مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

الحكومة الأردنية تنقضّ على المواقع الإخبارية

في كل المناسبات التي تعرضت فيها حقوقهم للإعتداء، تجند الصحافيون الأردنيون للدفاع عنها. في الصورة، تجمع احتجاجي نظم يوم 29 سبتمبر 2011 أمام مقر مجلس النواب للإحتجاج على تغيير قانون مكافحة الفساد في اتجاه يؤدي إلى المس من حرية الإعلام. Keystone

في الأول من شهر يونيو الجاري، فاجأت الحكومة الأردنية المراقبين بقرارها حجب 291 موقعا اخباريا، تنفيذا لقانون المطبوعات والنشر، الذي تم تعديله قبل سبعة أشهر.

وقد وُصِفت هذه الخطوة المفاجِئة، بأنها خُطوة قمعية تهدِف إلى تقييد الحريات الإعلامية وتكميم الصحافة المستقلّة، في حين تُـصرّ الحكومة على أن الخطوة هي تنظيمية، لا ترتبط بأي خطة حكومية لتكميم الأفواه وأن الحكومة مستعدّة لإعادة المواقع التي تمتثِل لأحكام القانون.

هذه الخطوة أثارت أيضا حفيظة أصحاب المواقع الإخبارية، الذين بدأوا التفكير بإجراءات تصعيدية، لعلّها تفلح في دفْع الحكومة على التراجُع عن قرار حجْب المواقع غيْر المُرخَّصة.

دستورية القانون

بعيدا عما يراه أصحاب المواقع الإلكترونية غير المرخّصة من سوء نية الدولة، عندما عدّلت قانون المطبوعات والنشر، فإن هناك العديد من الحقوقيين يرون أن القانون غيْر دستوري بالدرجة الأولى، ويقول المحامي المعروف محمد الصبيحي “إن القانون جاء مخالِفا لأحكام المادة الخامسة عشر الفقرة الرابعة من الدستور الأردني”، والتي حصرت حقّ حجْب أي وسيلة إعلامية أو إلغاء ترخيصها بالسلطة القضائية.

ويضيف المحامي الصبيحي أن “النص الوارد في المادة 49 من قانون المطبوعات والنشر، مخالف للدستور، بالإضافة إلى مخالفة القرار للقانون، من حيث الشكل، حين نشر مدير المطبوعات تبليغا عاما إلى المواقع الإلكترونية في صحيفتين يوميتين، بينما تستوجب الأصول تبليغ كل موقع بالإسم على حِده”.

الحكومة الأردنية صمتَت ولم تتطرّق لموضوع دستورية القانون، بالرغم من الدّعوات التي تنادي بتجميد قرار الحجْب إلى أن تبت المحكمة الدستورية في مدى دستوريته.

ويقول فايز الشوابكة، مدير دائرة المطبوعات والنشر، بأنه “لا يمكن التراجُع عن قرار الحجْب، إلا عن طريق الطّعن بدستورية القانون لدى المحكمة الدستورية أو تعديل قانون المطبوعات والنشر”. بالمقابل، كشفت النائبة وفاء بني مصطفى من كتلة الوسط الإسلامي أن “هناك نيّة للطّعن بدستورية القانون لتَعارُضه مع الفقرة الرابعة من المادة الخامسة عشر من الدستور” الأردني.

غير أن الأمر قد يستغرِق وقتا كبيرا، ما يعني عمليا، إلحاق ضرر كبير بمصالح ناشري المواقع الإخبارية. ومن غير الواضح كيف ستتصرّف الحكومة حِيال الأمر، مع أنه يمكن لها أن تتقدم بتعديل قانون المطبوعات والنشر، دون انتظار قرار المحكمة الدستورية.

غير أن الحكومة التي نفّذت القانون، غير معنية بالأمر في الوقت الحالي، بالرغم من تصريحات عدد من المسؤولين بأن “هناك حاجة لإعادة النظر في ملف الإعلام برمّته”.

إشكالات القانون

يشترط قانون المطبوعات والنشر المعدّل، قيام المواقع الإخبارية الأردنية بالتقدّم للترخيص، ومن دون ذلك، يتم حجْب المواقع. غيْر أن هناك عددا من الإشكالات التي تحرم العديد من المواقع الإخبارية من القُدرة على الترخيص، وِفق تعليمات القانون نفسه.

ويقول باسل العكور، رئيس تحرير موقع “جو 24”: “هناك إشكالية رئاسة التحرير. فالقانون يشترط أن يكون هناك رئيس للتحرير، عُضو في نقابة الصحفيين ومتفرّغ، وهذا الشرط هو غيْر قابل للتحقق من قِبل العشرات من المواقع الإخبارية. ومن بين هذه المواقع التي تقدمت للترخيص، هناك الكثير منها لم تعيّن رئيس تحرير متفرّغ، ومع ذلك تم ترخيصها”

ويقول السيد العكور:”إن معظم رؤساء التحرير لهذه المواقع هُم عاملون في صحف يومية. والأدهى، أن نقابة الصحفيين لا تقبل الذين يعملون بالمواقع الإخبارية أعضاء بالنقابة، مما يُفاقِم من معضلة أصحاب المواقع الإخبارية!”.

والإشكالية الثانية، وربّما الأهم، هو أن القانون يمنح مدير المطبوعات والنشر حقّ الحجْب، في حين أن أي قرار للحجب، ينبغي أن يكون نتيجة لأمر قضائي. من هنا، يرى ناشرو المواقع الإخبارية أن مواقِعهم ستكون تحْت رحْمة مدير المطبوعات والنشر الذي سيستعمل حقّ الحجْب لتمرير وِجهة نظر الحكومة أو يكون مصير المواقع الحجْب.

أما الاشكالية الأخرى، فتتّصل بتعليقات القرّاء، إذ يعتبرها القانون جزءً من المادة الصحفية، وهذا أمر لا يمكن القبول به، وبخاصة لأغراض التقاضي.

المزيد

المزيد

الصحافة عندما تغيب الحرية

تم نشر هذا المحتوى على تنشر منظمة مراسلون بلا حدود سنويا “100 صورة لحرية الصحافة”. وقد قامت هذا العام ايضا برصد وتحديد الأماكن العشر الأكثر خطورة على حرية الصحافيين في عالم اليوم.

طالع المزيدالصحافة عندما تغيب الحرية

البُعد السياسي

تريد الحكومة خلْق انطِباع بأنه ما قامت به من حجْبٍ للمواقع، يأتي في سياق إصرار الحكومة على تنفيذ القانون واستعادة هيْبة القانون. ويقول وزير الإعلام الدكتور محمد المومني، إن القرار لا يستهدِف حرية الإعلام ولا يرتبط بأي أجندات سياسية، وإنما يعكِس توجّه الحكومة تطبيق القانون.

لكن هناك مَن يختلِف مع الحكومة التي تخُوض معركة البقاء السياسي، نتيجةً لتراجُع شعبيتها. ويرى الكثير من الأردنيين أن القرار عُـرفي ويعكِس بنِية ذِهنية رسمية، لا تؤمن بحرية التعبير. في هذا السياق، تقول الكاتبة المرموقة رنا الصباغ، إن قرار الحجْب “سيؤشر إلى حملة تقييد الحريات والإجهاز على السلطة الرابعة، وما تبقّى من شهود لها على الساحة، في زمن الإعلام المرعوب العام، وغالبية الخاص، في وقت تستعِد فيه الحكومة لرفع أسعار الكهرباء وفرْض حمْلة لاسترجاع هيْبة الدولة، وسط المجهول القادِم من الغرب والشمال، وارتفاع معدّلات الفقر والبطالة والتضخّم، مع شكاوى من تدنّي الخدمات العامة”.

والحقيقة، هي أن الرسميِّين في الدولة الأردنية يخشَوْن الإعلام المُستقِل، الذي كشف عن حالات فساد رسمية ولاحَق الحكومات المُتتابعة لفضْح التواطُئ مع الفاسدين. ويتردّد بالأردن أن هناك انزِعاجا على أعلى المستويات، من الإعلام الذي يخلق حالة تنويرية، تثقف الأردنيين بحقوقهم.

وبالفعل، عقدت دورة استثنائية للبرلمان السابق مع نهاية العام الماضي، بغرض وضع قانون مطبوعات يُقيِّـد من الحريات الصحفية. فالقضية ليست من أجل تنظيم القطاع، لأن ما حصل، على حدّ تعبير الكاتبة المعروفة لميس أندوني، “كمَن يُحاول قتْـل ذُبابة بمِطرقة جبّارة، فيُـدمّر كل شيء حولها، وقد لا يُـصيب الهدَف بعدَ خراب”.

في النهاية، يمكن القول أن ملف حجْب المواقع الإخبارية، سيبقى مفتوحا بعد أن قرر عدد من أصحاب المواقع الإستِمرار في مواجهة الحكومة وعدم الإمتِثال للقرار، بالرغم من الحجْب. فما زالت هناك طُـرق فنية يُمكن فيها للقارئ الأردني الوصول إلى هذه المواقع رغم الموانع. ويعتقد العديد من أصحاب هذه المواقع أن هناك تحالُفا دوليا على شكْل تنديدات وإدانات للقرار، صدرت عن منظمات حقوق الإنسان وعن المؤسسات المعنِية بالحريات الإعلامية.

في الأثناء، يُراهن أصحاب المواقع المحجوبة على أن تراجُع الأردن على مقياس الحرية في مؤسسات دولية، مثل “فريدوم هاوس”، يمكن أن يشكل ضغطا على نُخب حاكِمة أوتوقراطية، تخضع فقط للضغوطات الخارجية، وهو ما قد يتأكد – حسب مراقبين – في المستقبل المنظور…

شارك عشرات الاعلاميين الاردنيين يوم الاربعاء 12 يونيو 2013 في اعتصام في عمان احتجاجا على قرار حكومي بحجب مئات المواقع الالكترونية، معتبرين انه “يغتال حرية الاعلام” في البلاد.

وحمل المعتصمون الذين قدر عددهم بنحو 70 شخص وتجمعوا بالقرب من احد الطرق المؤدية الى القصور الملكية، لافتات كتب عليها “لا لاغتيال حرية الاعلام” و”اغلقوا بؤر الفساد قبل حجب المواقع الالكترونية الاخبارية”.

وقال ناصر لافي، رئيس تحرير موقع “البوصلة” الاخباري لوكالة فرانس برس “نريد ارسال رسالة من خلال اعتصامنا هذا الى الملك (عبد الله الثاني) بأن القرار القمعي بحجب المواقع الالكترونية يتعارض مع الدستور”، مشيرا الى ان “القرار يُسيء الى سمعة الاردن في العالم”.

من جانبه، قال جمعة الوحش مدير موقع “المرصاد” الالكتروني ان “هذا الاعتصام ياتي ضمن سلسلة من الفعاليات التصعيدية لاسقاط هذا القانون الجائر الذي يحجب المواقع الالكترونية وهو مخالف للدستور والمعايير الدولية”.

وكانت الحكومة الاردنية اصدرت قبل نحو 10 ايام قرارا بحجب نحو 290 موقعا الكترونيا اخباريا “بسبب عدم حصولها على ترخيص”.

وتوقع مدير دائرة المطبوعات والنشر فايز الشوابكة في تصريحات صحافية نشرت الاربعاء ان “يصل عدد المواقع المرخصة غدا الخميس الى قرابة 150 موقعا إلكترونيا”. واشار الى ان “هناك مواقع إلكترونية راجعت وزارة الصناعة والتجارة وغيرت غاياتها من إعلامية إلكترونية إلى اجتماعية ثقافية، وبذلك اصبحت غير مشمولة بأحكام قانون المطبوعات والنشر”.

واقر البرلمان في شهر سبتمبر 2012 تعديلات على قانون المطبوعات والنشر اقترحتها الحكومة بهدف تنظيم عمل المواقع الالكترونية على حد تعبيرها، ما أثار جدلا حول حرية الاعلام في المملكة التي رأى البعض ان التعديلات “تقيدها”.

ويُلزم القانون المواقع الالكترونية الاخبارية بالتسجيل في دائرة المطبوعات والنشر والحصول على ترخيص ويخضعها للقانون اسوة بالصحف والمطبوعات الورقية. كما يشترط هذا القانون ان يرأس تحرير كل موقع اخباري عضو في نقابة الصحافيين.

(المصدر: وكالة الصحافة الفرنسية أ.ف.ب. بتاريخ 12 يونيو 2013)

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية