مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

مختبر مفتوح لمزيد من الإخضرار في المدينة

شارع لا ميرسيير، بالقرب من الكاتدرائية.. هنا تتخذ لوزان (عاصمة كانتون فو) طابع القلعة الريفية، وحيث زودت بحيز من العشب بمحاذاة الطريق المعبد. swissinfo.ch

مدن المستقبل ستكون خضراء أو لا تكون! وفي الوقت الحالي، تقوم العديد من الحواضر الكبرى والمتوسطة في العالم باختبار طرق متعدّدة من أجل تعزيز التواجد النباتي في ثناياها، من بينها ما يُعرف بالمزارع الحضرية. وفي سويسرا، تخوض مدينة لوزان منذ عام 1997 كل أربع أو خمس سنوات، ضمن برنامج يُعرف باسم "حدائق لوزان"، بتجربة مخبرية رائدة وجمالية تنبِّـئ بما قد تكون عليه التجمعات الحضرية والمدن في قادم الأيام.

قد يتراءى للبعض أنها مجرد أسطورة تأسيسية، لكن الأمر عكس ذلك تماما: كريستوف بونسو وأدريان روفيرو منحنيان فوق خريطة لمركز مدينة لوزان، وفي يد كل منهما 15 بذرة، ثم يُطلقان تلك البذور، وحيثما سقطت تنبتُ حديقة. لقد تم تكليف الرجلان – وهما مهندس معماري ومصمم باريسي ومصمم من مدينة لوزان، اللذان سبق أن شاركا في تجربة عام 2009، بالإشراف على تظاهرة “حدائق لوزان لعام 20رابط خارجي14″ التي تنتظم تحت شعار “الهبوط” (Landing)، أي أن الحدائق تحط الرحال في قلب المدينة.

المزيد

المزيد

تلاوين خضراء في قلب المدينة

تم نشر هذا المحتوى على تجمع تظاهرة “حدائق لوزان” بين التسلية والغرابة والطابع الفني والتجريبي. فهي عبارة عن فضاء فسحة بين طرقات ملتوية في قلب المدينة، حيث يُشاهد المرء بقعا خضراء في أماكن لا تتوقع مشاهدة أي نباتات فيها. (النص والصور: مارك أندري ميزري swissinfo.ch)

طالع المزيدتلاوين خضراء في قلب المدينة

يستنتج أدريان روفيرو أن “البذور تساقطت عشوائيا، ولكن تنوع الأمكنة التي حطت فيها، يعكس طبيعة طوبوغرافيا مدينة لوزان، إذ نعثر عليها في الأزقة الصغيرة والساحات والحدائق وفوق الأسطح…”. ومع أن مخطط المدينة منبسط ويفتقر إلى البعد الثالث، إلا أنه لم يتم التغافل عن التضاريس. فمدينة لوزان معروفة بمساربها الصاعدة والهابطة، وبهضابها وطرقها الملتوية وبأدراجها وبمواقعها المميزة التي تسمح بالقاء نظرة على البحيرة، مما يزيد في سحر وجمال مركزها التاريخي الذي لا زال محتفظا بتخطيطه القديم وطرقه التي تعود إلى العصور الوسطى.

في الأثناء، تشتهر مدينة لوزان أيضا بكثرة المساحات الخضراء فيها. فهذه المدينة التي تغمس أقدامها في مياه بحيرة ليمان وتكسو الغابات قمتها، تعج بالحدائق والمنتزهات والأشجار والمساحات المعشوشبة. فالغابة تقع على مرمى حجر من هضبة المدينة، بل لا زالت قطعة منها في قلب مركزها بمحاذاة الجهة الجنوبية لمنتزه “فلون”، وهو حي صناعي تحول إلى منطقة جذابة لشباب حريص على متابعة آخر صيحات الموضة.

في هذا المكان، الذي يُوصل إليه طريق بلا منفذ، وبين مخزنين شُيّدت جدرانهما من صخور عمّرت لقرون ورمّمت حديثا، يمكن لمن يرفع رأسه إلى الأعلى أن يرى الحديقة المعلقة. نباتات وضعت في محابس معلقة في أسلاك تمتد من نافذة لأخرى فوق الزقاق، لتقيم رابطا رمزيا بين جيران المكان. في مدينة نابولي جنوب إيطاليا، تُستخدم هذه الأسلاك لنشر الغسيل، أما هنا يتخذ الرابط شكلا نباتيّا.

مدينة محظوظة

الفكرة الرئيسية في برنامج حدائق لوزان، هي إنشاء فضاء أخضر في مكان لم يعتد على الخُضرة من قبل. أما المقصود، فيتمثل في إثارة الإستغراب وخلق المفاجأة ودفع المارة إلى التساؤل عن العلاقة بين المدينة وعالم النبات. هذا التساؤل تناوله تيري مايير، رئيس تحرير صحيفة 24 ساعة رابط خارجي المحلية قائلا: “هل المدينة مشهد طبيعي؟ وهل يتعيّن علينا تأطير الطبيعة؟ وهل المكان المتاح ثابت لا يتبدل؟ وهل يترادف التشييد دائما مع التحطيم؟”.

ما الذي يُمكن إضافته بعد كل هذا الكلام؟ هو أن “لوزانرابط خارجي مدينة محظوظة، الأمر الذي يجعلها (مكانا) مثاليا للقيام بمثل هذه التجارب”، كما يقول كريستوف بونسو، الذي أضاف أنه “في كل أربع أو خمس سنوات، تتاح للعاملين في حدائق المدينة وعددهم 330 إمكانية اختبار العديد من الأمور ومقارنة أنفسهم بفنانين آخرين”.

في المقابل، لا يمكن القول أن مصلحة الحدائق والأراضي التابعة لمدينة لوزان، هي الجهة الوحيدة المعنية بهذه التجربة، من خلال توفيرها للمساحات الخضراء التجريبية، بل هناك أيضا مصالح الري المنخرطة بشكل كبير في المشروع، بحُـكم أن الري الآلي غير ممكن في جميع المواقع. إضافة إلى ذلك، يستعين برنامج حدائق لوزان، بخبرات فنانين دوليين (يتم انتقاؤهم من خلال مناظرة) وبطلبة يدرسون فن التصميم ومختصين في البستنة والعناية بالمناظر الطبيعية ومهندسين معماريين من خرّيجي المدارس العليا. ففي هذه الدورة الخامسة، وقع اختيار لجنة التحكيم على 27 مشروعا، 9 منها أوروبية واثنان أمريكيان من بين حوالي 400 مشروع اشتركوا في المسابقة. 

عالميّ وفريدٌ

يبقى السؤال: هل تحوّل إدراج الخضرة في المدن إلى صرعة أو موضة جديدة؟ يُجيب كريستوف بونسو: “نعم، إذ تقوم كل المدن الكبرى بتجارب متفاوتة، لكنها على نطاق واسع”. فعلى سبيل المثال، تنظم جنيف هذا العام أول دورة من مهرجان الحدائق تحت شعار “جنيف، مدينة وحقولرابط خارجي“. مع ذلك، لا يندرج مشروع “حدائق لوزان 2014” بشكل مباشر في مسار “المزارع الحضريةرابط خارجي“، وهي تظاهرة لديها منذ فترة مواعيد سنوية قارة في بروكسل وبرا، ومونريال، إضافة إلى معرضه المتجول “كاروت سيتيرابط خارجي“، الذي ستكون له وقفة أيضا في مدينة لوزان خلال هذا الصيف.

في الأثناء، لن يشتمل “برنامج حدائق لوزان 2014” هذه المرة، إلا على موقع إنتاجي واحد، وهو عبارة عن بيت زجاجي مخصص لإنتاج الطماطم سيتوج بيتا ضخما تكسوه النوافذ، يعود تاريخ بنائه إلى خمسينيات القرن الماضي. وفيما يتعلق بباقي جوانب البرنامج، يقول المهندس المعماري الباريسي: “لقد تركز اهتمامنا بالدرجة الأولى على شكل الحديقة، أكثر من عنايتنا بضرورة وجود الحديقة في المدينة. وبالفعل، لو أجرينا مقارنة مع مهرجانات أخرى تنخرط في تيار “المزارع الحضرية”، لوجدنا أننا متفردون على مستوى العالم، بالنظر إلى ضخامة المشروع وطول مدة إقامة التظاهرة التي تستمر أربعة أشهر”.

من جهته، يلاحظ أدريان روفيرو أنه “هنا، نحن فعلا في قلب الحدائق الحضرية، وما يهمنا هو الذهاب إلى حيث يُوجد مبدئيا نوع من “التحدي” لإيجاد مكان لمساحات خضراء”، وهذا أيضا ما يُوجد فرقا شاسعا بين تظاهرة “حدائق لوزان” ومهرجانات أخرى مثل مهرجان “شومون فوق نهر لواررابط خارجي” بفرنسا، حيث تنتشر الحدائق – الأكثر طلائعية وابتكارا – وسط… الحدائق!

على العكس من ذلك، تبدو بعض الحدائق في لوزان وكأنها هبطت من السماء، في حين تُزهر الأخرى فوق فضاءات مُخضرة منذ فترة. وهناك أيضا مفاجآت غير متوقعة، مثل واجهة مبنى من الطراز النيوكلاسيكي وقد كُسيت تماما بالعشب الأخضر، فيما تتناثر بعض النتف المعشوشبة من بين الأعمدة في مشهد يمزج بين أقدار من الغرابة والتسلية مع ملمح لمنظر شبيه بما تخلفه كارثة كبرى، وكأن النباتات أصبحت مُهيمنة على المدينة. 

أبحاث وتنمية

في المقابل، يُعرب كريستوف بونسو عن رأي مُغاير ويقول مصححا: “لم يكن ذلك هدفنا، بل نرغب في استكشاف طرق جديدة لاستخدام أو إدراج المساحات الخضراء في المدينة، ولكن في مدينة مأهولة بالسكان. هنا، أرى فيه طريقة مُختلفة للرد على المقترحات الأخرى القائمة كالحدائق العمودية”.

المهندس المعماري والمصمم 

كريستوف بونسو مهندس معماري متخرج من مدرسة ” بول ” في باريس، ولكنه في نفس الوقت مصمم مناظر طبيعية ومدير فني في فن التصميم ، والتصوير والفن الغرافي. وقد شارك في عام 2000 في معرض ” الحدائق الكونية” الذي احتضنه البهور الكبير في لا فيليت. وهو ايضا مصمم الجناح الفرنسي بالمعرض الدولي في ساراغوسة في عام 2008. كما اشتغل مؤخرا في تصميم حديقة الصندوق الاقليمي الجديد للفن المعاصر في اورليانز ( بفرنسا) وطور مشاريع جمعت بين الفن المعماري الزائل، وفن التصوير، وفن تنظيم المشاهد الطبيعية في مدينة ديترويت (بالولايات المتحدة الأمريكية).

أدريان روفيرو حاصل شهادة ماستر في التصميم الصناعي من المعهد الفني لدويلة لوزان (إيكال). ولكونه من الناشطين في مجال العقار ، والاضاءة ، والاخراج، أقدم على فتح أتولييه خاص به في عام 2006 في مدينة رونون، حيث يقوم برسم المشاريع الخاصة بدور نشر من كافة أنحاء أوروبا. كما تكلفه مؤسسات ومتاحف بالسهر على مشاريع إخراج وتصميم، مثل مركز بومبيدو بباريس، أو معرض لو غران هورنو للصور ببلجيكا، او متحف التصميم والفنون التطبيقية المعاصرة ( موداك) في لوزان. وهي ثلاثة معاهد اقدمت ايضا على شراء بعض من إنتاجه الفني لتعزيز العروض التي تقدمها.

وسواء تعلق الأمر بحدائق عمودية، أو واجهات مكسوة بالأعشاب، كل ذلك هو بمثابة نماذج يبدي المهندس المعماري بعض التحفظات بخصوصها بقوله “قد نجد في هذه النماذج بعض المبررات التي يفرضها اندماج المنظر الطبيعي، أو الحاجة إلى عزل حراري أو صوتي، ولكن عندما يتعلق الأمر بمجرد ديكور، أو رغبة في إبداء مشاهد مثيرة للإستغراب، فإن ذلك يصبح محط جدل، خصوصا وأن ذلك يؤدي الى استهلاك كبير للمياه”.
ويضيف ادريان روفيرو في نفس السياق: أن “الإصرار على وضع حدائق عمودية بكل ثمن، قد يتحول الى بدعة تبعا للمكان الذي نرغب وضعها فيه”. كما يعتبر أن وضع عشب بين أعمدة إسمنتية “قد يكون ملائما في تظاهرة لزمن محدد، ولكن يجب أن لا تكون أبدية”.

لكن تحديد فترة عرض أطول لبعض النماذج أو بعض الأفكار، قد يكون ملائما في بعض الأحيان، مثلما هو الحال بعد كل دورة من “حدائق لوزان”. ولكن من السابق لأوانه التكهن بالنماذج التي قد يتم اختيارها هذه المرة، مع أن المشرفين على تظاهرة 2014 يميلان أكثر إلى نماذج جديدة من صناديق غرس الأزهار القابلة للتركيب والتداخل فيما بينها، والتي يُمكن نقلها إلى مكان آخر في المدينة، بعد وضعها لأول مرة في حي بدون سيارات في مركزها.

هذا الجانب التجريبي هو الذي يحبذه أدريان روفيرو أكثر في هذه المغامرة. لذلك، يتم الحديث عن تجارب مخبرية وتجارب تنموية، وهو ما يتعدى بكثير مجرد تجميل وديكور لأحياء المدينة. ذلك أن تظاهرة “حدائق لوزان” بمعارضها وندواتها المصاحبة لفعالياتها، أصبحت بمثابة تظاهرة ثقافية بأتم معنى الكلمة، تحتفظ بها ذاكرة الناس في انتظار تنظيم الدورة الموالية، نظرا لأنها لا تُنظم سوى مرة في كل خمس سنوات. وبصورة عامة تجتذب هذه الحدائق العديد من الزوار ونادرا ما تتعرض للتخريب، حتى في أحياء المدينة “الأكثر حساسية”.

أخيرا، يقول مصمم الديكور أصيل مدينة لوزان: “ما أجد أنه إيجابي أيضا، هو أن كل المصممين او المهندسين المعماريين المستقبليين المنحدرين من المعاهد العليا، الذين ساهموا في تظاهرة حدائق لوزان، قد فكروا جيدا في طريقة التعامل مع النباتات. فقد تعلموا كيفية احترامها واعتبارها بمثابة كائن حي، وليس مجرد عنصر تجميل وديكور”.

(نقله من الفرنسية وعالجه: محمد شريف)

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية