مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

دعم شعبيّ واسع لإعادة هيكلة الجيش ومكافحة الفساد في اليمن

يمنيون يسيّرون مظاهرات ويرفعون شعارات يوم 20 ديسمبر 2012 وذلك تأييدا للرئيس عبدو ربّ منصور هادي بعد القرارات الجريئة التي اتخذها أخيرا بإعادة هيكلة المؤسسة العسكرية Keystone

في أول خطوة جريئة على طريق الشروع في إعادة هيكلة الجيش وإصلاح الأجهزة الأمنية وإعادة تنظيمها وفقاً لما جاء في المبادرة الخليجية، أصدر الرئيس اليمني عبد ربه منصور هادي مجموعة من القرارات ألغت التشكيلات العسكرية الموزعة بين طرفي الصراع داخل مؤسستي الجيش والأمن.

وفي الوقت الذي كان اليمنيون ينتظرون فيه إزاحة الأشخاص المتصارعين على قوات الجيش وعلى رأسهما أحمد على عبدالله صالح، النجل الأكبر للرئيس المخلوع قائد الحرس الجمهوري، واللواء علي محسن الأحمر قائد الفرقة الأولى، اختار هادي هذه المرة التوجه إلى التصدي للخلل البنيوي للمؤسسة العسكرية والأجهزة الأمنية وأعاد تشكيلها بطريقة ستفضي بالضرورة إلى استبعاد قيادات عسكرية وأمنية مثيرة للجدل في الشارع اليمني، وقد تساعد على وضع حد للفساد المتفشي داخل هذه المؤسسات الحيوية والحساسة.

عشرات الآلاف من الوظائف الوهمية

القرارات الجديدة ألغت التشكيلات العسكرية التي كان يسيطر عليها طرفا الصراع وأدمجتها في تقسيمات جديدة تحت قيادة وزارة الدفاع التي ظلت طوال المرحلة الماضية مجرد وزارة صُورية توجّهها مراكز النفوذ القيادي الموزعة بين أقارب الرئيس السابق على عبدالله صالح واللواء علي محسن والأطراف الموالية لكل منهما في صفوف القيادات القبلية والعشائرية.

ومع أن هذه القرارات تمثل بداية طيبة على طريق إعادة بناء الجيش والأمن على أسس ومعايير وطنية ومهنية، إلا أن هناك خشية من أن تأتي بنتائج عكسية، نظراً لتضخم مصالح مراكز القوى المستفيدة من الفساد الذي تزايد بشكل لافت خلال العقود الثلاثة الماضية وكونت لها مجموعات منافع يصعب القضاء عليها أو إزاحتها بسهولة.

فمؤسسات الجيش والأمن تُرصد لها مخصّصات مالية ضخمة تتجاوز سنوياً ملياري دولار أمريكي وتمثل حوالي 6.6% من الناتج المحلي الإجمالي للبلاد (يقدر بحوالي 31 مليار دولار)، وهذه النفقات العسكرية الضخمة أصبحت محور نشاط لوبي الفساد، الذي كشف الرئيس هادي الأسبوع الماضي عن جزء منه عندما قال في كلمة أمام قادة عسكريين: “إن عشرات الآلاف من جنود وضباط الجيش وهميون لا وجود لهم في الواقع وأن حجم الفساد داخل الحرس الجمهوري بالمليارات”.

في السياق ذاته، توصلت اللجنة العسكرية العليا التي شُكلت بموجب المبادرة الخليجية إلى أن 52 ألف من أفراد قوات الحرس الجمهوري الموالية للرئيس السابق علي عبدالله صالح جنود وهميون. وعلى الطرف الآخر أي الفرقة الأولى مدرع التي يقودها اللواء علي محسن الأحمر المحسوب على قوات الثورة، قدرت بعض المصادر أن ما يقارب من 40 ألف جندي وضابط مجرد أشباح، أما الزعيم القبلي لحاشد الشيخ صادق الأحمر فيتسلم مرتبات 16 الف جندي وضابط، وهناك في الشرطة والأمن – حسب رئيس لجنة هيكلة وإعادة تنظيم وزارة الداخلية الدكتور رياض القرشي – حوالي 70 ألف فرد بين جندي وضابط قوى فائضة موجودة فقط على الورق وقد تكون الأرقام الحقيقية “أعلى بكثير”، حسب مصادر مستقلة.


بؤرة للكسب غير المشروع

في تصريحات لـ swissinfo.ch، قال محمود شرف الدين، رئيس مركز مكافحة الكسب غير المشروع: “الأرقام المعلن عنها للجنود والضباط الوهميين في الجيش والأمن اليمني لا تمثل سوى جزء يسير مما هو حاصل فعلاً من كسب غير مشروع، فالتقديرات التي لدينا عن حجم الفساد داخل الجيش وقوات الأمن تشير إلى أن هناك ما يقارب 400 ألف فرد وهمي يكلفون الخزينة العامة حوالي 200 مليار ريال سنويا تستولي عليها قوى منتفعة فاسدة، بينما يعيش الجندي أو الشرطي في وضعية مُجحفة، فراتبه لا يتجاوز 38 ألف ريال يمني حوالي (180 دولار أمريكي)، ما جعله في حالة معاناة دائمة مع حياة معيشية شديدة القسوة وميالاً إلى الرشوة والبحث عن مصادر غير مشروعة للدخل”.

في السياق نفسه، يرى شرف الدين أن المبالغ التي تستحوذ عليها قوى الفساد من مخصصات المؤسسة العسكرية والأمن تؤدي إلى حرمان قطاع واسع من اليمنيين من الخدمات الأساسية والتعليم والصحة والسكن مشيراً إلى أن نسبة السكان الذين يحصلون على مياه نقية للشرب لا يزيدون عن 35 % من السكان الحضريين وتقل تلك النسبة كلما اتجهنا نحو البادية والريف، كما أن التعليم في تراجع مستمر والتغطية الصحية شبه معدومة خاصة بعد تحرير الخدمات الصحية، ويُعزى السبب إلى انتشار الفساد المنظم في مرافق الدولة والتستر عليه كما هو حاصل داخل مؤسستي الجيش والأمن.

ومنذ انطلاق الإحتجاجات الشعبية، احتل مطلب تطهير الجيش من الفاسدين صدارة مطالب شباب الثورة نظراً لما يتسبب به تركز القوة والمال في أيدي كبار ضباط الجيش والشرطة من خروج عن النظام والقانون وإشاعة للفوضى وتهديد للممتلكات الخاصة والعامة. وفي هذا الصدد، يشير حسين السهيلي، الناشط في جبهة الثورة إلى أن “ممارسات النظام على مدار الثلاثة العقود الماضية خلقت شبكة من المنتفعين في الحياة السياسية والإقتصادية والإجتماعية والثقافية”، مضيفا أن “منافع الفساد لم تقتصر على وسط محدد بل امتدت إلى مثقفين وإعلاميين وسياسيين يحصلون على رواتب وأجور جنود لا وجود لهم أصلاً”.

حسين السهيلي، ناشط في جبهة الثورة

خلقت ممارسات النظام على مدار العقود الثلاثة الماضية شبكة من المنتفعين في الحياة السياسية والإقتصادية والإجتماعية والثقافية

فرصة تاريخية

رئيس مركز مكافحة الكسب غير المشروع أشار أيضا إلى أن النظام انتهج على مدار العقود الثلاثة الماضية هذه الممارسات من أجل استمالة مراكز القوى المؤثرة وقادة التغيير، وأوضح أن النظام السابق “استخدم إمكانات المؤسسة العسكرية والأمنية لشراء ولاءات وذمم مراكز القوى من أجل إجهاض العملية الديمقراطية وتزييف الإرادة الشعبية في انتخابات صورية معتمداً على ضخ الأموال العامة بمنح بعضهم مرتبات عدد من الجنود الوهميين، بالإضافة الى مدهم بالسلاح والذخيرة من أجل تعزيز سيطرتهم على المجتمع وإرهابه بغية ضبطه وتوجيهه في خدمة السلطة القائمة مقابل قمع ومحاربة قوى التغيير المدنية والسياسية، والثقافية والصحافية والحقوقية المتطلعة لدولة مدنية قائمة على الشفافية والنزاهة والمساءلة والقضاء النزيه والمستقل”.

لا شك في أن تراكم ممارسات العقود الماضية داخل مؤسستي الجيش والأمن أوجد شبكة مصالح بين قادة الجيش وبيئتهم الإجتماعية القبلية والعشائرية تغلغلت في عمق البناء المؤسسي العسكري والإجتماعي والإقتصادي وحتى الثقافي، كما أن التخلص منها لا يمكن أن يتم بسهولة أو بمجرد صدور قرارات رئاسية لأن تحييدها أو التقليص منها يطرح تحديات قوية بوجه رئيس يواجه اضطرابات أمنية ونزعات انفصالية وحركات دينية متشددة، بل يحتاج إلى قوات الجيش في محاصرتها والقضاء عليها، ومطلوب منه أن يحاصر الفساد داخل مؤسسة الجيش والأمن ويسترد منها موارد مالية مهدورة ضخمة.

رغم الصعوبات التي تواجه الرئيس اليمني، إلا أن أمامه فرصة تاريخية لإحداث تغيير فعلي في الأوضاع. فهو يحظى اليوم بتأييد شعبي واسع وبمساندة إقليمية ودولية لقراراته، غير أن استمرار التأييد يتوقف على مدى وقفه للنزيف المالي داخل المؤسسة العسكرية والأمنية وقدرته على إعادة تدويره في رفع العبء عن القطاعات الشعبية المتضررة من الفساد مثل الصحة والتعليم والخدمات والبنى التحتية وخلق فرص عمل لعشرات الآلاف من الشبان الذين دفعت بهم قساوة الحياة وتضاؤل الفرص إلى الإنتفاضة على سياسة سلفه.

يتسم سجل اليمن في مجال الفساد بالسلبية على مستوى جميع مؤشرات التقارير الدولية.

في عام 2008، جاء اليمن في المرتبة (21) في مؤشر الدول الفاشلة بـ (95.4) نقطة.

في عام 2009، تقهقر اليمن إلى المرتبة رقم (18) بـ (98.1) نقطة ليدخل اليمن ضمن العشرين دولة الأكثر فشلاً، إلى جانب دول عربية وإسلامية أخرى، وهي: الصومال والسودان وتشاد وزيمبابوي والعراق وباكستان وأفغانستان.

وفقا لصندوق السلام الأمريكي، احتل اليمن المرتبة 13 عام 2011، ثم انحدر في تصنيف عام 2012 إلى الرتبة (8) عالمياً وإلى الرتبة الثالثة في أكثر البلدان فشلا.

في مُدركات الفساد، جاء اليمن في عام 2012 في  المرتبة (156) من أصل (176) طبقاً لمنظمة الشفافية الدولية بعد أن جاء سنة 2009 في المرتبة (157) وفي عام 2010 في المرتبة (147).

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية