مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

جديد سوريا: “ديمقراطية بالمقلوب”

معلقات جدارية ضخمة للرئيس السوري بشار الأسد عشية إجراء الإنتخابات البرلمانية، دمشق - 21 أبريل 2007 Keystone

هناك سِـمتان بارزتان - وإن كانتا متناقضتين - كشفت عنهما الانتخابات التشريعية السورية الأخيرة.

تتعلق الأولى بالنظام الحاكم الذي لا زال مصرا على انتهاج نفس الأساليب، وترتبط الثانية بالمجتمع المدني السوري الذي سجل غيابا ملفتا عن الإقتراع.

السمة الأولى، تتعلق بالنظام الذي أثبت بإجرائه انتخابات يتفق الجميع (بمن فيهم بعض الصحف السورية الرسمية) على أنها كانت صورية، أنه استعاد ثقته بنفسه بعد الهزات العنيفة، التي تعرض لها منذ عام 2004.

النظام لم يعد الآن خائفاً من الخارج، فتجرأ على إعادة تجديد نفسه وفق الصورة التوتاليتارية نفسها، التي جرّبها طيلة 30 عاماً: إجراء انتخابات في ظل دستور يعطي “الجبهة الوطنية التقدمية”، التي تضم 10 أحزاب بقيادة حزب البعث العربي الاشتراكي ثلثي مقاعد النواب، وبرلمان (مجلس الشعب) لا يحق له، لا منح الثقة أو سحبها من الحكومة، ولا يستطيع سن القوانين، بل مجرد مناقشتها بعد إقرارها من الحكومة ولا إبداء الرأي في السياسة الخارجية.

وبما أن البرلمان الجديد جاء وفق هذه القواعد المحسومة سلفاً، سيكون “قرار” هذا الأخير بدعم تجديد ولاية الرئيس بشار الأسد لسبع سنوات أخرى في الصيف المقبل، محسوماً هو الأخر.

السمة الثانية، تتعلق هذه المرة بالمجتمع المدني السوري، الذي قاطع بشكل كاسح هذه الانتخابات (ما بين 7 إلى %10 فقط من أصل 7 ملايين ناخب أدلوا بأصواتهم)، فهذه المقاطعة، والتي لم يسبق لها مثيل منذ عام 1970، حين وصل الرئيس حافظ الأسد إلى السلطة، كانت عبارة عن “ديمقراطية بالمقلوب”، على حد تعبير أحد المحللين.

وهذا أيضاً ما استنتجه مراسل الـ “بي. بي. سي” في دمشق: “ثمة شيء واحد مختلف في هذه الانتخابات: لم يسبق قبل الآن أن أبدى السوريون، بمثل هذا الشكل العلني، عن نقص اهتمامهم بأقلام الاقتراع، وهذه ربما تكون علامة على أن شيئاً ما تغَيّـر في سوريا”.

“مجرد ممارسة سلطوية”

لماذا وكيف تجرّأ النظام السوري على إجراء هذه الانتخابات، التي وصفها سكوت كاربنتر، نائب مساعد وزير الخارجية الامريكية لشؤون الشرق الأدنى، بأنها “مجرد ممارسة سلطوية من جانب أجهزة الاستخبارات السورية على حساب المجتمع والديمقراطية”؟

ثمة سبب رئيس على ما يبدو: اقتناع دمشق بأن الخطر الراهن عليها لا يأتي من الداخل السوري المطالب بالحريات وبشيء من الديمقراطية، بل من الخارج الأمريكي الضاغط بقوة، ليس لتطبيق الديمقراطية، بل لتغيير دورها الإقليمي، وهو اقتناع في محله.

فواشنطن لا تريد (حتى الآن على الأقل)، المغامرة بتغيير النظام السوري، خاصة مع استمرار وجود أجنحة متطرفة في حركة الإخوان المسلمين، تدعو إلى انتهاج العنف وامتشاق السلاح، طلباً لتغيير لن يكون ديمقراطيا بأي حال.

كل ما تريده واشنطن هو إخضاع النظام السوري للمتطلبات الجديدة لسياساتها في الشرق الأوسط، وهذه تتكثف الآن في ثلاث مسائل: أمن القوات الأمريكية في العراق وأمن إسرائيل في جنوب لبنان وأمن أمريكا وإسرائيل معا، ضد ما تسمِّـيه الإدارة الأمريكية الإرهاب، خاصة من جانب “حماس” و”الجهاد”، وضد أسلحة الدمار الشامل السورية.

ولتحقيق هذه الأهداف، تتحّرك واشنطن لفرض عقوبات “حازمة للغاية” على دمشق بموجب قانون “محاسبة سوريا واستعادة سيادة لبنان”. هذه المعطيات دفعت دمشق إلى السير في عكس اتجاه الريح الديمقراطي العالمي، بدلا من المشاركة في الرقص حول نار المبادرات الإصلاحية الداخلية، اندفعت إلى عزف ألحان، اعتقدت أنها ستشنف أذان سكان البيت الأبيض:

– فهي أعلنت استعدادها لاستئناف مفاوضات السلام مع إسرائيل بشروط مسهلّة جديدة.

– وأقنعت تركيا بالعمل كواسطة خير بينها وبين واشنطن، بعد أن أغرت الأولى (على ما يقال) بتسوية في لواء الاسكندرون، عبر تحويله إلى بقعة عولمة مشتركة، تكون نافذة الرأسماليتين، التركية والأوروبية، على أسواق الشرق الأوسط.

– ثم أنها رفعت من وتائر تعاونها مع وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية في القضايا المتعلقة بمكافحة الإرهاب.

لكن حتى الآن، لا يبدو أن هذه المبادرات نجحت في إذابة بعض الجليد الذي تراكم بكثافة على طريق دمشق – واشنطن منذ أحداث 11 سبتمبر 2001.

وحتى الآن أيضا، يبدو واضحا أن إدارة بوش، بصقورها وحمائمها، تنوي مواصلة الضغوط التدريجية على دمشق، ولا يستبعد أن تفجـّر هذه الضغوط بعض المحاور الموضعية السورية، خاصة في لبنان من خلال خلق فراغ دستوري خطير، كذلك الذي حدث عام 1988.

الخطر الحقيقي على النظام

ماذا يمكن لدمشق أن تفعل أكثر مما فعلت؟ رُبّ قائل هنا، أنه يتعّين على النظام السوري ألا يقلق وألا يبادر إلى أكثر مما بادر. ففي النهاية، ستبقى الضغوط الأمريكية محدودة تجاريا ورمزية دبلوماسيا، هذا ناهيك عن أن نهج العقوبات نفسه، لا يوحي بأن ثمة نية أمريكية حقيقية لإطاحة النظام أو حتى زعزعته، وهذا صحيح.

لكن الصحيح أيضا، أن هناك رغبة أمريكية جادّة في تغيير السياسات الإقليمية السورية، بما يتلاءم مع وجود 100 ألف جندي أمريكي في العراق، وبما يتطابق مع الحرب الحقيقية التي تشنّها الولايات المتحدة (ومعها أوروبا) ضد أسلحة الدمار الشامل والإرهاب، وهذه الرغبة تشكّل الآن خطرا حقيقيا على النظام.

لماذا؟ لأن النظام السوري الحالي، بنى كل أسُـس شرعيته على دوره القومي العربي الإقليمي في لبنان وفلسطين والعراق، وقبلها في حرب أكتوبر عام 1973 ضد إسرائيل، وأي خطوة لزعزعة هذه الأسس، ستجعله يقف عاريا في معركة صراع البقاء.

هذه الأسباب الحقيقية التي تجعل دمشق قلقة للغاية. فهي، كما أسلفنا، لا تخشى العقوبات الأمريكية بما هي كذلك، بقدر ما تتوجّـس من المضاعفات الإستراتيجية والأيديولوجية لهذه العقوبات على دورها الإقليمي، وبالتالي، على شرعية نظامها.

ودمشق لا تُـترجم الآن هذه الخشية، سوى في مبادرات تنطلق في اتجاه واشنطن وترفض أي صيغة من صِـيغ إبرام عقد تاريخي جديد بين الدولة والمجتمع المدني السوريين، يُـعاد النظر بموجبه بما لقَـيصر لقيصر، وبما لله لله، ويتم من خلاله تبادل الأدوار: المجتمع يحمي حرية حركة الدولة وشرعيتها في بيئتها الإقليمية، والدولة تحمي حرية المجتمع وشرعية حقوق الإنسان فيه.

النظام السوري لمّـا يصل بعد إلى مرحلة الاقتناع بهذا العقد، كما أثبتت الانتخابات الأخيرة، فكل اهتمامه مُـنصبٌّ الآن على محاولة إلهاء الذئب الأمريكي ببعض العظام، لكفِّ أذاه عن النعجة السورية، إلى حين إجراء الانتخابات الرئاسية الأمريكية في نوفمبر 2008.

وإلى أن تمر هذه المرحلة وإلى أن تنضج الظروف، سيبقي النظام نفسه بمنأى عن حمّـى المبادرات الإصلاحية، وسيبقى المشروع الديمقراطي السوري مجرّد مشروع، وإن كانت “الديمقراطية بالمقلوب”، التي مارسها الشعب السوري تنبيئا بأن هذا الأخير لم يعُـد مستعداً لشراء سياسات النظام الإقليمية القومية، مقابل بيع حرياته السياسية وحقوقه المدنية.

سعد محيو – بيروت

دمشق (رويترز) – أظهرت النتائج يوم الخميس 26 أبريل 2007 ان حزب البعث السوري الحاكم وحلفاؤه هيمنوا على الانتخابات النيابية التي جرت مطلع الاسبوع الحالي.

وتلا بسام عبد المجيد وزير الداخلية السوري أسماء الفائزين وكان غالبيتهم من حزب البعث او من احزاب اخرى متحالفة معه او من مؤيديه من طبقة رجال الاعمال والعشائر والنقابات التي تسيطر عليها الحكومة.

وسيطر البعث وحلفاؤه على غالبية 250 مقعدا في مجلس الشعب. وحكم الحزب سوريا أربعة عقود. وفرزت الحكومة السورية ووافقت تقريبا على كل المرشحين في الانتخابات.

وقاطعت المعارضة الانتخابات كما قال مرشحون موالون للحكومة ان نشر قوات الامن حول مراكز الاقتراع منع الناخبين من التصويت بحرية.

وصرح عبد المجيد بأن نسبة الاقبال على الانتخابات بلغت 56 في المئة وانها كانت ديمقراطية.

وجرت الانتخابات النيابية السورية يومي الاحد 22 والاثنين 23 الماضيين دون متابعة مراقبين مستقلين.

وسيكون مجلس الشعب القادم هو التاسع منذ اقرار الدستور السوري الحالي أوائل السبعينات اثر انقلاب قام به الرئيس الراحل حافظ الاسد داخل النظام البعثي الذي يحكم سوريا منذ عام 1964.

وأعلن قانون الطواريء في سوريا منذ أربعة عقود ولا يسمح النظام بوجود أحزاب معارضة. وتجري سوريا انتخابات مجلس الشعب كل أربع سنوات.

(المصدر: وكالة رويترز للأنباء بتاريخ 26 أبريل 2007)

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية