مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

حقائق الإستيطان.. وســراب الـسّـلام!

يوم الخميس 21 مارس 2013، توجه الرئيس الأمريكي من القدس بخطاب إلى الإسرائيليين حثهم فيه على إحياء عملية السلام. فهل يجد آذانا صاغية لدى الحكومة الجديدة؟ Keystone

لم تكُن مفاجأة تلك النتيجة التي أفضت إليها الإنتخابات العامة الإسرائيلية الأخيرة. فاليمين الإسرائيلي أحكم قبضته على مقاليد الحكم، أما الحكومة التي يقودها بنيامين نتانياهو- وهي الثالثة والثلاثين في تاريخ الدولة العبرية - فجاءت لتُمثل مصالح الإحتلال والمستوطنين.

فعلى الرغم من استثناء الأحزاب الأصولية (شاس ويهدوت هتوراه) من الإئتلاف الحاكم الجديد، اتضح أن الحكومة الوليدة أكثرُ تزمّتا من سابقاتها، إذ يتمتع فيها المستوطنون ومَن ناصرهم من مختلف الأحزاب، بتأثير كبير في الحكومة، ما يعني ببساطة أن وتيرة النشاطات الإستيطانية سترتفع في قادم الأيام.

وجّه الرئيس الامريكي باراك أوباما يوم الخميس 21 مارس 2013 نداء مباشرا الى الشعب الاسرائيلي لأن يضع نفسه مكان الفلسطينيين الذين ليس لهم دولة والإعتراف بأن النشاط الإستيطاني في الأراضي المحتلة يُضر فرص السلام.

وفي كلمة ألقاها في القدس أمام طلاب جامعيين إسرائيليين حرص الرئيس الأمريكي على أن يقرن مناشدته تلك بالاعتراف بالمخاوف الأمنية الإسرائيلية في منطقة تعاني من التوتر بسبب المواجهة النووية بين الغرب وإيران والحرب الأهلية في سوريا. لكنه حث الجيل الأصغر سِنا في اسرائيل على مطالبة السياسيين بتحمّل المخاطرة من أجل السلام في كلمة قوطعت مرّات عديدة بالتصفيق وفي إحدى المرات بالتصفيق وقوفا للرئيس خلال مقاطعة قصيرة من جانب مُحتج. وقال لمستمعيه من الشباب: “يجب أن تخلقوا التغيير الذي تريدون رؤيته”.

وقال أوباما في اول زيارة رسمية لإسرائيل والضفة الغربية المحتلة، ان السلام فقط هو الذي يمكنه جلب الامن الحقيقي، لكنه لم يطرح أي أفكار جديدة بشأن كيفية احياء مفاوضات السلام الاسرائيلية الفلسطينية التي تعثرت منذ عام 2010 . وأضاف أوباما “في ضوء التركيبة السكانية، غربي نهر الاردن، فإن الوسيلة الوحيدة أمام اسرائيل لكي تدوم وتزدهر كدولة يهودية وديمقراطية، هي قيام فلسطين مستقلة قابلة للبقاء.” وقال اوباما “نظرا لمشاعر الاحباط في المجتمع الدولي، فانه يجب ان توقف اسرائيل تيارا قويا لعزلتها”.

وكان هذا تحذيرا واضحا من ان استمرار اسرائيل في السيطرة على الضفة الغربية التي احتلتها في حرب عام 1967 إلى جانب قطاع غزة والقدس الشرقية، سيقود في النهاية الى أغلبية عربية في ارض يسيطر عليها اليهود.

وقال أوباما “يجب أن يقر الاسرائيليون بأن استمرار النشاط الاستيطاني له آثار عكسية على قضية السلام وأن فلسطين (كدولة) مستقلة يجب أن تكون قابلة للحياة وانه يجب رسم حدود حقيقية”، دون ان يصل الى حد المطالبة بتجميد البناء في المستوطنات. واضاف “ضعوا أنفسكم في مكانهم (الفلسطينيين). انظروا الى العالم من خلال عيونهم. ليس من العدل أن تنشأ طفلة فلسطينية، دون أن تكون لها دولة وأن تعيش في وجود جيش أجنبي يسيطر على تحرّكات والديها في كل يوم.”

(المصدر: وكالات)

وَهْـم السلام

تركيبة الحكومة الإسرائيلية تشي بأنه لن يكن بوسع نتانياهو- حتى لو أراد – أن يمضي قُدُما بعملية السلام بشكلٍ يحقِّق الحدّ الأدنى من شروط الحل مع الفلسطينيين. فرئيس الوزراء الإسرائيلي – شأنه شأن من سبقه – لن يفكر بأبعد من البقاء السياسي، وبالتالي لن يُخاطر في عملية سلام في وقت يفتقِر فيه إلى ائتلاف سلام، سواء ضمن الحكومة أو داخل الكنيست.

فشريك مُهمّ في الحكومة، هو حزب البيت اليهودي، يُعارض مبدأ حلّ الدولتيْن وتمكّن من السيطرة على الوزارات الخاصة، التي تساعد المستوطنين على الإستمرار بالتوسّع على حساب الأرض الفلسطينية. من هنا، فإنه لن يكون بوسع نتانياهو، حتى لو تعرّض لضغط أمريكي كبير، أن يمضي في عملية السلام ويحتفِظ بموقعه على سدّة الليكود أو الحكومة الإسرائيلية في الوقت ذاته.

صحيح أن انضمام حزب الحركة، بقيادة وزيرة الخارجية السابقة تسيبي ليفني، جاء ليبعث برسالة تفيد بأن السلام ما زال على برنامج الحكومة، لكن حزبي “الحركة” و”يوجد مستقبل” إيقاف الإستيطان، كشرط لاستئناف المفاوضات مع الجانب الفلسطيني، ومن هنا لا يمكن لهذه الحكومة أن تبعث برسالة اطمئنان، بأنه يمكن لها أن تحقِّق السلام المنشود.

وللتقليل من أثار هذا الاستعصاء السياسي، سيسعى نتانياهو إلى التوصّل إلى تفاهمات مع الإدارة الأمريكية بشأن إدارة عملية سلام، وليس التوصل إلى حلّ. فأي حلٍّ تقدّم فيه إسرائيل تنازلات للفلسطينيين، سيكون عُـرضة لنِقاش محموم داخل المجتمع الإسرائيلي، وعلى الأرجح سيُسقِط الحكومة، وعندها يتم الحديث عن انتخابات مبكّرة. 

الاستيطان هو الرابح

التغيّرات الديمغرافية التي عصفت بالمجتمع الإسرائيلي في العشرين سنة الأخيرة، خلقت ديناميكية قوية وسياسية داخلية لا تسمح بتحقيق السلام، إن كان ذلك في سياق معادلة الأرض مقابل السلام أم لا. والملفت أيضا أن هذه هذه هي المرة الأولى التي لا يعتمد فيها المستوطنون على دعم أحزاب دينية أصولية عُرف عنها شغفها بالاستيطان، بعد أن جلس المستوطنون أنفسهم في الحكومة ذاتها.

ومن الواضح أيضا أن هذه الحكومة التي تضم في صفوفها حزب البيت اليهودي، الذي لا يمكن تخيل حكومة من دون مشاركته، والتي يحتل فيها رئيس هيئة الأركان الأسبق موشيه يعلون من حزب الليكود، منصب وزير الدفاع، تحمل في طيّاتها بُذور التوسع الاستيطاني الذي سيكون بارزا وباديا للعيان هذه المرة.

فمن المؤكد أن نفتالي بينيت، رئيس حزب البيت اليهودي، لن يألوا جهدا في تعبِئة الحكومة واستِغلال وزارته لتسمين المستوطنات، وربما سيسعى للعمل على إضافة “الشرعية” على البُؤَر الاستيطانية، التي عجز الجيش الإسرائيلي عن إزاحتها، بالرغم من اعتراف إسرائيل بأنها مُخالِفة للقانون الإسرائيلي. 

احتوى الائتلاف الحكومي الحاكِم على خمسة أحزاب (68 مقعدا من أصل 120، هي كامل مقاعد الكنيست)، أربعة منها لا تهتم بالعملية السِّلمية مع الفلسطينيين، فباستثناء حزب “الحركة” بقيادة المخضرمة تسيبي ليفني، لا يمكن الحديث عن حزب واحد مع حلّ الدولتيْن، قولا وفعلا، وحتى حزب البيت اليهودي يُعارض مبدأ حلّ الدولتيْن. فالعبارة التي وردت في الإتفاق الإئتلافي التي تقول بأن “إسرائيل ستسعى إلى اتفاق سلام مع الفلسطينيين بهدف الوصول إلى اتفاق سياسي معَهم، يُنهي النزاع”، ستتبخّر على نيران عجلة الإستيطان وما ينتج عن ذلك من إحباط فلسطيني في المستقبل المنظور.

وعلى نحو لافت، لم تكن المسألة الفلسطينية هذه المرة سببا في اتفاق أو اختلاف الفُرقاء الإسرائيليين ولم تكُن عاملا رئيسيا يُحدِّد سلوك الناخب الإسرائيلي ولا الأحزاب السياسية وهي تتفاوض على تشكيل حكومة، بل على العكس، سيْطرت العوامل الداخلية والإقتصادية والإنقسامات بين المُتديِّنين والعِلمانيين، على النقاش العام داخل إسرائيل قُبيْل الإنتخابات.

من جهة أخرى، لم يسمع أحد بأن أي حزب من الأحزاب الرئيسية المشاركة في الإئتلاف الحكومي، قد اختلف مع نفتالي بينيت فيما يتعلق بالموقف من الإستيطان، الذي يُعتبر العقبة الرئيسية التي تحُول دون استِئناف المفاوضات المجمدة أو تحقيق السلام بين الفلسطينيين والإسرائيليين.

الخاسرون

الخاسر الأكبر في الانتخابات، هو ما يُعرف باليسار الإسرائيلي. وهنا نتحدث عن حزبيْ ميرتس والعمل، لكن الأمر مختلِف بالنسبة للأحزاب الحريدية (الأحزاب الأصولية)، فهي، وإن لم تدخل الحكومة بسبب موقف حزب “يُوجد مستقبل”، فإن موقفها المتشدّد حيال الفلسطينيين، سيكون معبِّرا عنه بالحكومة مع الإقرار بأن هذه الأحزاب ستعاني من شحّ الموارد الإقتصادية التي تساعدها على تلبية حاجات ناخبيها.

وبالإضافة إلى هذه الأحزاب الخاسرة، فإن موقع رئيس الحكومة نتانياهو قد أصبح أكثر ضعفا، بمعنى أن نتانياهو سيكون تحت رحْمة ائتلاف لا يَرحَم، كما لن تكون له سَطوة فيما يتعلق بالقضايا الداخلية، وهي الأهم بالنسبة لشركائه في الإئتلاف. فالتحالف بين يائير لبيد ونفتالي بينيت، متين ويستند على أرضية صلبة وسيُمكنهما من صناعة الفرق، لاسيما في القضايا الإقتصادية والإجتماعية.

خلاصة القول، لا يمكن إعادة عقارب الساعة للخلْف، فهذه حكومة استيطان بالدرجة الأولى، وهي الحكومة التي ستعمل على القضاء على ما تبقّى من أملٍ لحلّ الدولتيْن، لكنها حكومة لن تتمكّن من تقديم إجابات شافية للبدائل المتاحة لحلّ الدولتيْن، وربما لن تستقيم لفترة طويلة إذا ما ضغط الجانب الأمريكي وعمل – بشكل أو بآخر – على إحياء عملية السلام مع الفلسطينيين.

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية