مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

دوربان 2: خطوة أولى باتجاه إنقاذ الإجتماع التحضيري في جنيف

يوم 31 أغسطس 2001، رفع آلاف الأشخاص من منظمات مختلفة لافتات ضد العنصرية والتمييز في شوارع مدينة دوربان بجنوب افريقيا بمناسبة افتتاح المؤتمر الدولي ضد العنصرية AFP

توصـّلت الدول الأعضاء في المؤتمر التحضيري لمراجعة برنامج عمل وإعلان دوربان لمناهضة العنصرية، بمسودة مشروع وثيقة عمل، تعتبر حلا توفيقيا قد يجنب المؤتمر تهديدات المقاطعة التي أطلقتها عدة بلدان غربية الى جانب إسرائيل.

لكن الدول الأعضاء لم تُعرب بعدُ عن مواقفها إزاء مشروع الوثيقة، الذي وصفته المفوضية السامية لحقوق الإنسان بـ “نقطة تحول هامة”… في انتظار رد العواصم.

ويمكن القول أن الجهات الساهرة على تحضير مؤتمر مراجعة مقررات مؤتمر دوربان الخاص بمناهضة كل أوجه العنصرية، قد تنفّـست الصعداء يوم الثلاثاء 17 مارس الجاري، بعد توصّـل يوري بويشينكو، رئيس لجنة التفاوض الروسي، إلى إعادة صياغة النصّ الأولي، الذي جاء في 45 صفحة في نص جديد مختصر يتألف من 17 صفحة.

ولا تتمثل المهارة فقط في تقصير حجم النص الأول، الذي وصفه البعض بـ “نص اشتمل على كل ما هبّ ودبّ”، بل في حذف المسائل التي كانت “مبعث قلق” بالنسبة للبعض وبمثابة “خط أحمر” لا يمكن التنازل عنه، بالنسبة للبعض الآخر.

ويشكل التوصل إلى هذا الاختراق قبل شهر فقط من التئام المؤتمر، المُـزمع عقده في جنيف من 20 إلى 24 أبريل القادم، وسيلة ضغط إضافية، تدفع العواصم المعنية إلى التعجيل باتخاذ موقف نهائي مما هو معروض في هذه الوثيقة. في المقابل، صرحت السيدة نافانيتيم بيلاي، المفوضة السامية لحقوق الإنسان، بأن ذلك “يشكل نقطة تحول هامة” في طريق التحضير لمؤتمر المراجعة.

حماية الأقليات الدينية.. “حدّ من حرية التعبير”!

من النقاط التي كثُـر حولها الجدل بين المجموعة الغربية ومجموعة البلدان العربية وبلدان منظمة المؤتمر الإسلامي، الفقرة الواردة في النص الأولي، والتي ترغب في التنديد بالمساس بالأقليات العرقية واللـّغوية والدينية، وهي الفقرة التي تعبر عن “القلق لتكاثر العنف العنصري والمعادي للأجانب، المستهدف للأقليات العرقية والدّينية والثقافية والأقليات الوطنية”، وتطالب تبعا لذلك بحماية هذه الأقليات.

وتذهب هذه الفقرة إلى حدّ اعتبار أن “الظاهرة الأكثر إثارة للقلق، هي التزكية الثقافية والإيديولوجية للمعاداة للإسلام، التي عندما تجد تعبيرا ضد المهاجرين تتّـخذ طابعا دينيا – عِـرقيا، وعندما تجد تعبيرا للمساس بالأديان، تتستر وراء حرية التعبير، وعندما تجد تعبيرا لاستهداف (فئة معينة)، تختبئ وراء محاربة الإرهاب. إن الاعتقاد في وجود علاقة بين الإرهاب والعُـنف مع الدِّين الإسلامي أو أي دين آخر، بما في ذلك عبر نشر رسوم كاريكاتورية أو منشورات تحرّض على الكراهية، قد يعمل على تعقيد طريقة تصرّفنا المشترك لمواجهة القضايا المعاصرة، بما في ذلك محاربة الإرهاب ومحاربة احتلال الأراضي والشعوب الأجنبية”.

هذا النص المقترح من الدول العربية والإسلامية، حاربته الدول الغربية بضراوة على أساس أنه يسعى إلى “الحد من حرية التعبير تحت غطاء حماية الدين”، كما علّلت الدول الغربية معارضتها بالتشديد على أن “المواثيق الدولية تحمي الأشخاص، وليس الأديان”.

ويقترح رئيس لجنة الصياغة استبدال العبارة في النص الجديد بما يلي: “الإعتراف بقلق كبير بالتشهير السلبي بالأديان والتفاقم الكبير في عدد حالات العنف وعدم التسامح العِـرقي أو الدّيني، بما في ذلك المعاداة للإسلام وللسامية وللمسيحية وللعرب”.

وفي فقرة أخرى، يضيف النص “يعبر المؤتمر عن قلقه لتكاثر التحريض على الكراهية في السنوات الأخيرة، والتي استهدفت ومسّـت بشكل كبير الطوائف العِـرقية والدينية وأشخاصا ينتمون الى أقليات عرقية ودينية، سواء عبر استعمال وسائل إعلام مكتوبة ومرئية ومسموعة أو أي وسائل أخرى صادرة عن مصادر مختلفة”.

كما أضيفت فقرة أخرى جاء فيها “يشدد (المؤتمر) على التطبيق الفعلي، وذلك بكل الوسائل التشريعية والسياسية والقضائية، للحظر المفروض على التحريض على الكراهية الوطنية والعرقية والدينية، التي تعتبر تحريضا على التمييز والعداء والعنف”.

ولئن لم تُـعلن الدول بعدُ عن مواقفها من هذا النص الجديد، إلا أن الإتصالات الأولية التي أجرتها سويس انفو، مع عدد من ممثلي بعض الدول الإسلامية، تترك انطباعا يمكن تلخيصه في أن “هذا النص لا يعكس مطالب الدول الإسلامية”.

وفيما يتعلق بالإنتقادات الصادرة عن بعض الدول الغربية استنادا إلى أن “القوانين تحمي الأشخاص، وليس الأديان”، ردّ سفير إحدى الدول الإسلامية بالقول: “نحن لا نطالب إلا بحماية الأقليات المسلمة. وعندما نشير إلى الأقليات، فإننا نتحدث عن أفراد، وليس عن الدين الإسلامي”.

حذف الإشارة إلى إسرائيل

النقطة الثانية التي جعلت منها دول غربية “خطا أحمر” لا يمكن تجاوزه هي إشارة النص المقترح لإسرائيل، والتي أدت في مرحلة أولية إلى إعلان كل من إسرائيل وكندا عن الانسحاب من المؤتمر، وتعبير الولايات المتحدة عن تردّدها في المشاركة، وإعلان إيطاليا مؤخرا، في خطوة مفاجئة، عن انسحابها بدون استشارة شركائها الأوروبيين.

النص الأولي تضمن في فقرة مخصصة للشـّرق الأوسط تعبيرا عن “القلق الكبير للمُمارسات العنصرية المطبقة ضد الشعب الفلسطيني، وكذلك ضد سكان مرتفعات الجولان السوري المحتل وباقي سكان الأراضي العربية المحتلة (…)”. كما أشار إلى “التذكير بحق الشعب الفلسطيني غير القابل للتصرف في تقرير مصيره، وأنه في إطار تعزيز الاحتلال الإسرائيلي، يتعرض لعقاب جماعي غير شرعي وللتعذيب والحصار الاقتصادي، وللحد من حرية التنقل ولعمليات الإغلاق التعسفية لأراضيه. كما يسجل بقلق، بأن بناء المستوطنات غير الشرعية متواصل في الأراضي العربية المحتلة منذ عام 1967”.

وفي فقرة ثالثة أشار النص الأولي، بعد التذكير بأن كل ذلك يخالف القوانين الدولية وميثاق الأمم المتحدة، إلى “أن ذلك يشكل انتهاكا جديا لحقوق الإنسان وللقانون الإنساني الدولي ويشكل جريمة ضد الإنسانية، وشكلا من أشكال التمييز العنصري وتهديدا كبيرا للسلام والأمن العالميين (…)”. كما خصص فقرتين لموضوع اللاجئين الفلسطينيين واللاجئين من أراض عربية أخرى والمرحلين وحقهم في العودة بموجب قرارات الأمم المتحدة والعراقيل التي يتعرضون لها، والتذكير بمسؤولية المجموعة الدولية في ذلك. وكان من المفترض أيضا أن تضاف فقرة خاصة بأحداث غزة الأخيرة.

لكن النص الجديد تخلى عن الإشارة كلية لموضوع الشرق الأوسط باستثناء “التذكير بأنه لا يجب تناسي المحرقة (الهولوكوست)، والمطالبة في هذا الإطار كل الدول الأعضاء بتطبيق قراري الجمعية العامة 60/7 و 61/255”.

ويبدو أن هذا التغيير جاء حصيلة للوساطة التي قامت بها 3 دول هي النرويج ومصر وبلجيكا، إلى جانب الرئيس الروسي للفريق المسؤول عن صياغة البيان النهائي، بهدف الحيلولة دون تنفيذ دول الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة لتهديدها بعدم المشاركة في مؤتمر المراجعة المقبل في جنيف.

لكن هذا الموقف الجديد واجهته إسرائيل برفض النص المنقح، وطالبت يوم 19 مارس بمواصلة التمسك بموقف المقاطعة لمؤتمر مراجعة دوربان حيث أوضحت مصالح الخارجية الإسرائيلية، بأن النص المنقح لم يُدخل “إلا تعديلات تزيينية”، واعتبرته مجرد “مناورة دبلوماسية”.

المزيد

المزيد

اللجنة الفدرالية لمناهضة العنصرية

تم نشر هذا المحتوى على تأسست اللجنة الفدرالية لمناهضة العنصرية في عام 1995، وهي تعبير ملموس عن التزام الحكومة الفدرالية لفائدة مكافحة العنصرية ومعاداة السامية وكراهية الأجانب والتطرف اليميني.تتمثل مهمة اللجنة في مكافحة جميع أشكال التمييز العنصري المباشر وغير المباشر مع منح أهمية خاصة للوقاية. ومن بين أهدافها الترويج لتفاهم أفضل بين الأشخاص من أعراق وألوان وإثنيات وقوميات وديانات مختلفة.من…

طالع المزيداللجنة الفدرالية لمناهضة العنصرية

سحب الإشارة إلى التمييز بسبب التوجه الجنسي

من النقاط التي اقترحتها الدول الغربية في النص الأولي وحاربتها الدول الإسلامية والعربية إلى جانب الفاتيكان، مسألة التمييز القائم على أساس التوجه الجنسي، بحيث خصص النص الأولي فقرة تشير إلى “إدانة كل أوجه التمييز وكل انتهاكات حقوق الإنسان، القائمة على أساس التوجه الجنسي”، وهو ما تخلّـى عنه النص المنقح نهائيا، فيما يعتبر تنازلا لترضية الدول الإسلامية والفاتيكان.

ضحايا الرق.. الخاسر الأكبر

إذا كان المعنيون بالأمر مباشرة، أي الأفارقة أو المنحدرون من أصول إفريقية، قد حصلوا في النص الأولي على فقرة تشير حرفيا إلى “مطالبة الدول التي لم تدن لحد الآن أو لم تعتذر أو لم تقدم تعويضات عن الانتهاكات الجسيمة وعن المعاناة الإنسانية الكبرى التي تسببت فيها عملية الاسترقاق والمتاجرة بالرق والمتاجرة بالعبيد، العابرة للمحيطات، وسياسة التمييز العنصري والاستعمار وحروب الإبادة، أن تقوم بذلك في أقرب وقت”، فإنهم سيكتفون في الإقتراح الأخير بنص مقتضب يشير إلى “الترحيب بالإجراءات المتخذة، لتزكية أرواح ضحايا الرق والمتاجرة بالعبيد، وبالأخص المتاجرة بالعبيد العابرة للمحيطات، وسياسة التمييز العنصري والاستعمار وحروب الإبادة”.

وفي مقابل فرض تقديم تعويضات إلى هؤلاء الضحايا، سيتم الاكتفاء بـ “أخذ عِـلم بالإجراءات التي اتخذتها الدول التي أبدت ندما بالنسبة لهذه المآسي الماضية، وعرضت تقديم اعتذار أو استعادة الإرث الثقافي (للضحايا) منذ اعتماد إعلان دوربان وبرنامج العمل، ومطالبة الدول التي لم تقم لحد الآن بإعادة كرامة الضحايا، بأن تجد السبل الملائمة للقيام بذلك”.

إجمالا يمكن القول أن الزوبعة التي أثيرت في الأشهر الماضية حول قضايا قد تبدو جانبية، صرفت الأنظار عما هو أساسي، أي ردّ الإعتبار إلى عشرات الملايين من البشر الذين كانوا ضحايا الرق والعبودية والإستعمار والتمييز العنصري، في أهم محفل يخصص لهم من طرف الأمم المتحدة.

ويذهب مراقبون إلى أن هذه “الزوبعة” وفرت للدول المسؤولة بشكل مباشر عن تلك المآسي فرصة للتهرب من تمكين الضحايا من انتزاع الإعتراف بمعاناتهم، وبالأخص انتزاع حق الحصول على التعويضات المشروعة.

سويس إنفو – محمد شريف – جنيف

من تابع الجدل الذي أثير حول طرح موضوع الشرق الأوسط في مؤتمر مراجعة مقررات مؤتمر دوربان، ويكتشف أنه تم سحبه اليوم بعد إعلان إسرائيل وكندا عن الامتناع عن المشاركة، وتهديد إيطاليا والولايات المتحدة، بل جميع دول الاتحاد الأوروبي بالمقاطعة، يتساءل: هل كان من المجدي طرح الموضوع أساسا وتكرار الأخطاء التي حدثت في مؤتمر دوربان الأول في سبتمبر 2001؟

ذلك أن ما تم في مؤتمر دوربان، كان بمثابة تقديم هدية قيمة لدول عملت على التملص من مسؤولياتها التاريخية تجاه ما ارتكبته في حق الأفارقة والمنحدرين من أصول افريقية، في أول مؤتمر يخصص لمناقشة هذه المأساة ومحاولة التوصل إلى اعتراف معنوي للضحايا، ولم لا تمكينهم من الحصول على تعويضات مادية.

وكانت سويس انفو قد نشرت في صيف 2001 تقريرا جاء فيه: “لو أتقن العرب والمسلمون فن التكتيك وسحبوا النقطة الخاصة بموضوع الشرق الأوسط في دوربان الأولى، تضامنا مع الأفارقة والمنحدرين من أصول افريقية، لضربوا عصفورين بحجر واحد: وضع الدول المتورطة في تجارة الرقيق في وضعية حرجة وعدم تبرير الانسحاب والمقاطعة والتهديد بالمقاطعة من جهة، والحصول على دعم عارم، من جهة أخرى من الأفارقة، عندما يتم طرح موضوع الشرق الأوسط العادل بالشكل المناسب في محفل أممي آخر”.

ومن المثير للإستغراب الشديد، أن أحد ممثلي المنظمات غير الحكومية الذي شارك في مؤتمر دوربان عام 2001، صرح هذا الأسبوع لسويس انفو أن “هذا الاقتراح تـم في كواليس تجمع منظمات المجتمع المدني في المؤتمر البديل في دوربان، على أساس سحب موضوع الشرق الأوسط مقابل القيام بحملة عارمة لدعوة الجمعية العامة لتنظيم مؤتمر لحل مشكلة الصراع الفلسطيني الإسرائيلي”.

والآن يبدو أن ما لم يتم قبوله في دوربان الأولى، سيُقبل به اليوم، ولكن بدون التخطيط المحكم وبدون التوقيت الضروري وبدون الإستثمار الجيد لذلك…!

دوربان: في سبتمبر2001عقدت الأمم المتحدة مؤتمرا دوليا لمناهضة العنصرية؟

إسرائيل: عرف المؤتمر تنظيم مظاهرات طالبت بتحطيم إسرائيل وسمح بإصدار بيان لمنظمات المجتمع المدني اعتبرت بأنها معادية للسامية.

الإجماع: تجنب المؤتمر في آخر لحظة نهاية فاشلة باعتماد بيان ختامي وبرنامج عمل بالإجماع ارتاحت له حتى إسرائيل التي امتنعت الى جانب الولايات المتحدة الأمريكية عن المشاركة.

المتابعة: كالعادة بالنسبة لمؤتمرات الأمم المتحدة، سيعرف مؤتمر دوربان تنظيم مؤتمر مراجعة، مهمته تقييم مدى تطبيق القرارات التي تم الاتفاق عليها في مؤتمر 2001.

جنيف: مؤتمر المراجعة سيتم تنظيمه في جنيف ما بين 20 و 24 أبريل 2009. وبعد التعقيدات الي عرفتها مرحلة الإعداد لمؤتمر المراجعة توصل رئيس لجنة صياغة البيان النهائي الى تقريب وجهات النظر واقتراح مشروع بيان وسط أعربت جل المجموعات الإقليمية عن مساندته بما في ذلك المجموعة الغربية.

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية