مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

حقوق الإنسان في المغرب: إنجازات فعلية ومطالبة بالمزيد

Keystone

أتاح تقديم تقرير المغرب أمام آلية الاستعراض الدوري الشامل التابعة لمجلس حقوق الإنسان، للدول الأعضاء فرصة للإشادة بالانجازات المحققة وطرح تساؤلات عن مشاريع ووعود في مجالات قانون الإعلام والأحوال الشخصية والانضمام الى بروتوكولات اختيارية.

منظمات المجتمع المدني المغربية، التي تم إشراكها بشكل أو بآخر في إعداد التقرير، تعترف للمغرب بهذا الاستعداد لتحسين ممارسات حقوق الإنسان، ولكنها تنتقد التقصير في إثارة النقائص والتباطؤ في الإيفاء بوعود رفع بعض التحفظات الخاصة بحقوق المرأة.

ناقشت الدول الأعضاء في مجلس حقوق الإنسان بجنيف، تقرير المملكة المغربية أمام آلية الاستعراض الدوري الشامل بعد ظهر يوم الثلاثاء 8 ابريل 2008، بتدخل 55 دولة. وقد سهر وزير العدل عبد الواحد الراضي برفقة وفد هام على تقديم أهم ما جاء في هذا التقرير المكون من 24 صفحة.

ومع أن أغلب مداخلات الدول الأعضاء لم تخرج عما حدث في التقارير السابقة، من مدح وإشادة بالإنجازات، إلا أن نوعية التساؤلات والملاحظات التي وردت أثناء مناقشة تقرير المغرب كانت مغايرة سواء من حيث المطالبة بتوضيح ممارسات وآليات قد تكون مفيدة بالنسبة للبعض مثل تجربة “هيئة الإنصاف والمصالحة في المغرب” أو الاستفسار عن مشاريع لا زالت في طور الانجاز أو حدث تباطؤ في تفعيلها، مثل ملف قانون الإعلام أو رفع التحفظات بخصوص بعض حقوق المرأة أو الانضمام الى بعض البروتوكولات الاختيارية.

“نطمح لوضع السقف عاليا”

وزير العدل المغربي السيد عبد الواحد الراضي أشار أثناء تقديم التقرير، إلى إشراك جميع الأطراف المعنية في عملية إعداده وِفقا لمعايير مجلس حقوق الإنسان، وتعهد بالمناسبة بأن يصبح ذلك تقليدا في إعداد مختلف التقارير.

وعدّد الوزير المغربي – على غِـرار باقي الدول التي قدمت تقاريرها في اليومين السابقين – المعاهدات الدولية التي انضم إليها المغرب وكيفية تعامله مع آليات حقوق الإنسان المختلفة. كما تطرق بإسهاب لمشاريع الإصلاحات الجارية في المغرب، سواء على مستوى القوانين أو الممارسات وبناء المؤسسات الساهرة على مراقبة تطبيق معايير حقوق الإنسان في البلاد.

وفيما أشار التقرير في هذا الإطار إلى أن عدد هذه المؤسسات يصل إلى 11، أبدت الدول الأعضاء في المجلس اهتماما خاصا بهيئة الإنصاف والمصالحة، سواء لجهة معرفة آليات نشاطها وكيفية معالجتها لملفات ضحايا “سنوات الرصاص” التي عرفتها البلاد أو للاستفسار عن كيفية تقديم التعويضات لذويهم، وهو ما أجاب عنه الوزير المغربي بالقول “إنه مشروع يهدف لإنهاء ملفات انتهاكات الماضي ولإصلاح أغلاط الماضي وضمان عدم ارتكاب تلك الأغلاط من جديد، عبر تفادي الإفلات من العقاب”، وقد أوضح الوفد المغربي أن 14000 شخص حصلوا على تعويض من هذه الهيئة.

كما عدّد وزير العدل المغربي بعض المبادرات التي تدخل في إطار الممارسات الجيدة، مثل المبادرة الوطنية للتنمية البشرية. وفيما اعتبر الوزير أن التقرير المغربي “يعكس الواقع”، اعترف بان “الطريق طويل، لكن الإرادة لتطبيق معايير المعاهدات الدولية حقيقية”، على حد تعبيره، قبل أن يختتم تدخله بالتأكيد على أن “المغرب وضع السقف عاليا… لإرساء أسُـس دولة القانون”.

إشادة و تساؤلات

إذا كانت تدخلات جُـل الدول التي شاركت في النقاش التفاعلي حول ملف المغرب قد أشادت بالإنجازات والنوايا الحسنة التي أبداها المغرب لتطبيق معايير حقوق الإنسان، فإن عددا لا يُستهان به من المندوبين طرح تساؤلات واستفسارات، إما عن ممارسات معينة أو ملفات عالقة.

وإذا كانت أسئلة أغلب الدول العربية والإسلامية والإفريقية متعلقة بأمثلة عن ممارسات لتحقيق مستوى التمتع بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، فإن العديد من الدول الغربية وبعض من دول أمريكا اللاتينية أثارت ملفات الحقوق السياسية والمدنية.

ومن بين الدول التي تساءلت بخصوص قانون الصحافة ومتى ينوي المغرب الانتهاء من مراجعته، نجد كلا من ألمانيا وكندا والسويد، بل ذهبت بريطانيا الى حدّ التساؤل عن “الرقابة المفروضة على الصحافة ومعاقبة بعض الصحفيين المعروفين”.

في معرض رده بخصوص مشروع مراجعة قانون الصحافة، استعرض المغرب القوانين التي تضمن حرية الرأي والتعبير في الدستور، أما فيما يخُـص المراجعة المُـعلنة منذ سنوات لقانون الإعلام أو الصحافة فاكتفى الوفد المغربي بذكر بعض الأفكار المعروضة في هذا الإطار، مشيرا إلى وجود “إجماع بخصوص بعض من نقاطها”، وفيما يتعلق بمعاقبة بعض الصحفيين، اكتفى الوفد بأن العقاب سلط “بسبب ارتكاب جريمة القذف”.

من النقاط التي أثارت تساؤلات بعض الدول، عملية انضمام المغرب إلى البروتوكول الاختياري المتعلق بمناهضة التعذيب ومدى تحسينه لظروف الاعتقال ومعاقبة الموظفين الذين ارتكبوا تجاوزات في حق المعتقلين. وفي هذا السياق، أشار الوفد المغربي إلى أنه تم تسجيل 6 حالات خلال العامين الماضيين وتقديم مرتكبيها للمحاكمة.

كما أثارت عدة دول، من ضمنها سلوفينيا، موضوع التحفظات التي لا زال المغرب يتمسّـك بها في مجال حقوق المرأة. وتساءلت هولندا عمّـا إذا كان المغرب يعتزم توجيه دعوة لمسؤولي الآليات الخاصة لزيارة المغرب من مقررين خاصين؟ أما المكسيك فتطرق إلى موضوع المهاجرين وتساءل عن كيفية احترام حقوقهم في الظروف المعروفة، التي تتميز بها الهجرة غير الشرعية.

منظمات المجتمع المدني تنتظر المزيد

منظمات المجتمع المدني المغربية، التي نظمت لقاءً مع الصحافة في أعقاب الانتهاء من تقديم تقرير المغرب أمام آلية الاستعراض الدوري الشامل، وهي المنظمة المغربية لحقوق الإنسان والجمعية المغربية لحقوق الإنسان والجمعية الديمقراطية لنساء المغرب، أعربت عن “الارتياح الجزئي” لما قدمه المغرب، وعن “الإستياء” للطريقة التي تدير بها دول مجلس حقوق الإنسان عملية الاستعراض الدوري.

واعترف الحسن أحراث، من الجمعية المغربية لحقوق الإنسان بأن “هناك إنجازات في المغرب”، لكنه أضاف بأنها “جزئية”. وفي معرض وصفه للطريقة التي عالجت بها الدول الأعضاء في المجلس موضوع المراجعة، قال “إنه كان يوم بؤس بسب تواطؤ الدول فيما بينها لتجنب إثارة الأسئلة الحقيقية المتعلقة بحقوق الإنسان”، إلا أنه لم يتردد في التعبير عن “الارتياح لكون بعض الدول أثارت قضايا حقيقية”.

السيدة الإدريسي عمراني، من الجمعية الديمقراطية لنساء المغرب، ترى من جهتها أن “المغرب، صحيح أنه حقق تقدما في مجال احترام حقوق الإنسان، وأن ممثل المغرب عدّد ذلك أمام آلية المراجعة، ولكن ممثل المغرب لم يتطرق للنقائص، لأن أهمية آلية الاستعراض الدوري الشامل تكمُـن في عرض الانجازات، ولكن أيضا في التوقف عند النقائص وتوضيح الالتزامات التي تقطعها الدولة المعنية لمواجهة التحديات ولسدّ هذا النقص”.

وما تراه السيدة عمراني إنجازا حقيقيا في المغرب “يتمثل في الإصلاحات التي شرع المغرب في تطبيقها في مجال القوانين ووضع آليات عديدة لحماية وتطبيق حقوق الإنسان وعملية التشاور، التي تتم مع منظمات المجتمع المدني لوضع أرضية للترويج لثقافة حقوق الإنسان”.

ولكنها ترى في المقابل أن هناك سلبيات لا زالت قائمة مثل “الإفتقار لآليات التطبيق الفعلي لهذه الإصلاحات والقمع الذي تواجه به مظاهرات بعض المطالبين ببعض الحقوق، مثل العاطلين عن العمل”، ومن المواضيع التي تشغل بالها كممثلة لمنظمة تدافع عن حقوق المرأة، تمسك المغرب وعدد من الدول العربية والإسلامية بتحفظات في مجال حقوق المرأة، بدعوى احترام متطلبات الشريعة، وهو ما يدفعها إلى استخلاص أن “هذه المكاسب هشة”. أما زميلتها في نفس المنظمة نبية حدوش، فشدّدت على مشاركة منظمات المجتمع المدني في إعداد التقرير، إلى جانب وزارة العدل وأنها تقدّمت بتقريرها المنفصل كمنظمات المجتمع المدني.

وعن مظاهر الإشادة بالإنجازات التى تكررت أيضا أثناء مناقشة تقرير المغرب، تقول السيدة نبية إنها “تختلف عما حدث في مناقشة تقارير سابقة”، لأنها لم تكن تشيد بنظام ديمقراطي، بل تخص إجراءً أو إصلاحا بحاله”، وترى من جهتها أن هناك العديد من الملفات التي قد تتطلب مراجعة، مثل قانون الأسرة الذي لم يحسم في قوانين الميراث وتعدّد الزوجات وقانون الجنسية، الذي ما زال يقصي المرأة المغربية من منح جنسيتها لزوجها الأجنبي.

يوسف البحيري، من المنظمة المغربية لحقوق الإنسان يقول “إن لا احد بإمكانه إنكار أن المغرب فتح ورشة إصلاحات تشريعية كبرى، ولكن المغرب لم يقُـم بعدُ من جهة أخرى بإجراءات لتعزيز دولة القانون، بحيث ليست هناك مؤسسات قادرة على ضمان حقوق الإنسان بالنسبة للمواطن المغربي”.

ومن الأمثلة التي أوردها “عدم تطبيق توصيات هيئة الإنصاف والمصالحة، رغم التعهدات التي قطعها العاهل المغربي في عام 2006، وعدم استقلالية القضاء، بحيث لا يُعترف بالقضاء على أنه سلطة… كما أن ديوان المظالم لا زال المغاربة يجهلون حصيلة تدخلاته، ولا أحد يعرف نشاطاته”.

هل من العار الإشادة بإنجازات؟

في رد على تساؤل استفزازي من قِـبل بعض الصحفيين حول ما إذا كانت الإشادة بالانجازات أمرا سلبيا؟ وهل لا يكون في الإشادة وسيلة لتشجيع الدول على مزيد من الالتزام باحترام حقوق الإنسان، بعد أن فشلت إجراءات الإدانة في تحقيق ذلك؟

في إجابتها عن هذا التساؤل، تقول نبية حدوش من المنظمة الديمقراطية لنساء المغرب “لم لا، ولكن لست أدري ما إذا كان ذلك سيشجع المغرب على القيام بالتزامات أكثر، لأن الخطر يمكن أن يكمُـن في إمكانية استثمار تلك الدول لهذه الإشادة، وهذا ما يقوم به المغرب اليوم”.

أما السعيدة الإدريسي العمراني من نفس المنظمة فترى أن “الإشادة بالإنجازات أمام آلية الاستعراض الدوري الشامل لمجلس حقوق الإنسان، تُعتبر سلاحا ذو حدين، إما أن يدفع ذلك الدولة المعنية لتحقيق الالتزامات والاحتفاظ بالصورة التي كوّنتها دول المجلس عنها أو تعتبر نفسها أنها في وضعية جيدة مقارنة مع الآخرين”.

الحسن أحراث من الجمعية المغربية لحقوق الإنسان يرى من جهته أن “في الإشادة بالانجازات خطرا وإحراجا لمنظمات المجتمع المدني، بحيث يضعها في وضعية، وكأن كل ما قدمته من معلومات عن وضع حقوق الإنسان في البلد كان خاطئا”.

انطوان مادلان، من الفدرالية الدولية لحقوق الإنسان يرى أن الفرق بين الإشادة بالانجازات وإدانة الانتهاكات، أن الإدانة ترتكز على تشخيص مدقق للانتهاك، وهو ما يعكس الواقع الفعلي لأوضاع حقوق الإنسان في البلد المعني، وهذا خطاب مسؤول، وهو الدور الذي علينا القيام به كمنظمات مجتمع مدني، لكن فيما يتعلق بالإشادة بالانجازات او التشجيع على تعزيز الالتزامات، من واجبنا البحث عن طريقة للحوار مع الدول من أجل تشجيعها على المضي قدما في الإصلاحات، ولكن فقط في حال وجود قنوات حوار، هذا ما هو متوفر في المغرب، ولكنه غير متوفر في تونس”.

سويس انفو – محمد شريف – جنيف

وزير العدل المغربي عبد الواحد الراضي: “الطريق طويل، لكن الإرادة لتطبيق معايير المعاهدات الدولية حقيقية”

أنطوان مادلان، مدير بالفدرالية الدولية لحقوق الإنسان: “يبدو أننا دخلنا في صلب نظام المراجعة، ومع أن عددا كبيرا من الدول واصل التعبير عن الإشادة بالانجازات، فإن ذلك تم بدون نفاق وبدون دعاية مبالغ فيها أو تحريض على طرح بعض الأسئلة، مثلما تم أثناء تقديم التقرير التونسي”.

الحسن أحراث من الجمعية المغربية لحقوق الإنسان: “هناك إنجازات في المغرب في مجال حقوق الإنسان، ولكنها إنجازات جزئية”.

السعيدة الإدريسي العمراني من المنظمة الديمقراطية لنساء المغرب: “إطناب الدول في الإشادة بالإنجازات (التي حققها هذا البلد أو ذاك) في مجال حقوق الإنسان، هو إهانة للشعوب التي تمثلها، لأن ذلك بمثابة هدايا متبادلة فيما بينها”.

يوسف البحيري من المنظمة المغربية لحقوق الإنسان: “لا احد بإمكانه إنكار أن المغرب فتح ورشة إصلاحات تشريعية كبرى، ولكن المغرب لم يقم بعد من جهة أخرى بإجراءات لتعزيز دولة القانون”

نبية حدوش من المنظمة الديمقراطية لنساء المغرب: “مناقشة التقارير أمام آلية الاستعراض الدوري الشامل، كانت مقيدة بعاملين: المصالح الاقتصادية من جهة، والانتماءات الجغرافية من جهة أخرى”.

السعيدة الإدريسي العمراني من المنظمة الديمقراطية لنساء المغرب: “تلجأ الدول العربية والإسلامية للاحتماء وراء الشريعة لعدم رفع التحفظات بخصوص حقوق المرأة، ولكنها لا تراعي قوانين الشريعة في معاملاتها التجارية”.

وزير العدل المغربي عبد الواحد الراضي: “المغرب وضع السقف عاليا… لإرساء أسُـس دولة القانون”

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية