مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

الولايات المتحدة بين السيناريو الليبي والنموذج اليمنيّ في سوريا

ينذر تكرر المذابح البشعة التي يتعرض لها المدنيون في سوريا (مثلما حدث في الحولة قرب حمص ليلة الجمعة 25 السبت 26 مايو 2012) بالتسريع في اندلاع حرب طائفية كريهة في البلاد. swissinfo.ch

بعد عجز المجتمع الدولي بقيادة الولايات المتحدة عن التحرك بحزم ضدّ النظام السوري، حتى بعد مذبحة الحُولة، بدأت التساؤلات تطفُـو من جديد حول حقيقة الخيارات الممكنة أمام واشنطن في التعامل مع الأزمة السورية، في ظل وقوف روسيا والصين حجَـر عثرة أمام اتِّخاذ أي قرار ضد نظام بشار الأسد في مجلس الأمن الدولي.

في هذا الإطار، توجهت swissinfo.ch إلى السفير إدوارد جيريجيان، المساعد السابق لوزير الخارجية الأمريكي لشؤون الشرق الأدنى والسفير الأمريكي السابق لدى سوريا، لمعرفة تقييمه لكيفية التعامل مع الوضع المتأزِّم منذ نحو 15 شهرا في سوريا.

swissinfo.ch: هناك علامات استفهام حول عدم تحرّك الولايات المتحدة بحزْم ضد النظام السوري بعد مذبحة الحولة. فهل لا زالت هناك خيارات أمام الولايات المتحدة مع استمرار معارضة روسيا والصين اللّجوء إلى الخيار العسكري؟

السفير إدوارد جيريجيان: أعتقد أن الولايات المتحدة تركز بشكل صحيح على تحقيق أكبر قدر من التوافق الدولي حول كيفية التعامل مع النظام السوري، وستواصل مساندتها القوية لخطّة كوفي أنان والإصرار على ضرورة تنفيذ نِقاطها السِـت، لأنه لو تم وقف فِعلي لإطلاق النار وسحب حقيقي للقوات السورية وآلياتها الثقيلة من المراكز السكانية، وتم السماح بالوصول الحُـر للمساعدات الإنسانية، سيُـمكن توفير الأجواء المواتية لبدء حوار سياسي بين الحكومة والمعارضة حول نقل السلطة، ولكن ما يحُول دون ذلك، هو مساندة روسيا للرئيس بشار الأسد بشكلٍ أرْسى لديه قناعة بأنه ليس بحاجة إلى تقديم أي تنازلات أو التعامل بفاعلية مع المعارضة السورية، سواء في الداخل أو في الخارج. لذلك، ستركز إدارة الرئيس أوباما في الأسابيع القادمة على التوصّل إلى أكبر قدْر من التوافق الدولي على موقف مُـوحّـد، إزاء ما يتعيّن على المجتمع الدولي عمله في مواجهة الوضع السوري المُـتدهْـور.

ولكن خطة أنان تبدو بالِـغة الهشاشة، ولم يتم الالتزام بأي من بنودها السِـتة ولا يُـبدي الروس أي بادِرة للتعاون مع الولايات المتحدة في توفير بديل آخر أكثر كفاءة؟

السفير إدوارد جيريجيان: هذا صحيح، ولذلك، فإن المهمة العاجلة أمام الدبلوماسية الأمريكية، هو العمل مع الدول الأخرى الأعضاء في مجلس الأمن، لحث روسيا بالذات على انتهاج مواقِـف أكثر حزما باتِّجاه حلٍّ سِـلمي للأزمة السورية، وليس بدفعها نحو الحرب الأهلية.

هذا هو أحدث اتِّهام وجَّـهته وزيرة الخارجية هيلاري كلينتون للسياسة الروسية إزاء الأزمة السورية. فكيف يمكن أن يسهم مثل ذلك الاتِّهام في إقناع روسيا بالانضمام إلى توافُـق دولي حول ما يتعيَّـن عمله في سوريا؟

السفير إدوارد جيريجيان: أعتقد أنه بات يتعيَّـن على روسيا أن تنظر بعُـمق أكثر إلى تأثير سياستها في التساهل مع أخطاء نظام الأسد، لتُـدرِك صحة كلام السيدة كلينتون، حيث ستُـسهم تلك السياسة في نهاية المطاف في اندلاع حرب أهلية، بل وطائفية في سوريا. وإذا نظرت روسيا بمنظور استراتيجي، ستُـدرك أن مصالِـحها في المنطقة ستتأثَّـر سلْـبا بسبب تلك السياسة، حيث أنه ليس من مصلحة أي طرف خارج سوريا أن يرى الوضع ينزلِـق نحو حرب أهلية وعُـنف طائفي، لأن ذلك ستكون له آثار واسعة النِّـطاق على استقرار المنطقة ككل، نظرا للوضع الجغرافي السياسي البالِـغ الأهمية، الذي تتميز به سوريا.

شيوع القلاقل والفوضى في سوريا، سيَـطال بتأثيراته السلبية كلاًّ من لبنان والعراق والأردن وتركيا وإسرائيل، ولذلك، يجب أن تعيد روسيا حساباتها الإستراتيجية لتُـدرك أنه ليس من مصلحتها أن تكون هناك مِنطقة تشيع فيها الفوضى وعدم الإستقرار جنوب الإتحاد الروسي.

ولكن، لماذا لم تلجأ الولايات المتحدة للسيناريو الليبي لحماية المدنيين، بعد أن ارتكب النظام السوري وميليشيات الشبيحة مذبحة الحولة، في ظل وجود مراقبين للأمم المتحدة على الأرض، تمكنوا من توثيق عمليات الإعدام للنساء والأطفال؟

السفير إدوارد جيريجيان: لأن الوضع في ليبيا كان مختلفا تماما عن الوضع في سوريا. أولا: في الحالة الليبية، تمكنت المعارضة الليبية من السيطرة على مساحات كبيرة من الأرض، بدءا من بنغازي وتحرّكت غربا لاكتساب المزيد من الأرض، وهو ما لم يتوفر للمعارضة السورية.

ثانيا: النظام السوري ليس هشّـا مثل نظام القذافي. فهو نظام محكم البناء، على قمّـته طائفة العلويين التي تحتلّ أكبر المناصب، السياسية والعسكرية، وتمسك بزِمام أجهزة الأمن والمخابرات وتحظى بمساندة وتأييد صفْـوة من رجال الأعمال السوريين، في مقابل معارضة سورية منقسِـمة عجزت عن السيطرة على مناطق بعيْـنها أو امتلاك وسائل عسكرية قادِرة على مواجهة الجيش السوري النظامي المزوَّد بدفاعات جوية متقدِّمة.

ثالثا: لم يكن لليبيا تلك الأهمية الجغرافية السياسية، التي يمكن لاستخدام الخيار العسكري فيها أن يؤثر سلْـبا على استقرار المنطقة، كما هو الحال في السيناريو الخاص بسوريا.

بعض الخبراء يطرحون بدائل أخرى للتدخّل الدولي عن طريق إقامة مناطق آمنة على الحدود السورية مع كل من تركيا والأردن، ثم توسيع تلك المناطق بمدِّها داخل الأراضي السورية، لتوفير الحماية للمدنيين ولنشاط المعارضة السورية. فهل يمكن لمثل ذلك التدخّل التأثير على الوضع في سوريا؟

السفير إدوارد جيريجيان: ينطبِـق على هذا الطرح تعبير “الحديث أسهَـل بكثير من التطبيق”، لأنه لكي يمكن إقامة مثل تلك المناطق الآمنة، سيتعين استخدام القوة المسلحة، وليس مجرّد نشْـر متطوِّعين من الصليب الأحمر الدولي أو الهلال الأحمر على الحدود. فإذا لم يوافق النظام السوري على ذلك الإنتشار، سيتعيَّـن فرْض إقامة تلك المناطق الآمنة، باستخدام وسائل عسكرية، وسيكون ذلك إيذانا ببدْء عمليات عسكرية واحتمال الدخول في حرب.

هناك بديل آخر طفا على السطح في الآونة الأخيرة، يقوم على أساس الشُّـروع في بذل جهود دبلوماسية لإقناع روسيا بممارسة ضغوط على حليفها بشار الأسد، لقبول ما أصبح يُـعرف “بالنموذج اليمني”، الذي ينطوي على خروج آمن للرئيس من السلطة وتسليمها إلى حكومة انتِقالية، تتألف من بعض أعضاء حكومة الأسد وشخصيات من المعارضة. فهل ترى في ذلك بديلا عمليا؟

السفير إدوارد جيريجيان: لا أستبعد مثل هذا الخيار في الحالة السورية، ولكني أنبِّـه لوجود فوارق بين النموذج الذي تمّ إتباعه لتسوية الأزمة اليمنية، وبين الحالة السورية. فبينما كان هناك قبول شعبي لنائب الرئيس اليمني ليكون المحاور الوسيط لإتمام عملية نقل السلطة، فإنه عندما تم تعيين فاروق الشرع، أحد نواب الرئيس السوري، للقيام بنفس الدور، لم يُكتب له القبول أو النجاح.

والأهم من ذلك، هو أنه من الصعب بمكان معرفة ما الذي يدور برأس الأسد، بل إن أحدا لا يستطيع التأكد من أنه يرغَـب بالفعل في نقل صلاحيات كبيرة إلى مُـحاور وسيط، كنائبه، للتفاوض من أجل نقْـل السلطة بشكل سِـلمي، أم أنه يرغب في أن يُـشرف بنفسه على الحوار السياسي مع المعارضة من البداية إلى النهاية، بل إن أحدا لا يعرف على وجه اليقين ما إذا كان الأسد راغبا أصلا في نقل السلطة وإنهاء حكمه لسوريا.

هل يُـمكن تفسير التردّد الأمريكي في العمل بحزم للخلاص من حُـكم الأسد على أنه تخوّف من أن يكون البديل استيلاء الإسلاميين على السلطة في سوريا؟

السفير إدوارد جيريجيان: هذا تفسير لا أساس له من الصحة على الإطلاق، ولا أعتقد أن للولايات المتحدة أجَـندة مُـختلفة تفضِّـل من خلالها بقاء بشار الأسد خِـشية من استيلاء الإخوان المسلمين مثلا على الحكم في سوريا، وأكبر دليل على عدم صحة ذلك التفسير، هو أن الربيع العربي في تونس ومصر، أسفَـر عن انتخابات حُـرة أتت بأغلبية من الإسلاميين وبأحزاب إسلامية قادِرة على التعايُـش مع أحزاب أخرى، علمانية وليبرالية، ولم تفضل واشنطن في الحالتيْـن بقاء مبارك أو بن علي، خوفا من أغلبية للإسلاميين في البرلمان أو وصولهم لسدّة الرئاسة.

ما هو السيناريو الذي تتوقّعه في الأسابيع القادمة بالنسبة للأزمة المتفاقِـمة في سوريا؟

السفير إدوارد جيريجيان: لا أخْـفيك أنني أشعُـر بقلق عميق، وأعتقد أن ما قاله الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون، صحيح تماما حين وصف الوضع بعد مذبحة الحولة، بأنه وصل إلى نقطة فاصلة. فإذا استمرت الأحداث الإنسانية الكارثية على النَّـسق الذي رأيناه في الأسبوع الماضي، سينزلق الموقف إلى وضع خارج تماما عن السيطرة يتعيَّـن على كل الأطراف العمل على تجنبه.

ولذلك، أعتقد أنه يجب على الولايات المتحدة خلال الأسابيع القادمة أن تستخدِم كل عضلاتها الدبلوماسية، بالتعاون مع القوى الدولية الأخرى، لإقناع روسيا باتخاذ موقِف يتّـسم بالمسؤولية إزاء ما يحدُث في سوريا، والمساعدة في العمل على نقل سِلمي للسلطة، حيث أن كل أسبوع سيمُـر دون تحقيق ذلك، سيُـسفِـر عن مزيد من المآسي واستمرار إزهاق أرواح المدنيين الأبرياء، مما سيدفع بسوريا إلى حرب أهلية.

جنيف (رويترز) – قالت مفوضة الأمم المتحدة السامية لحقوق الانسان نافي بيلاي يوم الجمعة 1 يونيو 2012 إن القوات السورية وميليشيات الشبيحة المتحالفة معها المتهمة بارتكاب مذبحة في الحولة ربما تكون معرضة للمحاكمة بتهمة ارتكاب جرائم ضد الإنسانية.

وخلال كلمة تليت بالنيابة عنها خلال جلسة خاصة لمجلس حقوق الانسان التابع للأمم المتحدة قالت بيلاي: “هذه الأعمال قد تصل الى حد كونها جرائم ضد الإنسانية وجرائم دولية وربما تعطي مؤشرا على نمط لهجمات منتشرة على نطاق واسع أو مُمنهجة ضد المدنيين ارتكبت في ظل حصانة من المحاسبة”. وأضافت بيلاي “أؤكد مجددا أن من يأمرون ويساعدون أو لا يمنعون الهجمات على المدنيين يتعرضون بصفتهم الفردية لمسؤولية جنائية عن أفعالهم”.

ومن جهتها، قالت مندوبة الولايات المتحدة لدى مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة إنها تأمل في اقتراب روسيا والولايات المتحدة من الإتفاق على العمل معا لوقف العنف في سوريا.

وقالت المندوبة الأمريكية إيلين تشامبرلين دوناهو لصحفيين خارج المجلس إنها تعتقد أن وزيرة الخارجية الأمريكية هيلاري كلينتون “ستجتمع مع وزير خارجيتهم مطلع الأسبوع ونأمل أن يكونوا على وشك الإنضمام إلينا لاستخدام الوسائل المتاحة لدينا معا للتأكد من عدم خروج هذا الصراع عن نطاق السيطرة”.

وفي بيروت، قال كوفي عنان المبعوث المشترك للجامعة العربية والامم المتحدة الى سوريا يوم الجمعة 1 يونيو إنه يشعر “بالإحباط ونفاد الصبر” بشأن استمرار العنف والقتل في سوريا وأضاف أنه يريد أن يشهد “تقدما أسرع نحو حل الأزمة”.

وقال عنان للصحفيين عقب محادثات في بيروت مع رئيس الوزراء اللبناني نجيب ميقاتي “أعتقد أنني ربما أكون أكثر إحباطا من أي منكم لأنني أخوض غمار الأمر”. وأضاف “أريد أن أرى الأمور تسير بسرعة أكبر”.

وفي سياق متصل، قالت لجنة تابعة للأمم المتحدة يوم الجمعة أيضا إن القوات السورية والميليشيات المتحالفة معها عذبت مدنيين من بينهم أطفال وأحدثت بهم عاهات مستديمة بناء على “أمر مباشر” من السلطات السورية.

وأدانت لجنة الأمم المتحدة لمكافحة التعذيب في بيان أصدرته في جنيف “الإستخدام الواسع للتعذيب والمعاملة القاسية للمحتجزين وللأفراد الذين يُشتبه بمشاركتهم في مظاهرات وللصحفيين ومدوني الإنترنت والمنشقين عن قوات الأمن ولأشخاص مصابين أو جرحى نساء وأطفالا”.

وعبّر أيضا خبراء اللجنة العشرة المستقلون عن قلقهم من مزاعم ضلوع المعارضة المسلحة بسوريا في عمليات تعذيب وإعدامات وخطف.

(المصدر: وكالة رويترز بتاريخ 1 يونيو 2012)

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية