلا في ضوء الحسابات الإقليمية الأوسع، أما تركيا، فلم تعُـد مجرّد جارٍ تفرِضه الجغرافيا، بل لاعب قوي ومؤثر وصاحب رُؤية.

د. حسن أبوطالب – القاهرة – swissinfo.ch

بغداد (رويترز) – قال المتحدث باسم الحكومة العراقية، ان العراق يريد أن يرى جهودا جادة من سوريا لمنع المتشددين الذين يستخدمون الاراضي السورية كقاعدة لهم، قبل أن يمكنه اجراء محادثات بشأن إعادة العلاقات الدبلوماسية.

وتبادل البلدان سحب السفراء الشهر الماضي، بعد أن اتهمت بغداد دمشق بتوفير المأوى لمتشددين، يتهمهم العراق بالمسؤولية عن سلسلة تفجيرات في الاراضي العراقية، منها تفجيران بشاحنتين ملغومتين أمام مقري وزارتين الشهر الماضي أسفرا عن مقتل 95 شخصا. وأثارت التفجيرات خلافا دبلوماسيا بين الجارين اللذين كانا قد بدءا في الاونة الاخيرة فقط في تحسين علاقاتهما المتوترة منذ الايام الاولى لحكم الرئيس العراقي الراحل صدام حسين. وطالب العراق سوريا بتسليم اثنين يتهمهما بتدبير التفجيرات، وهو ما رفضته دمشق.

وقال علي الدباغ، المتحدث باسم الحكومة العراقية، انه من السابق لاوانه الحديث عن عودة السفيرين، قبل أن يرى العراق من الجانب السوري الجدية والارادة السياسية لتنفيذ مطالب العراقيين. وطلب رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي رسميا من مجلس الامن الدولي اجراء تحقيق في التفجيرات، لكن الدباغ قال انه يمكن سحب الطلب اذا قررت سوريا أن تكون اكثر تعاونا.

وأضاف أن خيار المحكمة الدولية يظل ساريا الى أن يرى العراق ارادة سورية واضحة للتعاون وحينئذ سيطالب العراق بوقف قضية المحكمة الدولية في اشارة الى طلب التحقيق الذي يأمل البعض أن يؤدي الى اجراء محاكمة خاصة لمقاضاة مسؤولين سوريين بتهمة توفير المأوى للمتشددين. ووصف الرئيس السوري بشار الاسد الاتهامات العراقية بأنها غير اخلاقية وطالب بغداد بتقديم دليل يدعم هذه الاتهامات، لكن المالكي رد قائلا إن أدلة كثيرة أرسلت بالفعل الى المسؤولين السوريين.

وحاول وزير الخارجية التركي أحمد داود اوغلو التوسط في النزاع، لكنه لم يحرز اي تقدم يُـذكر حتى الان، على ما يبدو. وقال الدباغ، ان العراق يرحب بالوساطة التركية وأنه سيعطيها فرصة أكبر، لكنه اضاف أن هذا الامر لن يكلل بالنجاح، الا اذا لمس العراق نتائج الوساطة التركية في شكل التزام سوري بما يطلبه العراق.

(المصدر: وكالة رويترز بتاريخ 11 سبتمبر 2009)

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية