مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

جدل متكرر حول هوية مصر الثقافية والسياسية والحضارية

رجال دين مسلمون ومسيحيون في تجمع نظم يوم 11 أبريل 2002 بالقاهرة للتنديد بهجومات إسرائيلية في الضفة الغربية Keystone Archive

عرفت مصر في غضون القرن الماضي، حوارات حول هويّـتها السياسية والاجتماعية، أكثر من مرة، كان ذلك في الثلاثينات والخمسينات ثم السبعينات.

وكان التساؤل المحوري يدور حول المكوّن العروبي ـ بمعناه الاجتماعي والسياسي ـ فى الهوية المصرية، وعلاقة ذلك بمفهوم القومية المصرية التي يرجعها أصحابها إلى العهد الفرعوني والتوجّـه نحو الغرب الأوروبي.

إسهام القرن الحادي والعشرين

ويبدو أن مفتتح القرن الحادي والعشرين أيضا سيكون له إسهامه في إعادة طرح قضية الهوية المصرية، ولكن على أسُـس غير التي راجت في حوارات القرن الماضي.

والجديد في هذه المرة، أن المطروح هو تقسيم المواطنين المصريين بين طائفتين، الأولى قبطية مسيحية، يرى أصحابها أنها صاحبة الأرض الأصيلة، والثانية، عربية مسلمة يُـراد لها أن تغادر البلاد، لأنها حسب هذا الزعم، ليست أصيلة لا عِـرقا ولا دينا، وعليها أن تترك الأرض لمن يرون أنفسهم الأحق، وهو منطِـق إن طُـبِّـق على بلدان العالم المختلفة، لاسيما ذات العرقيات والأجناس المختلطة، لشبّـت الفوضى وكثر الدّمار في كل البقاع.

مثل هذا الطرح، يُـحوِّل موضوع الهوية بمحمولها الثقافي والسياسي، إلى قنبلة متفجِّـرة تدفع بالبلاد إلى هاوية الصراع الدّيني والعِـرقي، تحت وهم أن هناك جزءا من شعب مَـصر يحافظ على نقائِـه العرقي منذ آلاف السنين، وجزء آخر مختلط، له جذوره متعدّدة ودينه المغاير، والأفضل له أن يعود إلى منابع تلك الجذور، أي الجزيرة العربية.

حوارات في لحظات تحوّل كبرى

معروف تاريخيا أن الحوارات التي جرت حول عروبة مصر، جرت في لحظات تَـحوّل سياسي كُـبرى. ففي الثلاثينات من القرن الماضي، كانت قضية الاستقلال القانوني والموقِـف من معاهدة 1936، عنصرا طاغِـيا ومثيرا لموضوع التوجّـه السياسي للمملكة المصرية في ظل ظروف دولية ملتبِـسة.

وفي الخمسينات، كان العنصر الحاكم، توجّـهات مصر الناصرية ذات الجذور والأسس القومية العربية.

وفي السبعينات، كان العامل المحفّـز، هو دعوة الحياد التي أطلقها الكاتب توفيق الحكيم، في لحظة عرفت فيها مصر جدلا كبيرا حول التزاماتها العربية، في الوقت الذي كانت فيه تتفاوض مع إسرائيل من أجل الانسحاب من سيناء.

أزمة بنْـيَـوِية ضاغطة

في اللحظة الجارية، هناك عناصر أزمة بنيوية ضاغِـطة في الواقع المصري لا سبيل إلى إنكارها، منها ما يتعلّـق بالنّـضج الديمقراطي والمشاركة السياسية وعزوف المصريين عن العمل السياسي العام، ومنها ما يتعلّـق بدور الدِّين في الحياة العامة، ومنها ما يتعلّـق بالتوجّـهات الاقتصادية، التي تحكم عمل الحكومة والتي باتت مصدر مُـعاناةٍ لجُـموع غفيرة من المصريين، ومنها أيضا العلاقة بين المسلمين والمسيحيين أو ما يُـعرف مصريا، بملف الوحدة الوطنية والفِـتنة الطائفية، لاسيما في ضوء ما يشيعه البعض من أقباط المهجر ومعهم نفر في الداخل، من أن هناك حالة اضطهاد منهجي ومؤسسي تتورّط فيه أجهزة الدولة ضدّ المسيحيين المصريين، وهو ما تنفيه ـ وهو ما يلفت النظر ـ الكنيسة رسميا، ولكن بعض رموزها يتحدّثون عن ذلك وكأنه حقيقة، ناهيك عن مستقبل الحُـكم في مصر والذي يعرف في الجدل العام الدائر في البلاد بملف التوريث.

هذه القضايا وغيرها تطرح على مصر وأهلها أسئلة وإشكاليات كبرى، كثيرون يرون أن حلها يكمُـن في أمر واحد، وهو تعميق المنظومة الديمقراطية والحريات العامة وتداول السلطة سلميا، وليس تقسيم الوطن إلى مسيحيين ومسلمين وتأجيج العلاقة بينهما.

بيد أن هناك نفر يرون أن المسألة أعمق من ذلك، وتتعلق بما يعتبرونه الأسلمة المفروضة على المجتمع، والتي يصاحبها تمييز ثقافي وديني.

محاضرة الأنبا توماس

كانت محاضرة الأنبا توماس يوم 18 يوليو 2008 الماضي ـ وهو أسقف مرموق في الكنيسة المصرية الأرثوذكسية ـ التي قالها أمام معهد هدسون الأمريكي للحريات، والمعروف أنه معهد يميني له صلات وثيقة بمنظمة “إيباك” وإسرائيل، قد أثارت جدلا حول هوية مصر الراهنة، وإلى أين هي ذاهبة، ولكن استنادا إلى تحليل العلاقة التاريخية بين مكوّنات مصر الدِّينية، ومن هنا كانت صدمة جموع المسلمين من الأفكار المطروحة.

تضمّـنت المحاضرة، التي جاء عنوانها “خِـبرات الأقباط أو الأقلية المسيحية الأكبر في الشرق الأوسط في مناخ الأصولية الإسلامية”، عددا من المقولات المثيرة، منها أن تعبيرَ قبطي يعني مصري وليس مجرد مسيحي، وأن الفتح العربي لمصر في القرن السابع ميلادي، ليس سوى غزو ترتّـب عليه أن يتحول بعض المصريين إلى الإسلام، وبالتالي، لم يعودوا أقباطا أي مصريين، بينما مَـن احتفظوا بمسيحيتهم، ظلّـوا أقباطا أي مصريين، والذين تحوّلوا إلى الدِّين الآخر، أصبحت وجهتهم الجزيرة العربية، وليس وطنهم مصر، وأن عملية التعريب التي تحدث منذ قرون وكذلك الأسلمة، هي جزء من مُـعضلة مصر الراهنة، لأنها تُفرض بقُـسوة على الأقباط، أي المصريين الأصليين، وهي عملية نزعت عن الأقباط فنونهم وتُـراثهم الأصيل، وهذا اتجاه خطير، وأن هناك أصولية بدأت في مصر منذ السبعينات، وأن القادة الحاليين هم نَـتاج تلك الأصولية.

فثقافة الأقباط قد سُـرقت منهم (وهو ما يُـعدّ تزييفا تاريخيا)، ما زال جاريا، وأن الكنيسة القُـبطية ليست كنيسة ضعيفة، بل هي كنيسة قوية، وأن الأمر المُـقلق، هو أن هناك مسيحيين كثيرين يغادِرون مصر والمنطقة ككل، وهذا نِـداء للمعونة لمساعدة المسيحيين على البقاء فى أوطانهم.

تساؤلات وبيانات

أثارت المحاضرة، الكثير من التساؤلات حول مغزاها وأهدافها، لاسيما أنها قيلت أمام حضور أجنبي معروف عنه توجّهاته العدائِـية لمصر والعرب بوجه عام، فضلا عمّـا تضمّـنته من دعوة بالمساعدة، أو بعبارة أخرى، دعوة للتدخّـل في شأن مصري حساس جدا.

كان التساؤل الأكبر: هل تمثل هذه المحاضرة وأفكارها المُـثيرة، وجهة نظر الكنيسة القبطية، أم أنها مجرّد وجهة نظر شخصية لصاحبها. وهنا لم يقِـف البعض أمام نوعية الإجابة المحتملة، وأشار إلى أن موقع الرجل كأسقُـف لإحدى المطرانيات، يعني أنه يقوم بنشر هذه الأفكار على مرتادي هذه المطرانية، وبالتالي، فهي أفكار لم تعد تخصّ الأسقف وحده.

بدأت ردود الأفعال ببيان وقّـعه عدد من المثقفين الأقباط، ومعهم عدد من الناشطين السياسيين المسلمين، أكد على أن “مثل هذا الكلام وما فيه من أفكار ملتبسة وغير حقيقية، من شأنه أن يزيد الاحتقان الطائفي، في حين أن الظروف الراهنة تتطلّـب تكاتُـف الجميع لمنع عوامل الاحتقان الطائفي في لحظة فارقة تمُـر بها مصر”.

وكان أحد أكبر المثقفين المسيحيين الرافضين لمثل هذه الأفكار، وهو جمال أسعد، قد قال “إن الأنبا توما قد وقع في خطإِ أن القُـبطية ليست دينا وإنما هي لغة للمصريين، وأدّعى أن المسلمين خَـونة وسارقين للفن القبطي المصري وحوّلوه لإسلامي، وهي كلها خُـرافات تاريخية وعلمية تكرّس فِـكرة الحرب الأهلية في مصر، خصوصا أنها قيلت في معهد أمريكي مُـرتبط بإسرائيل”.

ويذكر هنا، أن الأنبا توماس ردّ على منتقديه بالقول، أنهم “معادون للكنيسة وأن محاضرته كانت بهدف توثيق العلاقات بين المسلمين والمسيحيين وإسعاد مصر ورفع إسمها عاليا”!!

ردود الفعل أيضا طالت مسيحيين من غير الأرثوذكس، فالقِـس إكرام لمعي، رئيس لجنة الإعلام بالكنيسة الإنجيلية، رأى أن ما قاله الأنبا توماس “هو تعبير عن الازدواجية الموجودة داخل الكنيسة الأرثوذكسية، وأنه بهذا الحديث، يُـسيء لسُـمعة مصر، وأن العربية ثقافة أولا وأخيرا”.

حقائق.. ولكن!

لكن هناك مَـن رأى أن المحاضرة قد احتوت على حقائق، ولكن في الآن نفسه، لا معنى لحديث الأنبا توماس عن التاريخ الآن، لأنه لن يُـغير شيئا ولا فائدة منه، وأن مَـن يريد أن يتحدّث عن الأقباط في مصر، فليتحدّث عنهم في الداخل، وليس في الخارج.

آخرون لم يهمّـهم الموقع الذي قيلت فيه المحاضرة، بل رأوا أنها “ألقت الضوء بصورة أوسع على أزمة الدولة القومية في مصر عبر قراءة تاريخية وحاضرة للواقع المصري”، حسب ما قال مجدي خليل في صحيفة “الدستور” بتاريخ 13 أغسطس 2008، مشيرا إلى أن القضية تتلخّـص في مناخ التعصّب الديني المرتبط بالأصولية الإسلامية، وأن هذه الأصولية المتطرّفة دمّـرت مفهوم المواطنة.

الأصالة العِـرقية للمصريين

بعض التعليقات ذهبت أيضا إلى مناقشة الأصالة العرقية للأقباط، التي تحدّث عنها الأنبا توماس، مشيرا (على غرار د. حسين نصار في المصور 5 سبتمبر 2008) إلى أن أهل المنطقة القُـصوى من أرض النيل، التي تسمّـى الآن مصر، ليسوا من جِـنس واحد، وإنما هم من خليط من الساميين الآتين من الشرق والحاميين الآتين من الغرب والزنوج الآتين من الجنوب، وأن الصحراء الشرقية في مصر كانت تُـعرف قبل خمسة قرون من الميلاد بأنها صحراء العرب، حسب وصف المؤرخ الإغريقي هيرودوت، وأن علاقات مصر باليمن، وهي أصل الخزّان البشري للعرب عبر التاريخ القديم، تعود إلى مئات السنين قبل الميلاد، ووفقا لما جاء في التوراة، وأن أم الإسماعيليين من العرب، هي هاجر المصرية الآتية من إحدى قرى المنيا بصعيد مصر، إذن فهم أنصاف مصريين أو حسب المبدأ اليهودي الذي يعتد بالأم، فهم مصريون أصلاء.

مثل هذا الجدل، وإن لم ولن يغيِّـر من هوية مصر العربية الإسلامية شيئا، ثقافة وسلوكا ومحتوى والتزامات سياسية، لكنه يعكِـس المدى الذي يصل إليه البعض في إعادة تفسير التاريخ بطريقة غير مُـنصفة وذات مضامِـين غاية في القسوة والخطورة، كما يعكِـس أيضا حجم القلق على المستقبل أو بعبارة أخرى قدر الأزمة التي يعيشها المجتمع، باحثا عن بَـوْصلة هِـداية، وسط تراكمات شديدة التّـعقيد.

د. حسن أبوطالب – القاهرة

دخلت المسيحية مصر فى منتصف القرن الأول الميلادى، ومع دخول القديس مرقس الإسكندرية عام 65م، تأسست أول كنيسة قبطية فى مصر.

وقد لاقى المسيحيون فى أواخر القرن الثالث الميلادى الإضطهاد على يد الإمبراطور دقلديانوس، وقد أطلق على هذه الفترة عصر الشهداء لكثرة من استشهد فيها من الأقباط. واتخذ القبط من السنة التى اعتلى فيها دقلديانوس العرش (عام 284 م) بداية للتقويم القبطى.

ومن أبرز مظاهر هذا العصر، انتشار نزعة الزهد بين المسيحيين والتى نتج عنها قيام الرهبنة وإنشاء الأديرة العديدة فى جميع أنحاء مصر.

نهضت العمارة القبطية بروح الفن الفرعونى القديم وأكملت حلقة من حلقات الفن المتصلة منذ الحضارة الفرعونية والحضارة اليونانية والرومانية بمصر، وتُعد الكنائس التى شيدت فى القرن الخامس الميلادى، نموذجاً للعمارة والفن القبطى.

وكان التصوير السائد فى العصر القبطى امتداداً للطريقة التى تواترت من العصور السابقة فى مصر، وهى التصوير بألوان الاكاسيد “الفرسك” على الحوائط المغطاة بطبقة من الجبس.

ومثلما عرف المصريون القدماء الموسيقى، نشأ فى العصر القبطى فى مصر فن موسيقى كنسى ليساير النزعة الفنية الموسيقية للأنغام المصرية القديمة، وما زالت الألحان التى تعزف فى الكنيسة القبطية حالياً تحمل أسماء فرعونية مثل “اللحن السنجارى” وكذلك “اللحن الاتربينى”.

(المصدر: الهيئة العامة للاستعلامات في مصر)

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية