مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

حزب الشعب يرفع “سلاح” اختبار الحمض النووي

تتراوح تكلفة اختبار الحمض النووي بين 600 و1000 فرنك سويسري حسب التقديرات الراهنة. Keystone Archive

يعتزم نائب جديد لحزب الشعب السويسري (يمين متشدد) في البرلمان الفدرالي تقديم مذكرة تهدف إلى جعل اختبارات الحمض النووي إجبارية بالنسبة لبعض الأجانب في إطار إجراءات التجمع العائلي. كما تـُطالب مُذكرة ألفريد هير بأن يتحمل هؤلاء تكلفة التحاليل من جيوبهم!

هذه الخطوة التي جاءت بعد مبادرة نفس الحزب لطرد الأجانب المجرمين الذين تنعتهم بـ”الأغنام السوداء” والمهاجرين الذين يستغلون نظام المساعدات الاجتماعية، أثارت بعدُ انتقادات المنظمة السويسرية لمساعدة اللاجئين وبعض رؤساء الأحزاب الرئيسية في البلاد.

يـُطالب النائب ألفيرد هير (46 عاما، من فرع حزب الشعب في زيورخ) الحكومة الفدرالية بـ”عدم السماح بالتجمع العائلي للمهاجرين من البلدان النامية والبلدان التي يُمكن أن تُشترى فيها الوثائق الضرورية، مثل بطاقة الولادة (أو عقد الازدياد)، إلا إذا تم تقديم دليل وراثي إلزامي يثبت النّسب” حسب نص مذكرة هذا النائب الذي فاز حديثا بمقعد في مجلس النواب السويسري على إثر الانتخابات الفدرالية التي جرت يوم 21 أكتوبر الماضي والتي حقق فيها حزبه فوزا كاسحا.

وأشار النائب في تصريحاته لوكالة الأنباء السويسرية يوم الأحد 4 نوفمبر الجاري إلى أن تركيا وكوسوفو من ضمن البلدان الـ37 المُستهدفة، مؤكدا بذلك معلومات نشرتها صحيفتا الأحد “سونتاغس بليك” (التي تصدر بالألمانية في زيورخ) و”لوماتان ديمونش” (التي تصدر بالفرنسية في لوزان) في نفس اليوم. أما تكاليف اختبارات الحمض النووي التي تتراوح بين 600 و1000 فرنك، فسيتحملها المرشح للتجمع العائلي، وفقا لمطلب النائب هير.

“غير مقبول”

وفي رد فعله على مذكرة النائب هير، قال يان غولاي، المتحدث باسم المنظمة السويسرية لمساعدة اللاجئين، في تصريح لوكالة الأنباء السويسرية يوم الأحد أيضا، أن جعل هذا الاختبار إجباريا أمر “غير مقبول”، منوها إلى أنه ليس على الأجانب تحمّل مسؤولية القدوم من بلد لا يتوفر على نظام سليم لسجلات لحالة المـدنية.

وأضاف السيد غولاي “في بعض الحالات، خاصة تلك التي يشتبه فيها بالمُتاجرة بالأطفال، يمكن أن تكون اختبارات الحمض النووي مُجدية. لكن ينبغي استعمالها بحذر ولا يجب جعلها في أي حال من الأحوال إجبارية لأنها تؤثر على المجال الشخصي. كما أن تكلفتها التي تعد مرتفعة بالنسبة لشخص قليل الثروة تطرح مشكلة أيضا”.

وذكّـر المتحدث باسم المنظمة السويسرية لمساعدة اللاجئين أن حق الشخص في العيش مع أسرته وأطفاله وأقاربه مضمون في المعاهدة الأوروبية لحقوق الإنسان.

وكان النائب ألفريد هير قد أوضح في حواره مع صحيفة “سونتاغس بليك” ليوم الأحد 4 نوفمبر أن مشروعه يهدف إلى تعميم اختبارات الحمض النووي وجعلها إجبارية في حالات التجمع العائلي بالنسبة لرعايا 35 بلدا أضاف إليها تركيا وإقليم كوسوفو.

وقال إن تقديم مذكرة بهذا المعنى إلى البرلمان الفدرالي سيكون “أول خطوة رسمية له” في برن. كما شدد على أن “برنامج حزب الشعب السويسري يعطي الأولوية لمكافحة الهجرة السرية”، قائلا: “نحن بلد صغير فيه إجرام أجنبي قوي وعدد كبير من المهاجرين الذين يطمعون في نظام المساعدات الاجتماعية. علينا بالتالي اتخاذ تدابير فعالة ضد كافة أشكال الاستغلال”.

ويسمح القانون السويسري في الوقت الحاضر بإجراء اختبارات الحمض النووي البشري، لكن على أساس طوعي وكحل أخير بعد استنفاد كافة الطرق المتاحة. لكن نائب حزب الشعب يعتبر ذلك غير كاف، كما يرى أنه لا يتم عمليا اللجوء إلى اختبارات الحمض النووي إلا قليلا، مما يفتح الباب على مصراعيه لانتهاكات عديدة، على حد اعتقاده.

قائمة البلدان قابلة للاستكمال!

وتشمل قائمة البلدان التي تستهدفها مذكرة النائب هير عدة دول آسيوية وإفريقية من أفغانستان إلى زمبابوي (انظر المعلومات الأساسية المتعلقة بالموضوع). وتطرح هذه البلدان بالفعل “إشكالية” من وجهة نظر المكتب الفدرالي للهجرة حيث يسهل فيها الحصول على وثائق رسمية مُزورة.

لكن المتحدث باسم هذا المكتب، جوناس مونتاني، نوه في تصريح لصحيفة لوماتان ديمونش يوم الأحد، إلى أن هذه القائمة ليست شاملة قائلا: “يـُمكن تكملة هذا التعداد حسب الاحتياجات”. وقد أضاف نائب حزب الشعب ألفريد هير من تلقاء نفسه لهذه القائمة كلا من تركيا وإقليم كوسوفو في مذكرته.

وسيشمل الإجراء في حال تطبيقه آلاف الأسر التي تجتمع في سويسرا سنويا وتقدم خصوصا من إفريقيا وآسيا. لكن هير لا يرى أن مذكرته تذهب بعيدا إذ قال لصحيفة لوماتان ديمونش “إن القانون الجـديد للأجانب يسمح بإجراء مثل هذه الاختبارات في إطار التجمع العائلي، لكن فقط على أساس طوعي وكحل أخير”. وما يزعجه أن هذه الاختبارات لا تُجرى إلا قليلا من الناحية العملية. كما يعتقد أن الانتهاكات في مجال لمِّ شمل الأسر كثيرة سواء على المستوى الكانتوني (في مكتب الأجانب) أو المستوى البلدي (مكتب مراقبة السكان).

ويزعم هير من خلال تصريحاته للصحيفة أن إجراء هذا النوع من الاختبارات لن يطرح أي مشكل، إذ سيمكن إجراء الاختبار في عين المكان في معظم البلدان المذكورة. ويظل حزب الشعب على قناعة بان اختبار الحمض النووي سيضع حدا للانتهاكات.

رؤساء أحزاب يرُدّون

وتحظى مذكرة هير بدعم بعض زملائه. فقد وضع فرع حزب الشعب في زيورخ يوم الجمعة الماضي، 2 نوفمبر، اختبار الحمض النووي ضمن أولويات برنامجه للدورة التشريعية الحالية.

أما رؤساء الأحزاب الذين اتصلت بهم صحيفة “لوماتان ديمونش” للتعليق على مذكرة هير، فكانت على النحو التالي:

الراديكالي فولفيو بيلي فضل الاجابة بـ”لا تعليق” طالما لم يتم تقديم مذكرة النائب هير أمام البرلمان. بينما قال رئيس الحزب الديمقراطي المسيحي كريستوف داربولي “إذا ما كانت هنالك شبهات بالانتهاك، يفترض ان تتمكن السلطات من اجراء اختبار الحمض النووي، لكن من المُضحك أن يريد حزب الشعب حل المشكل عبر طرح مذكرة. فيمكن لبلوخر (وزير العدل والشرطة، من حزب الشعب أيضا، التحرير) أن يسوي هذا الامر بسرعة أكبر وبمفرده”.

وفي أحزاب اليسار كانت ردود الفعل واضحة، إذ أشار الاشتراكي هانس يورغ فير “من جديد، يمس هذا أناسا لم يرتكبوا أية جريمة، فالأمر يتعلق ببساطة باسر تريد ان تـلم شملها”. من جهتها، قالت رئيسة حزب الخضر روت غينير “لا يجب ان يـُجبر أي أحد على الخضوع للاختبار”.

جدل فرنسا يفتح الأعين في سويسرا

وكان البرلمان الفرنسي قد أقر في شهر أكتوبر الماضي قانون هجرة جديد أثار جدلا واسعا، يسمح بإجراء فحص الحمض النووي لإثبات النسب إذا ما كان المرشح للتجمع العائلي من بلد تعاني فيه سجلات “الحالة المدنية من نقائص”، ونص القانون على أن هذه التجربة التي تقوم على أساس طوعي محدودة إلى تاريخ 31 ديسمبر 2010.

وسرعان ما وصل صدى النقاش الفرنسي إلى سويسرا المجاورة حيث استغرب سياسيون ورجال قانون ووسائل إعلام والرأي العام من وجود هذه الاختبارات في سويسرا أيضا، إذ تم اعتمادها كإجراء إداري في عام 2004 دون طرحها مُسبقا على النقاش تحت قبة البرلمان.

وحسب تعليمات المكتب الفدرالي للهجرة لعام 2004، يمكن “استبعادُ، عبر اختبار الحمض النووي الذي يجرى تحت مراقبة السلطات، الشكوك التي لا يمكن إزالتها بطرق أخرى” حول أصل المرشح للهجرة من أجل التجمع العائلي.

ويشار هنا إلى أن قرابة نصف طلبات التجمع العائلي في سويسرا (حوالي 30 ألف في العام) تأتي من أوروبا. أما الطلبات المتبقية، فمازال يتعذر إحصاء عدد اختبارات الحمض النووي المطلوبة من بينها. وكانت صحيفة سويسرية ناطقة بالألمانية، قد كشفت هذا العام بأن كانتون “بازل –القرية” قد أعلن عن حالة واحدة في عام 2003، فيما أعلن كانتون أرغوفي عن ثلاث أو أربع حالات سنويا منذ قرابة عشرة أعوام.

وكان النائب الاشتراكي السويسري، كارلو سوماروغا، قد أعرب في تصريحات أدلى بها في شهر سبتمبر الماضي لسويس انفو عن ذهوله العميق من وجود هذا القانون في بلاده قائلا: ” أنا صُدمت لأنني لم أكن أتصور أن الأمور تسير على هذا النحو في سويسرا دون مناقشة برلمانية. فهذا يُشبه دخول بيت من نافذة قبوه، وهو أمر غير مقبول”.

وفي المكتب الفدرالي للهجرة، أكد جوناس مونتاني لسويس انفو وجود أساس قانوني لممارسة اختبار الحمض النووي. فالقانون الجديد الخاص بالأجانب، الذي سيدخل حيز التطبيق في 1 يناير القادم، يلمح إلى اختبارات الحمض النووى. و القانون الفدرالي الجديد حول التحليل الوراثي البشري، الذي طبق في أبريل 2007، والمرسوم المصاحب له، ينظم التطبيق المدني والإداري لإجراء تلك الاختبارات.

لكن المنظمة السويسرية لمساعدة اللاجئين تظل غير مقتنعة بشرعية هذه الإجراءات، بحيث قال المتحدث باسمها، يان غولاي، “إن البرلمان لم يدرك أهمية الأمر عندما بحث هذه المشاريع ولم يجر أي نقاش بشأن هتك المجال الخاص”.

وأضاف هذا المتخصص في الشؤون القانونية لسويس انفو: “إننا نتواجد في منطقة رمادية” : فهذه الممارسة معروفة منذ سنوات، ولكن ليست لدينا لا معلومات واضحة من الكانتونات ولا إحصائيات وطنية.

مساعدات ذات “حدين”.. ووضعٌ حرج

ويركز المكتب الفدرالي للهجرة على الجانب الطوعي للاختبار في تبريره للجوء إلى فحص الحمض النووي، إذ يقول جوناس مونتاني: “إنها مساعدة للمرشحين الذين لا يقوون على إثبات حالتهم المدنية، بالإضافة إلى ذلك، ينص القانون حول الأجانب لعام 1931 على واجب التعاون” من طرف المرشحين للهجرة.

من جانبه، قال دانييل مينا، المتحدث باسم المسؤول الفدرالي عن حماية المعطيات والشفافية: “هذا الأمر نسبي جدا، لأنه في حالة الرفض، يتعرض الشخص إلى رفض طلب التأشيرة”. وبعد التعبير عن هذا التحفظ، ذكـّر مينا أن المسألة سياسية مستطردا: “لقد صوت البرلمان ولا يمكننا أن نشكك فيه. الأساس القانوني موجود ويحترم حماية البيانات”.

أما الكسندر مورون، عضو اللجنة الوطنية للأخلاقيات، فهو راض إلى حد ما عن السياق القانوني. وقال بهذا الشأن لسويس انفو “في فرنسا، القاضي هو الذي يأمر بإجراء اختبارات الحمض النووى. وفي سويسرا، الأكثر تحررا، تظل الأمور أقل وضوحا”.

ويذهب الكسندر مورون إلى أبعد من ذلك إذ يقول “لا ينبغي أن يـُؤمر الأشخاص بإثبات العلاقة البيولوجية، التي ليست دائما متوفرة (فأبٌ من أصل عشرة أو عشرين ليس هو الأب الحقيقي…)، في حين أن قانونَنا يقوم على أساس أن الأبوة هي رابط اجتماعي بالخصوص”.

ويختتم هذا الاستاذ في أخلاقيات الطب الحيوي في جنيف تصريحاته لسويس انفو بالقول: “أنا أدرك المشكلة جيدا، ولكن في السياق الإيديولوجي الحالي، تستجيب هذه الممارسة لتوجه الرأي العام، وأنا آسف لذلك.”

سويس انفو – إصلاح بخات وإيزابيل أيشنبرغر

فضلا عن تركيا وإقليم كوسوفو، تستهدف مذكرة نائب حزب الشعب السويسري ألفريد هير الدول التالية: أفغانستان، أنغولا، بنغلاديش، ميانمار(بورما)، البرازيل، الكامرون، كولومبيا، الكونغو، كوت ديفوار (ساحل العاج)، اثيوبيا، غامبيا، جورجيا، غانا، غينيا، العراق، كينيا، ليبيريا، موزمبيق، النيجر، نيجيريا، باكستان، جمهورية دومينيكان، رواندا، السنغال، سيراليون، الصومال، سريلانكا، السودان، أوغندا، أوكرانيا، فيتنام، زامبيا، زيمبابوي.

لا يٍُسمح بإجراء اختبارات الحمض النووي الهادفة إلى إزالة الشكوك حول وثائق الهوية إلا بموافقة مكتوبة من المرشحين للهجرة.

يـُعلِم مكتب التمثيل السويسري في الخارج المرشح للتجمع العائلي بأنه حر، بموجب التزامه بالتعاون (المادة 3، الفقرة 2، من القانون الفدرالي الخاص بإقامة واستقرار الأجانب LSEE) أن يتخلص، عبر اختبار الحمض النووي الذي يُجرى تحت مراقبة السلطات، من الشكوك التي لا يـمكن إزالتها بطريقة أخرى للتأكد من صحة الوثائق المُقدمة.

في حالة الرفض، يحق للسلطات رفض البث في بحث الطلب وتبرير ذلك بالثغرات التي تحتويها الوثائق المُقدمة.

في عام 2006، استفاد 30701 سويسريا وأجنبيا من التجمع العائلي الذي يعد ثاني سبب للهجرة إلى سويسرا (36,6%).

يمكن تقديم طلب لفائدة الأزواج والأطفال دون سن 18.

للحصول على حق التجمع العائلي، يجب التوفر على سكن لائق، وعلى تغطية صحية لكافة أفراد الأسرة، وعلى مدخول مالي كاف للاستجابة لحاجياتهم.

بالنسبة للأشخاص الحاصلين على ترخيص إقامة من نوع (B)، يتوجب التوفر على عمل قار.

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية