مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

حكومة على مقاس عرفات ولكن…

مصادقة المجلس التشريعي الفلسطيني على الحكومة الجديدة، لا تعني نهاية الجدل حول الاصلاحات الفلسطينية Keystone

بحصوله على ثقة المجلس التشريعي لحكومته الجديدة، يكون الرئيس الفلسطيني ياسر عرفات قد حقق انتصارا مُهمّا لكنه صعب اضطر لانتزاعه بقوة وجهد كبيرين.

لكن هذا الانتصار كفيل أيضا بأن يجر عليه مزيدا من التحريض من “أعداء الداخل والخارج”.

الانتصار الأخير ليس نهاية المطاف. فثمة مخاطر ومغامرات يمكن قراءتها من خلال رد الفعل الإسرائيلي والأمريكي الصامت إزاء انتصار الديمقراطية الفلسطينية، إضافة إلى المهمة العصيبة التي تُطوِّق عنق الحكومة الجديدة.

وربما يكون عرفات قد أثبت مجددا قدرته على الثبات في الأزمات. فقد نجح فعلا في الإفلات من الألغام المتحركة التي تضج بها الساحة الميدانية والسياسية الفلسطينية. لكن تراكمات الأشهر الأخيرة حملت بذور تحديات لا يُستهان بها ويتعين مواجهتها إن آجلا أم عاجلا.

وهي ليست مجرد طحن هواء، بل إنها حقائق على الأرض تتمثل في المقاطعة الأمريكية الإسرائيلية الغربية شبه الكاملة للزعيم الفلسطيني، وكذلك فيما بات يطلق عليه مجموعة الإصلاحيين في المجلس التشريعي وفي صفوف حركة فتح، والذين يعملون جهرا وعلنا على التحضير لمرحلة ما بعد عرفات.

بيد أنه، ووسط تكهنات ببروز تصدعات في سلطة عرفات وفي أركان قيادة فتح، وممارسة ضغوط محلية وخارجية بضرورة تلبية الحكومة الجديدة لمعايير المهنية والشفافية والمصداقية، أفلح الزعيم الفلسطيني في فرض حكومة على مقاس حركة فتح التقليدي التي ظل يقودها لأكثر من ثلاثة عقود.

ولئن كان عرفات قد اضطُر للتخلي عن حلفاء تقليديين (الوزيرين الخارجين)، جميل الطريفي والمسوؤل السابق في حماس عماد الفالوجي، تحت وطأة ضغوط داخلية من حركة فتح، فإنه خرج بحكومة حافظت على معظم الحلفاء الوطنيين التقليديين، لاسيما الوزير وعضو اللجنة التنفيذية ياسر عبد ربه من حزب فدا، وغسان الخطيب من حزب الشعب، وسمير غوشة من جبهة النضال الشعبي.

نجح عرفات وبهدوء وسط الضجيج الذي أطلقه أعضاء فتح حول التشكيلة الجديدة في تغيير العضو الأكاديمي المكلف بملف القدس، وهو سري نسيبة، الذي جر على عرفات انتقادات فلسطينية جلها من الشتات حول تصريحاته المتعلقة بحق اللاجئين الفلسطينيين في العودة.

حملة “فتحاوية”

كان اللافت في التشكيلة الجديدة، تعيين عضو اللجنة المركزية لحركة فتح هاني الحسن، وهو أحد المساعدين المخضرمين لعرفات في منصب وزير الداخلية (المنصب الأهم في الحكومة)، ليحل محل اللواء عبد الرزاق اليحيى، أول وزير داخلية فلسطيني والحائز على رضا الإدارة الأمريكية وإسرائيل ودول إقليمية أخرى.

اختيار هاني الحسن المعروف بمعارضته لاتفاقيات أوسلو، وحسب مصادر فتح، شكل اكبر نجاحات عرفات الشخصية في التشكيلة الجديدة. ويتمثل ذلك في أن وزير الداخلية الجديد يملك من أسباب القوة والمناعة التي توفرها عضويته المخضرمة في حركة فتح ليسطر على الأجهزة الأمنية، بل ليعيد بناءها في وقت عصيب.

ومن أسباب تعيين هاني الحسن أيضا، تمتعه بتاريخ طويل من العلاقات الطيبة مع الدول العربية، لاسيما مصر والأردن والسعودية ومع الأوروبيين، إضافة إلى علاقته المتينة بتنظيم حركة فتح داخل الأراضي الفلسطينية، وهو الذي مهّـد مؤخرا لفصل التنظيم عن الأجهزة الأمنية، ليفتح الطريق أمام عودة سلسلة لأجهزة الأمن في حال انسحاب القوات الإسرائيلية.

التعيين والاختيار جاءا في سياق حملة “فتحاوية” مكثفة شنها عرفات نفسه ردا على الحملة التي أطلقها ضده بعض أركان قيادة فتح، لاسيما فيما يتعلق باستحداث منصب رئيس وزراء، وكل التداعيات التي رافقت الاقتراح الذي تضغط الإدارة الأمريكية وإسرائيل والأوربيون لتحقيقه، ويدعمه أيضا تيار قوي في فتح يقوده محمود عباس (أبو مازن)، أمين سر اللجنة المركزية لمنظمة التحرير الفلسطينية.

وقد وجد عرفات في تعيين الحسن ما يشفي غليله وما يمنع الآخرين عن صده ورفضه، وهي ضربة غير مباشرة وُجهت إلى محمود عباس، خصوصا وان الحسن وعباس غير متفقين، ولكل منهما ما يكفيه ويزيد من أسباب القوة والتأييد داخل حركة فتح.

وثاني أهم الأسباب، أن منصب وزير الداخلية بات يعني مصدر القوة في أي حكومة فلسطينية، وعلى أي رئيس وزراء محتمل أن يضمن شغل هذا المنصب من قبل مؤيديه، وهذا ما فعله عرفات بتعيين هاني الحسن، الشخصية القوية في هذا المنصب الدقيق.

المستقبل

رفض عرفات هذه المرة، استنادا إلى مقربين، أن يترك لأحد قيادة الحملة التي قادت إلى نجاحه في المجلس التشريعي. فقد ظل الزعيم الفلسطيني، وعلى مدار الأسبوعين الماضين، منشغلا في الترويج لحكومته، عارضا على النواب وقيادات فتح أن التصويت هذه المرة سيكون إما مع القيادة الوطنية أو ضدها.

وأصر الزعيم الفلسطيني على إدارة حملته بنفسه، حيث التقى في مقره المحاصر والمدمر بأعضاء اللجنتين، المركزية لحركة فتح، والتنفيذية لمنظمة التحرير، ومع جميع كوادر فتح من الصفوف الأولى والثانوية حتى أقنعهم بضرورة التصويت لحكومته.

إن الحملة التي تستهدف ياسر عرفات والتي توقفت رسميا مع إعلان منح الثقة للحكومة الجديدة، لن تلبث وأن تستأنف مجددا، حيث يُنتظر العودة، وتحت تأثير ضغوط أمريكية وإقليمية، للحديث عن إنشاء منصب رئيس وزراء فلسطيني بصلاحيات حكومية كبيرة، وهو الأمر الذي سيعني دخول عرفات في مواجهة حتمية جديدة مع خصومه في الداخل والخارج.

والصمت الأمريكي والإسرائيلي إزاء انتصار عرفات الأخير، لا ينذر إلا بقدوم العاصفة.

هشام عبد الله – رام الله

لا تعني الأغلبية المريحة التي حصلت عليها الحكومة الفلسطينية في المجلس التشريعي يوم الثلاثاء، أن المشاكل التي يواجهها الرئيس ياسر عرفات في الداخل والخارج قد انتهت. فلا تزال الولايات المتحدة والشركاء الأوروبيون للسلطة الوطنية يصرون على ضرورة إدخال إصلاحات جذرية على هياكل المؤسسات الفلسطينية من حيث تعزيز الممارسة الديموقراطية والشفافية والنجاعة في العمل.

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية