مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

جبهة نمور التاميل مُجدداً تحت مجهر العدالة السويسرية

سِرٌ شائع: قام أعضاء جبهة نمور تحرير ايلام تاميل بإبتزاز مواطنيهم في سويسرا لإجبارهم على دفع الأموال لتمويل الجبهة. Keystone

بعد مرور عامٍ ونصف على نهاية الحرب الأهلية رسمياً في سريلانكا، ألقت السلطات السويسرية القبض على عشرة أعضاء ينتمُـون إلى جبهة نمور تحرير إيلام تاميل في أنحاء مُتفرِّقة من الكنفدرالية. ومع ثُبوت تُهمة الإبتزاز الموجهة إلى هؤلاء، إلا أنَّ توقيت العملية، أثار أكثر من علامة إستفهام.

وفي عملية متظافرة، قامت الشرطة الجنائية الفدرالية السويسرية في يوم 11 يناير الجاري، بإعتقال عشرة أشخاصٍ ينتمون إلى جبهة نمور تحرير ايلام التاميلية (نمور التاميل)، كما فتَّـشت 23 فضاءً موزّعاً على 10 كانتونات مختلفة، شملت كل من بازل المدينة والعاصمة برن وفريبورغ وجنيف وغراوبوندن ولوتسرن وسولوتورن وسانت غالن، بالإضافة الى كانتوني فو وزيورخ.

ويَـتَّهم الإدِّعاء العام الفدرالي السويسري – الذي تعمل الشرطة الجنائية الفدرالية تحت إمرته – الأشخاص المقبوض عليهم، بالإبتزاز وتزوير الوثائق وغسيل الأموال، كما تَتَّـهِمهم بالإنتماء إلى مُنظمة إجرامية ودَعمِها مالياً.

وأورَدَت أنباء لاحقة صادرة عن صحيفتَـي “سونتاغس تسايتونغ” الأسبوعية الناطقة بالألمانية  و”دير بوند” اليومية الصادرة في برن، وجود الرئيس السابق لجبهة نمور تحرير إيلام تاميل في سويسرا، ضِمن الأشخاص الذين تمَّ القبض عليهم، وهو أمرٌ أكدَّه مُحاميه أيضا. كما طالب الإدعاء العام يوم الخميس 13 يناير بالحَبس الإحتياطي لثمانية أشخاص من بين المُعتقلين العشرة.

وليس سِـراً أنَّ أعضاء جبهة نمور التاميل في سويسرا كانوا يَبتَـزّون مُـواطنيهم المُقيمين في الكنفدرالية ويُجبروهم على دفع الأموال لِصالح جيش المُتَمَرِّدين، حيث قامت السلطات الفدرالية السويسرية بالتحقيق في هذه القضية منذ تسعينيات القرن الماضي، غير أنّ هذه التحقيقات لم تَصِـلْ إلى نتيجة، نظراً لإفادة الشهود عن قيامهم بالتبرّع بهذه الأموال بشكلٍ طوعي بسبب خوْفهم من عمليات إنتقامية من قِبَل أعضاء الجبهة.

ووفقا للسلطات الفدرالية، إستطاع أعضاء الجبهة في الكنفدرالية جَمْعَ عدّة ملايين من الفرنكات السويسرية بهذا الأسلوب. وقد إستُخدِمَت هذه المبالغ لشراء الأسلحة بشكلٍ أساسي. 

تحقيقات تعود إلى عام 2009

وقد استند الإدِّعاء العام الفدرالي السويسري عند القَبض على الأعضاء المذكورين، على نتائج التحقيق الجنائي الذي بدأه في شهر مايو من عام 2009 مع عدّة أشخاص من أصلٍ تاميلي.

وفي بيانٍ صادر عنها، ذكرت الهيئة المُختصّـة أنَّ سياقات التحقيق أكَّـدَت الشكوك الدائرة حول إرغام المُتَّـهمين لتاميلَ الشَّـتات في سويسرا على دَعْمِ جبهة نمور تاميل إيلام مالياً طيلة سنوات عِدّة. وأوضح نفس البيان، تَعَرّض الضحايا في الكنفدرالية إلى ضغوطٍ هائلة، بالإضافة إلى محاولات إبتزاز.

أمرٌ لا يَقبَل الشك

وليست السلطات التَحقيقية هي الجِـهة الوحيدة المُتَيَقِّـنة من قيام أعضاء الجَبهة بإجبار تاميل الشتات في سويسرا على دفعِ مبالغ مالية، ولكن هذه الحقيقة معروفة أيضاً لدى الخُبراء في مجال الإندماج.

هذا الأمر تؤكِّـده داماريس لوتي، خبيرة عِلم الأجناس القادمة من برن، والتي قادَت دراسة قام بتمويلها الصندوق الوطني السويسري للبحث العلمي بعنوان: “التحولات الاجتماعية للاجئي التاميل من سريلانكا في سويسرا” والتي استمرت من عام 2001 وحتى عام 2003.

وفي مقابلة مع swissinfo.ch، قالت لوتي:” لقد قُـمت بإستِبعاد موضوع إبتزاز الأموال في البحث الذي أجريته، ولكن قيل بِشكلٍ غير رَسمي، بأنّ الضغوط التي مُـورِست على الجالية التاميلية من أجلِ دَفع المال، ازدادت بشكلٍ كبير في الفترة التي سَبَقت نهاية الحرب الأهلية”. ويبدو أنَّ هناك أموالٌ لم تُستَخدَم بعدَ إنتهاء العمليات القتالية لِغاية اليوم، حسب قول الخبيرة السويسرية.

هذه الظاهرة واضِحة أيضاً لدى باربارا فراي، مُديرة جمعية Freiplatzaktion في مدينة بازل، التي تَخْتَص بتقديم المشورة والرعاية للاجئي التاميل منذ 20 عاماً، كما أوضَحَت في مقابلة مع الإذاعة السويسرية.

تراجع تأثير”النمور”

وعلى الرغم من إحتفاظ جَبهة نمور التاميل بهياكلها بِشكلٍ سليمٍ في سويسرا حتى بعد هزيمتها العسكرية، غير أنّه يبدو أنَّ نفوذها على مواطنيها آخذ بالتراجع.

ووفقاً لمعلوماتٍ عامة، قامت جميع الأسَـر التاميلية في سويسرا بِدفعِ أموالٍ لِصالح جبهة نمور التاميل، وتراوحت المبالغ المدفوعة عادةً من 50 إلى 100 فرنك سويسري شهرياً. وفي المرحلة التي سَبَقت إنتهاء القتال على وجه الخصوص، برزت حالات غَـرق فيها عدد من التاميل في الدّيون بعد أن أجبِـروا من قِبَل الجبهة على إقتراض مبالغ كبيرة من المال عن طريق تقديم بيانات رواتبٍ كاذبة.

صدفة؟

وعبَّر هانز بيتر روث، الذي يملِـك إتصالات ممتازة مع تاميل الشَّـتات في سويسرا نتيجة عمله كمستشارٍ قانوني للمهاجرين، عن استغرابه للتوقيت الزمني لعمليات الإعتقال.

ويَفترضُ روث وجود علاقة بين عملية الإعتقال التي أوعَز بها الإدِّعاء العام الفدرالي السويسري، وبين عملية القَبض على شخص تاميلي في سريلانكا قبل نحو شهرين.

وقال روث في مقابلة مع swissinfo.ch: “من المُرَجَّح أنَّ الرجلَ الذي كان يُدير مكتباً للصِرافة في مدينة برن، قد تَعرَّض إلى التعذيب في السجن. وهكذا قامت السلطات السريلانكية بِنَقل المعلومات التي حصَلت عليها بهذا الأسلوب إلى الحكومة السويسرية.

وأضافَ روث بأن خلفِـيةً كهذه، تبدو معقولة في ضوء المحاولات التي تقوم بها الحكومة السريلانكية لتشويه سُـمعة مُمثلي تاميل الشتات في بلدان أخرى. وإستطرد بالقول: “يَنطبِق هذا الأمر بشكلٍ خاص على ناشطي التاميل، الذين يطالبون بالتحقيق في إنتهاكات حقوق الإنسان في بلدهم”.

إستخبارات محظورة؟

وأضاف المُستشار القانوني، أنّه يملك معلومات حول قِـيام عُملاء تابعين لحكومة سريلانكا بالتجسُّـس على تاميل الشتات في سويسرا، وهو ما يعني القيام بأنشطة إستخبارية مَحظورة في الكنفدرالية. وقال في نفس السياق: “هكذا تمَّ التأشير على أسماء أشخاصِ تشتبه الحكومة السريلانكية بهم ضِمن قائمة المسافرين على مَـتن الخطوط الجوية السريلانكية، التي تقوم بنِقَل التاميل إلى وطنهم من سويسرا على سبيل المثال”. وأوضح روث بأنَّ هناك عددٌ من التاميل جرى القبض عليهم فِـعلاً حال وصولهم إلى سريلانكا.

برن.. لا تعليق

من جهته، لم يُدْلِ الإدِّعاء العام الفدرالي السويسري بأي تعليقٍ حول الشكوك التي تُـساور هانز بيتر روث والمُتعلقة بِتعاون الجهات السويسرية مع السلطات في العاصمة كولومبو. وعند سؤالها عن هذا الموضوع، قالت فالبورغا بور، المُتحدثة عن الإدِّعاء العام: “يَخْضَع عمل السلطات التنفيذية إلى سرّية التحقيق”. ولم ترغب بور بإضافة أي تعليق حول موضوع النشاطات الإستخبارية المزعومة لعُملاء سريلانكيين في الكنفدرالية وإكتفَت بالقول: “لا تكمُن الإجابة عن هذا السؤال ضِمن إختصاصات المدَّعي العام”. 

مُجْتَهِدون ولكن مُنغلقين

وبالنظر إلى ما يتمتَّـع به التاميل من سُـمعة تتعلَّـق بإجتهادهم وتحفظهم، أصبح هناك طلباً متزايداً لتوظيفهم من جانب أرباب العمل السويسريين. ومن الملاحظ بأن أفراد الجيل الأول على وجْـه الخصوص، نادراً ما يُقيمون إتصالات مع أشخاص آخرين.

ومن ناحيتها، لا ترى خبيرة عِـلم الأجناس البشرية لوتي، وجود علاقة تُذكَـر بين البُنية الإجتماعية الخاصة بِمُجتمع التاميل في سويسرا وبين عمليات إبتزاز الأموال، وتقول: “يمتاز أفراد الجيل الأول بإندماجهم الإقتصادي الجيّد، وإن كان على مستوى أدنى، ولكنهم غير مُندَمجين من الناحيتيْـن، الإجتماعية والدينية، حيث حافظ الجميع على عاداته وتقاليده”.

وفي المقابل، لا يتَّـبع أبناء الجيل الثاني من التاميل، ذات الأعراف التي يتمسَّك بها الوالدين أو أنهم يعملون بها بشكلٍ جُزئي، وهو أمرٌ يُمكن أن يؤدّي إلى نشوب توتُّـرات قوية جداً داخل الأسرة، كما تقول لوتي.

روابط قوية مع الوطن الأم

من جهتها، تعتبِـر الخبيرة لوتي موضوع الإندماج أمراً مُبالَـغاً فيه، بسبب عدم إستعداد سكّان سويسرا غالباً لِدمج اللاجئين إجتماعياً. وكما تقول: “بقي الجيل الأول من اللاجئين مُحافِـظاً جداً على توجُّهه السريلانكي، وكان أفراده يتبرّعون بالأموال طواعية من أجل حُلْـمهم المُتَمثل بإنشاء دولة تاميل إيلام المُستقِـلة، كما كانوا يسعوْن إلى العودة إلى بلادهم دائماً”.

ولكن الأمر تغيّـر. واليوم، يجب على هؤلاء الناس التكيُّـف مع واقع صعوبة العوْدة إلى الوطن الأم، في ظلِّ الوضع المُتردّي، بالإضافة إلى إحتياجات الجيل الثاني، الذي نشأ في ربوع المجتمع السويسري.

يبلُـغ عدد أفراد المجتمع التاميلي في سويسرا أكثر من  40,000 شخص، منهم ما يقرُب من 15,000 شخصا يحمِـلون الجنسية السويسرية.

يقيم غالبية التاميل في مناطق سويسرا المُتحدثة بالألمانية، وعلى وجه الخصوص في كانتون برن. كما يعيش قرابة 8000 شخص في الجهة الغربية من سويسرا (الناطقة بالفرنسية)، منهم 3000 شخص في كانتون فو.

وصل لاجِـئو التاميل إلى سويسرا لأول مرة في ثمانينيات القرن الماضي. وكانوا أوّل مجموعة لاجئين يتدفّـقون على سويسرا بِأعداد كبيرة من ذوي البشرة السمراء الدّاكنة. ولم يَخلُ مجيئهم من التصريحات والمواقف العدوانية أو الهجمات العنصرية من قِبَل المواطنين السويسريين.

في البداية، ساورت العديد من السويسريين الشكوك حول قيام مُعظم التاميل الشباب بِتِجارة المخدّرات، وهو ما جعلهم عُرضة للتفتيش من قِبَل دوريات الشرطة في أحيان كثيرة. أمّا اليوم، فقد “ورث” مجتمع النيجيريين هذه السُّـمعة السيئة.

إستغرق الأمر وقتا طويلاً حتى تقبَّلت غالبية الشعب السويسري وجود التاميل على أراضيها. وتم َّ الإعتراف بالتاميل كعمّال مُجتهدين لا يشكون أبداً، بصورة تدريجية، وهو ما جعلهم ضحايا لأرباب عملٍ عديمي الضمير أيضاً.

يحظى أفراد جالية التاميل اليوم بالاحترام، نظراً لحفاظهم على تماسُـكهم الأُسَري القوي. ولا تُثير اجتماعاتهم في نهاية الأسبوع أيَّ إهتمام يُذكر في الوقت الحالي.

ما يزال التواصل الإجتماعي بين السويسريين والتاميل أمراً نادراً جدا حتى الوقت الحالي. ومن جهة، يُشَكِّل التاميل جُزءاً من الشعب السويسري، ولكنهم يبقون لُـغزاً من جهة أخرى.

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية