مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

لماذا انفجر الخلاف بعنف بين “الإخوان” وبعض دول الخليج؟

في الثامن من أكتوبر 2012، صرح وزير الخارجية الإماراتي الشيخ عبد الله بن زايد أنه "يجب على دول الخليج التعاون لمنع جماعة الإخوان المسلمين من التآمر لتقويض الحكومات في المنطقة". Keystone

قرّاء التاريخ، ربما دُهشوا لدعوة وزير خارجية الإمارات الشيخ عبد الله بن زايد مؤخراً، إلى إعلان ما يشبه الحرب الخليجية على جماعة الإخوان المسلمين. وهُـم محقون في ذلك.

فالجماعة كانت – برأي مراقبين وباحثين – طيلة أكثر من نصف قرن، الحليف السياسي والأيديولوجي الأكبر لقائدة السِّرب الخليجي، المملكة السعودية، كما أنها تمتّعت بمساندة كاملة إبّان الفترات الحرجة من جانب دول الخليج (وليس فقط قطر).

هذه بعض المعطيات التاريخية الدالّة على ذلك: السعودية قدَّمت على مدى 50 عاماً للأخوان في مصر وبقية الدول العربية، “كل أشكال الدعم من كل الأنواع”، كما جاء في الوثائق، التي نشرها روبرت درايفوس في كتابه “لُعبة الشيطان” (Devil’s game :How the united states helped unleash fundamentalist Islam ).

وحسب هذه الوثائق، فإن حسن البنّا، مؤسس جماعة الإخوان، قد يكون تردد على جـدّة للحصول على المال. كما تفيد بأن الجماعة في الخمسينيات والستينيات، حاولت مرتين اغتيال الرئيس جمال عبد الناصر، العدُو اللدود الأول للمملكة، من دون أن يبدو السعوديون “مُمْتعضين” من ذلك.

وفي السبعينيات، كان مدير المخابرات السعودية كمال أدهم، هو الذي رتَّب صفقة المصالحة بين الإخوان وبين الرئيس أنور السادات. ومنذ ذلك الحين، كانت الرياض تضخّ مئات ملايين الدولارات لدعم الإخوان في مصر، للقيام (من ضمن أهداف أخرى)، بتحويل الأزهر من حديقة إسلامية ليبرالية وتقدُّمية مُزدهِرة إلى حرز حريز لغلاة المحافظين والمتشدّدين الإسلاميين.

وامتد هذا التعاون إلى دول الخليج نفسها، حيث تسامحت بعض حكومات المنطقة (الإمارات، قطر، الكويت والبحرين) مع تأسيس فروع لجماعة الإخوان، وإن تحت تسميات مختلفة، طالما أنها كانت تدين بالولاء السياسي لـ “ولي الأمر” الخليجي، حتى ولو كانت تُعطي البيعة الأيديولوجية لمرشد الجماعة الأم في مصر.

صحيح أن “الود الأيديولوجي” لم يكن يوماً عُملة وفيرة بين الطرفين، حيث أن النمطيْن من الإسلام السياسي الإخواني والخليجي متناقضان، وأشبه بخطين متوازيين لا يلتقيان، كما بدا واضحاً منذ أن خرج الإخوان من غَـياهِـب السجون والمنافي، إلى قصور السلطة، وشعروا بالقوة والتمكين في كل المنطقة، بما في ذلك الملكيات العربية من المغرب إلى الأردن، ومن الكويت (كما تدل الآن المظاهرات الجارية فيها) إلى الرياض، مروراً بأبو ظبي، إلا أن “الوِدّ المالي والسياسي”، لم يغب يوماً عن أفُق علاقاتهما.

“صِـدام حضارات”..

الآن، وطالما أن إناء التاريخ ينضح على هذا النحو بمثل هذه العلاقات المالية والسياسية الحميمة بين الإخوان وبين السعودية وبعض دول الخليج، لماذا تتعالى أصوات صاخبة (ليس صوت الشيخ عبد الله بن زايد سوى واحد منها) منذ إندلاع الربيع العربي، تتحدث عن “صِدام حضارات” بين الإخوان وأنظمة الخليج؟

السبب واضح: في السابق، حين كانت جماعة الإخوان في المعارضة ولا أمل لها بالوصول إلى السلطة إلا كأمل إبليس في الجنة (كما بدا الوضع قبل الربيع العربي)، كان في وسع السعودية وبعض الدول الأخرى أن ترجئ خلافاتها الأيديولوجية واختلافاتها السياسية مع الإخوان، وأن تعتبرهم “ورقة ضغط” استراتيجية ثمينة في يدها، ضد خصومها على أنواعهم.

لكن الصورة اختلفت بعد نجاح ثورات الربيع في مصر وتونس. فقد ارتعدت فرائص السعودية وبعض دول الخليج من فكرة انقلاب أمريكا بعد أحداث 11 سبتمبر 2011 على حليفها التاريخي مع الوهابيين والأنظمة الملكية التقليدية (الذي دشّنته قمة الملك عبد العزيز والرئيس الأمريكي رزوفلت على متْن المدمرة كوينسي في فبراير عام 1945)، ومن اندفاعها (أي أمريكا) نحو إبرام صفقة جديدة، تستبدل فيها الوهابيين بالإخوان المسلمين كحلفاء جدد في العالم الإسلامي.

العناصر الرئيسية في هذه الصفقة واضحة: اندراج الإخوان في صف الإصلاحات السياسية الديمقراطية، ومكافحة التطرّف الإسلامي، وحماية المصالح الأمريكية ومعاهدة السلام مع إسرائيل، في مقابل تسهيل وصولهم إلى السلطة ثم الحفاظ عليها، وتحويل “إسلامهم الليبرالي”، إلى النموذج المُعتمد غربياً في الشرق الأوسط.

هل يعني كل ذلك أن “الحرب الثقافية والسياسية”  الشاملة بين أنظمة الإخوان وبين بعض أنظمة الخليج ستُشن من دون هوادة من الآن فصاعدا، وعلى كل الجبهات؟ كلا. أو ليس بعد، على الأقل بالنسبة إلى دول الخليج. فلا يزال في يد مملكة السعوديين، الكثير من الأوراق التي يمكن استخدامها لمحاولة كسب الحرب الأيديولوجية – السياسية مع الإخوان، من دون إطلاق رصاصة واحدة.

فهي تملك الأموال التي يحتاجها بشدة حكام مصر الجدد، لإنقاذ تجربتهم في السلطة من فشل مبكّر. وهي نجحت في تعبِئة تيار سلفي منافس للأخوان في مصر وغيرها، سيُسبّب لهم الكثير من أوجاع الرأس، عبر إغراق الشارع الديني المصري بتسوناميات مالية مدوّخة. ثم أنها لا تزال تقيم تحالفات قوية مع الجيش وأجهزة الإستخبارات المصرية، التي تنتظر كبوة الجواد الإخواني، كي تنقضّ عليه لتُمزِّقه شرّ ممزق.

وفوق هذا وذاك، في وسع المملكة أن تراهن على شروخ ما في العلاقات بين أمريكا والإخوان، قد تبرز إذا ما أخلّ هؤلاء الأخيرون بشروط الصفقة التي يبدو أنهم أبرموها مع إدارة أوباما.

مخاطر على السعودية

لكن، ومع أن موازين القِوى تميل بالفعل، وبقوة، لصالح الرياض في الخارج، إلا أن هذا لا (ولن) يحصّن المملكة من الشعور بالقلق العميق على وضع نظامها في الداخل. لماذا؟ لأن أحداث الربيع العربي كشفت عن أن ثمة مخزوناً خفياً وخطيراً في كل المجتمعات العربية، بما في ذلك مجتمعات الخليج، قد ينفجر في أي لحظة.

هذا المخزون له عنوان واحد: طفرة الشباب (youth bulge) الديموغرافية، التي يتمنطق أفرادها الآن بأسلحة ثقيلة من طراز صواريخ التويتر، وقاذفات فايس بوك، ومدافع اليوتيوب، وحاملات الطائرات من نوع الهواتف المحمولة. والتقاطع بين هذه الطفرة الخطيرة وتلك الأسلحة الفتاكة، بات يجعل المجتمع السعودي وباقي المجتمعات الخليجية كمّاً مجهولاً، أشبه بجبل جليد مختفٍ تحت سطح البحر أو كصندوق باندورا  الشهير، الذي يعج بكل أنواع المفاجآت.

وإذا ما بدأت فصول هذه المفاجآت تتوالى، (والأرجح أنها ستتوالى)، سيكون لجماعات الإخوان دور كبير لتلعبه بصفتها قوة المعارضة الرئيسية حتى الآن في بعض هذه المجتمعات، خاصة إذا ما استمر تركيز أنظمة الخليج على الخبز وحده، وواصلت إغفال حاجة المواطنين للحرية والديمقراطية وكرامة المرأة كإنسان، وكرامة الرجل نفسه كإنسان.

بيْد أن ساحة المعركة الحقيقية بين الطرفين، ستكون في البداية في دول الربيع العربي نفسها، حيث سيدور هناك رحى الصراع حول “أي إسلام نريد؟”، بمتابعة كاملة من أمريكا وبقية المنظومة الغربية، وبمشاركة كاملة أيضاً من دول الخليج عبْر دعمها القِـوى الوهابية والسلفية المناوئة للإخوان. هذا بالطبع إذا لم تنفجر الأوضاع الشعبية في شبه الجزيرة نفسها، كما حدث في اليمن والبحرين وقبلهما (وإن بشكل محدود) في عُمان، وكما قد يحدث الآن في الكويت.

والخلاصة؟

إنها واضحة: الفجوة مُرشَّحة للتعمُّق بين الإخوان وبين بعض حكومات الخليج. وهذا في حد ذاته سيكون مؤشراً على التغيُّر الكاسح الذي طرأ على طبيعة الصراع السياسي – الأيديولوجي في الشرق الأوسط: فهو بات صراعاً داخل العائلة الإسلامية، بعد أن كان لفترة طويلة، بينها وبين الخارج بكل تلاوينه القومية واليسارية والدولية.

دبي (رويترز) – دعت منظمة حقوقية إماراتية سلطات البلاد يوم الثلاثاء 23 أكتوبر 2012 إلى الاسراع في محاكمة اسلاميين احتجزوا للإشتباه بتورطهم في أنشطة تهدد أمن البلاد لكنها نفت أن يكون أيا منهم تعرض للتعذيب أو معاملة سيئة كما زعمت أسرهم وبعض النشطاء.

وكانت السلطات الإماراتية اعتقلت نحو 60 إسلاميا بتهمة الإنتماء لجماعة الإخوان المسلمين – المحظورة في البلاد – والتآمر للإطاحة بالحكومة.

ودعا عبدالغفار حسين رئيس جمعية الامارات لحقوق الانسان إلى الإسراع بإنهاء التحقيقات وتقديم المعتقلين للمحاكمة منعا للغط الخارجي في إشارة لتقارير نشرتها بعض الجماعات الحقوقية الدولية وتناقلتها مواقع التواصل الإجتماعي أفادت بتعرضهم لانتهاكات.

وقال حسين إن اعضاء من الجمعية -وهي المنظمة الحقوقية الوحيدة المرخصة في الامارات- التقوا مؤخرا بعشرة معتقلين نفوا تعرضهم للتعذيب او الاساءة.

واضاف في مؤتمر صحفي ان اعضاء من الجمعية التقوا بعض المعتقلين دون معرفة هوياتهم وانهم نفوا تعرضهم لأي ايذاء بدني او معاملة سيئة وانهم قالوا انهم يتلقون معاملة حسنة.

وكانت منظمتا العفو الدولية وهيومان رايتس ووتش اعربتا عن القلق ازاء ما تردد عن تعرض معتقلين للتعذيب وسوء المعاملة.

واثار بعض النشطاء المحليين واسر المعتقلين مخاوف مشابهة في موقع تويتر في الاسابيع القليلة الماضية بعدما لم يسمح لهم بزيارة المحتجزين.

وكان بيان ارسلته في شهر سبتمبر الماضي بعض اسر المحتجزين عبر جماعة تطلق على نفسها اسم “معتقلو الامارات” قال ان المحتجزين يقبعون في حبس انفرادي في زنازين ضيقة وان السلطات لا تسمح لهم بتوكيل محامين للدفاع عنهم.

وفي يوليو 2012، قالت الإمارات – التي لا تسمح بمعارضة سياسية منظمة – انها تحقق في معلومات عن جماعة لها روابط خارجية تخطط لارتكاب “جرائم ضد امن الدولة”.

وقالت وسائل إعلام محلية في شهر سبتمبر الماضي إن بعض المحتجزين اعترفوا أن منظمتهم لها جناح عسكري وأنها تخطط للوصول للسلطة وإقامة دولة إسلامية.

وينتمي أغلب الرجال المحتجزين لجماعة الإصلاح الاسلامية المحلية التي نفت تلك الاتهامات.

(المصدر وكالة رويترز بتاريخ 23 أكتوبر 2012).

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية