مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

خبير في العدالة الدولية: “احتمال تدخل عسكري دولي في ليبيا.. ضئيل”

أحد أفراد لجنة للدفاع الشعبي في مدينة طبرق شرق ليبيا، يرفع بندقيته يوم 23 فبراير 2011 أمام صواريخ مضادة للطائرات في قاعدة عسكرية مهجورة Keystone

بعد أن وصفت المفوضة السامية لحقوق الإنسان القمع الدموي الجاري في ليبيا بـ "جرائم ضد الإنسانية" وطالبت بفتح تحقيق مستقل بشأنه، انتقد مجلس الأمن الدولي حكام ليبيا لاستخدامهم القوة ضد المتظاهرين المسالمين ودعا إلى "محاسبة المسؤولين عن الهجمات على المدنيين" وإلى "إنهاء العنف فورا".

يوم الثلاثاء 22 فبراير، خرجت الهيئات الأممية عن صمتها للتنديد بأعمال القمع الجارية في ليبيا التي أدت إلى سقوط مئات الضحايا (حوالي 400 حسب الفدرالية الدولية لحقوق الإنسان وما لا يقل عن 1000 شخص حسب تصريحات وزير الخارجية الإيطالي).

وبعد نافي بيلاي، المفوضة السامية لحقوق الإنسان التي دعت من جنيف إلى “وقف فوري لأعمال العنف”، واعتبرت أن الجرائم المرتكبة ضد المدنيين العزل في ليبيا “قد ترقى إلى جرائم ضد الإنسانية”، انتقد مجلس الامن التابع للامم المتحدة حكام ليبيا لاستخدامهم القوة ضد المتظاهرين المسالمين ودعا في بيان أصدره في وقت متأخر من مساء الثلاثاء إلى “محاسبة المسؤولين” عن الهجمات على المدنيين.

وأعرب بيان وافق عليه المجلس المؤلف من 15 دولة بعد يوم من مناقشة الإشتباكات المتواصلة في الدولة المنتجة للنفط بشمال افريقيا عن القلق البالغ للوضع هناك ومقتل مئات المدنيين. ودعا البيان أيضا الى انهاء العنف فورا و”اتخاذ خطوات لتلبية المطالب المشروعة للسكان بما في ذلك الحوار الوطني”.

وفي باريس، حث الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي أوروبا يوم الاربعاء 23 فبراير على تعليق جميع علاقاتها الاقتصادية مع ليبيا وتبني فرض عقوبات عليها في أعقاب القمع الوحشي للاحتجاجات هناك.

وقال ساركوزي في بيان صدر عقب الإجتماع الأسبوعي للحكومة “أطلب من وزير الخارجية أن يقترح على شركائنا الأوروبيين تبني فرض عقوبات سريعة وملموسة حتى يعلم جميع المتورطين في أعمال العنف أنه سيكون عليهم مواجهة تبعات أفعالهم”، كما عبر عن الأمل في “تعليق العلاقات الاقتصادية والتجارية والمالية مع ليبيا لحين إشعار آخر”. وأوضح الرئيس الفرنسي أيضا أن “الإجراءات المحتملة تشمل تقديم المتورطين إلى العدالة ومنعهم من السفر إلى الاتحاد الأوروبي ومراقبة تحويلاتهم المالية”.

وبغض النظر عن إعلانات النوايا هذه، ما هي الوسائل المتاحة لدى المجموعة الدولية من أجل وضع حد للقمع الدموي في ليبيا؟ وهل تتوفر العدالة الدولية على الوسائل الكفيلة بإدانة معمر القذافي وأعوانه؟ محاولة للإجابة عن هذه التساؤلات مع بيير هازان، المتخصص في العدالة الدولية والأستاذ المحاضر في كلية العلوم السياسية بباريس.

swissinfo.ch: في عام 2008 أرسلت الأمم المتحدة قوات عسكرية إلى دارفور لحماية السكان. ألا يمكن تصور تدخل مماثل في ليبيا؟

بيير هازان: من الناحية النظرية، يمكن أن يقوم مجلس الأمن بالعديد من الأشياء، لكن من الناحية العملية، سأكون مندهشا جدا لو حدث ذلك. المعادلة مختلفة تماما بين ليبيا والسودان والعديد من دول المنطقة ستكون قلقة من هجوم محتمل ضد ليبيا خوفا من استتباعات تأثير “الدومينو” على سيادتهم الوطنية. أما القوى الغربية، فليست لديها الإمكانيات للدخول في مغامرة من هذا القبيل بل إن العديد من العناصر تقف حائلا دونها. فديون الولايات المتحدة والبلدان الغربية الكبرى الأخرى معتبرة كما أن قواها العسكرية محدودة بحكم أنها منتشرة بعدُ في أفغانستان والعراق. إضافة إلى أن مبدأ هذا التدخل نفسه سيكون مثيرا للإشكال.

هل تفسر الخشية من تدفق كثيف للمهاجرين قد ينجم عن انهيار نظام القذافي الحذر الذي يبديه الأوروبيون؟

بيير هازان: لا بل على العكس. فبقدر ما تسرع عملية سقوط النظام، بقدر ما يمكن الإسراع في إقامة حكومة جديدة بما يتيح مراقبة أفضل لتدفقات الهجرة. إن ظهر القذافي مُسند إلى الجدار تماما، فلم يعد لديه ما يخسره وبإمكانه استخدام سلاح المساومة بالهجرة الوحشية (بدون ضوابط).  أما مع حكومة جديدة، قد تكون بحاجة إلى المساعدة الدولية، فإن المعطيات ستتغير.

من جهة أخرى، فإن المعادلة السياسية على المستوى الإقليمي مختلفة أيضا. فالتضامن بين البلدان العربية التي كان يُلوح به قبل شهر، لم يعد مطروحا بعد أن أطلق القذافي حملة تعقب ضد الأجانب في بلده. وبعد أن ارتفعت أسعار النفط فإن مصلحة العديد من البلدان المستهلكة تتمثل في استعادة الإستقرار. إنني لا أعتقد أن العودة إلى ألأوضاع الطبيعية يمر – بالنسبة لهذه البلدان – عبر بقاء القذافي في السلطة.

وفي المحصلة، فإن موازين القوى ستكون حاسمة. فإذا ما زال لديه جيش قوي بما فيه الكفاية ولا ينقسم وراء ظهره، فربما يكون قادرا على استعادة زمام الأمور وسط الدماء أما في الحالة العكسية فإن سقوطه سيكون أمرا محتوما.

عمليا، يشن القذافي وميليشياته في الوقت الحاضر حربا أهلية ضد مواطنيهم. هل تتوفر العدالة الدولية على الوسائل الكفيلة بإدانة هذه الأعمال؟   

بيير هازان: لقد وصفت نافي بيلاي، المفوضة السامية لحقوق الإنسان هذه الهجمات بجرائم ضد الإنسانية وطالبت بإنشاء لجنة تحقيق. كما يمكن للمحكمة الجنائية الدولية فتح تحقيق. كما يمكن لمجلس الأمن أن يتخذ من جهته عددا من الإجراءات حيث يمكن أن يفرض عقوبات وتحويل القضية إلى المحكمة الجنائية الدولية، وهو ما من شأنه أن يُحدث أثرا أقوى بكثير.

في حالة دارفور، تم الإلتجاء إلى المحكمة الجنائية الدولية عن طريق قرار اعتمده مجلس الأمن. وفي حالة ليبيا، يمكن لمجلس الأمن أن يقوم بالشيء نفسه. إن وسائل العمل موجودة، لكنها محدودة نسبيا.

ما الذي يمكن انتظاره من التحقيق الدولي الذي تطالب به الأمم المتحدة؟    

بيير هازان: إجراء جرد دقيق للوقائع، لكن هذا سيستغرق وقتا. وإذا ما تأكدت الوقائع، وإذا ما اتضح أنها ذات طابع إجرامي مثلما يُفترض، ستتم إدانة معمر القذافي. لكن هذه الإدانة لن تكون لها قيمة فعلية إلا إذا ما اعتبر جهاز قضائي أن المسألة تدخل ضمن اختصاصاته ويقوم باستلام الملف. وللقيام بهذا، لا أرى (مؤهلا للقيام بذلك) إلا المحكمة الجنائية الدولية. إضافة إلى ذلك، يمكن تحريك مبدإ الولاية العالمية القضائية (Compétence universelle)، وتبعا لذلك يمكن إيقاف المسؤولين عن هذه المذابح لدى عبورهم ببلد أجنبي يقوم أيضا بملاحقتهم قضائيا.

أدين الرئيس السوداني عمر البشير بارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية وهي المرة الأولى التي يحدث فيها هذا لرئيس مباشر. هل المحكمة مطلقة الأيادي للقيام بتحرك مماثل ضد القذافي؟

بيير هازان: الموقف الذي سيتخذه مجلس الأمن سيكون حاسما. فإذا ما قرر رفع الشكوى إلى المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية، فستكون الرسالة قوية بما فيه الكفاية. لكن لا بد من أخذ الحيطة مع التوصيفات. إذ أن بعض المعارضين الليبيين يتحدثون عن إبادة ولكننا ما زلنا – لحسن الحظ – بعيدين جدا عن ذلك بالرغم من أن أعمالا إجرامية ودموية قد حدثت فعليا حسبما يبدو.

هل يمكن للمحكمة الجنائية الدولية أن تلاحق الدكتاتوريين الآخرين المُطاح بهم في المنطقة، أي حسني مبارك وزين العابدين بن علي؟   

بيير هازان: الحالات مختلفة جدا. فإطلاق الرصاص بواسطة الرشاشات على المدنيين من الطائرات والمروحيات يذهب إلى أبعد بكثير من القمع الذي مُورس في تونس ومصر. فالحكومة التونسية طلبت (من السلطات السعودية) تسليمها بن علي وهي تقيم الدليل بذلك على إرادة سياسية واضحة في ملاحقة الديكتاتور المخلوع. فالمحكمة الجنائية الدولية لا تتدخل إلا في آخر المطاف، وفي هذه الحالة لا يُوجد مبرر للقيام بذلك. أما بخصوص مبارك، فهو لا زال مقيما في بلاده. والسلطات المصرية هي المختصة بالدرجة الأولى بمحاكمته. في المقابل، فإن إصدار بطاقة توقيف بحق معمر القذافي سيكون رمزا قويا لفائدة العدالة الدولية.

لندن (رويترز) – كان القول الفصل للنخبة العسكرية القوية في تحديد مصير الثورة في كل من مصر وتونس.. لكن في ليبيا فان التركيبة القبلية المركبة هي التي يمكن أن يكون بيدها تحديد مآل الاحداث هناك. ويقول خبراء إن العقيد معمر القذافي اعتمد منذ زمن طويل على قبيلة القذاذفة الصغيرة التي ينتمي اليها في ضخ العناصر إلى النخبة من الوحدات العسكرية وضمان أمنه الشخصي وأمن حكومته. لكن من غير المرجح أن يكون هذا كافيا لتأمين البلاد.

والأهم من ذلك القبائل الاكبر التي تم دمجها في حكمه مثل قبيلة ورفلة التي يقدر عدد أفرادها بنحو مليون من بين أكثر من ستة ملايين نسمة هم سكان ليبيا. وتشير بعض الشائعات الى أن ضراوة الحملة القمعية التي شنها القذافي على شعبه ربما تكون قد دفعت بالفعل زعماء قبليين لتحويل ولاءهم. وأصدر هذا الاسبوع أعضاء بارزون في قبيلة ورفلة بيانات يرفضون فيها القذافي وحثوه على مغادرة ليبيا.

وقالت عاليا براهيمي رئيسة برنامج شمال افريقيا في كلية لندن للاقتصاد “في ليبيا النظام القبلي هو الذي سيكون في يده توازن القوى وليس الجيش”. وأضافت “أعتقد أنه ستكون هناك انشقاقات من بعض القبائل الرئيسية ان لم يكن هذا قد حدث بالفعل. يبدو أنه فقد السيطرة بالفعل على شرق البلاد حيث لم يكن يحظى بالشعبية قط ولم يتمكن من تعزيز سلطاته بشكل كامل”.


ويضم شرق ليبيا الجزء الاكبر من احتياطي النفط في البلاد. وقال مراسل لرويترز يوم الثلاثاء 22 فبراير 2011 ان قوات القذافي تخلت فيما يبدو عن مواقعها على الحدود مع مصر والتي أصبحت الان في أيدي رجال مسلحين بالهراوات وبنادق الكلاشنيكوف يقولون انهم معارضون لحكمه.

ولم يتضح على الفور لحساب من يعمل هؤلاء أو ما اذا كانوا يعملون لحساب أي جهة. وفي حين أن نمط الحياة القائم على الرعي والشكل القبلي تراجع في ليبيا في مواجهة عمليات التحول الى الحضر التي مولتها أموال النفط فيقال ان هياكل السلطة التقليدية ما زالت قوية تحت السطح الظاهر.

في مصر وتونس اتضح أن الجيش هو الذي يمثل أكبر قوة سياسية مما سهل تخلي كل من حسني مبارك وزين العابدين بن علي عن منصبه بسبب احجام الجيش عن اطلاق النار على المواطنين. لكن الوضع في ليبيا مختلف تماما.

ظلت ليبيا غير منفتحة على العالم الخارجي لفترة طويلة والتفاصيل المتاحة عن المزيج المركب للولاءات والانتماءات قليلة للغاية. ويتفق خبراء بصفة عامة على أن جزءا من استراتيجية القذافي للابقاء على السلطة هي الاحتفاظ بقبيلته في المناصب الحيوية.

ويقول بعض المحللين ان أفرادا من أسرته لديهم تشكيلات عسكرية خاصة بهم. وكانت قبيلة القذاذفة تتألف أساسا من الرعاة البدو لكن النظام الملكي السابق في ليبيا قام بتهميشهم لكن سمح لهم بالانضمام للقوات المسلحة والشرطة.

ويقول نعمان بن عثمان الذي كان قد ساعد على قيادة تمرد اسلامي مسلح ضد القذافي في منتصف التسعينات وهو على دراية بالفكر الرسمي ان القذافي يعمل منذ زمن طويل على اضعاف الجيش النظامي للحيلولة دون تحوله الى قاعدة قوة منافسة.

وكتب في بحث قدم الى مركز كويليام البريطاني للابحاث حيث يعمل خبيرا في مكافحة التشدد “تتمركز القوة بدلا من ذلك لدى سلسلة من التشكيلات الامنية.. تعززها مجموعات من المرتزقة الافارقة الاجانب التي ظلت بدرجة كبيرة تدين بالولاء لاسرة القذافي.”

وقال بن عثمان ان القوة المسلحة الفعلية موجودة لدى وحدات أمنية خاصة تدين بالولاء للاسرة واللجان الثورية. وقال ان وجود مرتزقة أفارقة نتاج سنوات من العلاقات التي بناها القذافي في افريقيا.

وبعد صعود القذافي في المؤسسة العسكرية حاول فيما يبدو اضعافها حتى لا يهدده قادة منافسون. والجدير بالذكر أنه ألغى كل الرتب التي تأتي بعد رتبة العقيد.

وتعهد “الكتاب الاخضر” الذي ألفه القذافي ويتضمن فلسفته السياسية ونظام الحكم بانهاء القبلية لكن خبراء يقولون انه زادها ترسخا في واقع الامر.

وقالت عاليا “ألغى القذافي عددا كبيرا من الهياكل العسكرية القبلية الاقدم لكن من المرجح ألا تواجه مشكلات كبيرة في العثور على السلاح… الانشقاق عن الجيش سيكون عاملا أساسيا في هذا الامر.”

وقالت ان وحدات من الجيش بدت عازفة عن استخدام القوة المفرطة ضد المواطنين. وسرت شائعات عن أن القذافي اضطر للإعتماد على طيارين مرتزقة من الصرب لقصف المناطق المدنية خلال هجمات استهدفت مقاتلين اسلاميين في التسعينات.

ويقول البعض ان الاستراتيجية القبلية للقذافي قامت على مبدأ فرق تسد وانه لجأ الى شراء ولاءات زعماء قبائل بارزين من جماعات رئيسية. وهم يقولون انه في السنوات القليلة الماضية بدأت السيطرة تتداعى وربما تسرع الاحداث التي وقعت مؤخرا من وتيرة هذا الامر.

واذا تمكن القذافي من اقناع قبائل بالبقاء على ولائها له يعتقد أغلب الخبراء انه سيحاول تسليحها بشكل مباشر ما يزيد من مخاطر صراع عرقي قد يمزق البلاد وترسل موجات من اللاجئين إلى الدول المجاورة ويهدد امدادات النفط.

ويتهم معارضون القذافي بجلب مرتزقة من أماكن أخرى في افريقيا وربما يكونون من المحاربين القدامى بالحروب الاهلية في منطقة الساحل وغرب افريقيا.

وقال جيف بورتر وهو محلل لشؤون شمال افريقيا ويساهم بالبحث في مؤسسة ويكيسترات للاستشارات في مجال المخاطر السياسية “هناك الكثير من الاسلحة في البلاد والقذافي لديه قبائل سلحها قبل ذلك وتؤيده”، ومضى يقول “يمكن أن نشهد ما يشبه الحرب الاهلية في لبنان.. فترة طويلة من العنف واراقة الدماء”.

(المصدر: وكالة رويترز بتاريخ 23 فبراير 2011)

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية