مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

حظر بناء المآذن في سويسرا يثير زوبعة في الإعلام العربي

Swiss embassy Reuters

بين الدعوة إلى المقاطعة ومعاقبة سويسرا، والتمسك بالحكمة ونقد الذات ومُحاورة المجتمع تتراوح ردود الفعل التي تضمنتها افتتاحيات ومقالات الرأي التي نشرتها الصحف والمواقع العربية خلال الأيام الأخيرة التي تلت الإعلان عن رفض أغلبية الناخبين السويسريين بناء مزيد من المآذن في بلادهم.

عموما لا تخرج اوصاف الصحافة العربية للزلزال الذي أحدثته نتائج استفتاء المآذن عن تعابير من قبيل “وصمة عار”، “هولوكوست وإسلامافوبيا”، “إهانة واستخفاف”، وما شابه ذلك.
فأكثر وسائل الإعلام العربية تتساءل في افتتاحياتها، وعلى صفحات الرأي فيها، عن سبب ركوب
سويسرا لمغامرة حظر المآذن التي شوّهت سمعتها في العالمين العربي والإسلامي، وجعلتها موضع تنديد وتشهير في المحافل الدولية، ومن طرف أصدقائها الأوروبيين قبل غيرهم.
وأخطر ما في الأمر، بحسب ما جاء في افتتاحية صحيفة “الراية” القطرية : “أن هذا الحظر على
المآذن جاء من سويسرا، أكثر المجتمعات فخرا بالديمقراطية، وحرية المعتقد في العالم”. كما كشف تأييد الحظر على المآذن بحسب صحيفة “الصباح” التونسية أن ” العداء للإسلام في الغرب قد تجاوز مظاهر التشويه والتحريض الإعلامي إلى التعرض المباشر للأقلية المسلمة، واستهدافها فعليا وعمليا”.
وتتساءل “القدس العربي” الصادرة بلندن: “إذا كان الشعب السويسري المعروف بحياديته ومستوياته المعيشية الأعلى في أوروبا، وتعليمه المتقدم يتبنى “الإسلامافوبيا” في أبشع صورها، ويظهر هذا الكم الهائل من عدم التسامح، فإن علينا ألا نلوم شعوبا أوروبية أخرى تعاني من البطالة، والأزمات الإقتصادية الخانقة”.

لماذا يكرهوننا؟

لماذا يكرهوننا؟ وماذا يخفي حظر المآذن؟ تتساءل صحيفة “الدستور” الأردنية التي ترى بدورها أن نتيجة الإستفتاء الأخير في سويسرا “يعكس صعود اليمين المتطرف على الساحة الأوروبية”، بل يمثل “نتيجة للهجمة الإعلامية والسياسية على الإسلام والمسلمين بعد هجمات الحادي عشر من أيلول سبتمبر 2001”.
أما “شبكة محيط الالكترونية” فذهبت من ناحيتها إلى أن “تأييد 57.5% من السويسريين لحظر المآذن يظهر نوايا أغلبية الدول الغربية تجاه الإسلام والمسلمين، وكل ما يمت لهم من رموز”.
في السياق نفسه، ترى صحيفة “الوطن” الكويتية أن حظر المآذن في سويسرا “لم يأت من فراغ، بل هو دليل واضح على رجوع العقلية الأوروبية، إلى زمن القرون الوسطى المفعمة بالعصبية الدينية، وإلغاء الآخر”. وبالتالي تضيف “الراية” القطرية: “يحق لنا ان نقلق على أمن وسلامة الجالية الإسلامية في أوروبا”.
وفي “الأهرام” المصرية”، يتساءل محمود حمدي زقزوق “لماذا حدثت هذه الخطوة غير المبررة من الأصل؟” والحال أن كل ما يُقال عن “زحف الأسلمة، والمطالبة بتطبيق الشريعة يدخل في عداد الأوهام”.
وتتفق أغلب الصحف العربية وفي مقدمتها “القدس العربي” أن المهم في هذه القضية “ليس حظر المئذنة طالت او قصرت، وانما العنصرية المتنامية في المجتمعات الأوروبية، تغذيها أحزاب يمينية تستخدم أدبيات ضد الإسلام لإرهاب مجتمعاتها وتخويفها من أخطار وهمية”.
ويحدث كل ذلك بدون أي مبرر واقعي بحسب صحيفة “الشروق” الجزائرية التي تطبع أكثر من مليون ونصف المليون نسخة يوميا، والتي نشرت مقالا خلال اليوميْن الأخيريْن تحت عنوان “4 مآذن تزلزل سويسرا وتُخرجها عن الحياد” وحمّلت فيه المسؤولية فيما حصل إلى “الحكومة السويسرية التي سمحت بإجراء هذا الإستفتاء، وإلى مسلمي سويسرا الذين بعدم انضوائهم تحت مؤسسة واحدة قد حجبوا صوتهم على الرأي العام، وسمحوا بتكوين صورة مشوّهة عنهم”.
ولئن باركت “القدس العربي” اعتراض بعض الأصوات الأوروبية على نتائج الإستفتاء، فإنها رأت في النهاية “أن ضربة قاسية قد وجّهت لحرية المعتقد”.

لماذا نغضب؟

في مواجهة قرار الناخبين السويسريين حظر المآذن، تدعو بعض الصحف العربية إلى المقاطعة ومعاقبة سويسرا، فيما تحث أخرى على ضرورة التمسك بالحكمة ونقد الذات.
الموقع الإخباري الفلسطيني “دنيا الوطن” دعا العالم العربي إلى “اتخاذ إجراء عاجل يتمثّل في تنفيذ حملة مقاطعة للجبنة السويسرية، كما يتوجّب على الأثرياء العرب سحب أرصدتهم المهولة من البنوك السويسرية”.
من جهتها حثت “الدستور” المصرية الرأي العام العربي، والحكومات الإسلامية على “عدم الإستهانة بالقرار السويسري”، مبيّنة كيف انتقلت كراهية اليهود من حيّز الحكايات العامة ودوائر المثقفين والكتاب ومن ثمّ إلى المجتمع السياسي، “مما مهّد لجريمة الهولوكوست على يد ألمانيا النازية في القرن الماضي”.
وتصدّر الصفحة الرئيسية من موقع “عالم الاخبار” الإخباري التركي الناطق بالعربية مقالا يحمل عنوان “تركيا للمسلمين: بنوكنا بديلكم عن سويسرا” يقترح فيه الموقع، ونقلا عن مسؤول تركي “أن يتحوّل اقتصاد بلاده إلى حاضنة آمنة للأموال العربية والإسلامية”، ويعد هذا أحد أقوى ردود الفعل الرسمية الصادرة من العالم الإسلامي إزاء التصويت بمنع بناء المآذن في سويسرا.

وبالبند العريض أيضا، أظهرت صحيفة “الشرق الأوسط” الصادرة بلندن، والمموّلة من جهات سعودية في عددها الصادر الخميس 3 ديسمبر مطالبة ليبيا “بنقل مقرات الأمم المتحدة من سويسرا احتجاجا على “الإجراء العنصري الذي يمنع المسلمين من بناء مآذن لمساجدهم”. وربطت الصحيفة بين هذا الموقف الليبي وتصعيد هذه الأخيرة لخلافاتها مع الحكومة السويسرية بشأن رجليْ الأعمال السويسريين المحتجزيْن في طرابلس.

وفي طرابلس، هاجمت صحيفة الشمس الليبية الرسمية يوم الخميس 3 ديسمبر بشدة الاستفتاء الذي اقر حظر المآذن في سويسرا ودعت المسلمين والعرب الى مقاطعة هذا البلد تجاريا و”سحب الارصدة والاموال” من مصارفه. وكتبت الصحيفة ان “هذا الاجراء المتخلف والعنصري الذي لم يجرؤ على مثله سوى النازيين يجب ان يقابل بموقف حازم وحاسم”. وحملت الصحيفة على “هذا التطاول السويسري على عقيدة مليار ونصف مليار مسلم”، مؤكدة ضرورة “عقابها بشدة بسحب الارصدة والاموال من بنوكها ومقاطعتها تجاريا وسياحيا “
ومن جهتها تسألت صحيفة الجماهيرية “هل يمكن أن تخدم هذه الخطوة العنصرية حوار الأديان .. وتضامن الأديان ؟ وهل يمكن أن تساعد هذه الحالة من الكراهية المرتفعة المسلمين في عدم اتخاذ ردود فعل سلبية ازاء الكنائس في العالم الاسلامي؟”.

لكن دعوات المقاطعة هذه، رافقتها في صحف أخرى دعوات للتعقّل، والواقعية، بل ذهب موقع “إيلاف” اللندني إلى حد دعوة قرائه المسلمين إلى أن “يرحّبوا بقرار الشعب السويسري بالنظر إلى الصورة القبيحة التي يقدّمها المسلمون في بلدانهم”. ودعت صحيفة “الإتحاد” الإماراتية العرب والمسلمين إلى عدم “كيل الشتائم إلى سويسرا لأنها بلد ديمقراطي، والسويسريون أحرار فيما يرونه صالحا لهم”. وأضافت “إذا كانوا يخافون على هويتهم المسيحية، فلماذا نغضب إلى هذه الدرجة؟”، تتساءل “الإتحاد” الإماراتية!

كذلك تتساءل صحيفة “العلم” المغربية عن مشروعية وجدوى الرد بعنف وتوتّر عمّا أسمته “المنطق العنصري” المتخلّف الذي جسّدته نتيجة الاستفتاء”: “هل يجوز لنا أن نمنع بناء الكنائس في بلداننا، وأن نحظر جميع الرموز الدينية التي لا تنتمي إلى ديانتنا؟”، قبل أن تتوجّه الصحيفة بالخطاب إلى الرأي العام السويسري: “أهذا هو حوار الأديان الذي تريدونه لهذا العالم؟ أهذه هي حرية المعتقد التي لم تفتروا يوما في رفعها كمقصلة فوق رؤوس المسلمين؟”.

وجاء في إحدى افتتاحيات “الوطن” الكويتية: “لا ندعو إلى إحراق علم سويسرا، أو الإعتداء على سفارتهم او سبّهم وشتمهم، لكن ندعو إلى عقد مؤتمرات لمكافحة الإسلامافوبيا، لنوقف حوار الاديان، ولنعيد العزّة إلى المسلمين”.

مباركة لردود الفعل المتعقلة

وأمام ما تميّزت به ردود افعال الشارع العربي والإسلامي بعد إعلان نتيجة الإستفتاء من هدوء وتعقّل نسبييْن، خاصة موقف الأقلية المسلمة في سويسرا التي أصدرت العديد من الهيئات الممثلة لها بيانات عبّرت فيها عن احترامها لنتيجة التصويت وتفهّمها لقلق غالبية الشعب السويسري، حيّت بعض الصحف العربية وعلى رأسها “الشرق الأوسط” هذا الموقف، وجاء في العمود الذي يكتبه يوميا عبد الرحمان الراشد، مدير قناة العربية الفضائية: “خسر المسلمون المآذن، لكنهم نجحوا لانهم لم يحرقوا أعلاما، ولم يهددوا احدا، ولم يسيّروا مظاهرات صاخبة”.

وهذا التطوّر في الموقف العربي “جاء نتيجة وعي في فهم القوانين، وإطّلاع كاف على آليات اتخاذ القرار في هذه الدولة (سويسرا)”. أما موقع “إسلام اون لاين”، القريب من التيار الإسلامي الواسع في المنطقة العربية فقد لفت الانظار في إحدى تحليلاته المعمّقة لدلالات حظر المآذن، إذ أقرّ صاحبه بوجود “أزمة كبيرة ومعقدة بين المجتمعات الغربية والمسلمين إن كانوا خارجها أم داخلها”، والمشكلة الأكبر تبرز في “غياب صوت العقل والكلمة والحوار لجلاء ما هو غير واضح أو دخيل على العلاقة المفترضة بين الأديان والحضارات والثقافات”، وبالنسبة له “لا يكمن الحل في دفن الرؤوس في الرمال بهدف التنصل من المسؤولية أو إحالتها على الغير”، بل “ثمة ضرورة ملحة لتصحيح الاعوجاج القائم نتحمله نحن العرب والمسلمين قبل غيرنا لدرء المخاطر عنا وعن عقائدنا ومفاهيمنا وتقاليدنا”. وتساءل المقال في الختام: “عُرفت سويسرا بالريادة في السرية المصرفية، فنجحت بل برعت في الاحتفاظ بمخازن الأموال العربية والإسلامية، فهل ستتمكن من تجاوز أزمة المآذن لتحافظ على الخزائن؟ إنه سؤال محيّر، لن يعرف غير السويسريين الإجابة عنه بوضوح”.

عبد الحفيظ العبدلي – swissinfo.ch

في بيان صدر بجنيف، أعرب الأساقفة المسيحيون عن اعتقادهم بأن “حظر المآذن في سويسرا سوف ينعكس سلبا على أوضاع المسيحيين في العالم الإسلامي”.
وجاء في بيان صدر يوم الخميس 3 ديسمبر 2009 بانه “ستكون هناك نتائج سلبية لحظر المآذن، قد لا يكون قد توقّعها المسيحيون الذين صوّتوا لهذه المبادرة”. وبالنسبة لهؤلاء: “حظر المآذن لن يحلّ أي مشكلة، على علاقة بمسألة التعايش مع المسلمين. وهو حظر على الحضور الظاهر للأديان في الساحة العامة، ويمسّ في الأخير جميع الأديان، وليس الإسلام فقط”. واشار البيان أيضا إلى “القرار الأخير للمحكمة الأوروبية الداعي إلى حظر صورة المسيح المصلوب من قاعات الدراسة بالمدارس في إيطاليا ليس إلا مثالا آخر على الضغوط الممارسة من اجل منع ظهور الأديان في الفضاء العام”.

تخشى جمعية المصارف السويسرية انسحاب أصحاب ودائع مسلمين من المصارف السويسرية بعد الإستفتاء الذي أدى إلى تضمين دستور البلاد نصا يحظر تشييد المآذن.
وفي حديث إلى مراسلي وسائل الإعلام السويسرية في بروكسل يوم الخميس 3 ديسمبر، أعرب مدير الجمعية أورس روث عن مخاوفه تلك، لكنه أقر أيضا بانه لا يمكن الجزم باتجاه تطوّر الأوضاع.
وكان الوزير التركي المكلف بالشؤون الأوروبية إيجمين باجيس دعا يوم 2 ديسمبر الاثرياء المسلمين إلى سحب ودائعهم من المصارف السويسرية، مؤكّدا بأن البنوك التركية توفّر لهم بديلا مناسبا.
وأوضح الوزير التركي يوم الخميس في بروكسيل أنه لا زال يأمل أن تتراجع سويسرا عن قرار حظر المآذن، مضيفا: ” لا يمكنني أن اتصوّر أنّ تصويتا ديمقراطيا يمكن ان يؤدي إلى إقرار إجراء يتعارض مع حقوق الإنسان الأساسية”.

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية