مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

دمشق تصر على “الإصلاحات”.. والمعارضة تتحدث عن “استمرار في الكذب”

فيصل مقداد ، نائب وزير الخارجية السوري ورئيس الوفد السوري الى آلية الاستعراض الدوري الشامل أثناء عرض تقرير سوريا لحقوق الانسان يوم 07 أكتوبر 2011 UN Photo / Jean-Marc Ferré

استغلت سوريا تقديم تقريرها أمام آلية الاستعراض الدوري الشامل لتدافع عن " إصلاحاتها" ولكي تتهم دول الجوار وبعض القوى الغربية بدعم المنشقين عنها. كما اتهمت بعض وسائل الإعلام " بفبركة" بعض الانتهاكات وتضخيمها. لكن المعارضة السورية ترد على ذلك " بأنه كذب تعودنا عليه منذ عقود".

ومن خلال تدخلات حوالي 50 دولة  أثناء عملية الاستعراض التي احتضنها قصر الأمم المتحدة في جنيف صباح يوم الجمعة 7 أكتوبر 2011 ، وجدت سوريا من ساندها من دول نامية إضافة الى روسيا والصين  في المطالبة “بمزيد من الوقت لتحقيق الإصلاحات”، فيما هاجمتها دول غربية من بينها الولايات المتحدة التي طالبت “بتنحي السلطة القائمة حاليا”، وهو ما اثار ملاسنات وبعض المواجهات  الكلامية داخل مجلس حقوق الإنسان.

“تهديدات  وحرب إعلامية وتضليل وكذب”

لم يتردد نائب وزير الخارجية السوري ورئيس الوفد السوري لآلية الاستعراض الدوري الشامل فيصل مقداد في استعمال كل التعابير لوصف من يطالبون  من الشعب السوري بإسقاط النظام في سوريا “بالإرهابيين الذين يواجهون قوات حفظ النظام ويقومون باستنزاف مستمر لها بغرض إضعافها وحرف انتباهها عن مواجهة أعدائها الحقيقيين”.

كما اتهم ” بعض دول الجوار بتزويدهم بالأسلحة واستضافة قادتهم المتطرفين والقتلة في عواصمها وعلى موائدها ، وتقدم لهم الدعم المالي والمعنوي والإعلامي لممارسة جرائمهم” على حد قوله.     

 ولم تسلم من انتقادات الوفد السوري وسائل الإعلام التي قال عنها” أما المحطات التلفزيونية المأجورة فإنها تفبركما تشاء على مدار الساعة بحيث أصبحت تشكل بنادق للإيجار يحصل عليها من يدفع الثمن الأكبر”.

واستشهد رئيس الوفد السوري  بحالة ” الفتاة السورية زينب الحصني ” التي قال ان ” انها شغلت الراي العام العالمي طيلة شهر ونيف بعد ان ادعى الآلاف من المفبركين أن سلطات الأمن السورية قد قامت باعتقالها وقطع رأسها وتقطيع أوصالها وتسليمها لأهلها….والتي عادت بعد شهر أو أكثر للظهور لتروي قصتها الحقيقية وظلم إخوتها لها الأمر الذي أدى الى هربها الى دار أحد اقاربها” وهي القصة التي كان الوفد يود عرضها على أعضاء مجلس حقوق الإنسان من خلال شريط للتلفزيون السوري الرسمي.

“اعطونا وقتا لتحقيق الاصلاحات”..

رئيس الوفد السوري وأعضاؤه  دافعوا عن  الاصلاحات التي يقول الرئيس السوري بشار الأسد أنه ينوي إدخالها على نظامه. وقد عدد السيد  فيصل مقداد ” التعددية الحزبية بتقديم وثائق مؤخرا للترخيص بأكثر من خمسة عشر حزب سياسي جديد، وتنظيم انتخابات محلية في الثاني عشر ديسمبر القادم في إطار قانون الانتخابات الجديد، إضافة الى إصدار مراسيم بإلغاء العمل بقانون الطوارئ ، وإلغاء محكمة أمن الدولة العليا وإصدار ثلاثة مراسيم عفو عامة عن جميع المسجونين ما عدا المتهمين بالإرهاب والاتجار بالمخدرات والأسلحة والاغتصاب “.

وبخصوص الإصلاحات في المجال الإعلامي أوضح فيصل مقداد امام آلية الاستعراض الدوري الشامل” بأن القانون الجديد للإعلام يضمن حرية كاملة وشفافية مطلقة لأجهزة الإعلام بمختلف أشكالها” على حد قوله.

ويعترف نائب وزير الخارجية ” بانه صدر لأول مرة في سورية قانون الحق في التظاهر السلمي كحق من حقوق الإنسان”. كما اشار الى تعيين لجنة تحقيق قضائية قال عنها ” أ=نها مستقلة وتتمتع بأرفع معايير النزاهة للتحقيق في الأحداث التي أودت بحياة المواطنين السوريين مدنيين كانوا او عسكريين”.     

وقد اتهم نائب وزير الخارجية السوري أمام مجلس حقوق الإنسان  المعارضة بأنها هي التي  لم تستجب لنداءات الحوار قائلا ” جرى اجتماع تشاوري  حول الحوار الوطني وشاركت فيه جميع الأطياف السورية بغرض تنظيم  الحوار الوطني الشامل قريبا، لكن من كان يتذرع بأن سورية بحاجة الى مثل هذه الحوارات والى التشريعات التي صدرت لم يأبهوا لذلك وتابعوا أعمال العنف …”.

دعوة للتنحي تثير تلاسنا في المجلس

سوريا التي وجدت تعاطفا من بعض الدول العربية والدول النامية وجدت في روسيا أكبر مدافع عنها أمام آلية الاستعراض الدوري الشامل والتي طالب ممثلها بضرورة الدخول في حوار وطني متهما  المعارضة” بأنها لا تظهر اهتماما بذلك” والذي شجع السلطات على مواصلة الاصلاحات.

لكن العديد من الدول الغربية لم تتردد في استخدام عبارات قوية في وصف ما تقوم به السلطات من “انتهاكات في حق المتظاهرين المسالمين ” . وهذا ما ورد في تدخل بريطانيا التي طالبت السلطات السورية” بوقف فوري عمليات الاعدامات والاعتقالات التعسفية والتعذيب  والاختفاءات القسرية لآلاف المواطنين”.

فرنسا تحدثت من جهتها ” بكون سوريا قامت خلال الأشهر الأخيرة بفرض حالة رعب باللجوء الى الاختفاءات القسرية والاعتقالات التعسفية  بما في ذلك في مؤسسات الرعاية الصحية”. واشار الممثل الفرنسي الى “مقتل حوالي 3000 شخص واعتقال 10 آلاف شخص بما في ذلك النساء والأطفال وان حوالي 100 شخص توفوا تحت التعذيب”.  وبعد أن ذكر الممثل الفرنسي بما قالته المفوضة السامية لحقوق الإنسان في وقت سابق ” من أن بعض الانتهاكات قد ترقى الى مستوى جرائم ضد الانسانية”، ذكّر أيضا ” بأن سوريا رفضت استقبال لجنة تحقيق مفوضية حقوق الإنسان ولم ترد على طلب اللجنة التي أقرها  مجلس حقوق الإنسان في جلسة أغسطس الأخيرة”.

حتى سويسرا هي الأخرى ” عبرت عن الصدمة بالخصوص تجاه مستوى العنف الذي تستخدمه قوات الأمن منذ عدة أشهر”.  وقد تقدم الممثل السويسري بعشر توصيات نذكر منها ” الوقف الفوري للعنف ضد السكان المدنيين، وتقديم مرتكبي الانتهاكات للعدالة، والافراج الفوري عن المعتقلين،  والسماح لوسائل الاعلام المستقلة  والدبلوماسيين والموظفين الدوليين بالدخول للبلاد، وتقديم دعوة مفتوحة لكل  المقررين وذوي الولايات الخاصة”.

أما الولايات المتحدة الأمريكية فتدخلت أمام آلية الاستعراض بتوجيه ” أدانة قوية للحكومة السورية على الانتهاكات الخطيرة المرتكبة في مجال حقوق الإنسان  وفي حق حرية الراي والتعبير  وبخصوص العنف والقمع الذي تمارسه ضد المتظاهرين المسالمين”

وفي ردها  على ما جاء في تقرير الوفد السوري، قالت المندوبة الأمريكية “إن تقرير سوريا يشيد بالإنجازات في مجال حقوق الإنسان، ولكن قوات أمنه تتصرف منذ عقود بدون محاسبة وبتوجيه من ديكتاتوريين ذوي سلطة مطلقة ويحميهم نظام قضائي مسيس”.

وأضافت ممثلة الولايات المتحدة أن “السلطات التي فشلت في احترام إرادة شعبها ، ولا تعترف له حتى بأدنى الحقوق والتي تختار قيادته بالرعب والتخويف لا يمكن النظر لها على أنها شرعية وعليها ان تتنحى فورا”.

وهذه هي العبارة التي اثارت غضب الممثل الكوبي الذي اعترض على” استخدام هذه العبارات غير اللائقة في محفل كمجلس حقوق الإنسان”. أما رئيس الوفد السوري فرد على ذلك بقوله “إن ما تم من قبل الوفد الأمريكي هو رمز للديكتاتورية التي تمارسها الولايات المتحدة في العلاقات الدولية”.    

ونشير الى أن آلية الاستعراض الدوري الشامل استمعت  خلال الوقت المخصص لها أثناء استعراض تقرير سوريا الأول  الى حوالي 50 تدخلا من بين 65 مسجلا . وعلى مجموعة الترويكا المكونة من السعودية والمكسيك وجيبوتي أن تعد التقرير النهائي بالتوصيات التي قدمتها الدول قبل أن  تتم مناقشة التقرير النهائي لآلية الاستعراض الدوري الشامل في جلسة قادمة.

المعارضة السورية التي تابعت مناقشات تقرير سوريا أمام آلية الاستعراض الدوري الشامل  حاولت في اروقة المجلس تكثيف اتصالاتها مع الوفود ومع ممثلي المجتمع المدني ووسائل الإعلام بغرض تقديم وجهة نظرها خارج نطاق النقاش ارسمي نظرا لوكن منظمات المجتمع المدني لا يحق لها التدخل في الجلسة الرئيسية إلا من خلال التقرير الموازي المقدم سلفا.

وهكذا وصف المعارض السوري هيثم المالح في تصريح ل swissinfo.ch ما جاء على لسان رئيس الوفد السوري” النظام يكذب منذ مجيئه الى السلطة حتى الآن أي منذ أربعين عاما…”.

وعن انتقاد الود السوري للمعارضة بأنها هي التي رفضت الحوار قال السيد المالح” هذا النظام لا يعرف سوى لغة القوة والعنف ليس لديه أي منطق تحاوري او تفاوضي . أنا شخصيا حاولت أن اتحاور مع النظام منذ أحد عشر عاما عن طريق الرسائل والمقالات في وسائل الإعلام والرسائل الشخصية الى بشار الأسد. كما قابلت العديد من الوزراء والمسئولين الأمنيين. ولكن لم يتحقق أي شيء على ارض الواقع”.

وبخصوص الإصلاحات والحريات التي تحدث الوفد السوري عن توفيرها للمواطن،  قال السيد هيثم المالح” لدينا قوانين تبيح ارتكاب الجرائم مثل المادة 16 من المرسوم 14 لعام 1969 التي تُحصِّن عناصر الأمن إذا ارتكبوا جرائم من اقتيادهم الى القضاء وهو مرسوم سري غير منشور. ونفس الشيء بالنسبة للقانون 49 الذي يبيح إعدام الأخوة المسلمين الصادر في عام 1980. وقد طالبت الرئيس والدولة عدة مرات بإلغاء هذه القوانين المنافسة لحقوق الإنسان ولكن السلطة لم تستجب لذلك لحد اليوم “.

وعن رفع حالة الطوارئ التي تم الاعلان عنها قال السيد المالح” الرئيس رفع حالة الطوارئ لعام 1963 إلا أنه استعاض عنها بالمرسوم التشريعي رقم 55 الذي  عدل المادة 17 الخاصة بالمحاكمة الجزائية  التي سحبت البساط من تحت النيابة العامة وقضاة التحقيق وأعطت التحقيق فيما يسمى بجرائم أمن الدولة  الى جهاز وزارة الداخلية وأصبح الأن من حق أي شرطي أن يطرق الباب على أي شخص وأن يقوده الى السجن بدن اية موافقة قضائية”

واختتم السيد المالح” هذا ليس إصلاحات بل دجل ونفاق وكذب على الداخل وعلى الخارج”.

المعارض السوري المقيم في سويسرا والذي تعرض لمضايقات من قبل أنصار النظام في وقت سابق لتزعمه لتجمع الياسمين  الذي سهر على تنظيم عدة مظاهرات في جنيف وفي سويسرا ضد النظام السوري، يرى  أن ما تم في استعراض تقرير سوريا ” هو شيء يخجل له المرء… وما قدمه نائب الوزير هو ملف لا يخدع أحدا وملف مهين بالنسبة للشعب السوري لأن الشعب السوري يعرف جديا ما يعيشه ونحن هنا نعرف ما يعيشه الشعب السوري. و ناسف لسماع ذلك ولو أننا لم نكن نتوقع سماع شيء آخر غير ذلك”.

المعارض السوري  الذي تعرضت سيارته لتحطيم وسرقت منه بعض المواد والوثائق الإعلامية التي كان ينوي تقديمها أمام مجلس حقوق الإنسان في دورته السابقة قال ” إن نائب الوزير الذي يتحدى من يثبت أنه كان هناك قصف مدفعي ضد المدن، هذا ما جمعته من وثائق من مراسلينا في الداخل لإثبات ذلك وكنت أنوي مواجهته به “.

وأضاف السيد شادي” إننا اليوم نعيش وقتا خطيرا جدا بالنسبة للمعارضة سواء بالداخل او بالخارج” ودعا السلطات السويسرية الى ” طرد السفير السوري والسيدة التي تتولى منصب القنصل  بالبعثة السورية في جنيف”.

وانتهى السيد شادي امانة الى أن تجمع الياسمين أصبح الوم جمعية وهو بذلك سيتولى جمع المعونات والدعم المقدم للشعب السوري في مواجهاته الحالية. ووجه نداء للعرب المقيمين في سويسرا وللشعب السويسري للإسهام في ذلك.

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية