مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات
هل يتم الاعتراف بالإسلام كديانة “سويسرية”؟

خبير سويسري: “قد تكون لمبادرة حظر المآذن إيجابيات أيضا”

رجال في المسجد
مسلمون يؤدون شعائر الصلاة في أحد المساجد بسويسرا. Keystone

لا تكمن أهمية مبادرة حظر المآذن بالنسبة لستيفان لاتيون، الخبير في شؤون الجالية المسلمة بسويسرا في القيمة الرمزية للمآذن، بل في كونها توفّر السياق والمبرر لطرح القضايا العالقة في حوار شائك بين الإسلام والغرب، لم يستقر حتى الآن على صياغات نهائية لتعايش ممكن في عصر تسوده العولمة، وتتشابك فيه الهويات الوطنية والثقافية.

وفي الواقع، من الصعب أن لا يجد أي مهتم ضالته في هذه المبادرة التي سيصوت عليها السويسريون يوم 29 نوفمبر الجاري. فهي بالنسبة للمؤرخ فرصة لتسليط الضوء من جديد على طبيعة العلاقة التي تربط الدين بالمجتمع والدولة في السياق الأوروبي، وبالنسبة للسياسي السياق المناسب للبحث في أسباب القلق والمخاوف التي تنتاب الرأي العام الغربي تجاه الإسلام والمسلمين، أما الخبير القانوني، فله أن يتساءل عن مشروعية إضافة نص قانوني إلى دستور دولة ديمقراطية، يفرض استثناء يتعلق بأقلية بعينها، دون إعارة اهتمام إلى مواثيق حقوق الإنسان، وقواعد القانون الدولي.

لتسليط مزيد من الضوء على هذه الأبعاد المتعددة لمبادرة حظر المآذن، أجرت swissinfo.ch حوارا معمقا مع ستيفان لاتيون، رئيس المجموعة السويسرية لدراسة الإسلام G.R.I.S.

swissinfo.ch: ما المقصود بالمبادرة الشعبية، وما الفائدة التي تجنيها الديمقراطية في سويسرا من هذه الممارسة؟

ستيفان لاتيون: إحدى خصائص النظام السياسي في سويسرا الديمقراطية المباشرة، وأداتها الأساسية هي المبادرة الشعبية، والتي تسمح لمجموعة او فئة من المواطنين، أو قوة من قوى الضغط، إذا ما استطاعت جمع 100.000 توقيع أن تجبر الحكومة على دعوة المواطنين لاستفتاء حول الموضوع الذي هو مثار الجدل والخلاف. هذا ما حصل بالضبط مع مبادرة حظر المآذن. مجموعة تنتمي إلى حزب سياسي يميني شعبوي، وأخرى إلى حزب مسيحي متطرف أطلقتا مبادرة لحظر المآذن، ونجحتا في توفير شروطها القانونية في فترة زمنية قياسية. هذا نموج ملموس للديمقراطية المباشرة، والتي لا مثيل لها خارج سويسرا.

أثارت بعض المبادرات الشعبية التي شهدتها سويسرا في السنوات الأخيرة الكثير من الجدل من الناحية القانونية بالخصوص. ماذا كان هدف الداعين إليها بالتحديد؟

ستيفان لاتيون: الهدف الأساسي لتلك المبادرات، وهذا ما يقوله أصحابها الذين هم في الغالب من اعضاء حزب الشعب السويسري (يمين متشدد) هو إثارة النقاش حول الحضور الإسلامي في البلاد. هدف من هذا القبيل أنا شخصيا أدعمه، بدون تحفّظ، لأنه من المهم جدا أن تشهد سويسرا مثل هذا الحوار. مع ذلك لا أعتقد أن استفزاز الآخر، وإثارة المشاعر هو الأسلوب الأمثل لإنجاح هذا الحوار. لاشك أن هذه المبادرات من الناحية القانونية مشكوك في مشروعيتها، لأنها قد تكون مخالفة فيما تدعو إليه لمواثيق حقوق الإنسان، ولصكوك القانون الدولي، والدستور الفدرالي. فالمبادرة الحالية، حتى لو أقرها الشعب السويسري في استفتاء 29 نوفمبر 2009، هناك أكثر من سبيل للإعتراض عليها، ومنع تنفيذها سواء من خلال المحكمة الفدرالية العليا في سويسرا، أو المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان (مقرها ستراسبورغ شرق فرنسا). من ناحية، هذه المبادرة قد نجحت فعلا في إثارة حوار حول الوجود الإسلامي في سويسرا، ويستحق أصحابها في هذه الناحية الإشادة، لكن أسلوب الاستفزاز والإثارة الذي رافقها، وعدم قابليتها للتنفيذ مسألة أخرى.

معنى هذا أن لمبادرة حظر المآذن وجوه إيجابية؟

ستيفان لاتيون: هذا صحيح تماما. في البداية راودني شك في ذلك، خاصة وأن الجميع قد صب اهتمامه على الملصقات المرافقة للحملة، لكن مع الوقت، بدأنا نشهد ردود أفعال من بعض المنظمات الإسلامية في سويسرا، هذه المنظمات في العادة لا تصدر مواقف حول ما يحدث على الساحة (الداخلية). إذن كان من فضل هذه المبادرة أن منحت للمسلمين الشجاعة للخروج عن صمتهم، فهذه من النقاط الإيجابية التي تُحسب للمبادرة.

لكن، بالنسبة للأغلبية الصامتة من المسلمين، ألا يمكن أن يعرقل هذا النوع من المبادرات مسعاها الحثيث إلى الاندماج؟

ستيفان لاتيون: هذا أيضا ممكن، الأمر رهن بنتائج استفتاء 29 نوفمبر. ما نراه الآن هو نجاح فئة من المواطنين السويسريين في لفت الأنظار إلى إحدى القضايا المهمة بالنسبة للمجتمع السويسري وللتعايش بين فئاته المتعددة في جو من الحوار الديمقراطي الذي يؤطره القانون والدستور. إذا ما نجح هذا الحوار في تمكين الناخبين السويسريين من تشكيل صورة عقلانية وواقعية عن جيرانهم المسلمين، وأدركوا فعلا أن المسلمين الذين يعيشون في بلادهم ليسوا كما تصوّرهم ملصقات حزب الشعب وخطابه. إذا حصل ذلك، فهو من شانه ان يعطي دفعا جديدا لجهود الإندماج التي هي بالفعل على النهج الصحيح. أما إذا أُقرّ الحظر، فبدون شك، سوف يمثّل عائقا، وسوف يوجّه إلى المسلمين في سويسرا رسالة إقصاء وتمييز ضدهم. كما ترى، المآذن ليست – في نهاية المطاف – سوى المحفّز لهذا الحوار الذي يجب أن يكون هادئا وعميقا.

من المعلوم، ان عمليتيْ النزوح والهجرة غالبا ما ترافقهما مصاعب في التكيف مع الواقع الجديد. هل تعتقد أن المسلمين في سويسرا قد مُنحوا الوقت الكافي لإنجاح عملية اندماجهم في المجتمع؟

ستيفان لاتيون: اندماج المسلمين في سويسرا، إلى حد الآن هو فعلا عملية ناجحة، ويحقق تقدما مضطردا، ولو نظرنا بموضوعية، لوجدنا أن أغلبية المهاجرين المسلمين مندمجون بشكل جيد، إذن هم استفادوا من الوقت الذي أتيح لهم. إنني أعتقد أن اندماج المسلمين اليوم يسير بشكل أفضل من التجارب السابقة كتجربة الإيطاليين والإسبان والبرتغاليين. المشكلة الآن أن هناك وضعا دوليا ليس في صالح المسلمين، يُقرن فيه الإسلام بالعنف والإرهاب، وليس في هذا أي تجن أو تحامل، هذا هو واقع العالم الإسلامي اليوم. هذا الواقع يترك تأثيره على رؤية السويسريين لجيرانهم المسلمين، ويتطلب منهم جهدا إضافيا للتفريق بين ما يحصل في العالم الإسلامي، وما يحصل هنا في سويسرا.

يعزو البعض حضور الإسلام بقوة في الجدل السياسي السويسري إلى وجود أزمة هوية يعاني منها المجتمع السويسري نفسه، هل تشاركون هذا الرأي؟

ستيفان لاتيون: : قد يكون هذا صحيحا، إلى حد ما، أوروبا أيضا تعاني من أزمة هوية. ما الذي يعني ان تكون سويسريا اليوم أو أوروبيا؟ ثم قل لّي: ما الذي يعني أن يكون المرء مسلما؟ نحن نعيش في عصر العولمة، وكل منا يحمل في ذاته عناصر ومكوّنات هذا التعدد. أزمة الهوية، ظاهرة يعيشها الجميع. علينا أن نقر بأن الهوية اليوم هويّات، وبدل تعريف أنفسنا من خلال نفي الآخر، علينا ان نبحث عما يحقق السعادة والإستقرار للجميع. وفي سويسرا لدينا كل ما يساعدنا على تحقيق ذلك.

توقع استطلاع للرأي أجرى حديثا بأن حوالي 40% من الناخبين سيؤيدون حظر المآذن، هل يعني هذا أن شريحة من السويسريين حتى من خارج أنصار حزب الشعب لديهم مشكلة مع الثقافة والرموز الإسلامية؟

ستيفان لاتيون: السويسريون عامة يجهلون الإسلام، وتنتابهم مخاوف مما يُشاع عنه في وسائل الإعلام. كذلك لا يجب نكران التأثير السلبي للأزمة مع ليبيا، ومشكلة البرقع المثارة اليوم في فرنسا، والعنف المستمر في العراق، وأفغانستان، وباكستان. ربما قلة قليلة من المواطنين من يملكون الأدوات المنهجية والمعرفية اللازمة لفصل القضايا عن بعضها البعض، ولذلك فإن نسبة من هؤلاء الذين سيصوتون يوم 29 نوفمبر لصالح هذه المبادرة لن يفعلوا ذلك تشفيا في المسلمين هنا في سويسرا، بل ضد هذه الصورة المجرّدة للإسلام الذي ارتبط في مخيلتهم بالعنف والإرهاب، وانتهاك حقوق الأبرياء والنساء. ثم داخل نسبة الأربعين في المائة نجد ايضا فئة من المواطنين تريد من خلال هذا التصويت التأكيد على أن المواطن السويسري في بلده هو صاحب القرار النهائي. قد لا يكون هذا هو الحل الأصوب، وقد لا تكون نتيجة التصويت عاكسة لرفض مبدئي للمآذن، بل لكونها القطرة التي أفاضت الكأس.

ما مدى مسؤولية الأقلية المسلمة في هذا الخلط بين المآذن والعنف، والبرقع، …؟

ستيفان لاتيون: في كل حوار ونقاش هناك طرفان، وما نأمله هو أنه بفضل هذه المبادرة، وما تبعها من جدل على الساحة السياسية، أن تستطيع أصوات متعددة ومتباينة من المسلمين الإصداع بآرائها. هذا التطوّر مهم جدا لكي يدرك الناخب السويسري أن الوجود الإسلامي فسيفساء مكوّنة من وحدات مختلفة، من المجموعات والثقافات، والتأويلات. فليس كل مسلم إرهابي، ولا كل المسلمات مرتديات للبرقع. لكي يحصل هذا الفهم لدى السويسري، لابد أن يستمع إلى هذا من أفواه المسلمين أنفسهم. وليس من مهمّتي أنا غير المسلم أن أقول ذلك.

في ظل هذا التقصير الذي تشير إليه، من يصنع اليوم صورة الإسلام في سويسرا؟

ستيفان لاتيون: المسلمون وغير المسلمين: المشكلة هو أن هذه الصورة تشكل اليوم إما في غياب تام للحوار، أو في ظل حوار مغلوط. لا يمكن ان تكون هناك صورة صادقة وصحيحة عن أي موضوع، ما لم يكن هناك فهم جيّد ومعرفة عميقة بالطرف الآخر.

إذا كانت المبادرة كما تقول توفر للمسلمين فرصة لتقديم صورة عن التعدد الذي يميز الساحة الإسلامية، لماذا نلاحظ لديهم توترا وانفعالا كلما طرح موضوع الإسلام والمسلمين في الساحة العامة؟

ستيفان لاتيون: لدى المسلمين حساسية مفرطة وقابلية شديدة للإستفزاز يمكن أن تتلاعب بمشاعرهم أية جهة رسمية أو غير رسمية وتعبئتهم في معارك خاطئة ووهمية هذا الوضع نتيجة منطقية لغياب تقاليد الحوار والمناظرة لأن الحوار يفترض ضرورة اختلاف وجهات النظر التي هي مكون أساسي من مكونات التعبير الحر والديمقراطية. القوانين في سويسرا لا تمنعني من أن أقول لأحد لا أوافقك الرأي أو لا أحبك. الإنطباع الذي يحصل لدى من هُم خارج دائرة الإسلام أنّ من هُم داخلها يرفضون كل نقد. قد يمكن تفسير ذلك بالمعاناة وما يرونه مظلمة مسلطة عليهم. على المسلمين في أوروبا التخلص من هذا الشعور. ثقافة الحوار تقليد يمكن اكتسابه لكنه يتطلب وقتا وتدريبا. وأقول صراحة أن هناك بعض القيادات المسلمة في سويسرا التي من الأفضل أن تلتزم الصمت. الذي لا يستطيع اختيار كلماته والتحكم في مشاعره عليه أن يلتزم الصفوف الخلفية وأن يفسح المجال للأشخاص القادرين على إدارة الصراع مع الأطراف الأخرى مدنية كانت أو سياسية أو دينية.

swissinfo.ch- عبد الحفيظ العبدلي – لوزان

مع اقتراب موعد الإستفتاء حول حظر المآذن، تشهد سويسرا تصاعد تحركات الجهات المعنية بهذه المبادرة سواء المؤيدة منها أم الرافضة:

المؤيّدون: أُعلن الثلاثاء 3 نوفمبر عن تشكيل لجنة مشتركة من شبان حزب الشعب (يمين شعبوي)، ومن أنصار الإتحاد الديمقراطي الفدرالي (يمين ديني)، ومن رابطة سكان التيتشينو (يمين متشدد) لدعم مبادرة حظر المآذن. وبرروا خطوتهم تلك بناء على ما أسموه “التجربة العملية اليومية”، ونظرا لأن أكثر من 50% من المسلمين المقيمين في سويسرا هم من فئة ما دون 25 سنة، وكون الشباب السويسريين هم “أكثر الفئات عرضة للإنعكاسات السلبية للأسلمة الصاعدة” في سويسرا، حسب زعمهم.

تنشط رابطة سكان التيتشينو أيضا هذه الأيام لمنع بناء مسجد في مدينة لوغانو جنوب سويسرا، يفترض ان يشيد في مكان لا يبعد كثيرا عن مقرها. وقد وعدت الرابطة بالرد على كل تجمّع اسبوعي لأداء صلاة الجمعة بتنظيم حفلة طعام وأكل وشواء لأنصارها وتحت نوافذ المسجد مباشرة.

المعارضون: فتح أكثر من 100 مسجد ومصلى ومركز إسلامي يوم السبت 7 نوفمبر أبوابها لعامة السويسريين. وجاء هذا التحرك في إطار أسبوع حوار الأديان، لكنه اتخذ هذا العام طابعا سياسيا بسبب اقتراب موعد التصويت على المبادرة الداعية إلى حظر بناء المآذن. وفيما عبر المنظمون لهذا اليوم المفتوح في كامل أنحاء سويسرا عن الأمل في أن يؤدي إلى “تعزيز التفاهم والحوار بين جميع الطوائف في المجتمع”، سُجل إقبال لا بأس به من طرف السويسريين على المشاركة فيه.

كما تشهد أيضا عدد من الكانتونات تنظيم لقاءات حوارية تجمع بين أنصار المبادرة ومعارضيها في خطوة تؤكد على ان الحوار، بدل اساليب الإقصاء والإستفزاز، قادر على معالجة المشكلات. وفي هذا الإطار،عقدت كل من تنسيقية المنظمات الإسلامية بسويسرا، وفدرالية المنظمات الإسلامية بسويسرا مؤتمرا صحفيا في العاصمة برن يوم الخميس 5 نوفمبر، اكد خلاله ممثلو الهيئتيْن على أن “مبادرة حظر المآذن تمثّل تميزا عنصريا ضد الأقلية المسلمة، وينشر الخوف بين صفوف أبنائها، ويعزّز الإستقطاب بين طوائف المجتمع السويسري”. كما عبر هشام أبو ميزر، رئيس فدرالية المنظمات الإسلامية بسويسرا، بالمناسبة عن استيائه من الإستهداف المستمر من اليمين المتشدد للأقلية المسلمة، على الرغم من شعور هذه الأخيرة بأنها جزء لا يتجزأ من المجتمع السويسري، وعبّرت أكثر من مرة عن استعدادها للمساهمة بإيجابية وفعالية في الحفاظ على السلم الديني، والإجتماعي ومحاربة التطرف بكل اشكاله.

وفي يوم الجمعة 6 نوفمبر، نظمت الرابطة الإسلامية للتعايش الديني بجنيف ندوة حوارية في جامعة المدينة ندوة حضرها العديد من السياسيين بكانتون جنيف، وكذلك ممثلي مختلف الاديان ودار الحوار حول استفتاء 29 نوفمبر ومسالة حظر المآذن. كما انتظم في نفس اليوم وبمبادرة أيضا من اتحاد المنظمات الإسلامية بفريبورغ حوار مماثل، شارك فيه ممثلون عن بعض الأحزاب في الكانتون ومن بينهم رئيس الفرع المحلي للإتحاد الديمقراطي الفدرالي الذي يساند الدعوة إلى حظر بناء المآذن.

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية