مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

حصيلة السنة المغربية.. مزيج من نجاحات وإخفاقات وتراجعات

AFP

كانت الحصيلة المغربية لسنة 2008 ثقيلة، ما بين مواجهات دموية شهدتها المُـدن الهامشية، وعلى صعيد الحريات نقاطا سلبية سجّـلتها تقارير منظمات حقوقية وصحفية دولية ومحلية، ثم كارثة الفيضانات التي خلّـفتها أمطار لم تشهدها البلاد منذ أكثر من ستة عقود وجمود في تسوية نزاع الصحراء الغربية المؤرق لمنطقة المغرب العربي بأسرها ومحاولات متعثِّـرة لإعادة دورٍ مغربيٍ مفقود في القضايا العربية.

إلى جانب هذه الحصيلة السلبية، سجلت 2008 مغربيا، قفزة نوعية في العلاقات مع الاتحاد الأوروبي من خلال منح المغرب وضع متقدّم وإعادة الرّوح للتعاون الإسباني المغربي، بعد جفاء دام أكثر من عام، واستقرار سياسي وحزبي في ظلّ حكومة أفرزتها انتخابات تشريعية، عرفت عزوفا كبيرا من طرف المواطنين وميلاد حزب سياسي جديد أثار زوابع في الحياة الحزبية، تهدأ رويدا رويدا، إلى جانب نجاح ولو مؤقّت في تخفيف الآثار المدمّـرة للأزمة المالية العالمية.

مواجهات وانتهاكات…

وهلّـت سنة 2008 بمواجهات في صفرو النائية بين المواطنين والسلطات المحلية، لكنها كانت أقل دويا من المواجهات الدّموية التي عرفتها مدينة سيدي إيفني، جنوب البلاد يوم 7 يونيو بين قوات الشرطة وعاطلين عن العمل احتلّوا لأيام الميناء، عصب المدينة الاقتصادي، وامتدّت المواجهات لتُـصبح المدينة كلّها ميدانا لها وتخرج التقارير الصحفية لتخلق أزمة من طراز جديد أزمة بين السلطة من جهة والمنظمات الحقوقية ومنابر إعلامية من جهة اخرى.

وتحدّثت تقارير أولية للمركز المغربي لحقوق الإنسان عن مقتل عدّة أشخاص وجرح العشرات واغتصاب النساء، وسارعت قناة الجزيرة القطرية، التي كانت تمرّ علاقتها بالسلطات المغربية بأزمة مُـعلنة، إلى بث التقارير وتأخّـرت في تصحيحها ونفي حدوث قتلى، ووجدتها السلطات مناسبة سانحة لإكمال الحساب مع القناة فقدّمت مدير مكتبها للمحاكمة وسحبت بطاقته الصحفية، ثم أدين وحُـكِـم عليه بغرامة مالية.

وإذا كانت لجنة برلمانية لتقصّي الحقائق بأحداث سيدي إيفني قدّمت تقريرها النهائي أمام مجلس النواب يوم الأربعاء 17 ديسمبر 2008، تم التأكيد فيه على عدم وقوع قتلى واغتصابات، فإنه لم ينف انتهاكات ارتُـكبت بحقّ المواطنين، وبل حرص أيضا على الدّخول على خط المواجهة بين الدولة وقناة الجزيرة، والتي كانت نموذجا للمواجهات بين الدولة والصحافة، كان القضاء ميدانها والتي اعتبرتها المنظمات الحقوقية والصحفية مؤشرات على تراجُـع عن مكتسبات حقّـقها العاملون في مهنة المتاعِـب في المغرب.

تراجُـع عن مكتسبات مهنة المتاعِـب

المؤشرات أتت من سنة 2007 بمتابعة صحيفة الوطن الآن الأسبوعية، لنشرها تعميما أمنيا يحذر من هجمات إرهابية، ولم تنف الجهات المعنية صحّة التعميم، ورغم ذلك تابعت رئيس تحرير الأسبوعية عبد الرحيم أريري ومصطفى حرمة الله، أحد محرريها وأدانتهما المحكمة وحكمت عليهما بالسّجن، وكانت سنة 2008 استمرارا لسابقتها، لكن الدولة لم تكن طرفا مباشرا فيها.

فعرفت محاكمة صحيفة المساء المستقلة والأكثر انتشارا في البلاد، بتهمة القذف والتشهير بعد الدعوى القضائية التي تقدّم بها للقضاء أربعة من النيابة العامة في المحكمة الابتدائية بمدينة القصر الكبير، إثر نشر الصحيفة تقريرا عن حضور أحد أعضاء النيابة العامة لحفلٍ للشواذّ جنسيا.

لم تكن إدانة رشيد نيني، مدير يومية المساء هي الحدث، بل حجم الغرامة المالية التي قضت بها المحكمة الابتدائية بالرباط وأكدتها محكمة الاستئناف (6 ملايين درهما)، أي حوالي 900 ألف فرنك سويسري، وكان الرقم سابقة أثارت استنكارات واسعة وفسّـرت على أنها قرار مبطن بإغلاق الصحيفة.

وشهدت المحاكم المغربية نوازل قضائية أخرى ضد الصحافة بالدّعاوى التي تقدّم بها المجلس الاستشاري لحقوق الإنسان (رسمي) ضد يومية الجريدة الأولى وأسبوعية الحياة، لوقف محاضر شهادات أدلت بها شخصيات أمام هيئة الإنصاف والمصالحة حول الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان، التي ارتكبتها الدولة في سنوات الرّصاص، أي سنوات حُـكم الملك الراحل الحسن الثاني.

وتوقّـف المراقبون أمام حالات وضعت الدولة فيها نفسها في موقف محرج، مثل متابعة شاب انتحل على صفحة الفيس بوك شخصية الأمير مولاي رشيد، شقيق العاهل المغربي، ومتابعة أحمد راجي، الكاتب على صفحات الإنترنت بعد نشره مقالا يقترح فيه أن الملك يشجِّـع على التسوّل بمنحه للهبات والمساعدات أو اعتقال الفتى الذي كتب على الحائط شعار: الله الوطن البارصا (فريق برشلونة الإسباني)، واتهمه بالإساءة للملك وشعار الدولة.

وسُـجِّـلت هذه المواجهات في تقارير المنظمات الصحفية والحقوقية، كتضييق على حرية الصحافة بالمغرب، وهو ما نفته الدولة، وقال خالد الناصري وزير الاتصال، الناطق الرسمي باسم الحكومة، إن جُـل القضايا التي رُفِـعت أمام القضاء ضد الصحافة، لم تكن الدولة طرفا فيها، وهي بالتالي، لا تستطيع أن تمنع مواطنين من نَـيل ما يعتقدونه حقوقا لهم عن طريق القضاء.

البوليساريو.. الجزائر.. الأزمة المالية

هذه المواجهات بين الدولة من جهة والمواطنين في المدن النائية والصحفيين من جهة ثانية، كانت مادة غزيرة وغنية لجبهة البوليساريو في نزاعها مع المغرب على الصحراء الغربية، ومحورت تحركاتها خلال العام الماضي على انتهاكات حقوق الإنسان التي تتّـهم الدولة المغربية بارتكابها بالصحراء، على أمل إضعاف التأييد الدولي للمبادرة المغربية بمنح الصحراويين حُـكما ذاتيا تحت السيادة المغربية حلا دائما ونهائيا للنزاع.

وحفلت تقارير جبهة البوليساريو المرفوعة إلى الأمم المتحدة أو المقدمة إلى المنظمات الدولية بأحداث عرفتها مُـدن مغربية، تُـبرهن عن صحة وجهة نظرها، وكان آخرها رسالة محمد عبد العزيز، أمين عام الجبهة إلى بان كي مون، الأمين العام للأمم المتحدة حول مواجهات بين القوات الأمنية المغربية وعاطلين عن العمل، تظاهروا في مدينة الزّاك، الواقعة خارج الصحراء المتنازع عليها.

وتُـراهن جبهة البوليساريو على المسائل المرتبطة بحقوق الإنسان، لكسب تأييد دولي لمقاربتها لتسوية النزاع الصحراوي من خلال استفتاء تُـجريه الأمم المتحدة لتقرير مصير الصحراويين في دولة مستقلة أو الاندماج بالمغرب.

وشكّـل التباين بين مقاربة المغرب ومقاربة جبهة البوليساريو العثرة الأساسية أمام تحقيق تقدّم في جولات المفاوضات الأربع، التي جرت في مانهاست بضواحي نيويورك منذ يونيو 2007، والتي توجّت بتقرير لبيتر فان فالسيوم، مبعوث المنظمة الدولية للمنطقة، اعتبر فيه أن “إقامة دولة مستقلة بالصحراء الغربية، أمر غير واقعي”، فرفضت جبهة البوليساريو التجديد له في مهمّـته التي انتهت في أغسطس الماضي، واقترح الأمين العام للمنظمة الدولية خلفا لفالسيوم، الدبلوماسي الأمريكي كريستوفر روس، لكن المغرب ربط بين العودة للمفاوضات والإنطلاق فيها من النقطة التي وصل إليها فالسيوم.

ولأن تسوية نزاع الصحراء في مأزق، فإن العلاقات الجزائرية المغربية لا زالت تعيش حالة برود منذ عام 1992، والتي عرفت توتّـرا صيف 1994، لا زالت آثاره واضحة في الحدود البرية المغلقة، وبالتالي، إغلاق الأبواب أمام أي تحرك لإنعاش اتحاد المغرب العربي، الذي لا زال قادته يؤكِّـدون تمسّـكهم به كخيار استراتيجي، لكن الواقع يؤكد أن بلدان المنطقة لا زالت ترزح تحت وطأة أزمات اقتصادية لم تسعفها تدفّقات من الاستثمارات الأجنبية من تجاوزها والحدّ من أعداد العاطلين عن العمل في مختلف مدنها أو الفقر، الذي يزداد انتشارا رغم عدم ظهور آثار مأساوية حتى الآن للأزمة المالية، التي عرفها العالم نهاية العام والفيضانات المدمّرة التي عرفها المغرب بداية الموسم الحالي، نتيجة الأمطار التي هطلت ولم تكُـن متوقعة، وقدّرت خسائرها، إضافة لعشرات القتلى ومئات المشرّدين، بمليارات الدولارات، ولوحظ أن عددا من المشاريع الاستثمارية التي وقعت بشأنها اتفاقيات مع دول أو مؤسسات مالية خليجية متوقِّـفة لخلافات تقنية، وإن كانت أوساط اقتصادية تعتقد أن هذه المشاريع التي قدّرت قيمتها بملايير الدولارات، كانت تحتاج لدراسية أعمق لكيفية إنجازها.

تشظي المشهد الحزبي

ويذهب باحثون مغاربة إلى أن هذه الأزمات والعثرات يتحمّـل جزءا كبير منها المشهد الحزبي في البلاد، الذي أصيب بالتشظي وبفقدان المصداقية، وترك للشباب حقلا خصبا للتيارات المتشدّدة أو لمافيات المخدّرات أو الهجرة السرية نحو أوروبا.

وكشفت الانتخابات التشريعية، التي أجريت في البلاد يوم 7 سبتمبر الماضي عن خطورة هذه الأزمة، إن كان بنسبة المقاطعة 63% من المسجلين باللوائح الانتخابية أو نسبة 20% من المشاركين، التي سجلت أوراقهم كأصوات لاغية، وما حملته هذه الأوراق من كتابات.

وأفرزت الانتخابات أزمة في الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية (أقوى الأحزاب المغربية)، ليس فقط بتراجعه إلى المرتبة الخامسة في البرلمان، بل إلى ظهور نزاعات شخصية لدى قياداته وتباينات لا أساس لها، فكريا أو سياسيا، أفشلت محاولته الأولى لعقد مؤتمره الوطني في يونيو، دون أن تلتئم جراحه في المحاولة الثانية في نوفمبر، حيث نجح في انتخاب هيئاته القيادية.

في المقابل، نجح منافسه وغريمه السياسي والفكري (حزب العدالة والتنمية) من تمرير مؤتمره وإدخال تغييرات على هيئاته القيادية، دون أن يسبب ذلك أزمة بالحزب، وينتظر المغاربة الآن مؤتمر حزب الاستقلال (الحزب الرئيسي في الحكومة الحالية) في الأسبوع الثاني من شهر يناير القادم، ليعرف مصير الأحزاب التاريخية في البلاد وليحدّد أيضا موقع حزب الأصالة والمعاصرة، الذي شكّـله فؤاد عالي الهمة، صديق الملك محمد السادس والوزير السابق في الداخلية، والذي أثار حين الإعلان عنه قلقا في وسط هذه الأحزاب.

نجاحات وإخفاقات

ويبرز المغرب ما حققه قبل أن يأفل عام 2008 من اتفاق مع الاتحاد الاوروبي بمنحه وضعا خاصا ينفرد به عن كل دول جنوب البحر المتوسط، وإضافة إلى ما يحمله هذا الاتفاق من مكاسب اقتصادية، فإنه بالنسبة للمغرب شهادة أوروبية إيجابية لتقدّم عرفته البلاد في الميدان السياسي وميدان حقوق الإنسان، وأيضا مشاريع استثمارية مع فرنسا تتعلّق بالنقل عبر الخطوط الحديدية وتحديدا مشروع التراموي في العاصمة الرباط أو القطار الفائق السرعة “تي جي في الرابط بين طنجة والدار البيضاء، والمقرر أن يبدأ العمل في المشروع الأول عام 2010 وفي الثاني سنة 2012.

كما ختم المغرب سنة 2008 بإعادة الوئام إلى علاقته مع إسبانيا، التي عرفت توترا منذ زيارة العاهل الإسباني الملك خوان كارلوس إلى مدينتي سبتة ومليلية المغربيتين اللتان تحتلهما إسبانيا منذ نهاية القرن الخامس عشر، واحتضنت مدريد بداية الأسبوع الثالث من ديسمبر الدورة التاسعة من اللقاء الرفيع المستوى، الذي يعقد على مستوى رئيسي الحكومة والاتفاق على منح إسبانيا للمغرب 520 مليون يورو كاستثمارات، وموقف إسباني إيجابي من المبادرة المغربية حول تسوية نزاع الصحراء الغربية.

هذه النجاحات الأوروبية يقابلها إخفاق محاولات إعادة الدور المغربي في القضايا العربية، خاصة القضية الفلسطينية. فالرئيس محمود عباس، رئيس السلطة الفلسطينية لم يزر المغرب طوال السنة الماضية، رغم محاولات لترتيب مثل هذه الزيارة، ولجنة القدس التي يترأسها الملك محمد السادس، لم تعقد أية دورة لها منذ عام 2002، والمشاركة المغربية في الاجتماعات العربية والدولية حول القضية الفلسطينية، لا زالت بدون صدى. وفي الوقت نفسه، لم يكن للمغرب دور ملموس في حل الأزمة اللبنانية أو أزمة دارفور السودانية، في حين أن مثل هذه القضايا كانت إحدى مرتكزات الدبلوماسية والحضور المغربي على الساحة الدولية.

محمود معروف – الرباط

في 7 يونيو 2008، اندلعت مظاهرات شبابية في سيدي إيفني، بعد محاصرة لميناء المدينة، استمر أسبوعا كاملا وأدى إلى خسائر مادية، تُـقدّر بـ 6،5 مليون درهم، نتيجة تلف 850 طُـن من الأسماك.

تحدّثت تقارير إعلامية وحقوقية عن مواجهات عنيفة مع الشرطة، أدّت إلى إيقافات وعمليات مداهمة لعدد من المنازل الخاصة وممارسات قاسية ومهينة ضد المواطنين.

هذه المزاعم الخطيرة، أدّت إلى تأسيس لجنة لتقصي الحقائق يوم 11 يونيو 2008.

يوم 17 ديسمبر 2008، نُـشر التقرير النهائي للجنة أمام مجلس النواب، وكان موضع نقاش بين أعضاء البرلمان في جلسة عامة عُـقدت يوم 24 ديسمبر 2008.

نفى أعضاء اللجنة في التقرير المزاعم التي تحدّثت عن قتل أو اغتصاب مدنيين من قِـبل أفراد الشرطة، وأكّـدوا عدم وجود أدلّـة دامغة تدعم هذه المزاعم.

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية