مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

حوار ضروري.. لكنه قد يكون متأخرا

الحوار في قمة روما كان صريحا لكن البعض يرى انه لن يؤدي الى اجراءات عملية حقيقية Keystone

بعد يومين متواصلين من الحوار المفتوح والجلسات المغلقة، أنهت قمة الحوار الاسلامي المسيحي أعمالها فى العاصمة الايطالية، بإدانة ما يسمى بالارهاب، وبرأت جميع الأديان السماوية، وخاصة الدين الاسلامي، من تلك الظاهرة، وكل الافتراءات التي يلصقها بعض المغرضين بالاسلام والمسلمين فيما يسمى بالغرب.

دعت الى تلك القمة جمعية سانت ايجيديو الكاثوليكية قوية النفوذ فى ايطاليا والعالم المسيحي، عقب الهجمات على نيويورك وواشنطن، وما ترتب عليها من محاولات لعدد من الزعماء والشخصيات ووسائل الاعلام فى دول الغرب، تلصق تهمة الارهاب بالاسلام والمسلمين، وتعرض الجاليات الاسلامية والمواطنين العرب والمسلمين المقيمين في الولايات المتحدة وأوروبا الى سلسلة من التحرشات والمضايقات.

وزاد من أهمية القمة، نوعية الشخصيات الدينية المؤثرة في الديانتين الاسلامية والمسيحية، أمثال مفتى مصر، ومطران حلب، والعلامة يوسف القرضاوي، مدير مركز أبحاث السنة في قطر، ومستشار دولة الامارات العربية المتحدة، والكاردينال روجيه اتشيجاراى، رئيس المجلس الأعلى للعدالة والسلام فى الفاتيكان، وعدد من كبار رجال الدين المسؤولين من الدول العربية والفاتيكان.

ارتفع المشاركون الى مستوى دقة وحساسية المشاكل التي يواجهها العالم، في الوقت الذي يخشى فيه من أزمة اتصالات وتواصل بين الديانات والشعوب، مما ينذر بمخاطر ما يسمى بتصارع الحضارات والثقافات، وأجمعوا على أنه ما من ثقافة أو حضارة تعيش حالة صراع أو مواجهة مع الأخرى، ولا بد من الخروج من مناخ الخوف السائد فى العالم الآن، وخلق مناخ للسلام.

لا مجال في الاسم والمسيحية ل “صراع الحضارات”

وأدانت القمة، التطرف والاعتداءات الارهابية ادانة جماعية، لكن المسيحيين الشرقيين حرصوا على التفريق بين ما يسمى بالارهاب وبين سبل الكفاح من أجل التحرر والاستقلال، ونيل الحقوق المشروعة، مثل كفاح الشعب الفلسطيني. وفي هذا الاطار تقرر بحث ظاهرة الارهاب من جميع جوانبها فى مؤتمر خاص بذلك منتصف الشهر الحالي.

وأجمعت القمة على فصل الاسلام تماما عن الارهاب، وتبرئته من الافتراءات والتهم، التي حاول البعض الصاقها بمعتنقيه منذ الهجمات على واشنطن ونيويورك. ولم يدخل المشاركون فى تفاصيل دينية أو كهنوتية.

ونبذ الجميع باسم الاسلام والمسيحية، الحرب كوسيلة للعقاب، وقصدوا بذلك دعوة الرئيس الأمريكي بوش لحرب جماعية على ما أسماه بالدول التي تأوي الارهاب على حد زعمه، وتحدثوا عن عدم شرعية تلك المناداة، كما تناولوا تصريحات رئيس الوزراء الايطالي سيلفيو بيرلسكوني، التى فضل فيها الحضارة الغربية على الحضارة الاسلامية، ودعا الى استيعاب المسلمين مثلما فعل الغرب مع الشيوعية والشيوعيين.

وأعلنوا فى بيانهم الختامي أنه لا مكان في الاسلام والمسيحية لما يسمى بصراع الحضارات والثقافات. كما اعتبروا تراجع بيرلوسكونى عن تصريحاته كافيا بغلق الباب على ما أثارته من ردود أفعال غاضبة ضده.

وفى هذا الاطار، حثوا الرئيس بوش على حصر جريمة الاعتداءات على نيويورك وواشنطن فى مرتكبيها الحقيقيين، دون التعميم على شعوب ودول بريئة.

السلام ثمرة من ثمرات العدالة

وفيما دعا الجانبان الاسلامي والمسيحي الى تحقيق السلام في العالم، كي تعيش شعوبه في وئام ورخاء، فضل الجانب الاسلامي أن تكون المناداة بتحقيق العدالة بين جميع الشعوب، لأن العدالة أشمل وأعم، وأن السلام ثمرة من ثمراتها.

وانقسم الجانب المسيحي الى قسم غربي وآخر شرقي.. فالغربي تحدث عن الارهاب، ولا يستوعب الفارق بينه وبين الجهاد أو الكفاح من أجل تحقيق أهداف وطنية أو الدفاع عن النفس.. وركز القسم المسيحي الشرقي على ذلك، ضاربا المثل بكفاح الشعب الفلسطيني فى سبيل حقوقه المشروعة، مما لا يمكن اعتباره إرهابا بأي صورة من الصور.

ولكي تكون قمة الحوار الاسلامي المسيحي أكثر عملية هذه المرة، تقرر تشكيل لجنة اتصال دائمة من الجانبين، تبدأ أعمالها على الفور لمتابعة الأحداث والتطورات، وإظهار موقف الديانتين منها أولا بأول وفتح قنوات حوار مع زعماء العالم الغربي، لتوضيح رأي الديانتين في القرارات أو التوجهات المصيرية للعالم.

جاء انعقاد تلك القمة في وقته، بسبب الظروف الدقيقة التي يعيشها العالم، وإن اعتبرت قطرة في بحر اعلامي واسع من الافتراءات والكراهية ضد الاسلام والمسلمين في ايطاليا والدول الغربية، لكنها بالقطع مدخل ركائزي لحوار حقيقي بين الديانتين، اللتين اعتبرهما المشاركون أكثر تقاربا وانسجاما وتوافقا، ووعدوا بأن تشمل قمتهم في المستقبل حوارات مع اليهودية أيضا. وقد مولتها الحكومة الايطالية، وحرص رئيس الجمهورية تشامبي أمام المشاركين فيها على اعتبار حل المشكلة الفلسطينية أساسا للقضاء على الارهاب.


رفعت النجار – روما

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية