مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

حدود الشرق الأوسط تتهاوى في لوكارنو

pardo.ch

رغم الغياب العربي الكبير عن الدورة الحالية لمهرجان لوكارنو، كان الشرق الأوسط ضيف الشرف بدون منازع مساء الخميس 7 أغسطس في ساحة بياتزا غراندي.

المهرجان اختار أن يمنح جائزته المميزة “فهد الشرف” هذا العام للمخرج الإسرائيلي عاموس غيتاي وكرّمه بعرض أحدث أفلامه لجمهور الساحة الكبرى بالمدينة وأتبعه بعرض شريط “المصير”، كتكريم خاص للمخرج المصري الراحل يوسف شاهين، الذي حظي في عام 1996 باهتمام واسع من طرف مهرجان لوكارنو، الذي لم يتردّد في عرض 38 شريطا من إبداعه للجمهور السويسري والأوروبي.

المهرجان الدولي للسينما في لوكارنو متعوِّد على الاحتفاء بالكبار (مثل المخرج السويدي إنغمار بيرغمان، الذي توفي العام الماضي)، لكنه حريص على فتح الآفاق بوجه الوجوه الشابة والمبدعين الصاعدين.

في هذا السياق، يأتي تكريم عاموس غيتاي، الذي حلّ عدّة مرات ضيفا على قسم “سينمائيو الحاضر”، الذي تحرِص فيه إدارة المهرجان على التعريف بالطاقات الواعدة.

شاهين.. صديقي

الشريط الأخير للمخرج الإسرائيلي يحمل عنوان “عندما تكبر.. ستفهم”، عُـرض مباشرة قبل شريط يوسف شاهين، الذي يعتبره صديقا له، ويُـقِـرّ عاموس غيتاي بأنه أقام “حوارا عابرا لحدود الشرق الأوسط” مع السينمائي المصري الراحل.

ويتذكّـر المخرج الإسرائيلي أن يوسف شاهين “عندما شاهد شريط (يوميات حملة عسكرية)، عبَـر قاعة العرض ليقول لي، إنها المرة الأولى التي يصافح فيها إسرائيليا وأنه أعجِـب بشريطي. وبعد ذلك، تبادلنا في العديد من المرات الأفكار وساهمنا في مشاريع مشتركة.

في هذا السياق، يُـشير غيتاي إلى فيلم “11’09”01″، وهو شريط روائي طويل، من إنتاج جماعي، حكى فيه 11 سينمائيا من أصول مختلفة، كل بطريقته، رؤيته للتاريخ بواسطة “الحدّوثة الصغيرة”، في 11 دقيقة و9 ثوانٍ وصورة واحدة، وكان الشريط فرصة ليُـعبِّـر السينمائيون المشاركون، ومن بينهم شاهين (بأدوات الحُـلم) وغيتاي (عبر التوثيق)، عن كيفية انشغالهم بأحداث العالم وطريقة تسييره.

شاهد على عصره

المدير الفني لمهرجان لوكارنو، فريديريك مير، يُـضيف مُـنوِّها، إلى أن “غيتاي مُـخرج غزير الإنتاج، لكنه صاحب عقلية حرّة ومواطِـنة قبل كل شيء، وتُـعتبر السينما من وجهة نظره، تعبيرا عن رؤية نقدية للعالم”.

وفي الواقع، يبدو عاموس غيتاي، الذي قدِم إلى السينما عن طريق الشريط الوثائقي، مسكونا بالحاجة الذاتية لتقديم شهادته. فمنذ 40 عاما تقريبا، يقوم بإنجاز عمل يجتهد لفهم المنطقة التي ولِـد فيها، حيث يتواعد التاريخ مع المأساة في كل يوم.

هذه المواعيد لم يتخلّـف غيتاي عن أي واحد منها، فعلى سبيل المثال، ظل شريط “يوميات حملة عسكرية”، الذي صُـوِّر خلال الغزو الإسرائيلي للبنان وعُـرض عام 1982، ممنوعا لفترة طويلة من الشاشات في إسرائيل، بل إن السِّـجالات التي رافقته، دفعت المخرج إلى الهجرة في فرنسا، حيث لا زال يقيم جزئيا في الوقت الحاضر.

المنفى الاختياري الباريسي، لم يضع حدّا لاهتمامه بالأحداث في الشرق الأوسط. ففي عام 1996، تمحور شريطه “رُكح الاغتيال”، حول اغتيال رئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق إسحاق رابين على يد متطرف يهودي. أما في عام 2000، فقد استعاد من خلال شريط “كيبّـور”، حرب أكتوبر بين إسرائيل وسوريا ومصر، التي شارك فيها. ويبدو أن هذه التجربة القاسية تقف إلى حد بعيد وراء اختياره ممارسة الشهادة بواسطة الكاميرا.

ذكريات حرب

لا يشُـكّ عاموس غيتاي للحظة واحدة بأن “السينما هي الأداة الإعلامية لعصرنا، لأنها تسمح باستجواب الحاضر وطرح أسئلة عليه، مثلما قام بذلك الكتّـاب في القرن الماضي”.

في هذا السياق، يُـسجِّـل الانسحاب الإسرائيلي الأخير من غزّة هو الآخر، حضوره في أعماله السينمائية، فشريط “انسحاب”، الذي عُـرض للمرة الأولى العام الماضي في مهرجان البندقية، لم يتمكّـن من الحصول على تمويل عمومي في إسرائيل. ولعلّ السبب في ذلك، يعود إلى أن عاموس غيتاي يُـظهر في هذا الشريط مرة أخرى، الأسلاك والحواجز ونقاط التفتيش والحدود، التي تطبع الأراضي والأذهان، إضافة إلى عجز جميع الذين يجدون أنفسهم مُـنخرطين في هذا الصِّـنف من الأحداث.

ويعتقد غيتاي أنه “يجب أن لا تقتصر العلاقة مع الواقع على مجرّد تصويره، بل على الواقع أن يُـلهِـم الخيال”، ومن هنا، يأتي استنجاده بتجربته الشخصية (ابنه شارك مثلا في الانسحاب من غزة أثناء أدائه للخدمة العسكرية) لتغذية أفلامه.

موشي، موسى، وبحث عن الهوية

الشريط الجديد، الذي يحمل عنوان “عندما تكبر.. ستفهم”، اقتُـبِـس من رواية تحكي سيرة ذاتية من تأليف الكاتب والصحفي الفرنسي جيروم كليمان.

هذا العمل لا يُـمثل استثناءً في مسيرة عاموس غيتاي، الذي وافق على إنجاز هذا المشروع في الوقت الذي كان يُـعدّ فيه عرضا حول والده، الذي فرّ من النظام النازي. ويقول “لقد كان ملائما تماما لوضعيتي النفسية”.

في هذا الشريط المتميّـز بقدر لا بأس به من الحياء والجدية، يقوم فيكتور بالبحث والتفتيش على مصير أجداده للأم، وهم يهود فرنسيون من أصل روسي قُـتِـلوا في المحتشدات النازية. وأمام استحالة التطرق إلى الموضوع مع أمه، يقوم لوحده بإجراء التحقيق، فيما تدور وقائع محاكمة المجرم النازي كلاوس باربي (في ليون بفرنسا أواسط التسعينات) وسط تجاهل ظاهري لأطوارها من طرف الإبن والأم.

وبمواجهة الصمت وبعض المعلومات الشحيحة والكثير من المسكوت عنه ونقائصه الذاتية، يخوض فيكتور صراعا لا أمل فيه ضد الماضي الذي يتوارى شيئا فشيئا. وفي محاولة لإعادته إلى الحاضر، تقول له زوجته “ليس بإمكانك أن تعيد صياغة التاريخ ولا أن تفكِّـكه”.

على العكس من ذلك، يحاول عاموس غيتاي – سواء صوّر أشرطته في فرنسا أو في إسرائيل – أن يفهم. ومن خلال بعض الشخصيات، مثل ذلك الذي تناديه أمه موشي وأبوه موسى في شريط “يوم يوم” (أحد أجزاء ثلاثيته الشهيرة)، يطرح غيتاي (ويُـكرّر) مسألة الهوية، دون أن يستهين بما تتسم به من تعقيد.

سويس انفو – اعتمادا على تقرير باللغة الفرنسية لكارول فيلتي – لوكارنو

ولِـد في حيفا عام 1950 ودرس الهندسة المعمارية في إسرائيل وكاليفورنيا.

منذ نهاية السبعينات، بدأ في تصوير أشرطة وثائقية للتلفزيون الإسرائيلي.

في عام 1982، اختار المغادرة إلى فرنسا إثر الجدل الذي أثاره شريطه “يوميات حملة عسكرية” حول الحرب التي شنتها إسرائيل على لبنان.

في فرنسا، واصل عاموس غيتاي عمله وأخرج فيها عام 1986 أول شريط روائي له بعنوان “Esther”، الذي اقتبسه عن رواية توراتية.

في عام 1993، عاد للاستقرار مجددا في إسرائيل، حيث لا زال يقيم الآن بالتوازي مع باريس.

إجمالا، تشتمل أعماله السينمائية على 50 شريطا روائيا، متوسطا وطويلا، أنجِـزت في معظم الأحيان في شكل ثلاثيات، وأشهرها “دوفاريم – 1995″ و”يوم يوم – 1998” و”كادوش – 1999″، إضافة إلى الأشرطة الوثائقية.

تهتم أعمال عاموس غيتان بالخصوص، بتاريخ الشرق الأوسط والحرب والأرض والدين والهجرة والشعور بالانتماء.

في لوكارنو، جنوب سويسرا، حلّ عاموس غيتاي عدة مرات ضيفا على قسم “سينمائيو الحاضر”، كما اختير في عام 1992 عضوا في لجنة التحكيم الرسمية للمهرجان.

تتواصل الدورة 61 من مهرجان لوكارنو هذه السنة بين 6 و16 أغسطس.

يشارك في المسابقة الدولية 17 فيلما من 16 دولة، ويشارك في المهرجان أكثر من 50 فيلم سويسري بما فيهم الإنتاجات المُشتركة. أما مجموع الأعمال التي ستعرض على الجمهور فتفوق 200 عمل سينمائي من أشرطة مطولة وقصيرة.

هذه السنة، وفي إطار المحور الاسترجاعي “ريتروسبيكتيف”، سيتم تكريم ناني مورتّي، المخرج والممثل والمنتج الإيطالي الذي أنتج أفلاما كشريط “The Son’s Room” (الفائز بالسعفة الذهبية بمهرجان كان سنة 2001).

كما سيتسلم المخرج الإٍسرائيلي أموس جيتاي الفهد الشرفي لمهرجان لوكارنو تكريما له على مجمل أعماله.

ويتضمن المهرجان أيضا أقساما أخرى تظهر مثلا أعمال مخرجين شباب وأشرطة تركز على موضوع حقوق الإنسان.

يُذكر أن جائزة الفهد الذهبي لدورة العام الماضي كانت من نصيب الشريط الياباني “أيْ نو يُوكان” للمخرج ماساهيرو كوباياشي. وكانت دورة 2007 للمهرجان قد سجلت توافد زهاء 186000 مفترج.

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية