مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

حملةُ الأهداف المختلفة

القوات اليمنية في مأرب في واحدة من أكبر عملياتها العسكرية منذ أكثر من عشرين عاما Keystone

على الرغم من أن الحملة العسكرية التي نفذتها السلطات اليمنية ضد بعض المناطق القبلية في محافظتي مأرب وشبوة صباح الثلاثاء الماضي أدت إلى سقوط العديد من القتلى والجرحى بينهم نساء وأطفال وأسفرت عن تدمير عدد من المنازل، إلا أن ذلك لم يستأثر باهتمام المتابعين والمراقبين للشأن اليمني بقدر خلفيات وأسباب هذه المواجهة.

والسبب أن توقيت هذه الحملة العسكرية ودوافعها لاتنفك عن التطورات الدولية الأخيرة وهي التطورات التي دفعت بملف الإرهاب ومكافحته إلى واجهة الأحداث قاطبة.

وحسب مصادر عليمة بلغ عدد القتلى تسعة عشر قتيلا منهم ستة مدنيين وثلاثة عشر عسكريا فيما بلغ عدد الجرحى سبعة في صفوف المدنيين وخمسة عشر جريحا عسكريا.

من المعروف أن السلطات اليمنية عادة ما تلجأ إلى استخدام القوة تجاه بعض المجموعات القبلية من حين لأخر، إما لأسباب تتعلق بحسم النزاعات المسلحة التي تنشب بين القبائل ذاتها أو لمواجهة عمليات اختطاف الأجانب أو لإنهاء قطع الطرقات الذي تلجأ إليه مجموعات قبلية كاحتجاج على السلطات أو لتصفيات حسابات بين القبائل نفسها.

وإذا كانت أسباب الخلافات بين السلطات اليمنية والمجموعات القبلية تتعدد وتختلف تبعا لخصوصية التركيبة الاجتماعية التقليدية لهذا البلد إلاأن الحملة العسكرية الخيرة دخلت فيها معطيات جديدة ومحددات دولية جعلتها تكتسي دلالات وأبعاد مختلفة عما هو مألوف.

فهذه الحملة العسكرية التي تعتبر الأعنف من نوعها منذ أزيد من عشرين عاما تصب في سياق الجهود الدولية الرامية لمكافحة الإرهاب وهو ما كشف عنه لأول مرة مصدر يمني مسؤول عندما ذهب إلى التوضيح أن هذه الحملة العسكرية التي تقوم بها السلطات اليمنية استهدفت مطاردة أفراد يشتبه بانتمائهم لتنظيم القاعدة الذي يتزعمه أسامة بن لادن وأن المواجهة نشبت بين القوات الحكومية ورجل من القبائل يشك في أنهم يأوون العناصر المشتبه بانتمائهم إلى تنظيم القاعدة.

ضغوط خارجية

وكانت الولايات المتحدة الأمريكية مارست ضغوطا قوية على السلطات اليمنية بغية دفعها إلى اتخاذ تدابير مشجعة وفاعلة في مكافحة الإرهاب ومن هذه التدابير التي تطالب بها الولايات المتحدة إلقاء القبض على ثلاثة اشخاص تشك واشنطن بضلوعهم في تفجير المدمرة الأمريكية أس أس كول أواخر العام الماضي في ميناء عدن.

وهؤلاء الثلاثة أحدهم يحمل الجنسية المصرية غير أنه ليس أبو الحسن المصري الزعيم السلفي المعروف والمقيم في محافظة مأرب كما ذهبت إلى ذلك وسائل الإعلام وإنما هو شخص أخر يدعى المصري بالإضافة إلى شخصين آخرين أحدهما يدعى السيد ينتمي لمنطقة تهامة في محافظة الحديدة والأخر يدعى الحضرمي من محافظة حضرموت ويكنى بأبي عصام.

ويسجل المراقبون والمتابعون للشأن اليمني عددا من الملاحظات التي يرون انها أعطت الإجراءات اليمنية أكثر من دلالة ومعنى خيث أعتبرت في نظرهم بمثابة توجيه أزيد من رسالة للعالم ولأمريكا غايتها الأكيد على ان اليمن ماض في تنفيذ التزاماته وتعهداته التي قطعها لشركائه في مكافحة الإرهاب وانه شريك متجاوب مع التوجهات الدولية الرامية إلى وضع حد لظاهرة الإرهاب لاسيما منها الجهود الأمريكية حيث تشك واشنطن بأن بعض المناطق القبلية اليمنية النائية لا تخضع لنفوذ الدولة اليمنية.

السلطات اليمنية حاولت دحض هذه التهم بمداهمتها لأهم المعاقل القبلية في محافظتي مأرب وشبوة وبالتالي أرادت من وراء ذلك إيصال رسالة أخرى مؤداها أن الحكومة اليمنية قادرة على بسط نفوذها على مجمل التراب الوطني اليمني دونما حاجة لمساعدة أحد وهو ما يقطع الطريق أمام أمريكا للتدخل في اليمن بحجة محاربة الإرهاب أو توجيه ضربة لهذا البلد وان اليمن في مستطاعه اتخاذ التدابير الفاعلة والرادعة لمنع أي تسلل محتمل لعناصر القاعدة ومطاردتهم على مختلف التراب اليمني.

مواجهات محدودة أو حملة طويلة الامد؟

أمام تصميم السلطات اليمنية والإرادة الدولية في وضع حد لظاهرة الإرهاب ستبقى الأنظار متجهة إلى الإجراءات اليمنية التي تنفذها السلطات هناك وإلى ما ستسفر عنه من تطورات مع المجموعات القبلية.

على أن الراجح يبدو في نظر مختلف المتابعين هو ما إذا كانت الظرفية هي فعلا مواتية لتخلص السلطات اليمنية من حالة الصداع المزمن الذي تسببه المجموعات القبلية المتمركزة في هذه المناطق اليمنية النائية، يشك كثيرون من واقع خبرتهم في الشؤون اليمنية أن يتحقق ذلك بالاقتصار على القوة وحدها دون ان يساندها جهد اعماري يقلل من معاناة سكان هذه المناطق المعروفة بقساوتها الطبيعية ووعورتها وشظف العيش فيها.

السؤال الذي يظل مطروحا هو: هل بدأت السلطات اليمنية الشروع ببرنامج طويل الأمد لمكافحة الإرهاب؟ … الأيام القادمة كفيلة بالكشف عن ذلك.

عبد الكريم سلام – صنعاء

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية