مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

ألعابٌ أولمبية قد تستحق وصفها بـ “المثالية”

انهيار هذا المسرب للدراجات الهوائية في المنطقة الجنوبية لمدينة ريو دي جانيرو الذي أودى بحياة شخصين وأثار القلق بشأن البنية التحتية للأولمبيات.. Keystone

بعد أيام معدودة، ستشهد مدينة ريو دي جانيرو افتتاح الألعاب الأولمبية الصيفية، في وقت تُخيم فيه أجواء من التشاؤم والأزمات على البرازيل. مع ذلك، فإن الكثير من السويسريين، رياضيين أو مهاجرين إلى البرازيل منذ فترة طويلة، متفائلون بهذا الحدث وببعض التحسينات التي ستنجم عنه. 

على الرغم من اقتراب موعد حفل الإفتتاح، لا يزال المناخ في ريو دي جانيرو بعيداً عن الأمن والمساواة المثاليين اللذين نادى بهما البارون بيار دو كوبرتان. ولا يزال الجو كئيباً إلى حد ما.

بالفعل، تعيش البرازيل إحدى أسوإ الأزمات الإقتصادية التي شهدتها في القرن الأخير، حيث تعاني من ركود اقتصادي للعام الثالث على التوالي. ومما يزيد الأمر سوءاً انتشار الفيروسات، التي تطلق عليها السلطات اسم “ثلاثية الأوبئة” [زيكا وحمى الضنك وتشيكونغونيا]، في مناطق كانت إلى ذلك الحين بمنأى عنها. فيما يتعين على المرضى أن يلجؤوا إلى نظام صحي على حافة الهاوية.

وليست الألعاب الأولمبية بمنأى عن نذير الشؤم هذا. حيث تسببت أمواج بحرية كبيرة، في 21 أبريل الماضي، في هدم ممرّ خاص بالدراجات الهوائية يربط بين منحدرين، ما أدى لمقتل شخصين. ويقع الممرّ بالقرب من الطريق الذي ستجري عليها مسابقات الدراجات الهوائية، مما جعل البنية التحتية رمزاً للشكوك المتعلقة بهذا الحدث البالغ الأهمية.

عندما تتحول المشاكل إلى مزايا

في الأثناء، يقول كريستوفر غافني: “سيتعرف الناس على مجتمع متنازع ومن دون هدف، لكن الألعاب الأولمبية ستحقق نجاحاً من ناحية التنظيم. ففي الواقع، ستقوم حكومة ريو دي جانيرو بتعطيل الحياة الإعتيادية، أي ستتوقف المدارس والأعمال والإدارات الحكومية والبنوك… إلخ. وبذلك ستبدو المدينة للسائحين وكأنها على أحسن ما يرام”.

كريستوفر، القادم من تكساس والباحث في جامعة زيورخ والذي عاش لمدة ست سنوات في مدينة ريو دي جانيرو حيث درَّس في إحدى جامعاتها، يرى أنَّ الألعاب الأولمبية ستصطدم بالصعوبات السياسية والإقتصادية. ونوّه الأستاذ الجامعي أيضاً إلى أنَّ “الثقافة الأولمبية ليست شائعة في البرازيل في ظل غياب تام لأي سياسة عامة تحفز الناس على ممارسة الرياضات الأولمبية”.

ولكن عندما وقع الاختيار على ريو دي جانيرو في 2 أكتوبر 2009 لاستضافة الألعاب الأولمبية، متقدمة بذلك على مدن مثل طوكيو ومدريد وشيكاغو، كان الوضع مختلفاً تماماً. ففي ذلك الحين كانت نسبة الرضى عن الحكومة البرازيلية تصل إلى 80% وفرص العمل متوفرة بكثرة وكان الإقتصاد مزدهراً. إذاً، كانت العاصمة السابقة للبرازيل مُهيأة سلفاً لتنظيم هذا الحدث. وحلّل الصحفي السويسري رويدي لوتولد، المُقيم في ريو دي جانيرو منذ عدة سنوات قائلاً: “كانت المدينة قد فقدت حقها بالحفاظ على لقب العاصمة وشهدت انتقال الإقتصاد إلى ساو باولو والسياسة إلى برازيليا. فكانت المدينة كالأميرة النائمة التي تحتاج إلى أمل جديد يُعيد إليها الحياة”.

بدوره، يرى ايدواردو بايس، عمدة ريو دي جانيرو، أنَّ اختيار اللجنة الأولمبية العالمية للمدينة لم يكن بمحض الصدفة، حيث قال خلال لقاء له مع swissinfo.ch: “إن نقطة قوتنا لا تكمن في محاسننا، بل في مشاكلنا. فقد استخدمنا تلك المشاكل لنقول إنَّه إذا كانت الألعاب الأولمبية مرادفة للتغيير، فيجب اختيار ريو دي جانيرو وليس طوكيو أو مدريد أو شيكاغو، فتلك المدن تمتلك مُسبقاً كل شيء”. ثم قدّم تقييماً إيجابيا قبل الإفتتاح بعدة أيام قائلا: “لم يكن الأمر سهلاً، لكنني الآن أستطيع أن أقول أنَّ لدينا نموذجاً مُبتكَراً استخدمنا فيه الكثير من رؤوس الأموال الخاصة ومبلغاً هائلاً من التبرعات. ولدينا ملاعب بسيطة جداً”.

أصداءُ إيجابية

يُشاطر اللاعبون، الذين قَدِموا للتدرُّب في المدينة قبل انطلاق الألعاب، هذا الرأي. ففي ديودورو، وهو حي يقع غرب المدينة، شارك بعض الرياضيين بمباراة في المركز الوطني لرياضة الرّماية خلال النصف الثاني من شهر أبريل 2016. وكانت عبارة عن مباراة تجريبية من ضمن 44 حدث تجريبي آخر مرتبط بالألعاب الأولمبية لعام 2016. وصرَّح سيمون بيلير، العضو في فريق الرماية السويسري قائلاً: “كل شيء عصري جداً تماماً كما ألِفناه في المباريات الأخرى”. ويعتبر هذا السويسري البالغ من العمر 33 سنة، والمُتخصص بالأسلحة ذات العيار الخفيف، أنَّ التوقعات في مجال التنظيم، وبالأخص في مجال الأمن “قد تحققت بالفعل”.

واستطرد قائلاً: “منذ الوصول إلى المطار، قامت السلطات بالتحقق من أرقام الأسلحة، وفي مركز الرماية كانوا يحتفظون بالأسلحة في مكان مُقفل ولا أحد يستطيع الوصول إليها دون إذن”. كما أنَّ الدخول إلى المُجمَّع الرياضي، الموجود في منطقة عسكرية، كان مُراقباً من قِبل جنود مسلحين ودبابتين خلال الأيام العشرة التي استمر فيها هذا الحدث الذي شارك فيه 660 رياضياً قادمين من 88 دولة.

وفي نهاية المباريات، صادق الاتحاد الوطني لرياضة الرماية على اعتماد المُجمَّع مطالباً بإدخال بعض الإصلاحات البسيطة. كما أبدت آنيك مارغي، العضوة في المنتخب السويسري، رضاها عن النتائج معتبرةً أنَّ العوامل الخارجية هي وحدها التي يُمكنها أن تُعيق نجاح الألعاب الأولمبية. وأردفت هذه الرياضيّة، البالغة من العمر 34 سنة: “كان كل شيء على ما يُرام واستطعت أن أستشعر ما ستكون عليه الأمور في أغسطس القادم. لكن من ناحية أخرى، يُشكِّل الازدحام مُشكلة حقيقية. ففي أحد الأيام استغرق معي الطريق للوصول إلى المُجمع 50 دقيقة، وفي يوم آخر استغرقت نفس المسافة ساعتين كاملتين”.

أبدى سيمون بيلير، العضو في فريق الرماية السويسري، إعجابه بالمباريات التجريبية التي جرت في شهر أبريل 2016 في موقع الألعاب الأولمبية القادمة. swissinfo.ch

ألعاب أولمبية مِثاليّة؟

بالنسبة للمُراقبين، يُمكن لألعاب ريو الأولمبية لعام 2016 أن تُسجَّلَ في التاريخ على أنها ألعاب أولمبية مثالية. حيث أكّدَ السويسري كريستوف فوتاي، نائب القُنصل العام، قائلاً: “في وقتنا الراهن، يُولى مشروع تطوير المدن أهمية أكبر من الإستثمارات الطائلة المُخصّصة للقيام بتجهيزات رياضية لا تُستخدم فيما بعد. إنَّ ترشيح ريو دي جانيرو هو مثال جيد، لأن ثُلُثي التجهيزات الرياضية كانت موجودة وصالحة للإستعمال أصلاً. وبذلك كانت الإستثمارات أقل من تلك التي كانت تُخَصًّص للألعاب الأولمبية التي أُقيمت في أماكن أُخرى. فكان حجر الأساس للمشروع الأولمبي هو التحسينات العمرانية التي لم تطرأ على مدينة ريو دي جانيرو منذ عشرات السنين”.

إنَّ طموحات المُنظمين كبيرة، حيث يُقَدَّر عدد الذين سيحضرون الألعاب الأولمبية والبارالمبية (أي الألعاب الأولمبية للمُعاقين) بـحوالي 800000 سائح. كما سيُشارك في هذه البطولة 15000 رياضي يتوزعون على 206 وفدا، بالإضافة إلى 3200 حَكَم. وسيضمن اهتمام وسائل الإعلام مُشاركة 30000 صحفي على الأقل لتغطية الحدث الدولي.

وبالرغم من مشكلات البلد، أعرب الكثير من السويسريين المُقيمين في ريو دي جانيرو عن قناعتهم بأنها المدينة الأفضل لاستضافة الألعاب الأولمبية. وهذا ما أسلفه الفنان السويسري فالتر ريدفيغ المُقيم في المدينة منذ عام 1998، حيث قال: “الحياة في هذه المدينة تدور في الشارع، تصل إلى هنا بنقود أو دون نقود فإن أردت إنفاق الكثير من المال، فبإمكانك فعل ذلك وستستمتع وإن أردت إنفاق القليل فستستمتع أيضاً. فهذه المدينة أشبه بمُختبر اجتماعي، قد يكون الأكبر في العالم، يتمتع بخاصية لا توجد في مجتمع آخر، تتلخص برؤية جميع الطبقات الإجتماعية مُختلطة بشدة ومنذ أمد بعيد”.


هل تعتقدون أن تنظيم أحداث رياضية كبيرة يمكن أن يبعث نَفَساً جديداً في الدول التي تواجه صعوبات؟ لا تترددوا بالمُشاركة بآرائكم.

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية