مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

حملة انتخابية تشريعية باردة الوطيس

زيادة فُـرص الشغل وتقليص نِـسبة الفقر وتوسيع الحريات من أبرز الوعود المُقدمة للناخب المغربي (مصدر الصورة: الموقع الخاص بالانتخابات التشريعية المغربية لعام 2007)

يتوجه الناخبون المغاربة يوم الجمعة 7 سبتمبر إلى صناديق الاقتراع في ثاني انتخابات تشريعية تجري في عهد الملك محمد السادس والتي يراهن عليها كآخر حلقات مسلسل الانتقال الديمقراطي الذي تعيشه البلاد منذ منتصف تسعينات القرن الماضي.

وكشفت الحملة الانتخابية وبرودتها والدعوات المكثفة للمقاطعة وما يتردد في اوساط المواطنين العاديين أن مخاض المغرب الجديد الذي عاشت اوجاعه طوال السنوات الماضية لم يحمل معه مولودا جديدا..

كشفت الحملة الانتخابية وبرودتها والدّعوات المكثفة للمقاطعة وما يتردد في أوساط المواطنين العاديين، أن جزءا ثانيا من مسلسل الانتقال الديمقراطي ستعيشه البلاد خلال السنوات الخمس القادمة، وأن مخاض المغرب الجديد الذي عاشت أوجاعه طوال السنوات الماضية، لم يحمل معه مولودا جديدا، وإن كان جسَـد الحامِـل عَـرف تجميلا وأيضا عافية تقيه شرّ السكتة القلبية، التي كان العاهل المغربي الراحل الملك الحسن الثاني قد حذّر من وقوعِـها بعد تقارير للبنك الدولي، كشفت المخاطر وسوء تدبير الشأن العام على مستقبل البلاد.

وبِـغضّ النظر عما سيجري يوم الاقتراع ونسبَـة واضعي أصواتهم في الصناديق، فإن السلطات نجحت في امتحان صعب، وهو إجراء انتخابات يُـقِـر بنزاهتِـها المُـتنافسون والمراقبون المحليون والدوليون.

وهناك اتِّـفاق على أن السلطات طَـرف مُـحايد ونزيه في العملية الانتخابية، وأن ما عرفته الحملة الانتخابية من تجاوزات هنا أو هناك، لم تكن بإرادة السلطة المركزية وأن من قام بهذه الخروقات تُـوبع قضائيا، لأن السلطات تُـدرك أن نزاهة الانتخابات أحد مرتكزات الاستقرار والثقة الدولية في البلاد، وسيكون له انعكاس إيجابي على الملف المؤرق، وهو ملف نزاع الصحراء الغربية الذي يلعب العامِـل الدولي دورا مِـحوريا في إغلاقه وحل النِّـزاع المستمر منذ ثلاثة عقود.

غير أن نجاح السُّـلطات في تنظيم انتخابات نزيهة لا يعني نجاح البلاد في الوصول إلى دولة الحق والقانون ومؤسسات قوية وفاعلة. فالانتخابات إحدى السُّـبل للوصول إلى هذا المُـبتغى، لكن فاعليتها رهينة أركان أخرى.

فِـئة متفائلة…

والكأس المغربي المملوء نصفه، يمكن اعتماده كأرضية لكيفية التعاطي مع الاشتقاق الدّستوري الجديد، فالمشاركون به، وهم السلطة وتكتل الأحزاب المتنافسة الذين ينظرون إلى تحوّلات حقيقية عرفتها البلاد خلال السنوات العشر الماضية، تمثَّـلت في إنقاذ البلاد من انهيار اقتصادي واجتماعي كان يهدِّدها، وهذا الإنقاذ تجسَّـد في تِـرسانة القوانين التي سُـنَّـت لتنظيم ميادين التعليم والاقتصاد والاستثمار والحريات والقفزة في الإصلاح الإداري.

وإلى جانب سَـنِّ القوانين، عرفت البلاد تدفُّـقا في ميدان الاستثمارات الخارجية وتقليص الدَّيْـن العام، الداخلي والخارجي، التي عبَّـرت عن ثقة المُـستثمرين في أمن البلاد واستقرارها وزيادة نِـسبة التَّـمدرس وتقليص نِـسبة الأمية والحريات الصحفية، التي وصلت أحيانا إلى درجة الفلتان واللاانضباطية، وحرية التجمُّـع والتَّـظاهر وتقليص للانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان وإلغاء منهجية هذه الخروقات وملاحقة مرتكبيها من رجال السلطة.

ويعتقد هؤلاء أن ما تحقق من إنجازات نتاج طبيعي للنِّـضال الديمقراطي الذي خاضته الأحزاب طوال العقود الماضية وحصيلة تراكُـمٍ من المكاسب، وأن استمرار ومواصلة النضال في داخل المؤسسات الدستورية يرفع الحصيلة ويُـطوِّر الإنجازات.

وسجَّـل أصحاب هذا الرأي أن أطرافا كانت تدعُـو في السابق للمقاطعة وعدم المشاركة بالمؤسسات، التحقت بالعملية الانتخابية وتخُـوض استحقاق 7 سبتمبر وهي محمّـلة بآمال الفوز بمقاعد تحت قبَّـة البرلمان.

… وأخرى متشائمة

والناظرون للنِّـصف الفارغ من الكأس يرون أن ما تحقّـق من تقدُّم مكاسب، لا يتناسب مع ما ضحَّـى من أجله المغاربة وما وعدهم به العهد الجديد. فنسبة البطالة في أوساط الشباب ارتفعت ونسبة الفقر في الأوساط الشعبية زادت، والبلاد شهدت موجات من هجمات انتحارية كانت صدى هذه الأزمات، ويضيفون لها ما تعرّض له العاطلون من قمع خلال تعبيرهم سِـلميا عن رأيهم واحتجاجاتهم، وملاحقات الصُّـحف قضائيا، وإصدار أحكام قاسية بالسِّـجن أو بالغرامات المالية.

فنظرة هذه الفئة للنصف الفارغ من الكأس ترى استمرارية النظام السياسي الذي أنتج الأزمة واستمرار آلياته، دون أن يجهد الحكم نفسه في تطوير هذه الآليات. ويرى هؤلاء أن النظام السياسي نظام غير ديمقراطي تتمحور فيه القرارات المتعلقة بمستقبل البلاد في القصر مع تهميش كامل لبقية السلطات التنفيذية والتشريعية وإخضاع السلطة القضائية.

ويقول هؤلاء، وهم من التيارات اليسارية الراديكالية أو التيارات الأصولية المتشدّدة، إن “البرلمان مجرّد غرفة تسجيل لما يتّـخذه الدِّيوان الملكي من قرارات، والبرلمان محدود الصلاحيات ولا سُـلطات فعلية لديه، ما دامت سلطة القرار هي بيد الملك والقوانين والقواعِـد الانتخابية المعمول بها، علاوة على بنية النظام السياسي والمؤسساتي، تُـفرِغ العملية الانتخابية من كل محتوى. فهي لا تسمح بالتعدّدية السياسية، رغم التضخم في عدد الأحزاب، والتصويت، مهما بلغ حجمه، لا يعكس أي تعبير سياسي عن مصالح الأغلبية الشعبية، وهو عملية فاسدة، شكلا ومضمونا، ولا تسمح حتى بالتقدّم نحو إصلاحات سياسية جُـزئية أو تعديلٍ نِـسبي للاختلال البنيوي بين السلطات”.

قلق وخيبة أمل

هذا النقاش الذي يُـسمع في الشارع المغربي يعكِـس حالة القَـلق التي يعيشها، قلقٌ يتعمَّـق مع استفحال الأزمة الاجتماعية من جِـهة، وحالة عدم الثقة بالأحزاب السياسية التي خلقتها التيارات والأحزاب الرافضة للعملية السياسية من جهة أخرى، وأوساط من السُّـلطة التي كانت تعيش حالة تناقض أو تنافس مع هذه الأحزاب على صناعة القرار وتنفيذه وتراجع الأحزاب عن مطالبها في مؤسسات فاعلة، تمارس ما منحها إياه الدستور من صلاحيات.

ولعلّ القراءة المبسَّـطة للبرامج الانتخابية للأحزاب المتنافسة، يسارا أو يمينا، إسلامية أو عِـلمانية، ليبرالية أو اشتراكية، تُـساعد على قَـبول ما يتردّد. فهذه البرامج في خطوطها العريضة متشابهة ووعودها واحدة، زيادة فُـرص الشغل وتقليص نِـسبة الفقر وتوسيع الحريات.

وخلال السنوات الماضية، عبأ الشارع المغربي بعجْـز الحكومة وأحزابها، وأن القصر والقصر وحده، كان وراء ما عرفته البلاد من إنجازات، وهو ما جعل أوساطا إعلامية تقول: ما فائدة الانتخابات ما دام القصر هو صاحب القرار؟ وهي المقولة التي أدرك العاهل المغربي الملك محمد السادس مخاطِـرها وحذّر منها في خِـطاب ألقاه قبل أسبوعين.

هذه الأجواء أدركت السلطات انعِـكاسها على نِـسبة المشاركة، والمتفائلون يتوقّـعون نِـسبة أكثر من 50% من 15 مليون مسجَّـل في اللَّـوائح الانتخابية، في حين يرى المتشائمون أن النسبة لن تزيد عن 22%، لذلك تُـبذل جهود من خلال الحملات الإعلامية في مختلف وسائل الاتصال وأساليب التحريض المتعدّدة لدفع المواطنين للتوجُّـه إلى صناديق الاقتراع.

محمود معروف – الرباط

الرباط (رويترز) – يقول سالم حافظ، وهو تاجر بقالة في السوق الرئيسي في الرباط عاصمة المغرب “لن يفيدني التصويت في شيء. سأظل هنا في متجري يوم الجمعة”.

ويعكِـس البقال (58 عاما) اللامبالاة، التي يخشى كثيرون أن تجعل الانتخابات البرلمانية في السابع من سبتمبر فرصة مهدرة في هذه الدولة المؤيِّـدة للسوق الحرة والفقيرة، التي ينظر إليها من زمن على أنها أقرب حليف للغرب في شمال إفريقيا.

وتكمُـن العِـلة في الاعتقاد بأن البرلمان هو مؤسسة تفتقر إلى السلطة مكوّنة من سياسيين يفشلون في تنفيذ وعودهم التي قطعوها على أنفسهم، ليتم انتخابهم.

ويعرف المغربيون أيضا أنه مهما يحدُث في يوم الانتخابات، فإن السلطة الحقيقية ستظل في يد الملك محمد السادس، الذي يجمع بين دور الرئيس التنفيذي للدولة والقائد العسكري.

وقال حافظ “بالنسبة لرجال السياسة، نحن مواطنون مهِـمون فقط ليوم واحد، إنهم يريدون أصواتنا، ثم ينسوننا بعد ذلك”.

وسيتنافس يوم الجمعة 33 حزبا سياسيا وعشرات المرشحين المستقلين على مقاعد البرلمان، البالغ عددها 325، بينهم حزب العدالة والتنمية الإسلامي المعتدل، المتوقّـع أن يبلي بلاء حسنا.

وستكون هذه هي الانتخابات البرلمانية الثانية في عهد الملك محمد السادس، ذي التوجهات الإصلاحية، الذي تولى العرش في عام 1999 بعد وفاة أبيه الملك الحسن الثاني.

وينظر إلى الانتخابات تقليديا على أنها ممارسة لها قيمتها في تنشيط الساحة السياسية. وتعكس الانتخابات، التي تجري كل خمس سنوات اتجاهات، كما أن القوى الجديدة يتم الاعتراف بها من خلال منحها مناصب وزارية.

وهذا العام، سعى الساسة إلى مكافحة الفتور بإضافة مستوى غير مسبوق من التفاصيل في برامجهم الانتخابية، غير أن انعدام الثقة بالسياسيين يضرب بجذوره عميقا.

وتقول خديجة عابد (48 عاما) في منطقة الجمرة، التي تقطنها الطبقة العاملة بالرباط: “السياسيون يطلبون منا أن نعطيهم السُـلَّـم الذي يصعدون به إلى السلطة، ولكن عندما يصلون يتخلَّـون عنا ويتركونا عالقين لخمس سنوات في القاع”.

ويقول محللون إن إقبال الناخبين انخفض من 67.4% في عام 1984 إلى 51.56% في آخر انتخابات برلمانية في عام 2002، وهو مؤشر على إحباط الناخبين.

وتأمل الحكومة، التي بدأت حملة توعية في محاولة لإحياء حماس الناخبين، أن يدلي أكثر من نصف 15.5 مليون ناخب مسجل بأصواتهم.

ويقول محللون إن مصدرا آخرا للإحباط، يكمن في النظام الانتخابي الذي يشجِّـع على تفتُّـت السياسات ويمنع بروز أي حزب سياسي مُـهيمن واحد يُـمكن أن يقود الحكومة ويمكِـن محاسبته.

وتقول منظمة تدافع عن الديمقراطية وتموِّلها الحكومة الألمانية “الأحزاب السياسية تبدو متحجِّـرة بصفة عامة وتنظيمها ضعيف وغير قادرة على الخروج بمبادرات سياسية هامة داخل البرلمان”.

ويقول سالم شيمار، وهو بائع متجوّل في منطقة يعقوب المنصور، على مشارف الرباط، “أدليت بصوتي في الانتخابات المحلية في عام 2003 لصالح رجل وعدني بزيت طهي ودقيق مجاني، وعندما ذهبت لأراه بعد عدة أيام طلب مني أن أعود في وقت لاحق”، ويضيف “لم أعد أبدا لرؤيته ولن أصوت هذه المرة، وربما لن أصوت بالمرّة في المستقبل إلى أن أجد الرجل الصحيح الذي يستحق صوت الفقراء من أمثالي”.

وقال جلال العبودي، وهو مدرس في مدينة المحمدية خارج الدار البيضاء، إنه قد يصوِّت لمرشح يساري عِـلماني، كمسألة مبدأ “ولكن ليس لدي أمل كبير في التغيير”.

ولخّـص العبودي المناقشات مع زملائه وجيرانه قائلا “هذه المناقشات غالبا ما تفضي إلى النتيجة التالية.. كل ما ستسفر عنه الانتخابات سيكون حكومة ضعيفة وبرلمانا عاجزا، تنظر غالبية أعضائه إلى الانتخابات على أنها مدخل مجاني إلى الفوائد والمكانة”.

(المصدر: وكالة رويترز بتاريخ 4 سبتمبر 2007)

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية