مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

خطواتٌ جديدة للتقارب بين برن وواشنطن

رئيس الكنفدرالية موريتس لوينبرغر يتحدث مع سفيرة الولايات المتحدة في برن باميلا بيتزر ويلفورد خلال الاستقبال التقليدي للسفراء (11 يناير 2006، برن) Keystone

أُعلن منتصف الأسبوع عن مصادقة برن على اتفاقيات ومذكرات تفاهم مع واشنطن في مجالات محاربة الإرهاب وتشجيع الحوار وتعزيز العلاقات الاقتصادية.

وغداة الجلسة الأسبوعية للحكومة، أعلنت وزارة الخارجية عن توقيع مذكرة تفاهم لمواصلة برنامج فولبرايت الجامعي بين البلدين. مجمل هذه التحركات تُجسد تقاربا بخطى متريثة لكن ثابتة.

عندما قامت وزيرة الخارجية السويسرية ميشلين كالمي ري بأول زيارة رسمية لها إلى الولايات المتحدة في نهاية شهر يونيو الماضي، دعت إلى تعزيز التقارب بين برن وواشنطن.

وقالت السيدة كالمي ري إثر اللقاء الذي جمعها بنظيرتها الأمريكية كوندوليزا رايس يوم 27 يونيو 2005: “لقد تمكنا سويا من إرساء أسس صلبة لحوار مستقبلي مُنظم وحركي وبناء”، مضيفة أن الجانبين اتفقا على “البحث عن الآليات المناسبة لتعزيز وهيكلة التعاون بيننا في القطاعات التي لنا فيها مصالح مشتركة”.

وجاءت زيارة الوزيرة السويسرية إلى الولايات المتحدة بعد مصادقة الحكومة الفدرالية على إستراتيجية تنقيح السياسة الخارجية للكنفدرالية الذي يمر أساسا عبر تطوير العلاقات مع واشنطن. فبعدما أعادت الحكومة تقييم وضع سياستها الخارجية يوم 18 مايو 2005، قررت تعميق علاقاتها مع دول ومناطق ذات أهمية استراتيجية بالنسبة للكنفدرالية، واستنتجت وجود مؤهلات قوية لتوسيع وتعزيز العلاقات الثنائية مع الولايات المتحدة بشكل خاص.

ويبدو أن برن تسير منذ ذلك الحين بخطى متأنية لكن أكيدة على طريق تعزيز التقارب مع واشنطن إذ تقوم بتحركات نشطة على جبهات مختلفة، بدءا بمحاربة الإرهاب وتمويله، مرورا بتشجيع الحوار حول مجالات المصالح المشتركة، ووصولا إلى تعزيز التعاون الجامعي بين البلدين.

وقد عكست الجلسة الحكومية الأسبوعية يوم الأربعاء 3 مايو الجاري في برن ترسيخ وتنفيذ تلك المساعي، إذ أعلنت الحكومة عن المصادقة على اتفاقيتين ومذكرة تفاهم مع الولايات المتحدة. وغداة تلك الجلسة، أعلنت وزارة الخارجية عن توقيع مذكرة تفاهم أخرى مع واشنطن حول مواصلة برنامج فولبرايت الجامعي بين سويسرا والولايات المتحدة.

تعويض اتفاق سري بآخر علني..

في مجال محاربة الإرهاب، وافقت الحكومة السويسرية على نص اتفاق دُونت فيه أطر التعاون بين برن وواشنطن في مجال محاربة الإرهاب وتمويله. وسيـُعوِّض النص الجديد، الذي سيـُعرض قريبا على البرلمان، الاتفاق السري الذي وقعه الجانبان قبل زهاء أربعة أعوام.

وكانت الحكومة السويسرية قد وقعت في سبتمبر 2002 اتفاق تعاون قضائي غير دائم وغير شامل مع واشنطن لتسهيل التحقيقات القضائية المرتبطة بهجمات 11 سبتمبر 2001 الإرهابية. ولم يُعرض على البرلمان نص ذلك الاتفاق الذي اعتبره بعض السياسيين السويسريين “ملائما جدا” للولايات المتحدة.

وفي يونيو 2005، أعربت الحكومة الفدرالية عن قناعتها بضرورة تقنين التعاون مع سلطات الملاحقات الجنائية الأمريكية بشكل دائم، ليتم تكليف وزارة العدل والشرطة في الصيف الماضي بإجراء المفاوضات التي أدت في نهاية المطاف إلى صياغة نص اتفاق جديد حظي يوم الأربعاء بموافقة الحكومة التي أوكلت إلى وزير العدل والشرطة كريستوف بلوخر صلاحية توقيعه.

وقد أكد السيد بلوخر يوم الأربعاء 3 مايو أمام الصحفيين في برن أن “مسألة الإعلان عن مضمون هذا الاتفاق شكلت صعوبة خلال المفاوضات، لكن الأمريكيين وافقوا عليه أخيرا”.

وأوضح وزير العدل والشرطة أن اتفاق عام 2002 وُقع “في فترة انفعال كبير” لمحاربة تنظيم القاعدة، مضيفا أن الاتفاق الجديد يـُقنن بـأسلوب أكثر اختصارا ووضوحا التعاون في محاربة الإرهاب وتمويله بشكل عام، خلافا للاتفاق الأول الذي كان يحصر التعاون في نطاق القضايا ذات الصلة بهجمات 11 سبتمبر.

تدخـُّل مشروط

وينص الاتفاق بهذا الشأن على تبادل الموظفين بين سلطات الملاحقات الجنائية السويسرية والأمريكية بهدف التمكن من تشكيل وإدارة فرق مشتركة من المُحقّقين في البلدين. ولن تتمكن تلك الفرق من التدخـّل إلا في حال فتح تحقيق جنائي في البلدين وتفويضه إلى مدع عام.

أما دور فرق التعاون، فستنحصر أساسا في تقديم الدعم على مستوى تحليل نتائج التحقيق وفي عرض توصيات استراتيجية لمواصلة التحقيق. وفيما يتعلق بالمشاركة مثلا في استجوابات المُتهمين وأعمال تحقيق أخرى، فإنها ستظل مرهونة بترخيص من المدعي العام.

ويعتمد اتفاق التعاون الجديد تقييدات صارمة في مجال استخدام المعلومات التي يتم تجمعيها من طرف المحققين. وأكدت الحكومة السويسرية في هذا الصدد أن الاتفاق يحول دون أي نوع من الالتفاف على عملية التعاون القضائي ويضمن بالتالي الحماية القانونية للأشخاص المعنيين. وقد حرص وزير العدل والشرطة السويسري على التشديد على عدم وجود أي دليل حول قيام المحققين بأعمال غير قانونية في إطار اتفاق عام 2002.

سهرٌ على المصالح المُشتركة

على صعيد آخر، اعتمدت الحكومة الفدرالية يوم الأربعاء الماضي بناء على اقتراح من وزارة الخارجية السويسرية مذكرة تفاهم مع الولايات المتحدة تعكس إرادة الدولتين في تعزيز علاقاتهما الثنائية وتشجيع الحوار حول كافة القضايا المرتبطة بمصالحهما المشتركة.

وتـُحدد مذكرة التفاهم خصوصا آليات تنسيق سياسي ذي فعالية أكبر فيما يتعلق بالملفات الكثيرة التي يناقشها البلدان. وتعود مهمة التنسيق في الجانب السويسري إلى وزارة الخارجية.

وورد في البيان الصادر عن الوزارة بهذه المناسبة أن مذكرة التفاهم التي تبنتها الحكومة في جلستها الأسبوعية يوم 3 مايو تحت اسم “مذكرة تفاهم لتحديد إطار عمل من أجل تعاون معزز” تنص على “إقامة حوار سياسي منتظم يغطي حقل العلاقات الثنائية”.

وأكدت الوزارة أنها ستتوفر على قناة اتصال مباشر ومفتوح على الدوام مع واشنطن، مشيرة إلى أن هذا الحوار سيسمح بترجمة التعاون بين الدولتين على أرض الواقع، وبالمباشرة في تبادل الأفكار بشكل مُنتظم والتطرق إلى القضايا المُشتركة والخلافات بصورة منفتحة.

ترحيب بمنتدى التعاون التجاري

ومن بين القضايا التي كانت قد أرقت الجانبين العام الماضي مسألة اتفاق التبادل التجاري الحر التي كادت المفاوضات بشأنه أن تفشل نهائيا لولا توصل الجانبين في بداية العام الجاري إلى صيغة جديدة تسمح باستئناف المفاوضات بهدوء من خلال إنشاء “منتدى تعاون حول التجارة والاستثمارات”. وكان قد تم الإعلان عن إنشاء ذلك المنتدى على هامش منتدى دافوس الاقتصادي العالمي يوم 28 يناير الماضي.

وصادقت الحكومة السويسرية يوم 3 مايو الجاري في جلستها الأسبوعية على توقيع اتفاق مع واشنطن لإقامة المنتدى الذي تعتبره برن “نتيجة التقارب الذي تم خلال المباحثات التمهيدية لتوقيع اتفاق تبادل تجاري حر بين البلدين وخطوة هامة لتعزيز علاقاتهما الاقتصادية”.

وترى وزارة الاقتصاد السويسرية أن المنتدى سيتيح في المستقبل فرصة التفاوض حول اتفاق التبادل الحر بين برن وواشنطن، إذ سيصلح كـ”إطار لإطلاق مفاوضات حول مواضيع المصالح المشتركة المرتبطة بالتجارة والاستثمارات، وسيفتح الطريق أمام تعاون وثيق في مجالات خاصة. كما سيوفر لسويسرا إمكانية التطرق في أي وقت لأية قضية متعلقة بسياسة الولايات المتحدة في مجالي التجارة والاستثمارات”.

وأشارت الوزارة في البيان الصادر عنها يوم 3 مايو إلى أن المنتدى سيعطي أيضا دورا نشطا للقطاع الخاص الذي سيساهم في تحديد الملفات التي يجب التطرق إليها وسينظم التظاهرات الخاصة بتعزيز الروابط بين البلدين.

ويذكر أن العلاقات الاقتصادية بين برن وواشنطن بنشاط وكثافة عاليين إذ قفزت الولايات المتحدة العام الماضي إلى المرتبة الثانية في قائمة شركاء الكنفدرالية إذ أصبحت الوجهة الثانية للصادرات السويسرية بزيادة 12%، بينما ارتفعت الواردات السويسرية من الولايات المتحدة بـ16,8%.

التعاون لا يُقصي الجامعات

وغداة الجلسة الأسبوعية للحكومة السويسرية، أعلنت وزارة الخارجية أن كاتب الدولة ميكاييل أمبول والسفيرة الأمريكية لدى برن السيدة باميلا بيتزر ويلفود وقعا يوم الخميس 4 مايو في برن على مذكرة تفاهم تضمن مواصلة برنامج “فولبرايت” بين سويسرا والولايات المتحدة الذي تم إطلاقه بين الجانبين في عام 1999.

ويهدف البرنامج الذي أنشئ عام 1946 بمبادرة من السيناتور الأمريكي السابق ج. ويليام فولبرايت إلى تشجيع التفاهم بين واشنطن والدول التي ترسل طلبتها إلى الولايات المتحدة أو تستقبل الطلبة الأمريكيين لديها عبر تبادل طلبة شبان لديهم مؤهلات لشغل مناصب إدارية في المستقبل.

وتسمح مذكرة التفاهم الجديدة لسويسرا والولايات المتحدة بمواصلة تعاونهما في إطار برنامج “فولبرايت”، إذ تضمن تخصيص منح كريمة خلال السنوات الثلاث القادمة للطلبة السويسريين المؤهلين.

وقال السيد أمبول بمناسبة توقيع مذكرة التفاهم: “نحن سعداء بمواصلة هذا البرنامج الهام للتبادلات الجامعية. هذه المرحلة أساسية لتعميق العلاقات والتفاهم المتبادل بين سويسرا والولايات المتحدة”.

ويذكر أن الدبلوماسي المُحنك أمبول هو الذي كُلف في يونيو 2005 بالقيام بزيارة تمهيدية إلى واشنطن في مهمة شبه استكشافية لتقييم فرص التقارب المتوخى من الولايات المتحدة، إذ تحول إلى العاصمة الأمريكية قبل وزيرة الخارجية ميشلين كالمي ري (يونيو 2005) ووزير الاقتصاد جوزيف دايس (يوليو 2005).

وكان السيد أمبول قد صرح لسويس انفو بمناسبة زيارته إلى واشنطن: “إن العلاقات بين سويسرا والولايات المتحدة ممتازة، وإن كانت ترتكز أساسا على المجال الاقتصادي. وقد قرر الجانبان العمل جميعا بهدف تعزيز وتنويع العلاقات الثنائية لوضعها في إطار أكثر ترتيبا”.

ويبدو بالفعل أن الجانب السويسري التزم بما قرره الجانبان ويمضي – كعادته .. خطوة بخطوة – لترتيب وتنويع أوجه التعاون بينهما.

سويس انفو – إصلاح بخات

حسب معطيات وزارة الاقتصاد السويسرية:
في عام 2005، عززت الولايات المتحدة مكانتها في قائمة الشركاء الاقتصاديين لسويسرا إذ أصبحت ثاني وجهة للصادرات السويسرية بزيادة 12%.
أما الواردات السويسرية من الولايات المتحدة، فارتفعت بـ16,8%.
على مستوى الاستثمارات، بلغت الاستثمارات السويسرية في الولايات المتحدة 85 مليار فرنك، مقابل 90 مليار فرنك من الاستثمارات الأمريكية في الكنفدرالية.
وتحتل سويسرا المرتبة الخامسة في قائمة المستثمرين الأجانب في الولايات المتحدة.

كانت هجمات 11 سبتمبر 2001 على نيويورك وواشنطن بمثابة نقطة تحول في مجال محاربة الإرهاب، واكتست اهمية بالغة في سويسرا أيضا.
في سبتمبر 2002، وقعت برن اتفاق تعاون قضائي مع واشنطن محدود زمنيا يحمل اسم (Operative Working Arrangement).
في يونيو 2005، تم تكليف وزارة العدل والشرطة بصياغة اتفاق جديد. ولا ينحصر التعاون ضمن الاتفاق الجديد في القضايا المرتبطة بأحداث 11 سبتمبر، بل يشمل محاربة الإرهاب بشكل عام وتمويله.
يتعين على غرفتي البرلمان السويسري مناقشة الاتفاق الجديد قبل دخوله حيز التطبيق، ويفترض أن يحدد مجلس النواب موقفه من نص الاتفاق قبل نهاية العام الجاري.

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية