مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

خبراء يُرجّحون إمكانية التوصل لاتفاق إيراني مع الغرب

صورة التقطت صباح الإثنين 16 مارس 2015 لفندق "بوريفاج بالاص" بمدينة لوزان الذي احتضن جولة جديدة من المفاوضات حول الملف النووي بين وزيري خارجية الولايات المتحدة وإيران. swissinfo.ch

في لوزان غرب سويسرا، عقد وزيرا الخارجية الأمريكي جون كيري وافيراني محمد جواد ظريف جولة مفاوضات شاقة على أمل التوصل الى اتفاق تاريخي قبل نهاية شهر مارس الحالي حول البرنامج النووي الايراني يحول دون حيازة طهران القنبلة الذرية.

والتقى وزيرا الخارجية مع الوفدين المرافقين لهما على مدى خمس ساعات في فندق بوريفاج بالاس في لوزان. وقال دبلوماسي أمريكي إن كيري وظريف اللذين تقاربا بعض الشيء إثر اشهر من الاتصالات والمداولات بينهما، عقدا لقاء ثنائيا استمر 20 دقيقة.

وبعد 12 عاما من التوتر الدولي و18 شهرا من المحادثات المكثفة حددت جمهورية إيران الإسلامية ودول مجموعة 5 زائد 1 (الولايات المتحدة والصين وروسيا وبريطانيا وفرنسا والمانيا) مهلة تنتهي في 31 مارس للتوصل الى اتفاق يضمن عدم امتلاك ايران القنبلة الذرية مطلقا مقابل رفع العقوبات.

3 قضايا مُبهمة..

في الأثناء، رجّح خمسة خبراء في الشؤون الإيرانية والعربية أن طهران وواشنطن ستتوصلان إلى اتفاق حول النووي مع نهاية الشهر الجاري. وقالت خبيرة الشؤون الايرانية الدكتورة فاطمة الصمادي: “إن ما تسعى إليه إيران هو اتفاق ذو مرحلة واحدة، مؤكدة أنه ليس هناك سيناريو واحد، لكن أقل السيناريوهات خطرا على طهران هو فشل الاتفاق، لأنه لا أحد في إيران يريد أن يكون مسؤولا عن اتفاق سيء”. وأشارت الصمادي في ندوة أقامها مركز الجزيرة للدراسات رابط خارجيفي العاصمة القطرية يوم الأحد 15 مارس 2015 حول “تداعيات الإتفاق النووي المحتمل مع إيران”، إلى وجود ثلاث قضايا ما زالت مُبهمة في الإتفاق النووي المُحتمل وهي مصير العقوبات والرقابة على النووي الايراني ومستقبل التخصيب، فإيران توقفت طويلا خلال المباحثات عند العقوبات مُشددة على ضرورة رفعها دفعة واحدة بقرار سياسي، وليس إزالتها على مدى عشر سنوات مثلما اقترح الطرف المقابل. ومرد ذلك إلى أن طهران “تخشى من أن تصل الرقابة وعمليات التفتيش إلى القوة الصاروخية الإيرانية”، على حد قولها. 

أظهر آخر استطلاع للرأي أن 86 في المائة من الإيرانيين يؤيدون التوصل إلى اتفاق فاطمة الصمادي، خبيرة في الشؤون الإيرانية

أما عن موقف الرأي العام الإيراني من الاتفاق فقالت الصمادي: “إن آخر استطلاع للرأي أظهر أن 86 في المائة من الإيرانيين يؤيدون التوصل إلى اتفاق فيما لا تتجاوز نسبة المعترضين 14 في المائة”. وعزت ارتفاع نسبة المؤيدين إلى سوء الأوضاع الإقتصادية مُشيرة إلى أن “شعبية الرئيس حسن روحاني تراجعت بعد الأزمة النفطية” طبقا لاستطلاعات الرأي، كما أن الموازنة التي أعدت قبل انهيار أسعار النفط كانت متفائلة ومبنية على استقرار الأسعار.

الصمادي تطرقت أيضا إلى التأثيرات المحتملة للإتفاق مشيرة إلى أن “أي اتفاق جيّد (لصالح إيران) سيعني رفع العقوبات عن القطاع النفطي بما يجعل إيران تحصل على 30 مليون دولار من الإيرادات الإضافية شهريا”. وأشارت إلى أن طهران أبرمت اتفاقا مهما مع روسيا وإذا ما تسنى تنفيذه بعد رفع العقوبات فسيرتفع حجم المبادلات الثنائية بين طهران وموسكو. واستطردت قائلة: “إن أي انفراج في هذا الملف سيرفع من شعبية روحاني، أما إذا كان الإتفاق يمسّ من السيادة الايرانية فسترتفع أصوات معارضيه وخاصة في الحرس الثوري. إقليميا إذا حصل اتفاق، فسيعزز موقع إيران عراقيّا وسوريّا، أما إذا لم يتم فستكون المواجهة في هذين البلدين”، مؤكدة على أن “التنسيق الأمريكي الإيراني حاليا في ملفي العراق وأفغانستان جعل النووي ملفا من ضمن الملفات وليس كل شيء في العلاقات الثنائية مع واشنطن”.

“الألم المتبادل.. والفرصة السانحة”

من جهته، أكد الدكتور ابراهيم شرقية فريحات، الباحث في معهد “بروكينغز الدوحة”رابط خارجي أن معظم المؤشرات تدل على أنه سيكون هناك اتفاق نووي، مُتوقفا عند مرتكزين لفهم خلفيات هذا الملف، أولهما أن الولايات المتحدة تتعامل مع المنطقة كوحدة وليس كملفات منفصلة، أي ضمن استراتيجيا إقليمية تحدد من خلالها على سبيل المثال هل تتدخل في سوريا أم لا؟ والثاني هو نظرية “الألم المتبادل والفرصة السانحة”، فالطرفان وصلا إلى المرحلة الراهنة من خلال حروب وعقوبات وأخيرا انهيار في أسعار النفط. وأكد أن إيران اليوم في وضع لا تُحسد عليه، وهي بحاجة إلى تمويل الحروب في اليمن وفي غيرها. وقال شرقية فريحات إن أمريكا أخفقت في العراق وسوريا وفلسطين، وهي تبحث عن نصر أو إنجاز، خاصة أن الرؤساء المغادرين يهتمون بالإرث (legacy) الذي يبقى بعد ذهابهم من السلطة. 

في هذا السياق، اعتمد الباحث على بعض المؤشرات التي تدل على التقارب بين طهران وواشنطن، منها أن تقرير استراتيجيا الأمن القومي 2006-2007 صنف إيران كخطر بناء على خمسة مؤشرات، أما في التقرير الصادر قبل شهرين فلم يبق سوى مؤشر واحد هو النووي، ما يدل على “سعي لتأهيل إيران والتفاهم مع قيادتها”. وبما أن التعامل الأمريكي مع المنطقة كلي وشامل فسيشمل الإتفاق مع طهران ملفات محاربة “داعش” والارهاب، بالاضافة لضرورة تقديم ضمانات للحلفاء وخاصة دول الخليج، وهذا يتطلب صياغة استراتيجيا جديدة معهم وليس الإكتفاء بالتطمينات والرسائل.

أكثر من ذلك، يرى شرقية فريحات أن أي اتفاق نووي سيجعل واشنطن تتعامل مع إيران كقوة اقليمية وتُراجع رؤيتها السابقة. أما داخليا، فتوقع أن يزيد الإتفاق المحتمل من حدة الإستقطاب بين الجمهوريين والديمقراطيين. وقال: “إن هذه الوضعية ليست جديدة، فعندما حاولت إدارة بوش الابن محاصرة سوريا في 2007 تحدتها نانسي بيلوسي وكسرت قرار الحصار بزيارتها لدمشق”. وأشار الباحث في معهد بروكينغز الدوحة إلى أن الرسالة التي وجّهها سبعة وأربعون عضوا من الكونغرس من معارضي الإتفاق مع طهران “حررها نائب جديد لم يمض على انضمامه للمجلس التشريعي سوى ستين يوما”.

وتطرق إلى الإنعكاسات الإقتصادية المُحتملة للإتفاق إذا ما تم انطلاقا من أن الولايات المتحدة، حسب احدى الدراسات التي صدرت مؤخراً قد تكون خسرت من توقف الصادرات إلى إيران منذ 1995 إلى عام 2012 ما يقارب 175 مليار دولار وهذا يُكلفها أيضا خسارة 60 ألف فرصة عمل سنوياً، بالإضافة إلى أن كبريات الشركات النفطية الأمريكية مثل أكسون موبيل وشيفرون ظلت محرومة من الإستثمار في قطاع النفط في إيران. لكن الباحث شدد على أن هذا العامل الإقتصادي “ثانوي في القرار الأمريكي لأن العنصر المُحدد هو الجيوسياسي والإستراتيجي”.

ماذا عن الهند والصين وروسيا؟

في نفس الندوة، رأى الباحث غسان شبانة أن كلا من روسيا والصين والهند تتمنى أن تُوضع إيران في مكانها ولا تُمنح الفرصة لتوسيع نفوذها. لكن لكل واحدة من هذه الدول النووية الثلاث سياستها ورؤيتها الخاصة، فروسيا مستفيدة من توتر علاقات الغرب مع طهران لأن ذلك يُبقي أسعار النفط مرتفعة، كما أنها تسعى للهيمنة الاقليمية في منافسة مع الإيرانيين.

أما إذا تم التوصل إلى اتفاق فستلتفت طهران إلى خلافاتها مع موسكو حول بحر قزوين. وقال شبانة: “إن الصينيين والهنود يتناقشون بشأن انعكاسات الإتفاق النووي على علاقاتهما باسرائيل”. في الأثناء، “تبدو الهند غير مُبالية بهذه الصفقة لأن هاجسها الأول هو من يبيعُها نفطا وأيّا كان من يفعل ذلك ستصفق له”، حسب رأي الباحث.

“الإتفاق سيتم” رغم معارضة إسرائيل

على صعيد آخر، قلل لوشيانو زاكارا الأستاذ في جامعة قطر رابط خارجيمن أهمية المعارضة الإسرائيلية للإتفاق مشيرا إلى أن كلام اسرائيل المكرور منذ عشرين سنة عن النووي الإيراني لم يُصدّقه أحد، وأكد أن “الإتفاق سيتم” وأن “الأطراف الكبرى هي المستفيدة منه”. وقال إنه من الصعب أن نجد عملا إيرانيا ضد اسرائيل طيلة الثلاثين سنة الماضية، إذ كان الإيرانيون يُرددون “إذا ما هاجمتنا اسرائيل فسيتحرك حزب الله وحركة حماس للدفاع عنا”. أما اغتيال اسرائيل لعلماء نوويين ايرانيين، فلا توجد أدلة دامغة عليه “لكنه مُرجّح”.

ولخص زاكارا جوهر الموقف الإسرائيلي في أن وجود إيران نووية ببرنامج شرعي (أي يحظى بموافقة المؤسسات الدولية المعنية وتحت إشرافها) من شأنه تعريض مصالح الدولة العبرية للخطر. واعتبر أنه عندما تفكر اوروبا وأمريكا في تخفيف العقوبات على إيران وتفترضان أنها لاعب اقليمي مهم فيجب احتواؤها وإدماجها وإن على مضض. كما أن دول الخليج مُضطرة للقبول بها. وأكد أن هذا التطبيع إذا ما تم فلن يترك مجالا لعقوبات جديدة على إيران في المستقبل. ولن يكون هناك أيّ هجوم دولي على إيران، كما لن تقبل أي دولة بتحرك عسكري إسرائيلي ضد إيران.

في مداخلته، أشار خالد الجابر، رئيس تحرير صحيفة “ذي بينانسولا” The Peninsulaرابط خارجي القطرية إلى أن السؤال الذي يتردد في الإجتماعات العامة والخاصة في دول الخليج هو: “من هي العاصمة الخامسة التي ستسقط في ايدي إيران (بعد دمشق وبغداد وبيروت وصنعاء)”؟، ولفت إلى أن “غياب استطلاعات الرأي يجعلنا لا نعرف كيف تفكر السلطات والرأي العام في بلدان الخليج”، وأكد مع ذلك أن “هناك مؤشرات تساعد على قراءة ردود الفعل في حالة الإعلان عن اتفاق” بين إيران والولايات المتحدة، مُعتبرا أن “الإتفاق تمّ”، على حد قوله. واستعرض الجابر تاريخ العلاقات الإيرانية الأمريكية منذ قيام الجمهورية الاسلامية (في عام 1979) مشيرا إلى أن اسمين برزا في حقبة الرئيس الأمريكي جيمي كارتر وهما رفسنجاني وروحاني، وقال إن الفريق نفسه يسعى اليوم إلى اللعبة نفسها من أجل الوصول إلى اتفاق جديد. وشدّد الجابر أخيرا على أن إيران “تحاول إقناع الغرب بأنها الوحيدة القادرة على مكافحة الإرهاب في المنطقة، وإذا ما سارت الأمور في هذا الإتجاه فستؤدي إلى “ضياع فرص التنمية في الخليج بسبب سباق التسلح مع إيران”، حسب رأيه.

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية