مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

تونس: “الجميع يدرك صعوبة تجريد الأجهزة الأمنية من نفوذها السابق”

هؤلاء المتظاهرين يطالبون باستقالة أعضاء الحكومة المؤقتة الذين كانوا قريبين من نظام بن علي في الماضي. AFP

سواء تعلق الأمر بالمقيمين في سويسرا أو في تونس نفسها، يظل التونسيون معبّئين ويقظين بشدة لحماية التحوّل الديمقراطي. وتقدّم swissinfo.ch هنا تصوّر وشهادة سهام بن سدرين، الناشطة الحقوقية التي تعرضت على غرار العديد من الشخصيات التونسية لعنف واستبداد نظام بن علي وقاومته بشراسة.

في يوم الأربعاء 19 يناير اعتصم 40 لاجئا سياسيا تونسيا لمدة 24 ساعة بمقر سفارة بلادهم في العاصمة برن مطالبين بحقهم في الحصول على جواز سفر متهمين مسؤولي السفارة بما يرونه “عدم تعاون، وعدم إستلهام الدروس مما شهدته تونس في الأسابيع الأخيرة”.

وفي اتصال أجرته رفيعة ليمام الباوندي، سفيرة تونس ببرن مع القسم العربي بشبكة swissinfo.ch يوم الأربعاء مساء، تعهّدت بتسليم المعتصمين وبقية اللاجئين التونسيين في سويسرا جوازات سفرهم بداية من يوم الخميس 20 يناير، مؤكّدة أن “الحكومة التونسية الجديدة ترى ان الحصول على الجواز حقامطلق لكل مواطن تونسي”. وهذا ما عاينته swissinfo.ch فعلا بداية من الساعة التاسعة من يوم الخميس.

وفي سياق آخر، وتفاعلا مع قرار الحكومة السويسرية القاضي بتجميد ودائع زين العابدين بن علي، وأفراد عائلته وأصهارة وعدد من المقربين منه، في المصارف السويسرية أعربت جمعية التونسيات والتونسيين بسويسرا عن “إستعدادها اللامحدود لمساعدة السلطات السويسرية على التعرّف على ممتلكات عائلة الرئيس التونسي المخلوع”.

وهكذا تظل الجالية التونسية المقيمة في الكنفدرالية في حالة دعم وإسناد للتعبئة الشعبية المستمرة على الميدان في تونس بحسب ما تؤكده سهام بن سدرين، إحدى الوجوه المعارضة لنظام بن علي، التي تعرضت للسجن والملاحقة في عهده. وبن سدرين، التي أجرت معها swissinfo.ch هذا الحوار، هي الناطقة الرسمية باسم المجلس الوطني للحريات، ورئيسة تحرير راديو “كلمة”، وقد عادت إلى البلاد يوم الجمعة 14 يناير 2011، قبل سويعات قليلة من فرار الرئيس المخلوع  إلى الخارج نتيجة للضغط الشعبي.

swissinfo.ch: قررت سويسرا تجميد ودائع وممتلكات بن علي والمقربين منه في سويسرا. ما هو رد فعلك؟

سهام بن سدرين: أحيّ بشدة سويسرا لاتخاذها هذا القرار، وأدعو فرنسا، وكذلك جميع البلدان الأخرى، للإقتداء بها. إنه الأسلوب الأمثل للحكومات الأوروبية، إذا كانت تريد ألا ترى بعد الآن مهاجرين تونسيين غير شرعيين فيها.  بهذه الأموال، نستطيع أن نوفّر المزيد من فرص العمل لشبابنا، والإحتفاظ بهم في بلدهم، لأننا نحتاجهم لتحقيق التنمية.

رموز النظام القديم الذين مازالوا يحتفظون بمناصبهم داخل الحكومة المؤقتة، والذي يقدّمون على أنهم تكنوقراط ووجوه محترمة. أليسوا فعلا كذلك؟

سهام بن سدرين: هذا ليس صحيحا. فزهير المظفّر مثلا (الذي أجبر على الاستقالة من تشكيلة الحكومة يوم الخميس 20 يناير) كان أحد الاثنين اللذيْن صمما المشهد المؤسساتي المخادع في ظل نظام بن علي. أما الثاني، فكان مدير حملة الرئيس المخلوع في الإنتخابات الرئاسية الماضية.

كذلك هو الحال أيضا بالنسبة لكمال مرجان، وجه آخر من وجوه النظام السابق، والذي نطالب كذلك برحيله. بالإمكان مثلا، من دون أن يشكّل أي مشكلة، تعويضه بكاتب الدولة للشؤون الخارجية، وهو سفير سابق ودبلوماسي محنك ويحظى بالثقة.

هذه الحكومة التي خلفت بن علي تجسّم في الحقيقة الثورة المضادة لتطلعات الشعب، وهي تعمل على تأبيد الواقع الحالي. وبرفضهم الحوار خاصة مع الإتحاد العام التونسي للشغل، فإنهم يدفعون البلاد إلى حالة من عدم الاستقرار. الخيار ليس كما يريد أن يوهمنا البعض إما الإحتفاظ بهؤلاء الأشخاص، أو السقوط في الفوضى.

لكن الجميع، على الأقل في أوروبا، يخشى الفراغ الدستوري، هل تجدين هذا الخوف مبررا؟

سهام بن سدرين: ما يبعث على الاطمئنان هو وجود إدارة قوية مخلصة لتونس، وتستطيع هذه الأخيرة إدارة البلاد حتى في غياب السلطة. أحيّ بهذه المناسبة أيضا ما يجري منذ يوم الثلاثاء 18 يناير داخل العديد من المؤسسات العامة. حيث أطرد الموظفون المدراء العامين الذين يشرفون عليها والمنصبين من طرف بن علي، وقاموا بانتخاب أشخاص آخرين ليحلوا مكانهم. والإدارة هي الآن بصدد تطهير نفسها من سرطان “عصابة بن علي”.  

كذلك الأمر بالنسبة للقضاة حيث إجتمع هؤلاء، وافتكوا مقارهم، بعد ان أبعدوا أولئك الذين يسمونهم “قضاة ليلى”، نسبة إلى زوجة الرئيس السابق. حيثما اتجهت، ترى أن القاعدة الأساسية في كل مؤسسة تبذل جهودا لإستعادة الهيئات التي تمت مصادرتها في العهد البائد من الممثلين الشرعيين.

يشير البعض إلى وجود 100.000 شرطي كانوا في خدمة النظام السابق، دون الحديث عن الحرس الرئاسي، والبوليس السياسي. هل مازال هؤلاء يشكلون خطرا؟

 سهام بن سدرين: يدرك الجميع صعوبة معالجة هذه المشكلة الكبيرة لأنه من غير الواضح ما إذا كان في المقدور تجريدهم من النفوذ الذي يحظون به. لكن من المهم في هذه الحالة إقالة المسؤولين الكبار في هذه الأجهزة، وإستبدالهم بكفاءات جديدة يكون هدفها الأوّل خدمة مصالح البلاد، خاصة ونحن نعلم أن الأمن يكتفي بتنفيذ الأوامر.

 ولهذا السبب كذلك، لابد أن يمون الشخص المرشّح لخطة وزير الداخلية محل ثقة ويتمتّع بالكفاءة، ليس كما هو الحال الآن حيث يوجد على رأس هذه الوزارة شخص متورط مع النظام السابق.

لقد قام الجيش التونسي بدوره الوطني كما يجب، وحمى المواطنين، إلى جانب اللجان الشعبية في الأحياء، من اعتداءات مليشيات التجمّع الدستوري الديمقراطي، والقناصة التابعين للبوليس السياسي. مع ذلك أدعو الجيش إلى العودة إلى ثكناته بمجرد انتهائه من مهمة حفظ الأمن. لن يقبل التونسيون أن يحكمهم الجنرالات.

توصف هذه الثورة في أغلب الأحيان بأنها ثورة تلقائية، فكيف تنظمت بعد ذلك؟

 سهام بن سدرين: كانت قاعدة الإتحاد العام التونسي للشغل (المركزية النقابية الوحيدة في البلاد) هي الحاضنة الحقيقية للإحتجاجات التي شهدتها مختلف مناطق الجمهورية التونسية. وسمح تأطير الإتحاد لتلك التحركات بحماية المواطنين من الفوضى، والعنف والهجمات الإرهابية. وأمكن للمقاومة أن تتنظّم وتأخذ طابعها السلمي من داخل الإتحاد نفسه. وقد أجبرت القيادة النقابية المركزية التي كانت موالية لنظام بن علي على مسايرة ثورة الشعب بسبب ضغوط القاعدة النقابية.

كذلك يتزعّم الإتحاد المفاوضات من أجل تشكيل حكومة مؤقتة قادرة حقيقة على تحقيق التحوّل الديمقراطي، (لا يكون أفرادها من المعارضة التي كانت تغضّ الطرف على ممارسات النظام السابق)، أو أولئك المتهافتين على السلطة متخلّين عن مطلب التحوّل الديمقراطي الحري حقيقة بهذا الاسم.

“ليس المهم هنا بحسب رأيي المدة الزمنية التي يستغرقها ذلك، ما نريده بكل تاكيد وإصرار هو تحقيق الحرية والديمقراطية، وسوف ننجح في تحقيق ذلك مهما طال الزمن او قصر”.

“في إطار المجلس الوطني للحريات، (والذي تعد سهام بن سدرين، الناطقة الرسمية بإسمه)، قررنا تشكيل مجموعة عمل من الخبراء للبحث في السبل الممكنة لإنشاء مجلس تأسيسي”.

 “نحن ايضا بصدد وضع خطة للإتصال بكل المنظمات غير الحكومية ومنظمات الشباب والنقابات والأحزاب،… من أجل التعاون جميعا لتأسيس هذا المجلس التأسيسي”.


“نحن قادرون وناضجون لإقامة نظام ديمقراطي. وسوف نحمي تونس من كل أعدائها سواء كانوا في الداخل او في الخارج”.

ينوي حزب النهضة الإسلامي التوجّه، الذي يعرف بنهجه المعتدل، والذي عاني من الاضطهاد تحت سلطة بن علي، التقدّم بمرشّحين في الإنتخابات التشريعية القادمة.  

“لقد راهن الغربيون باستمرار على الأنظمة الدكتاتورية ملوّحين بخطر نظام طالبان. في حين ان سيناريو حكم طالبان لم يوجد، ولن يوجد في تونس”.

“لدينا في تونس حركة إسلامية تمثّل جزءً من الشعب. ومثلهم مثل بقية فئات المجتمع لهم الحق في التنظم، وفي التعبير عن أفكارهم، والترشّح للإنتخابات العامة. إن أي ديمقراطية حرية بهذا الإسم لابد ان تحترم حقوقهم تلك. لابد من التوقف عن التلويح بشماعة الإرهاب والتطرّف الإسلاميين”.

(نقله من الفرنسية وعالجه: عبد الحفيظ العبدلي)

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية