مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

حوار أوروبي عربي إسلامي في جنيف

Keystone Archive

تأسست في جنيف جمعية سويسرية للحوار الأوربي العربي الإسلامي كمحفل أكاديمي لإدارة حوار حضاري، لا يقتصر على مجرد الدراسات التاريخية بل يشمل كل ميادين العلوم بما في ذلك الحكم الرشيد.

وترغب الجمعية، التي ستزود بمركز دراسات جامعية عليا، في الاستفادة مما توفره جنيف من خبرات دولية كما تعتزم الاستفادة من خبراء في العالمين العربي والإسلامي.

تم في جنيف في 21 يونيو 2006، تأسيس الجمعية السويسرية للحوار الأوروبي العربي الإسلامي من طرف نخبة من الأكاديميين السويسريين والعرب والمسلمين. وستنظم أولى محاضراتها في معهد جنيف للدراسات الدولية العليا يوم الثلاثاء 3 اكتوبر 2006 تحت عنوان “الحرب اللبنانية الإسرائيلية: تحد للنظام الدولي” وبمشاركة عدد من أبرز المفكرين والباحثين.

في حوار خص به سويس إنفو تطرق الأستاذ إيف بيسون، أحد المؤسسين، إلى أهداف هذه الجمعية وما يمكن أن تقدمه لدعم الحوار الأوروبي العربي الإسلامي في هذه الظروف بالذات.

سويس إنفو: البروفسور إيف بيسون ، تعدون أحد مؤسسي الجمعية السويسرية للحوار الأوروبي العربي الإسلامي، الذي يعد في حد ذاته برنامجا هائلا ، فهلا حدثتمونا عن أهداف هذه الجمعية؟

ف بيسون: لقد حددنا أهداف هذه الجمعية على أنها جمعية موجهة للتقريب بين أوروبا عصور النهضة أي عصور تحكيم العقل في القرن الثامن عشر وكل ما تلى ذلك من حضارة أوروبية، وما أطلقنا عليه مفهوم البعد الإنساني للإسلام. وهذا التقارب موجه بالدرجة الأولى لتدعيم شراكة بين كل الكفاءات من مسلمة وغير مسلمة المهتمة بما يعرف بالعالم الإسلامي والحضارة الإسلامية الممتدة من المحيط الأطلسي حتى الفيليبين، وبين شخصيات بدأت ترفع أصوتا متفرقة في هذا العالم الإسلامي الذي يعرف مشاكل في مجال حرية التعبير والتي تحاول دعم ما يعرف بالاجتهاد في مجال التأويل وتطوير العقيدة الإسلامية لجعلها تتماشى مع واقع العصر.

سويس إنفو: إذن سوف لن تكتفوا بدراسات تاريخية بل ستحاولون معاينة الواقع المعاش اليوم في هذا العالم الإسلامي ؟

إيف بيسون: لن تكون دراسة تاريخية فقط بل ستشمل كل ميادين العلوم. فعلي سبيل المثال حسن غزيري العضو المؤسس ورئيس الجمعية، أستاذ في معهد لوزان العالي للدراسات المتعددة التقنيات لا يكتفي بالتطرق للعلوم الإنسانية بل سيتطرق حتى الى ما يعرف بالعلوم الصعبة، مثل الحكم الرشيد، والمعاملات البنكية الإسلامية، وكل ما له علاقة بالإسلام كحضارة والذي يجد نفسه اليوم في مواجهة مع العولمة.

سويس إنفو: وما هي الطريقة التي ستنتهجونها في معالجة هذه المواضيع المعقدة؟

إيف بيسون: ستكون متعددة التخصصات، ولن تكون دراسة دينية بل حضارية لأن ما يهمنا ليس الدين الإسلامي كعقيدة بل الدين كعامل حضاري.

سويس إنفو: هل الأحداث الأخيرة عملت على تسريع عملية تأسيس الجمعية أم أن الفكرة نابعة من الإحساس بأن هناك حاجة الى سد نقص في هذا المجال؟

إيف بيسون: لقد اجتمعنا في فصل الشتاء من العام الماضي، أي قبل حتى ظهور أزمة الرسوم الكاريكاتورية المسيئة للإسلام وكل ما تلاها مما يمكن وصفه بالأزمات المتعاقبة بين أوروبا والغرب من جهة والعالم الإسلامي باختلافاته المتعددة من جهة أخرى.

فقد اجتمع الأعضاء المؤسسون اللبنانيون مع الأمين العام للغرفة العربية السويسرية للتجارة والصناعة بحضور السفير اللبناني السابق وبعض الشخصيات من الخليج. وقد تبلورت هذه الفكرة في أذهاننا انطلاقا من أن سويسرا وجنيف تشكلان أرضية ملائمة لتطبيق مشروع من هذا النوع، نظرا للانفتاح والحياد والتقاليد الإنسانية وحقوق الإنسان اللتان تعرفان بها.

يضاف الى ذلك أن جنيف وسويسرا بها أعداد هامة من المثقفين المقيمين من أصل عربي وإسلامي.

سويس إنفو: هذا العمل الذي ستقومون به لمن هو موجه هل هو للسياسيين ام للأكاديميين ام للعامة؟

إيف بيسون: المركز الذي نرغب في تأسيسه سيكون بمثابة مرصد لمتابعة علاقات العالم الغربي بالمجتمعات الإسلامية. كما سيكون في نفس الوقت بمثابة مركز تكوين بإمكانه أن يقدم دروسا حسب الطلب لمؤسسات خاصة او مؤسسات رسمية حول بعض المواضيع المحددة.

فعلى سبيل المثال بإمكاننا تنظيم فترة تدريبية لبنوك سويسرية حول المعاملات البنكية الإسلامية وذلك باستضافة أخصائيين من العالمين العربي والإسلامي او من بعض المراكز الهامة مثل لندن.

وبالإضافة إلى دور المرصد ومركز التكوين، سنقوم بتنظيم محاضرات مثل التي سننظمها يوم 3 اكتوبر في معهد جنيف للدراسات الدولية العليا ، حول الأحداث اللبنانية الإسرائيلية. ولاشك أن مشاكل الشرق الأوسط سوف تفرض علينا العديد من المواضيع التي تستدعي التعمق في التفكير.

سويس إنفو” على ذكر محاضرة 3 أكتوبر تحت عنوان” الصراع اللبناني الإسرائيلي، تحد للنظام الدولي” هل هي رغبة مقصودة للربط بين معالم جنيف الدولية وإمكانية توظيف ذلك لحل النزاعات ومن بينها صراع الشرق الأوسط؟

إيف بيسون: بالطبع، عندما نلقي نظرة على العنوان وبالأخص للقسم الخاص بـ “تحدي النظام العالمي”، نتساءل هل هذا النظام الدولي كما هو مقام اليوم بإمكانه أن يجد حلولا لمثل صراع الشرق الأوسط؟. أو أن طبيعة الصراع المزمن في الشرق الأوسط ما هي إلا نتيجة لفشل المجموعة الدولية والأمم المتحدة على وجه الخصوص؟.

إن ما حدث كان بمثابة صراع أطلق عليه العسكريون مفهوم الصراع غير المتجانس، أي صراع بين حزب وميليشيا لبنانية من جهة ، وبين دولة جارة تحظى بدعم دولي كبير. وهذا الصراع يشمل في بنيته كل أبعاد الصراعات التقليدية في الشرق الأوسط: البعد المحلي المتمثل في الصراع العربي الإسرائيلي المزمن. والبعد الإقليمي لأنه كانت هناك تدخلات غير مباشرة من طرف دول مثل سوريا وإيران. وهناك البعد الدولي لأن الشرق الأوسط يمثل منطقة إستراتيجية هامة تدفع القوى الدولية الى التدخل لحماية مصالحها مثل المصالح النفطية او المالية وغيرها. ومن هذا المنطلق يجب تحليل هذا التحدي للنظام العالمي من المنظور المحلي والإقليمي والدولي.

كما أن الرد الذي ردت به المجموعة الدولية على هذا الصراع هو أيضا موضوع يستحق التحليل، لأن قوات حفظ السلام الأممية بصيغتها الجديدة هي بمثابة صيغة غامضة لأنها تحمل شعار الأمم المتحدة ظاهريا، ولكنها في داخلها قوات تابعة لحلف شمال الأطلسي حتى ولو لم يشارك فيها الأمريكيون والكنديون. والجديد في ذلك أنها صيغة جديدة تسمح لحلف شمال الأطلسي بالتدخل ولكن تحت راية الأمم المتحدة.

سويس إنفو: هذا التحليل الذي تقدمونه سيكون حصرا على الأكاديميين ، ام أنكم ستستضيفون سياسيين ومفكرين وغيرهم؟

إيف بيسون: المركز الذي ننوي إقامته سيكون على مستوى أكاديمي جامعي وعموما من مستوى الدراسات الجامعية العليا. ومن هذا المنطلق يمكن للمركز أن يجلب اهتمام فئات حرفية مثل البنوك او غيرها التي تهتم بمتابعة هذه العلاقات في كل الميادين، بين اوروبا والغرب عموما وبين هذا العالم الإسلامي بمجتمعاته المتعددة الذي يحاول الرد على كل هذه التحديات بطريقة غير منسقة او موحدة.

سويس إنفو: وهل تنوون أقامة علاقات مع مؤسسات جامعية في جنيف وسويسرا وفي باقي العواصم العربية والإسلامية من جهة أخرى ؟

إيف بيسون: إن ما نطمح له عبر هذا المركز هو إقامة شبكة مع العديد من الجامعات في لندن وباريس وغيرها لكي تستفيد هذه المراكز من خبرات جنيف في الميدان الإنساني، ونستفيد نحن من خبراتها أيضا. ومن العالم الإسلامي نود استضافة خبراء ومهنيين لنجعل هذا المركز مركز تبادل.

سويس إنفو: إيف بيسون لكم خبرة ومعرفة كبيرة بالعالم العربي، وانطلاقا من ذلك ما هي الصعوبات التي تتوقعونها في مثل هذا التبادل؟

إيف بيسون: المشاكل التي نتوقعها هي تلك التي تعمل على عرقلة تطوير ما يمكن تسميته بالعصرنة او التطوير ولو انه يجب ان نتفق على مفهوم العصرنة او التطوير وما تخفيه. أي أنها نفس المشاكل التي تحول دون قدرة سكان هذا العالم الإسلامي على التحكم الذاتي في تاريخهم.

قد يكون هذا التعبير مبهما نوعا ما ولكن ما يجلب الانتباه في العالم الإسلامي اليوم وكما نرى ذلك انطلاقا من هنا، هو أن هذا العالم الإسلامي يعرف مشاكل تحول دون قدرته على التكيف ستثار في نقاشنا المشترك إن آجلا ام عاجلا وقد تكون سبب خلافات كبرى بيننا. وما ننوي تقديمه من خلال هذا المركز وهذه الجمعية هو مجال تفكير حر في جنيف وسويسرا لتعميق التفكير مع قبول كل الأفكار على اختلافها.

سويس إنفو: وهل تعتقدون بأن عصرنة طريقة التفكير في العالم الإسلامي لن تأتي إلا من مبادرة تنطلق من هنا من الغرب؟

إيف بيسون: لا اعتقد ذلك. وحتى هذه المبادرة إن كانت قد انطلقت من هنا، فإنها وليدة افكار شخصيات من العالم العربي والإسلامي تعيش هنا وترغب في التحرك انطلاقا من هنا لتحقيق تلك الأهداف باستعمال الوسائل المتوفرة.

سويس إنفو: في هذه الحالة ، ما الجديد الذي يمكن لهذه الجمعية تتميز به عن باقي المراكز المقامة في باريس ولندن وغيرها؟

إيف بيسون: خصوصية جنيف تتمثل في كون جنيف مقرا للعديد من المنظمات الدولية، و أن هناك شبكة جامعية ستعزز بانصهار كل من معهد جنيف للدراسات الدولية العليا مع المعهد الجامعي لدراسات التنمية. وهناك عدد من الشخصيات الأكاديمية الهامة في كل من جنيف ولوزان وزيورخ وبازل يمكن الاستفادة منها.

سويس إنفو: المشكلة الكبرى في مثل هذه المشاريع تكمن في قضية التمويل، على من ستعتمدون في تمويل هذا المشروع؟

إيف بيسون: نعتقد بأن عملية التمويل يجب أن تأتي في وقت أولي من بلدان الشرق الأوسط. ولا يمكن أن نجلب تمويلا أوروبيا او سويسريا إلا فيما بعد. وسنقوم بربط صلات رسمية مع شبكة من الجامعات. ولكن لكي نصل إلى ذلك يجب ضمان مستوى تكوين في المعهد يرقى الى مستوى الدراسات الجامعية العليا. ونظرا للمشاكل المالية التي تعرفها الجامعات السويسرية سنلجأ الى القطاع الخاص. وهناك وعود وصلتنا من أوساط عربية وإسلامية من جنيف ومن منطقة الشرق الأوسط.

محمد شريف – سويس إنفو – جنيف

أستاذ حاصل على الدكتوراه من معهد جنيف للدراسات الدولية العليا. جاب مناطق الشرق الأوسط لأكثر من 15 عاما. التحق بوزارة الخارجية السويسرية في عام 1971.

قضى عامين في لبنان لدراسة اللغة العربية وتاريخ المنطقة. وقد عمل كدبلوماسي سويسري بمنطقة الشرق الأوسط لأكثر من 10 سنوات.

عاد للمنطقة في عام 1990 كمدير لمفوضية الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين “أونروا”. وفيما بين 1992 و 1995 تولى منصب مستشار خاص للمفوض السامي للأونرو،هي الفترة التي قاد فيها وفد الأمم المتحدة المشارك في مفاوضات أوسلو وفي ذلك الإطار تولى ملفي اللاجئين والإقتصاد.

منذ عودته الى سويسرا في عام 1995 وإلى اليوم، تفرغ السيد إيف بيسون لتدريس مادة العلاقات الدولية في عدة جامعات سويسرية.

له عدة مؤلفات عن المنطقة وقضاياها مثل “الهويات والصراعات في منطقة الشرق الأوسط”(صدر عام 1991)،

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية