مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

تردّي الأوضاع في مصر يُنذر بعواقب وخيمة

متظاهر مصري يرفع شعارات مناوئة للإخوان المسلمين في ميدان التحرير يوم 12 أبريل 2013 خلال مظاهرة مستنكرة لأحداث العنف الطائفي الأخيرة بين مسلمين وأقباط Keystone

تتعدد المؤشرات على أن التردي السياسي والمجتمعي في مصر آخذ في الإنتشار أفُـقيا والتصاعد رأسيا، فيما أضحت مظاهر الهشاشة الإجتماعية والسلوكية، خُبزا يوميا لمعظم المصريين.

الإنقسام السياسي وغياب التوافق، سببٌ ونتيجة في آن واحد. أما الإستقطاب الممزوج بالعنف، فقد بات آلية مُعترفا بها لِحسم الخلافات السياسية. وحتى طلاّب الجامعات العامة والخاصة، تورّطوا في دوامة المُصادمات الدموية ضدّ بعضهم البعض وضدّ أساتذتهم، والحُجج واهية في كل مرة، لكن الهدف أصبح حسبما يبدو هدم منظومة القِيم المجتمعية والأعراف الجامعية، باسم الثورة والثوار، بينما يقوم السياسيون بهدْم المؤسسات، ولِيَكن بعدَها ما يكون.

إسلاميون ضد القضاء

آخر صراعات التيار الإسلامي بقيادة الإخوان المسلمين، جاءت ضدّ القضاء. فالرغبة في السيطرة على أعماله لا تخطُـؤها عين، والحجّة المُعلنة، أن القضاء برّأ رجال مبارك وأخلى سبيله في قضية قتل الثوار، وأن في القضاء رجال حبسوا الإخوان ظُلما من قبْل ويقودون الثورة المضادّة والتطهير واجب، وإن تطلب الأمر استخدام العنف، فليكن، وهى حُجج تعكِس بوضوح كامل روح الإنتقام ونِية الأخونة والإستحواذ، وإجمالا، تلك مجرّد خطوة في مشروع مصر الإخوانية الإسلامية.

القُضاة من جانبهم، يُدركون المغزى الحقيقي لمظاهرات الجمعة 19 أبريل، ولذا، فالمقاومة لا بديل عنها والإستمرار في المطالبة بمزيد من الإستقلال، هي الإستراتيجية التي لا خِلاف عليها، والوقوف أمام وهْـم “أخونة القضاء”، هي خيار وحيد للأغلبية العظمى منهم، باستثناء بعض المحسوبين صراحة على التيار الإسلامي، وهُم قِلّـة باتت معروفة للقاصي والداني، يعتبرون بمثابة رأس حربة في هذه المعركة.

القاهرة (رويترز) – قال تحالف رئيسي لأحزاب المعارضة المصرية إنه يستعد للمشاركة في الإنتخابات البرلمانية المتوقعة في وقت لاحق هذا العام في علامة على أن معارضي الرئيس الإسلامي محمد مرسي قد يتخلون عن خططهم لمقاطعتها.

وقالت جبهة الإنقاذ الوطني التي شكلت العام الماضي في بيان إن “المشاركة في الإنتخابات استحقاق وطني تستعد له”، مضيفة أنها ستواصل “النضال من أجل خلق الظروف الضرورية لكى تكون هذه الإنتخابات تعبيرا عن الإرادة الشعبية وليس تزييفا لها”.

وكانت الجبهة التي تضم أحزابا يسارية وليبرالية قالت في السابق إنها ستقاطع الانتخابات التي كان الرئيس مرسي قد دعا في البداية إلى إجرائها في ابريل 2013 قبل أن تتأجل بسبب حكم قضائي. وقال مرسي إن الانتخابات قد تبدأ في أكتوبر المقبل.

وجددت الجبهة في البيان مطالبها بتشكيل حكومة محايدة للإشراف على الإنتخابات وتعيين نائب عام جديد إذ تعتبر النائب العام الحالي متحيزا لجماعة الاخوان المسلمين التي ينتمي إليها مرسي. لكن الجبهة لم تهدد صراحة بمقاطعة الانتخابات وهو ما اعتبره محللون اعترافا منها بأن بعض أعضائها ومن بينهم حزب الوفد الليبرالي يخططون للمشاركة على أي حال.

وقالت الجبهة إنها تعتبر الإنتخابات البرلمانية إحدى الوسائل التي تساهم فى انقاذ الوطن إذا توفرت الضمانات لنزاهتها.

وستحدد الانتخابات تشكيل مجلس النواب الجديد الغرفة السفلى بالبرلمان. وكانت محكمة قد أصدرت قرارا بحل المجلس السابق (مجلس الشعب قبل تغييره إلى مجلس النواب في الدستور الجديد) بعدما اعتبرت أن القانون الذي أجريت الانتخابات على أساسه غير دستوري.

وكان مجلس الشورى الذي يتولى مؤقتا السلطة التشريعية لحين انتخاب مجلس النواب الجديد قد أقر قانون الإنتخابات الجديد الاسبوع الماضي. وأحيل القانون بعد ذلك إلى المحكمة الدستورية العليا لبحث مطابقته للدستور.

(المصدر: وكالة رويترز بتاريخ 18 أبريل 2013)

يد مبارك تقلب الدنيا

نية الاستحواذ والهيْمنة والتغلغل في مفاصل الدولة المصرية، مسألة مُعلنة وخُطط تنفيذها مكشوفة، ومن بينها ما خرج عن مكتب الإرشاد تحت عنوان تطهير القضاء. لكن المدخل لذلك، لم يكن يسيرا حتى حرّك مبارك من وراء القضبان يديْه مرتيْن في غضون أربعة ثوان فقط لا غير لأحد أنصاره في محاكمة الاثنين 15 أبريل الجاري، التي أخلى فيها القاضي سبيله على ذمّة قضية قتل الثوار، وإن استمر في محبسه على ذمّة قضايا أخرى كانت في درج النائب العام، ذي الميول الإخوانية، وخرجت قبل أيام قليلة من جلسة المحاكمة المذكورة.

كانت حركة مبارك العفوية، بالإضافة إلى تحسن مظهره بشكل عام، كفيلة بأن تُقيم الدنيا ولا تُقعِدها، حيث أعادته، وِفقا لقرار النائب العام، إلى محبسه في سجن طره وأنكرت عليه استمرار البقاء في المشفى العسكري، وهو ما شكل فرصة لإخراج الخطط من الأدراج، لكي تتحوّل إلى واقع.

ومن هنا، سارعت منظمات وأحزاب إسلامية، ليس من بينها حزب النور السلفي ولا حزب مصر القوية بزعامة عبد المنعم ابو الفتوح ولا الدّعوة السلفية، إلى تبنّي دعوة تنظيم مظاهرة حاشدة للمطالبة بتطهير القضاء والوقوف أمام الثورة المضادّة، التى يقودها القضاء، حسب قولهم.

رسالة تهديد إسلامية

في التحولات الثورية للمجتمعات، يصبح عاديا رفع مطالب التطهير والتعنيف والتخلّص من رموز الحِقب الماضية، ولو بالعنف والدِّماء. لكن مصر عبَـرت هذه المرحلة وتمسّكت بإنفاذ القانون، وكانت محاكمة مبارك جنائية، وليست سياسية. وكان متوقّعا أن تصدر أحكام بالبراءة في قضايا مختلفة، لعدم ثبوت نية القتل لدى الضباط والجنود، الذين كانوا يدافعون عن أقسام البوليس التي يعملون بها، وكانوا في موقف الدفاع عن النفس في مواجهة جموع حاشدة. وكان معلوما للجميع أن الأوراق المقدّمة لمحاكمة مبارك، ليست كافية لإدانته، كما يريد الثوريون والإخوان.

وبالرغم من إدراك هذه الحقائق، جاء التحرك الإخواني ضد القضاء ككل، نوعا من التهديد لمن سيقدُم على إعمال القانون في محاكمات قائمة أو جديدة، ويصدر براءات لرجال ارتبطوا بمبارك، ناهيك عنه هو. والتهديد ليس سوى بداية لإعادة تشكيل مرفق القضاء من خلال تغيير القانون تحت ضغط شعبي يرفع شعارا براقا، وهو التطهير.

لقد أخلى القاضي سبيل مبارك، وِفقا للقانون، وإن استمر حبْسه على ذمة قضايا أخرى، وذلك بعد مرور المدة المحدّدة لحبسه الإحتياطي على ذمة قضية قتل الثوار، التي ألغت محكمة النقض حُكم الحبس السابق وقضت بإعادة المحاكمة أمام دائرة استئناف جديدة، وهو الأمر المقرّر بعد أيام قليلة.

قانونيا، فالحكم صائب يطبق صحيح القانون. أما سياسيا، فالحكم جاء مُحفّزا لإعادة محاولات الإخوان، ومن والاهم من جماعات الإسلام السياسي لطرح فكرة تطهير القضاء وإعادة النظر في قانون السلطة القضائية وإتاحة مساحة أكبر لتدخل السلطة التنفيذية في أعمال السلطة القضائية.

سياسيا أيضا، ومن وجهة نظر القوى المعارضة للإخوان، فإن الدعوة لتطهير القضاء بهذه الصورة التي يُراد لها أن تُدعم شعبيا بالمظاهرات الصاخبة للإسلاميين، تعني التحضير لمذبحة كبرى في القضاء من خلال التخلّص من 3500 قاضي، إن تم تخفيض سن القاضي من 70 عاما، المعمول به الآن، إلى 60 عاما فقط. وتعني أيضا هدم فكرة الدولة والمؤسسات والنيل من حقوق الوطن والمواطنين واصطناع صراعات للتغطية على فشل الرئيس مرسي وحكومة هشام قنديل في وضع البلاد على الطريق الصحيح، لبناء مصر جديدة تتوافق مع تطلّعات المصريين في التغيير إلى الأفضل. وإجمالا، فإن دعوة التطهير هي “حق يُراد به باطل”، وفقا لموقف حزب النور الرّافض للمشاركة في هذه المظاهرة.

توجهات انتقامية وخطة للتطهير

حقيقة الأمر أن تغيير منظومة القضاء بما يتناسب مع تطلّعات الإسلاميين وحدهم، ليست مجرد تكهنات أو تحليلات عابِرة، ولكنها منسوبة جهارا نهارا لرموز إخوانية. فقد عبّر مهدي عاكف، المرشد السابق لجماعة الإخوان، صراحة في إحدى الحوارات الصحفية التي نشرت في صحافة الكويت، عن تأييد الجماعة للتخلّص من ثلاثة آلاف قاضٍ مرّة واحدة في المرحلة الاولى، ثم 2500 آخرين بعد عامين، على أن يحلّ محلّهم شباب من المحامين الإخوانيين، بعد تعديل القانون. ومعروف انتشار الإخوان بين جماعة المحامين، الأمر الذي يؤهلهم في التغلغل في مرفق القضاء، إن تمت الخطة كما يُراد لها. وفي الأثناء، تتحدث تقارير عدّة عن استعدادات مكثّفة لهؤلاء المحامين، للتغلغل في القضاء بعد تغيير القانون.

وهناك تصريح جلي للرجل القوي في الجماعة خيرت الشاطر، منشور في تغريدة على حسابه في تويتر يوم 18 أبريل 2013، أعلن فيه بصراحة أن المظاهرات التي دعا إليها حزب الحرية والعدالة، هي للتخلص من قُضاة مبارك الذين يقودون الثورة المضادّة، حسب تعبيره، لإجهاض المشروع الإسلامي، والذين ظلموا الإخوان في السابق.

إذن، فرائحة الإنتقام الإسلامي من القضاء، ليست خفية، بل صريحة ومُعلنة، والهدف هو إعادة بناء القضاء بطريقة تدين للحُكم الجديد، لا أن يتم تدعيم استقلال القضاء باعتباره شرطا لازما للتطور الديمقراطي الذي تطلع إليه المصريون حين ثاروا على مبارك وأعوانه.

أما المَدخَل لذلك، فهو إعادة صياغة قانون القضاء من خلال مجلس الشورى الذي يُسيْطر عليه الإخوان والإسلاميون، خاصة حزب الوسط الذي قدم اقتراحا بتعديلات بُنود عديدة في القانون المعمول به، تتلاءم مع رغبة الإخوان في السيطرة على أعمال مرفق القضاء ككل، بعد أن نجحوا في تعيين النائب العام ذي الميول الإخوانية، استنادا إلى إعلان دستوري باطل صدر في 22 نوفمبر 2012، وهو الأمر الذي فضحه حكم قضائي صدر قبل شهر تقريبا، بات بأن تعيين النائب العام باطل قانونا، لأنه لم يلتزم الطريقة المنصوص عليها في القانون، ومع ذلك، فلا توجد نية رئاسية – حتى الآن – لتنفيذ الحكم واستبدال الرجل بآخر وِفقا للقانون.

هجوم على الجيش

هذا الصراع على مرفق القضاء والمتصوّر أن يستمر لفترة مقبلة، هو جزء من بيئة سياسية تتّسم بالتردي في كل شيء تقريبا، وتجسد فشل الرئيس مرسي وحكومته. ولعل الملفت هنا، هو أنه حتى الجيش المدافع عن الوطن ككل، يتعرض بين الحين والآخر لهجمات منظمة في المواقع الإلكترونية، التابعة للإخوان ومن والاهم تشكك في قدرة قيادته وتطالب بتغييرها.

في الوقت نفسه، يتم اكتشاف أسلحة متطوّرة، من بينها صواريخ غراد ومدافع غرينوود، يتم تهريبها من ليبيا إلى الداخل المصري، فضلا عن كميات كبيرة من الأقمشة المُستخدمة في صنع الملابس المخصصة للجيش المصري، وكذلك ألبسة جاهزة وكميات من إشارات الرّتب العسكرية المُعتمدة، وكأن هناك من يسعى إلى تجهيز جيش مواز بنفس الملابس العسكرية المعتمدة، لغرض في نفس يعقوب يرى قطاع من المواطنين أنه “خطّة لكسر الجيش المصري وإرهاقه في حرب أهلية، تمهيدا لانتشار الميليشيات”، التي يبرع الإسلاميون عادة في تشكيلها ويُزعم أنهم يستعدون لها منذ زمن طويل، لتكون أداتهم ربما في السيطرة على حركة المجتمع.

وضع اقتصادي صعب

في سياق آخر، يرى مراقبون أن الفشل حتى الآن في التوصل إلى اتفاق مع صندوق النقد الدولي، بسبب عدم القدرة على وضع خطة اقتصادية مُحكمة تنشل البلاد من وهدتها الراهنة، يعكس غياب الأولويات والتصرّف وفق سياسة حلّ المشكلات يوما بيوم. ومن ثم، بات عاديا تراجع مستويات المعيشة لقطاعات كبيرة جدا من الطبقة الوسطى. ووفقا لبيانات رسمية، ارتفع عدد العاطلين في مصر إلى 3,2 مليون عاطل، إلى جانبهم ما لا يقل عن مليون آخرين غير مسجّلين، في وقت استمر فيه انخفاض قيمة الجنيه بنسبة بين 10% إلى 13% من قيمته قبل ثمانية أشهر، هي فترة حكم الرئيس مرسي.

في المقابل، لا تتضمن أحاديث وزراء حكومة هشام قنديل سوى فرض المزيد من القيود، من قبيل توزيع الخبز بالبطاقات ولكل فرد ثلاثة أرغفة يوميا، في سابقة لم تحدث في حياة مصر منذ عهد محمد علي باشا، مطلع القرن التاسع عشر، وتقنين توزيع البنزين لأصحاب السيارات الأقل من 1600 سي سي بالكروت الذكية، وارتفاع نسبة العجز في توزيع كميات السولار إلى 35% يوميا، مما أوقف أنشطة اقتصادية عديدة، وبالتالي، ارتفع عدد المصانع المتوقّفة عن العمل، بسبب اختفاء الطاقة عن 3000 آلاف مصنع متوسّط وصغير. يُضاف إلى ذلك التراجع الحاد في قطاع السياحة، وخروج 36 ألف شركة من العمل في قطاع المقاولات وبناء العقارات، وارتفاع نسبة التضخّم إلى حوالي 12%.

عنف مجتمعي وانفراط قيمي

هذا التراجع الإقتصادي أسهم في زيادة معدلات العنف المجتمعي بشكل غير مسبوق، لكن الأخطر ليس انتشار الجريمة من قِبل الخارجين على القانون، وهو ما حدث بالفعل، بل تحوّل العنف اللفظي والسلوكي إلى لغة التفاعل اليومية بين الأجيال الجديدة نفسها، ويزداد الأمر سخفا وبشاعة حين تتغلغل السياسة والعنف في ساحات الجامعات، إلى الحد الذي تقوم فيه مجموعات من الطلاب بتكسير المعامل والمدرجات واستدعاء فئات غير طلابية لمساعدتها في الصدام مع السلطات الجامعية أو مع الطلاب المخالفين لهم سياسيا، كما حدث في جامعات عين شمس والمنصورة ومصر الدولية وغيرها.

إن الترابط بين هذه المسارات في التردي السياسي والإقتصادي والمجتمعي، ينذر بالكثير من العواقب ويجعل مصر بعد عامين من ثورتها، نموذجا للتراجع وليس نموذجا للتصاعد. أما الحل المتداول فيكمُن في إجراء حوار وطني حقيقي وشامل يضع النقاط على الحروف ويُنهي حالة الاستقطاب المروّعة ويفتح بابا للأمل، لأن مصر تستحقّ أفضل مما هي عليه، لكن السياسيين في الحكم والمعارضة معا، ينظرون للأمور بنظرة المتغافل.. حتى الآن.

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية