مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

جنيف قلقة على سمعتها بعد حادثة اعتداء على سائح سعودي

Keystone

تحول حادث الاعتداء على سائح سعودي في جنيف إلى مصدر قلق في الأوساط السياحية والسياسية والدبلوماسية بعد الترويج له من خلال تحقيق بثته يوم 8 أغسطس الجاري قناة "العربية" الفضائية من دبي.

وأرغمت تداعيات الحادث شرطة جنيف على الخروج من صمتها الأولي. أما السيد نبيل الصالح، القنصل العام للمملكة العربية السعودية في جنيف، فلم يُخفِ في تصريحات خاصة لـ swissinfo.ch عدم رضاه عما آلت إليه الأوضاع الأمنية في المدينة المطلة على بحيرة ليمان غرب سويسرا.

تقرير قناة الــعربية عن الحادث الإجرامي، الذي تعرض له سائح سعودي في جنيف يوم 16 يوليو الماضي، وأدى إلى إدخاله المستشفي إثر إصابته بضربة في الرأس، واختلاس بطاقته البنكية وسحب كميات كبيرة من الأموال من حسابه، تحول إلى هاجس الأوساط السياسية والسياحية في جنيف التي استثمرت الأموال والجهود لعدة سنوات، ونجحت في تسويق المدينة كوجهة آمنة ومُريحة.

غير أن هذه السمعة باتت محط تشكيك، نتيجة التغطية الإعلامية التي جعلت من حالة معزولة مقياسا للتوصل إلى استناجات من قبيل أن “جنيف تحولت إلى مكان خطير بالنسبة للسائح الخليجي”.

وفي محاولة لمعرفة حيثيات هذه القضية بدون مبالغة، اتصلت swissinfo.ch بشخصيات تابعت القضية عن كثب، وفي مقدمتها القنصل العام السعودي السيد نبيل الصالح، الذي لم يخف غضبه من إدارة الشرطة للقضية في بداية الأمر، وقلقه عمـّا آلت إليه الأوضاع الأمنية في جنيف في السنوات الأخيرة.

كما حاورنا الناطق باسم شرطة جنيف، الذي حاول الدفاع عن أداء الجهاز الأمني في هذه القضية، وبمدير المكتب السياحي في جنيف، الذي عبر عن المخاوف من أن تؤدّي هذه التغطية الإعلامية المفرطة لحادث منفرد إلى تشويه سمعة جنيف كوجهة سياحية آمنة.

حادث مؤسف لم تـتضح حيثياته بعد

عن تسلسل عملية اكتشاف الأوساط القنصلية السعودية للحادث، يقول السيد نبيل الصالح: “اتصل بنا أهل المذكور بعد أن تغيب ولم يعد إلى داره. بدأ البحث مع الشرطة وفي المستشفيات، وتم العثور على المذكور في المستشفى الجامعي. واتضح أنه أدخل المستشفى بعد أن تعرض لضربة، ولكن الشرطة لم تعتقد أنه تم الاعتداء عليه، بل اعتبرت ربما أنه كان قد سقط وأصيب. وقد أجريت له عملية جراحية في المخ بعد أن أكتشف أن لديه نزيف في المخ. وظل المذكور في المستشفى لأكثر من عشرة أيام في غيبوبة”.

واستطرد القنصل العام قائلا: “ولكن في هذا الوقت قمنا بالاتصال بالشرطة، وأبلغناهم أن الأمر ربما يتعلق بحادث اعتداء لأن الشرطة كانت ترى غير ذلك في البداية. واتصلنا بأهل المذكور وأفادونا أنه كان يحمل بطاقة بنكية سُرقت منه، وسُحب منها، في نفس اليوم، بعد الاعتداء مبالغ مالية كبيرة. اتصلنا فيما بعد بالشرطة بعد أن حصلنا على تفاصيل المبالغ ومن أين سُحبت، وطُلب منها تحويل الموضوع إلى الشرطة الجنائية. في البداية كانوا غير مقتنعين ولكن بعد إصرارنا وبعد إثباتنا لهم بأنه يوجد سرقة، قبلوا الموضوع واهتموا به وبدأوا التحقيق فيه. وأفادونا بأنهم سيرسلون طبيبا شرعيا للكشف عن المذكور”.

وأضاف السيد نبيل صالح: “كنا نأمل من البداية أن يرسلوا طبيبا شرعيا وألا ينتظروا ويعتبروا بأن الأمور عادية. وللأسف الشديد، تشهد جنيف جرائم سرقة كثيرة، ويحدث أن تخرج سيدات من الفندق ويأتي شخص يسحب الشنطة منها بالقوة، وهذا يحصل في أحسن موقع على البحيرة. نحن نستغرب أنه ليس هناك أمنا بما عودتنا عليه سويسرا في السابق، فجنيف، وسويسرا بشكل عام، تشتهر بالأمن، لذلك يأتي السائح إلى هنا. ولكن سنة بعد سنة، نرى أن الأمن يقل والجرائم تزيد”.

من جانبه، أكد الناطق باسم شرطة جنيف، جون فيليب برانت، وقوع الحادث مع التشديد على أنه لا يعكس تركيزا على استهداف أبناء جنسية بعينها، قائلا: “كل ما يمكن أن نؤكده هو أنه وقع اعتداء قبل ثلاثة أسابيع ضد مواطن من المملكة العربية السعودية. هذا الشخص المولود في عام 1961 وُجد في حالة فقدان الوعي. وقد تم تسليم القضية للشرطة الجنائية وتتولى قاضية مهمة التحريات على مستوى قضاء جنيف”.

أما عن ظروف الحادث وخلفياته، فاكتفى المتحدث باسم الشرطة بالقول: “في الوقت الحالي، لا يمكنني مع الأسف التحدث بالتفصيل عن الموضوع نظرا لأن القضية مطروحة أمام العدالة وفقا للإجراءات المعمول بها”.

وفيما يخص الإنتقادات القائلة أن الشرطة لم تعتبر الحادث إجراميا من البداية، قال جون فيليب برانت: “ليست لدي هذه المعلومات لكي أستطيع أن أرد عليها، ولكن عموما (وهنا أتحدث بصورة عامة وليس عن هذه الحالة بعينها)، عندما نعثر على شخص مصاب بجراح في الشارع وفاقد للوعي، ننظر في جميع الإحتمالات الممكنة سواء الإعتداء أو الإصابة. ولذلك أستغرب لهذه الاستنتاجات. وأستغرب أن تكون هناك محاولات لتمويه القضية في شكل إصابة في الوقت الذي يتعلق الأمر باعتداء. لكن يجب القول أنه في جميع حالات التحقيق، علينا أن نتصور كل الاحتمالات. ومن الواضح أنه إذا كانت الدلائل تشير في البداية إلى الاعتداء وظهرت أدلة فيما بعد توحي بأنه اعتداء، علينا أن نأخذ ذلك بعين الاعتبار”.

ولم تتضح بعد حيثيات الحادث وما إذا كان للضحية علاقة بالجاني أم أنه مجرد سوء حظ شاء أن يكون تواجد المجني عليه في المكان غير المناسب في الوقت غير المناسب.

جدل حول حجم الاعتداءات

وما أثار قلق سلطات جنيف السياحية والسياسية، هو ذهاب تقرير قناة العربية إلى حد وصف جنيف بأنها أصبحت مكانا خطيرا بالنسبة للسائح الخليجي.

وفي هذا السياق، قال القنصل العام السعودي في جنيف: “نعم نجد أن هناك تعاظما (للحوادث الأمنية). فللأسف، فضلا عن السرقات، هناك مضايقات أيضا وهناك أشخاص متواجدون دائما حول البحيرة يبيعون المخدرات ويضايقون السائح. وهذه أشياء تحدث بصفة يومية ودورية، مما يعطي انطباعا سيئا عن جنيف وعن الأمن في جنيف. حتى رجال الشرطة أنفسهم يقولون “نحن نمسك هؤلاء المجرمين ولكن في نهاية اليوم يفرج عنهم”. ويقولون “إن المسؤولية تقع على عاتق كبار الشخصيات التي تتخذ القرارات، أما نحن كشرطة، لا نستطيع أن نفعل شيئا، نمسك بالمجرمين ولكن في نهاية اليوم يتم إطلاق سراحهم”.

ويضيف السيد نبيل الصالح: “أنا شخصيا أرسلت خطابا قبل بدء فترة الصيف لأعلى جهة أمنية في سويسرا في شهر مارس الماضي وأبلغتهم أن هناك مشاكل كثيرة تحدث، حتى أنني أبلغتهم بأن زوجتي وأطفالها تعرضوا للتحرش والمضايقة على البحيرة في شهر أبريل من قبل هؤلاء الأشخاص الذين يشربون الخمر ويبيعون المخدرات. هذا شيء لم نتعود عليه في جنيف”.

ولتعزيز أقواله، أضاف القنصل العام السعودي: “للأسف اليوم (الاثنين 10 أغسطس) أبلغت بأن أشخاصا تعرضوا للسرقة وهم في بهو الفندق بينما كانوا يسجلون جوازاتهم. فقد تعرض شخص لسرقة شنطته التي كانت فيها مبالغ كبيرة وجوازات السفر أثناء قيامه بالتسجيل في الفندق. والتعرض لمثل هذا الحادث في جنيف أمر مؤسف للغاية”.

أما الناطق باسم شرطة جنيف جون فيليب برانت فيعقِّـب على المخاوف من ارتفاع نسبة الإجرام في جنيف بقوله: “لا أعتقد ذلك، لدينا كباقي كبريات المدن بعض المشاكل المتمثلة في السرقة والاعتداءات، وسرقة المنازل أيضا، ولكن ليس بالمستوى الذي تركز عليه بعض وسائل الإعلام. لا يمكنني في الوقت الراهن تقديم أرقام دقيقة عن جنسيات بحالها، لكن لا يمكن حاليا القول بأن هناك زيادة خارقة للعادة في حالات الإجرام المتمثل في الاعتداء في الشارع على المنحدرين من هذه الجنسية أو تلك. وما يمكن أخذه بعين الاعتبار هو أننا الآن أمام حالة معزولة، وأن تشويه السمعة اعتمادا على حالة خاصة قد يكون أمرا يؤسف له. فجنيف ما زالت مدينة آمنة، ولو أنها تعرف المشاكل التي ذكرتها آنفا، إذ يوجد بجنيف عدد من اللصوص في الشوارع، وهذا في حدود ما تعرفه كبريات المدن الأوروبية”.

وعما إذا كانت شرطة جنيف تنوي اتخاذ إجراءات عاجلة لطمأنة المواطن والسائح، يقول السيد برانت: “هناك إجراءات اتخذت منذ بداية فصل الصيف، وبدأت بالعملية التي قمنا بها في شهر أبريل في حي “لي باكي” ضد محترفي السرقة وبيع المخدرات في الشوارع، وهذه إجراءات ليست جديدة، بل يتم اتخاذها بشكل منتظم في كل حالة تتطلب ذلك في مختلف أنحاء المدينة”.

انتقاد للشرطة

وما ينتقده القنصل العام السعودي بنوع من المرارة، هو تصرف الشرطة تجاه الضحية، إذ يقول السيد نبيل الصالح: “للأسف، عندما يذهب الشخص للشرطة للإبلاغ، لا يوجد هناك اهتمام حتى من الشرطي. فمركز الشرطة لا يهتم وكأنه شيء طبيعي أن يتعرض الإنسان للسرقة. وحسب ما يفيد به المواطنون السعوديون، هناك جفوة حتى من الشرطة عند الإبلاغ بالسرقة ولا توجد مبالاة من قبل أفراد الشرطة ويتعاملون معهم بقسوة للأسف. وأنا لا أدري لماذا يتم التعامل معهم بهذا الأسلوب”.

أما الناطق باسم شرطة جنيف فيرد على هذا الإنتقاد بالقول: “ذلك أمر راجع إلى طريقة تقييم الأشخاص لتلك المعاملة في أقسام الشرطة. ولكن بالنظر إلى عدد الحالات المسجلة يوميا، ربما يدفع ذلك إلى نوع من عدم التحمس. لكن أؤكد أن شرطتنا تلقت التدريب والتكوين اللائقين لكي تحسن استقبال الضحايا، أيا كانت الحالة التي وقعوا ضحيتها”.

التلويح بإصدار توصيات للرعايا

ما تخشاه السلطات السياحية لجنيف، وما قد تلجأ له ممثليات الدول الخليجية المعنية، هو أن يؤدي هذا الحادث إلى موجة تخويف قد تدفع إلى إصدار توصيات للرعايا الخليجيين بخصوص السفر إلى جنيف.

وهذا ما لوح به القنصل العام السعودي قائلا: “إذا لم تتخذ الحكومة السويسرية إجراءات مناسبة، ربما سيتم إصدار تحذيرات للمواطنين السعوديين، والخليجيين بشكل عام، لأن الخليجيين أيضا متضايقون جدا. لقد اتصل بي بعض سفراء دول الخليج وسنعقد اجتماعا إن شاء الله وستتم الكتابة جماعيا للحكومة، كما ستقوم سفارتنا في برن بالاتصال قريبا بالسلطات الفدرالية حول هذا الموضوع”.

محمد شريف – swissinfo.ch – جنيف

يخشى قطاع السياحة، الذي استثمر خلال عقود في الترويج لجنيف كوجهة سياحية آمنة، من أن يهدد الصخب الإعلامي حول حادثة الاعتداء على المواطن السعودي كل ما بذله من جهود.

ويقول مدير المكتب السياحي في جنيف، السيد فرانسوا برايان، في هذا الصدد: “يمكن أن يكون له تأثير سلبي على سمعة جنيف في بلدان الخليج، لأن مواطني هذه البلدان يولون عناية كبرى بمسألة الأمن. ولنا سمعة ممتازة في هذا الميدان، مقارنة مع عواصم أوروبية أخرى لأننا كنا دوما نولي هذا الجانب الأمني أهمية كبرى”.

واستطرد قائلا: “بمجرد أن تبث قناة تلفزيونية مهمة، مثل قناة العربية، تقريرا حول حالة منعزلة للاعتداء على سائح، ولو أن حتى حالة اعتداء واحدة أمر غير مقبول بالمرة، فإن ذلك سيثير ردود فعل. وقد يكون لذلك تأثير على السمعة والصورة لدى المشاهدين الذين تابعوا ذلك”.

ويحاول المكتب السياحي في جنيف، من منطلق صلاحياته، التحرك في جميع الاتجاهات للتخفيف من وطأة هذا الحادث. ويقول السيد برايان: “نحن كمكتب سياحي يروج لجنيف، ليس من صلاحياتنا تشديد قوى الشرطة أو القضاء، وبما أنه ليس من صلاحياتنا تحديد السياسات الأمنية، فعلينا أن نتوجه لمجلس الحكومة (في كانتون جنيف) للتعبير لها عن قلقنا بخصوص المساس بسمعة جنيف السياحية، وسنطلعهم على ما توصلنا به من معلومات لحثهم على اتخاذ إجراءات ملائمة”.

وعما إذا كانت هذه السلطات تعي بأن هناك خطورة على السمعة السياحية لجنيف، يجيب مدير المكتب السياحي: “أعتقد ذلك، وإذا لم يكونوا كذلك، فهذا ما سنطلعهم عليه كتابيا”.

وبخصوص السلطات السعودية، أوضح مكتب الوزير المسؤول عن الأمن في جنيف، السيد لوران موتينو، بأن هناك لقاءا مبرمجا مع القنصل العام السعودي. كما أوضح مدير المكتب السياحي بأن هناك اتصالا تم بالفعل به “للتعبير له عن أسفنا لما حدث وأطلعناه بأننا سنوجه خطابا لمجلس الحكومة. واعتقد أنه علينا أن نقابله أيضا، كما اتصلنا بسفير سويسرا في المملكة العربية السعودية لإطلاعه على الوضع”.

وتحسبا لتفاقم الوضع، يرى مدير المكتب السياحي أن هناك ضرورة للتحرك بسرعة، إذ يقول: “أعتقد أنه يجب أن نصدر ردّ فعل وأن نعرب عن إدانتنا لمثل هذه الاعتداءات. ولكن فيما يتعلق بالإجراءات التي يجب اتخاذها، هذا يتجاوز صلاحيات مكتب السياحة. ولكنني أعتقد أن السلطات ستسارع باتخاذ إجراءات وبالاتصال بسفراء وقناصلة هذه الدول، وهذا على الأقل ما نتمناه”.

جنيف: 174526

زيورخ: 66214

فو: 50122

منطقة أوبرلاند (كانتون برن): 35653

فالي: 17763

(المصدر: مكتب السياحة بجنيف)

بلدان الخليج: 500 فرنك

الصين: 430 فرنكا

روسيا: 400 فرنك

اليابان: 340 فرنكا

الولايات المتحدة الأمريكية: 270 فرنكا.

(المصدر: مكتب السياحة بجنيف)

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية