مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

جنين: متى ينكسر جدار التعتيم؟

رائحة الموت تتفشى في مخيم جنين في انتظار الكشف عن حقيقة ما جرى Keystone

يحيط جدل كبير وتفاوت في تقدير عدد الضحايا الذين سقطوا في مخيم جنين الفلسطيني، لكن المنظمات الانسانية ومنظمات الاغاثة التي تواجه تعتيما اسرائيليا شبه مطلق على المخيم، تؤكد ان حجم الاضرار التي الحقها القصف الاسرائيلي بالمخيم، مؤشر على ان عدد الضحايا يحصى بالمئات ولربما بالالاف.

ان ما وقع في جنين يشبه الزلزال. هذا ما اكدته اللجنة الدولية للصليب الاحمر عند معاينة حارة صغيرة في مخيم جنين، الذي يأوي بين خمسة عشر الف وثمانية عشر الف شخص، حسب تقديرات وكالة الامم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين، التي تشرف على ادارة الخدمات في هذا المخيم منذ انشائه عام 1953، على مساحة لا تتجاوز الكيلومتر مربع. وقد دمّرت قوات الاحتلال الاسرائيلي هذا المخيم تدميرا شبه كامل، بعد مواجهات ضارية مع المقاتلين الفلسطينيين.

وعلى الرغم من توقف القتال في جنين، واعتقال القوات الاسرائيلية مئات الشبان الفلسطينيين ونقلهم الى مراكز التحقيق، فان حكومة ارييل شارون فرضت تعتيما مطلقا على جنين، ومنعت منظمات الاغاثة والمنظمات الانسانية الدولية ووسائل الاعلام من معاينة الدمار الذي لحق بالمخيم، ولا تزال السلطات الاسرائيلية تمنع هذه المنظمات، وعلى راسها المفوضية السامية لحقوق الانسان ومنظمة العفو الدولية وحتى اللجنة الدولية للصليب الاحمر، من التعرف على حقيقة الوضع وحصر عدد الضحايا الفلسطينيين الذين سقطوا في جنين ولا تزال جثث بعضهم تتعفن بين انقاض المخيم.

هل يخفي التعتيم الحقيقة؟

هذا التعتيم الاسرائيلي المطلق جعل المنظمات الانسانية الدولية عاجزة عن تقديم اية تقديرات واقعية. لذا، فان هذه المنظمات تبدي ترددا كبيرا في توفير احصائيات حول عدد القتلى الفلسطينيين، لكن المنظمات الفلسطينية التي نجحت في التسلل الى المخيم، تؤكد ان عدد الضحايا في جنين يقدر بالمئات ولربما بالالاف. ولم تتردد الجمعية الفلسطينية لحماية حقوق الانسان والبيئة LAW، في الحديث عن جرائم حرب اقترفتها القوات الاسرائيلية في جنين باوامر من رئيس الحكومة ارييل شارون.

اما منظمة العفو الدولية، فقد ذكر المتحدث باسمها السيد كمال السماري لسويس انفو، ان العالم امام كارثة انسانية كبرى حيث تلقت امنيستي معلومات بوجود مقابر جماعية دفنت فيها قوات الاحتلال القتلى الفلسطينيين، الذين قدرت مصادر الجيش الاسرائيلي عددهم ب 500 في اول الامر ثم تراجعت عن ذلك فيما بعد، مؤكدة ان هذا العدد لا يتجاوز 200 قتيل.

وقال السيد السماري، ان القانون الانساني الدولي واتفاقيات جنيف واضحة وصريحة وكذلك القانون الاساسي للمحكمة الجنائية التي تم تشكيلها مؤخرا، حيث تجمع على تصنيف هذه الجرائم كجرائم حرب قد ترقى الى جرائم ضد الانسانية. وقارن كمال السماري بين ما جرى في جنين وما جرى في مدينة سريبرينتسا البوسنية عام 95، حيث تمت محاكمة بعض الذين ارتكبوا مجازر في المخيم البوسني بعد سنوات من وقوعها.

وسائل الاعلام هي الاخرى منعتها السلطات الاسرائيلية من معاينة الاوضاع في مخيم جنين ولم تتمكن الا بعض محطات التلفزيون من زيارة بعض حارات المخيم تحت مراقبة اسرائيلية كاملة. ونقلت مراسلة شبكة CNN ان الفلسطينيين يؤكدون قيام قوات الاحتلال بعمليات اعدام جماعي للمقاتلين الفلسطينيين خلال استسلامهم وانها منعت سيارات الاسعاف من اغاثة المصابين والجرحى، مشيرة الى ان هذه الاتهامات، اذا ما تأكدت، تعتبر نوعا من جرائم الحرب.

وقالت المراسلة نقلا عن مصادر الجيش الاسرائيلي، ان عدد الضحايا مرتفع في جنين، نتيجة القتال الضاري الذي وقع فيه. كما نقلت صحيفة Jerusalem Post عن نواب ينتمون الى تحالف الليكود قولهم، انه “لا يمكن شن حرب في مناطق ذات كثافة سكانية عالية، دون وقوع ضحايا في صفوف المدنيين”.

في انتظار الموافقة الاسرائيلية!

في هذه الاثناء لا تزال المنظمات الانسانية الدولية، وعلى راسها المفوضية السامية لحقوق الانسان ومنظمة العفو الدولية، تنتظر الضوء الاخضر الاسرائيلي لدخول بعثاتها مخيم جنين والتحقيق لتقدير عدد الضحايا وتحديد طبيعة ما ارتكبته القوات الاسرائيلية من اعمال في مخيم جنين. لكن يبدو ان حكومة ارييل شارون تعمل على ربح الوقت حتى وان ادى ذلك الى تعرضها لمختلف اصناف الاتهامات الخطيرة.

وقد اتهم المفوض الاوروبي للعلاقات الخارجية كريس باتن، حكومة ارييل شارون باذكاء النزاع نتيجة رفضها السماح للمنظمات الانسانية بدخول مخيم جنين. وقال السيد باتن، انه يتعين على اسرائيل قبول تحقيق تقوم به الامم المتحدة لكشف حقيقة ما جرى في جنين، والا فان صورة الدولة العبرية ستتعرض الى “اضرار جسيمة”.

وفي انتظار استجابة اسرائيل للضغوط الدولية، وهو امر مستبعد على المدى القصير، حذرت وكالة الامم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين من كارثة انسانية في مخيم جنين، حيث يفتقر الاف السكان في المخيم الى ابسط مقومات الحياة، لاسيما الاغذية والادوية ومياه الشرب. ويؤكد شهود عيان ان عشرات الجثث لا تزال قابعة تحت انقاض المخيم، وان السكان عاجزون عن انتشالها ودفنها، وهو ما سيؤدي الى انتشار الاوبئة.

سويس انفو

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية