مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

خمسة وستون مرشحا لمجلس حقوق الإنسان

مشهد للإجتماع الأخير الذي عقدته لجنة حقوق الإنسان في ختام دورتها الثانية والستين يوم 27 مارس 2006 في قصر الأمم في جنيف Keystone

تقدمت خمس وستون دولة (من بينها 9 دول عربية) بترشيحاتها لعضوية مجلس حقوق الإنسان الذي حـل مكان لجنة حقوق الإنسان التابعة للأمم المتحدة.

وفيما اختارت الولايات المتحدة عدم الترشح هذه المرة، تخوض سويسرا أول محاولة عضوية في المحفل الأممي لحقوق الإنسان منذ انضمامها الى الأمم المتحدة.

لم يعد يفصلنا عن موعد اختيار الدول الأعضاء في مجلس حقوق الإنسان سوى ساعات معدودة. ويتضح من الترشيحات المعروفة لحد الآن أن خمسا وستين دولة قررت خوض هذه التجربة لشغل المناصب السبعة والأربعين في المجلس الجديد.

هذه المهمة سوف تقوم بها الجمعية العامة لمنظمة الأمم المتحدة يوم الثلاثاء 9 مايو في نيويورك وفقا لمعايير العضوية في مجلس حقوق الإنسان الجديد، أي بالتصويت في اقتراع سري على كل دولة مرشحة ضمن الحصص المخصصة لكل مجموعة إقليمية.

وقد تم تخصيص 13 مقعدا لإفريقيا و 13 مقعدا لآسيا و 6 مقاعد لأوروبا الشرقية و8 مقاعد لدول أمريكا اللاتينية ومنطقة الكاريبي و 7 مقاعد لدول أوروبا الغربية ودول اخرى من بينها كندا والولايات المتحدة الأمريكية.

غياب أمريكي

أول ما يميز هذا التنافس لشغل مقعد في مجلس حقوق الإنسان يتمثل في أن الولايات المتحدة قررت، بعد ان عارضت العديد من الخطوات التي مهدت لقيام هذا المجلس، عدم ترشيح نفسها للدورة الحالية. وجاء في تبريرات الرسميين الأمريكيين أن واشنطن “تريد أن تنتظر لرؤية ما سيحققه هذا المجلس في عامه الأول”، مع التأكيد على أن الولايات المتحدة “لا تعقد آمالا كبرى على تحليه بالنجاعة أو بالمصداقية”.

ولكن أصواتا كثيرة من منظمات المجتمع المدني رأت في غياب الترشيح الأمريكي تخوفا من إمكانية الرسوب في هذا الاختبار نظرا لأن الإجراءات الجديدة التي تم فرضها في عملية الترشيح لعضوية المجلس، تتطلب مراعاة سجل الدولة المرشحة في مجال حقوق الإنسان. وهو ما لا تقوى واشنطن على تجاهله بسبب تصرفاتها في كل من أفغانستان والعراق وبالأخص الإنتهاكات المسجلة في أماكن الإعتقال مثل سجن أبو غريب في بغداد أو قاعدة غوانتانامو.

وهكذا سينحصر التنافس ضمن المجموعة الغربية من أجل إقصاء مرشحين من بين كل من ألمانيا وكندا وفنلندا وفرنسا واليونان وهولندا والبرتغال وبريطانيا وسويسرا.

تنافس قوي في أقاليم أخرى

إذا كانت المجموعة الإفريقية قد رشحت 14 بلدا من بينها 4 دول عربية، لشغل 13 مقعدا مخصصة لها في مجلس حقوق الإنسان، فإننا نجد ان الدول الآسيوية ودول أوربا الشرقية رشحت ضعف ما هو مسموح به وهو ما سيؤدي إلى خوض تنافس مرير فيما بينها وسيدفع الجمعية العامة الى التفريق بين المرشحين من خلال مراجعة دقيقة لسجل كل بلد منها في ميدان حقوق الإنسان.

فالمجموعة الآسيوية رشحت 18 بلدا من بينها 5 دول عربية لشغل 13 مقعدا. ونجد من ضمن المرشحين كل الدول الآسيوية الكبرى مثل الصين والهند واندونيسيا واليابان وماليزيا وباكستان.

من جهتها، ترشح 13 بلدا من أوروبا الشرقية من بينها روسيا لشغل 6 مقاعد في المجلس، فيما قامت دول امريكا اللاتينية بترشيح 11 بلدا لشغل 6 مقاعد.

“الحملة الإنتخابية” للدول العربية

إذا كانت الضجة الكبرى التي أثيرت حول شروط العضوية في لجنة حقوق الإنسان قد اندلعت عند تولي ليبيا رئاسة الدورة التاسعة والخمسين وتفاقمت بعد انضمام كل من العربية السعودية والسودان إلى اللجنة، من خلال اتهام البعض لتلك الدول بأن سجلاتها في ميدان حقوق الإنسان لا تسمح لها بالانتماء الى محفل يدافع عن حقوق الإنسان، فإن الدول العربية لم يثنها ذلك الانتقاد عن ترشيح نفسها لعضوية المجلس الجديد بحيث بلغت الترشيحات العربية تسعة (خمس دول من آسيا وأربع من إفريقيا).

وبما أن اختيار بلد عضو في الأمم المتحدة يتم من خلال التصويت السري الذي يجب ان يتم بشكل فردي وليس جماعي عبر تفحص سجل كل بلد مترشح في مجال حقوق الإنسان ومدى التزامه بالمعاهدات والمواثيق الدولية ذات الصلة، فقد تطلب الأمر أن تعرض كل دولة المزايا والمبررات التي ترى أنها تؤهلها للظفر بهذه العضوية أكثر من غيرها.

فالجزائر وضعت في المقام الأول في خطاب الترشيح “تجربتها كمدافع عن حقوق الشعوب ومدى وتوقيعها على المواثيق الدولية، واختيار بعض من أبنائها في محافل دولية لحقوق الإنسان، واستعدادها لمواجهة تحدي مراجعة مدى تطبيقها للمعايير في ميدان حقوق الإنسان”.

أما المغرب فقد شدد في خطاب ترشيحه على “أنه شرع بطريقة لا رجعة فيها في مسار الديمقراطية ودولة القانون، وحسن التسيير والإدارة معتمدا في ذلك على قيم التسامح التي يتميز بها الدين الإسلامي وعلى المواثيق والمعاهدات الدولية في مجال حقوق الإنسان والحريات الأساسية”.

تونس وضعت في مقدمة خطاب ترشيحها لمجلس حقوق الإنسان “جملة من الإجراءات لترسيخ دولة القانون وضمان الحريات الأساسية وكرامة الذات البشرية”، واعتبرت أن “النهوض بالديمقراطية والتعددية السياسية المدعومة بالمكاسب الاقتصادية والاجتماعية وبمجتمع مدني نشيط وفاعل”، جعلها “تحتل مرتبة متقدمة في مصاف الدول الصاعدة”.

المملكة العربية السعودية لخصت التزاماتها في خطاب مختصر شددت فيه على “مواصلة التزامها بسياسة التعاون النشط مع المنظمات الدولية وعلى تفعيل التجربة التي اكتسبتها من خلال مشاركتها في لجنة حقوق الإنسان” في السنوات الأخيرة، ومن خلال “الانضمام الى ثمان آليات دولية لحقوق الإنسان”.

مملكة البحرين قالت في معرض تعليلها لطلب الانضمام إلى المجلس أن “حماية حقوق الإنسان تشكل أولوية من أوليات سياستها الداخلية والخارجية”. وأشارت البحرين الى أنها “تدرس بفعالية عملية الانضمام الى الصكين الدوليين حول الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، وحول الحقوق السياسية والمدنية”. ومن المعلوم أن هذين الصكين يشكلان لب منظومة حقوق الإنسان في عالم اليوم.

العراق برر في خطاب انضمامه “العزلة التي عاشها على الساحة الدولية منذ عام 1968 بسبب السياسة الدكتاتورية” التي كانت تمارس في البلد. ويرى المسؤولون العراقيون بما أن بلدهم يمثل “ديمقراطية حديثة تناضل بقوة من أجل إقامة مؤسسات يحكمها القانون، فإنهم يبحثون عن إقامة نظام يضمن احترام حقوق الإنسان والحرية لكل العراقيين”.

المملكة الأردنية الهاشمية شددت في بداية خطابها على أنها “ملتزمة للتعامل مع كل الأطراف الحكومية وغير الحكومية لضمان أن الآليات الجديدة بإمكانها أن تقدم أحسن وأنجع وسيلة للترويج ولحماية حقوق الإنسان. وقد شددت الحكومة الأردنية على “دور وسائل الرقابة الوطنية في جرد والتعريف بالانتهاكات التي ترتكب في مجال حقوق الإنسان”. وشددت عمان في خطابها على “التزام الشفافية والخضوع للمحاسبة بترحيبها بكل الهيئات المحلية والدولية لحقوق الإنسان للتحقيق في الادعاءات بارتكاب انتهاكات وتجاوزات بالأردن”، كما وجهت دعوة “لكل المقررين الخاصين والخبراء المستقلين لزيارة الأردن في إطار مهامهم”.

لبنان وضع في مقدمة مزاياه للترشيح لعضوية مجلس حقوق الإنسان كونه “يطرح لنقاش عام خصوصية التسامح التي يقوم عليها نظامه والنابعة من حوار متواصل بين مختلف الطوائف الدينية والعرقية التي يتكون منها مجتمعه المتعدد الطوائف”. وذكر بأن لبنان كان من الرواد وأن أحد أبنائه “شارل مالك ترأس لجنة حقوق الإنسان خلال عامي 1951 و1952”.

أخيرا، عبرت دولة جيبوتي في خطابها عن الأمل في قيام مجلس “اقل تسييسا”، وقد كان هذا هو السبب الرئيسي او على الأقل الذريعة الكبرى التي قدمت من قبل البعض لنسف ما كان إيجابيا في لجنة حقوق الإنسان.

سويسرا عضو لأول مرة

سويسرا التي كانت وراء فكرة إنشاء مجلس لحقوق الإنسان عبرت في خطاب عضويتها عن “التزامها ببذل كل ما في وسعها لكي يتحول مجلس حقوق الإنسان الى آلية قوية وفعالة وأن يتمكن من نشر والدفاع عن حقوق الإنسان في كل بقاع العالم”. كما ذكرت باستعدادها لوضع مكاتب تحت تصرف الدول التي ليست لها ممثليات في جنيف.

كما أبرزت السلطات السويسرية في تعليل ترشيحها، “الالتزام بمواصلة تطبيق سياسة نشيطة في مجال حقوق الإنسان على المستويات الوطنية والاقليمية والدولية وفقا لما يتطلبه القانون الدولي ووفقا لنظرة ترتكز على القانون”.

وذكرت برن بأن سويسرا على الرغم من نشاطها المكثف أثناء انعقاد دورات لجنة حقوق الإنسان في الأعوام الأخيرة في جنيف إلا أنه “لم يسبق لها ان شاركت كعضو في لجنة حقوق الإنسان”، نظرا لأنها لم تكن منخرطة في منظمة الأمم المتحدة.

وإذا كانت الانتقادات الكبرى التي أثيرت من طرف عدة أطراف قبل إقرار الأسس التي انبنى عليها مجلس حقوق الإنسان قد تركزت على “رغبة البعض في منع وصول دول لعضوية المحفل الدولي العالمي الهام لحقوق الإنسان بسجلات حافلة بالانتهاكات”، فإن النتائج التي سوف تتمخض عنها عملية اختيار الدول الأعضاء يوم 9 مايو ستعطي إشارة أولية عما إذا كان هذا الهدف قد تحقق وهل تم استيعاب الدروس من الماضي أم لا.

سويس انفو – محمد شريف – جنيف

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية