مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

حوادث انقطاع الكابلات تطرح إشكاليات الأمن السيبراني من جديد

سامي بن البشير المرشد، مدير مكتب تنمية الاتصالات بالاتحاد الدولي للاتصالات (مقره جنيف) swissinfo.ch

أثار حادث قطع أربع كابلات بحرية في وقت متقارب وتسبب مؤخرا في حدوث عطل مفاجئ لخدمات الإنترنت فى منطقة الشرق الأوسط وشرق آسيا شكوكا وتساؤلات متعددة حول احتمال أن يكون ناجما عن عملية تخريبية مقصودة.

في حديث خص به سويس إنفو، يشرح السيد سامي بن البشير المرشد، مدير مكتب تنمية الاتصالات بالاتحاد الدولي للاتصالات في جنيف حقيقة التصريحات التي نُسبت إليه مؤخرا حول هذها الموضوع، ويشدد على الدروس المستخلصة من هذا الحادث من قبل الدول العربية.

أثارت التقارير الصحفية التي تناقلت تصريحات منسوبة للسيد سامي بن البشير المرشد، مدير مكتب تنمية الاتصالات بالاتحاد الدولي للاتصالات، قيل إنها صدرت عنه على هامش الملتقى الإقليمي حول الأمن السيبراني (أي في العالم الإفتراضي للشبكة العالمية للمعلومات) الذي انعقد في الدوحة من 18 إلى 21 فبراير 2008، مجددا ترجيح الإحتمال القائل بأن عملية قطع الاتصالات عبر الإنترنت في عدة بلدان في الشرق الأوسط وشرق آسيا، قد تكون ناتجة عن عملية تخريب متعمد.

لتوضيح حقيقة ما نقل عنه ولتسليط الضوء على أبعاد هذه القضية المهمة، أجرت سويس إنفو الحوار التالي مع السيد سامي بن البشير المرشد في مكتبه بجنيف.

سويس إنفو: هل تعتبر حادثة قطع كابلات الانترنت في منطقة الشرق الأوسط أمرا نادر الوقوع، أم سبق أن حدث شيه لها وبهذا الحجم في مناطق أخرى من العالم؟

سامي المرشد: هي في الحقيقة أول حالة بهذا الحجم إذ سبق أن حدث انقطاع في الكابلات في السابق ولكن عادة ما تكون بالنسبة لكابل واحد ويكون هناك بديل له. ولكن في هذه الحالة ما جلب الاهتمام هو كون الأمر يتعلق بأربع كابلات وفي منطقة جغرافية متقاربة وهو ما أثر في حركة الاتصالات والإنترنت في المنطقة من الهند إلى البلدان العربية بأضرار متفاوتة بحيث كانت رئيسية في الخليج وفي مصر، وبشكل أقل في لبنان وسوريا والأردن نظرا لأن هذه البلدان لها اتصالات عبر حوض البحر الأبيض المتوسط أيضا.

لذلك نشجع (في الإتحاد الدولي للإتصالات) الدول على اعتماد عدة طرق للاتصال وعبر شبكات كابلات من جهات مختلفة. وكما هو معلوم فإن كابلات الألياف الضوئية هي التي تنقل الحركة نظرا لأن 95% من الحركة تمر عبر الكابلات، بينما لا يمر عبر الأقمار الإصطناعية سوى 5%.

سويس إنفو: هل أدى هذا الحادث إلى مزيد الوعي بضرورة تعزيز أمن الشبكة؟

سامي المرشد: كما يقول المثل العربي “رب ضارة نافعة”. لقد أدت هذه الحادثة وحجم الأضرار الاقتصادية والمعلوماتية التي نجمت عنها إلى توعية الدول المعنية في المنطقة بضرورة إيجاد البديل.

وفيما يتعلق بموضوع الصيانة، أكيد أن هذه المشاريع التي بين أيدي شركات خاصة قد أخذت في اعتبارها أن تضع احتياطات كافية لحماية هذه الكوابل، لذلك هناك حيرة كبرى لدى الناس حول إمكانية وقوع هذا الحادث.

قد يكون ذلك بسبب الزلازل او بسبب مرور باخرة ما أو قد يكون بفعل فاعل، لا نعلم. ولا نستطيع أن نؤكد أو ننفي، إنما نحن – كإتحاد دولي للاتصالات – معنيون بهذا الموضوع وإن كنا لسنا مسئولين مباشرة عن مثل هذه الأمور. لكن يهمنا أن يتوصل الخبراء إلى السبب الحقيقي حتى يمكن تجنبه في المستقبل وتحقيق الأمن السيبراني وانسياب الحركة في جميع دول العالم.

سويس إنفو: لكن وقوع هذه الأحداث في نفس المنطقة وفي نفس الفترة الزمنية تقريبا روج لاحتمال أن يكون الحادث ناجما عن عملية تخريب، كما أن تصريحكم في الدوحة قد ساعد ربما على ترجيح هذا التصور؟

سامي المرشد: ربما لم تنقل إحدى وكالات الأنباء بدقة ما صرحت به في الدوحة. أنا لا أحبذ التخمين لكنني قلت إننا لا نستطيع أن ننفي أو نؤكد لأن الدراسة ما زالت قائمة.

نعم، أنا أعترف بأنه – من خلال خبرتنا ومتابعتنا لمثل هذه الأمور – أمر غريب أن يحدث هذا الانقطاع في أربع كابلات في منطقة جغرافية متقاربة وفي وقت متقارب. هناك غرابة نعم، ولكن قد تكون كما ذكرت بفعل الطبيعة وقد تكون بفعل فاعل.

إذن كما قلت يجب ان ننتظر ما سيقوله الخبراء وهذا أفضل. ولكن الدرس المفيد الذي تعلمناه هو أنه يجب أن لا تعتمد الدول على مسار أو مسارين فقط لنقل حركة الاتصالات لأن أي شيء ممكن الحدوث.

وكما نعلم فإن موضوع الاتصالات وتقنية المعلومات الآن وخاصة عبر شبكة الإنترنت أصبح عصب الحياة يؤثر عل حياة الناس في الطب والتجارة وغيرها، وأن معظم الحكومات اليوم تتجه نحو خدمات الحكومة الإلكترونية. فتصور عندما يقع مثل هذا الانقطاع، كيف تتعرض كل مصالح الناس ومصالح البلد للخطر. فنحن تعلمنا هذا الدرس ولربما تُحاول الدول (التي تعلمت هذا الدرس أيضا) تخصيص بعض الاستثمارات لإيجاد أكثر من بديل وأكثر من جهة وأكثر من كابل في أكثر من بحر.

سويس إنفو: كمنظمة أممية مختصة ما الذي يمكن أن تقوموا به في سياق هذا التحقيق لكشف الملابسات واستخلاص العبر من هذا الحادث؟

سامي المرشد: نحن منظمة دولية متخصصة، طبعا يعنينا التوصل الى حقيقة ما حصل، وكيف حصل حتى نساعد الدول الأعضاء بنقل التجربة لهم لتجنب وقوع مثل هذه الأحداث. لأن أي حادث يقع سواء في النقل الجوي أو في أي قطاع آخر تستخلص منه الدروس.

ولكن في إطار الأمن السيبراني (أو في عالم الإتصالات الإفتراضية)، تتمثل خطة عمل الاتحاد الدولي للاتصالات في وضع هذا الأمن السيبراني كإحدى أولويات الاتحاد. ونحن لدينا ما يُسمى بخطة عمل ننصح فيها الدول والجهات المعنية من أعضائنا في القطاع العام والخاص بتبنيها لوضع إستراتيجية وطنية للأمن السيبراني، وإقامة تعاون بين القطاعين العام والخاص لأن معظم خدمات هذا القطاع تدار من قبل القطاع الخاص، وردع الجريمة السيبرانية بوضع قوانين رادعة لمثل هذه الجرائم التي بدأت مع الأسف تستفحل في الآونة الأخيرة، واستحداث مقدرة وطنية لإدارة هذه الحوادث إذ يجب ان تتوفر كل دولة على قدرات لإدارة مثل هذه الأزمات، والنهوض بثقافة الناس في مجال الأمن السيبراني.

وقد شاركتُ الأسبوع الماضي في الدوحة بقطر في مؤتمر مخصص للمنطقة العربية بحضور حوالي 18 دولة استفادت من تجارب بعضها البعض واستقدمنا خبراء من أوروبا وأمريكا لتقديم تجارب دولهم وشركاتهم في هذا المجال. كما كانت هناك اجتماع آخر بالنسبة لدول آسيا في فيتنام ولقاءات أخرى في أوروبا وإفريقيا وأمريكا اللاتينية في إطار التوعية الإقليمية.

ويتمثل الهدف في إمكانية الوصول في نهاية المطاف إلى وضع آلية معينة لكافة دول العالم، ونأمل في التوصل الى بلورة اتفاقية متعددة الأطراف تصادق عليها الدول حتى نستطيع الحد من هذه الجريمة السيبرانية.

سويس إنفو: من خلال مشاركتك في المنتدى الاقليمي حول الأمن السيبراني بالدوحة، ما هي الصورة التي يمكن أن نخرج بها عن مدى وعي الدول والإطارات العربية بخطورة موضوع الأمن السيبرانية؟

سامي المرشد: في الحقيقة أن التجارب تتفاوت من بلد لبلد. فلكي تستطيع وضع خطة يتطلب الأمر ان تكون لديك الشبكة المؤهلة. وفي هذا الإطار تتفاوت الدول، فعلى سبيل المثال معظم دول الخليج تضاهي الدول الصناعية في مستوى الخدمات. وهناك دول أخرى خطت خطى جيدة مثل مصر ودول المغرب العربي. ولكن لدينا بعض الدول العربية التي تعرف تأخرا أو تراجعا مثل السودان واليمن وسوريا، والتي تضاف لها دول تعاني للأسف من ظروف حاصلة مثلما هو الحال في العراق ولبنان .

وفي مجال الأمن السيبراني نجد دولا خطت خطى جيدة مثل دول الخليج التي في معظمها لديها نظام معتمد من قبل الدولة لتجريم الجريمة السيبرانية في السعودية وقطر . كما أن دول مجلس التعاون الخليجي مثلما لاحظت في الاجتماع لديهم تفكير لوضع إطار إقليمي لمجلس التعاون الخليجي يمكن أن يتطور في المستقبل على المستوى العربي. وهذا طبعا شيء مفيد جدا وقد شجعناهم على ذلك ووعدناهم بتقديم المساعدة الفنية والخبرات التي لدى الاتحاد الدولي في هذا المجال.

سويس انفو – محمد شريف – جنيف

انعقد المنتتدى الإقليمي للأمن السيبراني في الدوحة بقطر من 18 إلى 21 فبراير 2008.

ورشة العمل عقدها الاتحاد الدولي للاتصالات بالتعاون مع المجلس الأعلى للاتصالات وتكنولوجيا المعلومات في قطر ومركز أمن المعلومات في قطر، بمشاركة أكثر من 80 مندوبا قدِموا من 18 بلدا في المنطقة العربية ومن منظمات إقليمية، مثل جامعة الدول العربية ومجلس التعاون الخليجي واللجنة الاقتصادية والاجتماعية لغرب آسيا، التابعة للأمم المتحدة.

اختتم المنتدى أشغاله، باعتماد إعلان الدوحة بشأن الأمن السيبراني وناشد كل بلد من بلدان المنطقة المسارعة إلى تعبئة الطاقات اللازمة في إطار الأمن السيبراني الجديد، الذي وضعه الاتحاد.

يشمل إطار الأمن السيبراني الذي وضعه الاتحاد الدولي للاتصالات، بلورة إستراتيجية وطنية للأمن السيبراني في كل بلد وإقامة تعاون بين الحكومات والقطاع الصناعي وردع الجريمة السيبرانية واستحداث هيئة وطنية لإدارة الحوادث، من أجل حماية البنى التحتية الحرجة للمعلومات، والنهوض بثقافة أمن سيراني.

يعود تاريخ أول حادثة انقطاع كابلات الاتصال البحرية إلى يوم 23 يناير 2008 عندما تعرض كابل فالكون تيليكوم الهندية لعطل قرب سواحل بندر عباس الإيرانية. وهو الحادث الذي لم يعلن عنه.

وقد تكررت العملية إثر ذلك يومي 30 يناير وغرة فبراير 2008:
– بانقطاع كابل سيميوي-4 الرابط بين جنوب شرق آسيا والشرق الأوسط وأوروبا الغربية (على مستوى بينانغ بماليزيا).
– كابل فلاغ الرابط بين أوروبا وآسيا، (قبالة الإسكندرية بمصر).
– كابل فلاغ قرب سواحل دبي (بدولة الإمارات العربية المتحدة).
– كابل سيميوي –4 (قرب الإسكندرية بمصر).

ولم تعلن الشركات المالكة لهذه الكابلات لحد إعداد هذا التقرير عن نتائج تحقيقاتها في أسباب الحادث إلا أن عددا من الخبراء العاملين فيها استبعدوا أن يكون الحادث وقع بسبب التقادم.

أدى الحادث إلى التأثير في خدمات الاتصال الدولية العابرة للمنطقة، وتضرر منه حوالي 60 مليون مستخدم هندي، و12 مليون في باكستان، و6 ملايين في مصر، و 4،7 مليون في السعودية، و 1،7 مليون في دولة الإمارات.

وفي مصر، أشارت وكالة رويترز للأنباء يوم 31 يناير 2008 إلى أن طاقة الإنترنت المتاحة في مصر بلغت 40% بعد تعطلها، نتيجة لقطع في شبكة كابلات بحرية أثّـر أيضا على منطقة الخليج وجنوب آسيا.

وقد قطعت وصلة الكابل البحري قُـبالة الساحل الشمالي لمصر، مما تسبب في بُـطء الدخول على مواقع على الإنترنت أو قطع الاتصال بالانترنت في أجزاء كبيرة من آسيا، مما أجبر الشركات التي تقدّم الخدمة على محاولة تغيير المسار عبر كابلات أخرى أو عن طريق الأقمار الصناعية.

وقالت وزارة الاتصالات المصرية في بيان صادر عنها، إنها لا تعرف سبب انقطاع الكابل أو ما إذا كانت الأحوال الجوية سببا في ذلك. وأدّى تعطل الإنترنت إلى اضطراب في سوق المال المصري، كما أعلنت دول عربية خليجية عن حدوث اضطرابات كبيرة في التعاملات عن طريق شبكة الإنترنت.

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية