مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

حكاية توماس مان

توماس مان في مكتبته عام 1955، سنة وفاته (أرشيف keystone ) Keystone/AP Photo

أقام توماس مان، الكاتب الألماني الشهير، في غرفة تطل على بحيرة زيورخ، وفيها دوّن أشهر رواياته ومقالاته.

ولا تزال طاولة مان الخشبية، ذات اللون البنيّ، على الحالة التي تركها عليها عندما وافته المنية في منطقة قريبة من زيورخ عام 1955، وقد تراكمت فوقها أدوات الكتابة وقطع تذكارية غريبة، وعلى منضدة مجاورة، وُضع كأس عاجي رائع وحافظة أوراق وتمثالين، فرعوني وبوذي، وبجوارهما محبرة.

تتذكر كورنوليا بارنيني، المشرفة على أرشيف توماس مان، كيف أن هذا الأخير كان يحبِّـذ استخدام اليد بدل الآلة عند الكتابة، ورافقته هذه الطاولة الخشبية من ميونخ إلى سويسرا، ثم رافقته إلى الولايات المتحدة، لتعود معه من جديد إلى سويسرا، إلى حين استقر بها الحال نهائيا في المتحف الفدرالي للتكنولوجيا بزيورخ.

تركت سويسرا في نفسية، من يُعتقد بأنه أعظم المبدعين الألمان في القرن العشرين، انطباعا حسنا، وكان غالبا ما يقضي عطله في هذا البلد، واستلهم أحداث قصة “الجبل الساحر” خلال زيارة قام بها لزوجته، إذ كانت بمصحّة دافوس عام 1912.

الكتابة الهادفة

هذه الرواية، التي تصور مجرى حياة المرضى في تلك المصحة، رأى فيها النقاد ترجمة صادقة للخيارات المحتومة، التي واجهت أوروبا عقب الحرب العالمية الأولى، أما رولاند تغتميير، فيدّعي “أن توماس كتب قصة (الجبل الساحر) خلال إقامته في فندق (سي هوتل سان) الرومانسي”.


ويحتل نزل سان المرمّم، موقعا رائعا على شاطئ بحيرة زيورخ ويوفّر الأجواء الشاعرية الملائمة التي يحلم بها كل مبدع مثل توماس مان، ولفت أنظار فناني وكتاب وعظماء القرنين الماضيين، كبراهامس ولينين وكافكا….

عاد توماس وعائلته مرة أخرى إلى قرية كوسناخت، بعد أن قرّروا اللجوء إلى سويسرا هربا من النظام النازي، حيث أجروا لهم بيتا في أعالي المدينة، يشرف على الجبال والبحيرة. وبرغم أن البيت يقع في 33 شارع شيلدن وبجواره لوحة تخلد ذكرى الأيام التي قضاها الكاتب وعائلته هناك، فإن هذه العائلة لم تحتفظ بعلاقات صداقة مع الجيران.

لقد أثارت كاتيا، زوجة مان وأبناؤها، حفيظة الجيران بما كانوا يرونه في سلوكهم من مكابرة، وألقت الشرطة القبض على كاتيا في أحد المناسبات بعد أن اشتكاها أحد الجيران، لأنها لم تلتزم بالنظم الترتيبية المعمول بها أيام الأحد.

كان مان شغوفا بمدينة زيورخ وبالأماكن التي يتسوق إليها، وبالرغم من أنه تنازل لزوجته على كل شؤون المنزل، فإنه واصل شراء لباسه وسجائره ومستلزمات مكتبه بنفسه، ولم يفارق المنطقة القريبة من محطة القطار، هذه المنطقة التي لا تزال أجمل المناطق التجارية في سويسرا، ويُذكر أن الكاتب كان قليل الظهور للعامة.

نظام حياة شديد الانضباط

تقول كورنيليا برناني، المسؤولة عن أرشيف توماس مان: “اتبع هذا الأخير برنامج عمل يومي دقيق، كان ينشغل بالتأليف كل يوم في الصباح عادة، ثم يقرأ كتبا وصحفا بعد الظهر، ثم يتمشى قليلا. وفي المساء، يستمع إلى الموسيقى أو يواصل المطالعة، وعندما يكون مُـنهمكا في التأليف، لا يسمح لأحد بتعكير صفوه”.

وورد في بعض رسائله أنه “كان يقوم بجولات مشيا على الأقدام عبر الغابات التي تمتد على أعتاب قرية كوسناخت، كتلك التي تتشابك فيها أشجار القيقب والكرز والصنوبر، والتي لا تفصلها على منزله سوى مسيرة خمس دقائق.
ولابد أن الهواء العليل وخرير المياه قد أعانا الكاتب على استشراف الأشياء بوضوح وعلى تنظيم أفكاره بدقة، في وقت كان منهمكا في كتابة مؤلفه الرابع “يوسف وإخوته”، ولا تزال هذه الغابة تمثل متنفسا يلتجأ إليه المقيمون في المناطق الثريّة المجاورة لقضاء ساعة أو ساعتين.

عاد مان، الذي اشتهر بتنديده بالنظام النازي ونقده اللاذع له إلى فندق سان، حيث ألقى محاضرات وقرأ نصوصا على مسامع الحضور، الذين كانوا يتجمعون في قاعة الأكل المزخرفة، وكان أيضا أحد الخطباء المتفوهين في مدينة زيورخ.

النظّارات الذهبية

تحول “جبرودر شول”، المحل التجاري الذي كان يقتني منه مان المستلزمات المكتبية، إلى محل يسمى “غوشي” Gucci، وتحوّل محل أزياء الرجال “ترانس” إلى دكان لبيع الحلويات، ويظل مع ذلك بإمكان الكاتب، لو بقي حيا، التزوّد بما يريد من أماكن أخرى.

ولم تعد صناعة نظارات زويكر ملكا لنفس العائلة، لكن المالك احتفظ بالاسم نفسه، ولا يزال المحل في 1 شارع البريد، مثلما كان الحال من قبل، محتفظا ببيع أفضل النظارات على مستوى زيورخ.

وسجل مان في مذكراته سنة 1938 اقتناءه نظارة غالية الثمن ومرصعة بالذهب. وعندما عاد إلى سويسرا في الخمسينات، ذهب الكاتب المسن إلى زويكر لاشتراء نظارة خفيفة ذات إطار عاجي، بدلا من النظارة المعدنية التي أرهقته.

وفي مساء 12 أغسطس عام 1955 وعن عمر يناهز ثمانين سنة وصحة تشكو أمراضا مزمنة، وبينما كان توماس مان على فراش المرض في مستشفي زيورخ، طلب من ممرضته وضع نظارته بجانب سريره، حتى إذا استيقظ أمكنه شغل وقته بالمطالعة، ولكن في غمرة من النوم، توقفت دقات قلبه، وكان ذلك آخر ما طلبه توماس مان.

سويس انفو – دال بشتل – زيوريخ

فاز توماس مان بجائزة نوبل للآداب سنة 1929.
تتضمن أعماله الأدبية:
– الجبل الساحر
– بادنبروكس
– يوسف وإخوته
– موت في فينيس

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية