مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

دولة الكويت وتحديات قديمة .. جديدة

تولى الشيخ سعد العبد الله الصباح إمارة دولة الكويت خلفا للأمير الراحل الشيخ جابر الأحمد الصباح الذي توفي يوم 15 يناير 2006 Keystone Archive

في الكويت، خلف ولى العهد الشيخ سعد العبد الله أمير البلاد الراحل الشيخ جابر الصباح فى سدة الحكم.

وفيما اعتبر ذلك مؤشرا على سلاسة انتقال السلطة في الإمارة الخليجية، يرى مراقبون أن الأمير الجديد سيواجه مجددا العديد من التحديات الإقليمية.

لم يكن مفاجئا لمن يعرفون التقاليد العربية أن يخلف ولى العهد الشيخ سعد العبد الله أمير البلاد الراحل الشيخ جابر الصباح فى سدة الحكم، أيا كان الوضع الصحى، فإلى جانب تلك التقاليد التى تحافظ على التوازنات العائلية، لاسيما بين فرعى السالم والجابر فى حالة الكويت، وهما اللذان يتداولان منصبى الأمير وولى العهد تباعا.

وهناك أيضا استحقاقات الدستور المعمول به منذ 1962 وقانون توارث الحكم فى الدولة اللذان يحتمان ذلك.

فالدستور ينص على ان الكويت إمارة وراثية يتوارثها أحفاد الأمير مبارك الكبير الذى حكم البلاد من عام 1896 إلى 1915، وعادة ما يخلف الأمير ولى عهده الذى يكون عادة من الفرع الآخر. فضلا عن الحرص العام على نقل يسير وسلس للسلطة فى أسرع وقت ممكن تأكيدا لتضامن الحكم من قمته إلى قاعدته فى لحظة حرجة، لاسيما وأن الأزمات الإقليمية وتداعياتها المرغوبة وغير المرغوبة معا لا تنتظر إذنا، بل تفرض نفسها فرضا.

سوابق خليجية

وحسب السوابق العربية الخليجية أيضا يمكن القول أن عهد الكويت الجديد لن يختلف كثيرا عن عهد سابقه، فالأمير الجديد لم يكن بعيدا عن القرارات الكبرى او الاستراتيجيات التى اتبعتها البلاد فى العقدين الماضيين، فكلاهما، الأمير الراحل والأمير الجديد، يتحمل نصيبه منها.

فإذا كان الأمير الراحل جابر الصباح يمثل للكويتيين بطلا لتحرير بلادهم من الغزو العراقى الصدامى قبل عقد ونصف، فإن ولى عهده يمثل فى الآن نفسه رمزا للتعمير ونسج مجموعة من الروابط الأمنية مع القوى الكبرى لردع أى عدوان وتشكيل درع حماية يلمسه الدانى والقاصى معا.

وكلاهما معا أدارا دفة الحكم بقدر عال من التنسيق والتوافق والتفهم لطبيعة الازمات والقضايا التى فرضت نفسها فرضا على البلاد سواء الامنية والسياسية والاجتماعية، مما شكل فى حينه ولا يزال تداعيات ما بعد الغزو والتحرير والتعمير والمشاركة فى إسقاط نظام صدام حسين بعد عقد من التحرير.

لكن استدراكا مهما يجب قوله فإن الُُخطى مهما توافقت فى زمن ولاية العهد، فليست بالضرورة هى نفسها التى ستشكل المسيرة زمن تولى سدة الإمارة. فهناك بصمة ذاتية يمكن ترجيحها ولو بعد حين للأمير الجديد، وهى بصمة لا تعنى خلافا عن الثوابت أو انتقاصا منها او تعديلها جذريا، بقدر ما هى بصمة تعنى التميز فى الإدارة سواء للأمور العادية أو فى مواجهة أزمات قد تفرض نفسها بحكم تطورات الداخل أو الخارج.

ثوابت كويتية

فمن الثوابت أن الكويت بلد صغير فى محيط إقليمى يموج بثلاث قوى كبرى فى المساحة والموارد والسكان والأدوار الإقليمية والعالمية، مما يفرض سياسة التواصل المتوازن بين هؤلاء الكبار دون ميل مخل أو حياد بارد.

كما ان من الثوابت ايضا وجود ثروة نفطية تمثل عشر الاحتياطى العالمى المؤكد، بما فى ذلك من أعباء دور اقتصادى عالمى لا يمكن تجاهله لأى سبب كان، ولكنه يفرض التواصل الحكيم مع المؤسسات الدولية ذات الصلة، وفى المقدمة الأوبك من أجل استقرار دورة الاقتصاد الدولى.

ومن الثوابت استمرار الروابط الامنية والدفاعية الخاصة مع الولايات المتحدة، مع الحرص على استمرار وتعزيز مظلة التجمع الخليجى كقوة توازن سياسى واقتصادى ومعنوى.

تحديات إقليمية عاتية

وما بين التمازج والتداخل بين الثروة النفطية الكبيرة والمساحة الصغيرة والسكان المحدودين، والتنافسات الإقليمية العاتية، تجد الكويت نفسها فى دائرة مُحاطة بالألغام والتحديات الجسام.

وهى دائرة ليس مقدر لها ان تهدأ فى الأيام المقبلة، بل هى فى زيادة من التوترات والأزمات العاتية، وتمثل أزمة البرنامج النووى الايرانى، الذى بات على قدر خطوة او أقل للدخول إلى دهاليز مجلس الأمن الدولى بعقوباته المتوقعة على إيران، وبما سيفرض معادلة بل معادلات جديدة فى الإقليم.

فعزلة إيران، وهى بلد رئيسى فى منطقة الخليج، وجار مباشر للكويت وله حضور مذهبى فى الداخل، ستتطلب حتما صيغة للتوائم مع تلك العقوبات الدولية فى حال فرضها، وهى صيغة قد لا ترضى البعض هنا وهناك، والحال كذلك فمن اليقين فإن أى محاولة لعزل إيران لن تكون بلا ثمن، وهو ثمن مرشح للزيادة بقوة فى حال تدهور الحال، ولجأت الولايات المتحدة أو إسرائيل إلى خيار عسكرى سيتبعه حتما تدهور أمنى حاد، من الصعب تكهن نتائجه القريبة أو البعيدة معا.

عزل إيران إذا ما فرض كخيار دولى جائر دون اعتبار لمصالح الدول المجاورة الرافضة سياسات العقوبات أو التدخلات العسكرية، لن تمر دون تداعيات، مرجح ان تتصاعد إذا ما تداخلت هذه التداعيات مع ما يجرى فى العراق، الذى لم يستقر حاله بعد، وتبدو خيارات التقسيم تحت عنوان الفيدرالية او غيرها مسألة شبه محسومة، ناهيك عن العنف وغموض مصير الاحتلال الأمريكى.

والحال كذلك فإن تحديين كبيرين يفرضان نفسيهما على مستقبل الكويت، أولهما تحدى العلاقة مع عراق منقسم وغير مستقر، وثانيهما عراق يصدر تجربة وخبرة جماعات دينية متطرفة إلى جواره.

والتحديان معا يمسان الاستقرار الاقليمى من جانب ويشكلان اختبارا قاسيا لقدرة التكيف مع خريطة سياسية جغرافية جديدة ومحملة بصراعات إلى مدى طويل قادم، يصعب التكهن بأى من نتائجها سوى الصعوبات والانقسامات والتوترات المذهبية والطائفية والتدخلات الخارجية بكل أنواعها، وهى بيئة طاردة بكل المعانى للاستثمار والتنمية والاستقرار.

الوحدة الوطنية على المحك

فى ظل هذه البيئة عديمة الرحمة، فإن وحدة الوطن وتماسكه هى على المحك دون شك. وهنا لابد من تذكر تلك الرسالة الشهيرة المعلن عنها فى الصيف الماضى والمنسوبة للزرقاوى زعيم تنظيم القاعدة فى بلاد الرافدين، والتى دعا فيها اتباع التنظيم إلى إشعال الفتن الطائفية فى الدول المجاورة للعراق، والتى ظهرت أولى ملامحها فى الكويت فى مواجهات مع مجموعة متشددة، حكم على أعضاء منها بالإعدام.

أما ثانى ملامحها فظهر فى حوارات داخلية حادة استنادا على خلفيات طائفية ومذهبية شيعية وسنية، مما استدعى من أمير البلاد الراحل أن يوجه خطابا إلى الشعب الكويتى فى العشر الأواخر من رمضان الماضى مناديا ومؤكدا على ضرورة تماسك الأسرة الكويتية ووحدتها، وباعتبار أن “الوطن القوى هو الوطن الموحد وهو الذى بوحدته يحقق الإنجازات إن لم يحقق المعجزات”.

وهى كلمات وصايا واضحة المعالم، فالكويت لا تحتمل اى انقسام فى جبهتها الداخلية، ولا تحتمل أى نزوع نحو تغليب الانتماءات والهويات الفرعية الصغيرة على هوية الوطن الكبيرة الذى يجمع الكل تحت مظلته. وليس هناك شك فى أن تلك الوصية صالحة فى الأيام المقبلة، وأن أمير البلاد الجديد سيعيد التأكيد عليها مرارا.

ملفات داخلية

وحدة الداخل مرهونة أيضا باستحقاقات أخرى، هى فى شق كبير منها امتداد لملفات موجودة من قبل، فالإصلاح المؤسسى ودعم حقوق المرأة وقانون الانتخابات وحرية الصحافة والإصلاح الاقتصادى، ستفرض نفسها فى “المرحلة-العهد” الجديد، وإن من غير المتوقع أن تتغير المعادلات الحاكمة فى ذلك تغييرا جذريا فى زمن قصير. وعلى الأخص ملف انشاء أحزاب سياسية الذى يبدو لا مبرر لفتحه الآن ولفترة طويلة مقبلة، مع الاكتفاء بصيغة التجمعات القائمة كأمر واقع، بما لها من أدوار سياسية وثقافية واجتماعية فى الآن نفسه.

وربما فرض موضوع الاستثمارات الكبرى فى المجال النفطى نفسه بقوة اكبر فى المرحلة المقبلة. والتوجه الأقوى يدفع ناحية فتح الكويت لهذه النوعية من الاستثمارات لاسيما وأن ارتفاع أسعار النفط، والحاجة إلى مزيد من الارتباط مع تكتلات نفطية كبرى غربية وصينية تمثلان مبررين كبيرين، سواء اقتصاديا أو استراتيجيا.

وهناك موضوع يبدو انه سيطرح نفسه، على صعيد الجدل العام على الأقل، فهل سيستمر الفصل بين منصبى ولى العهد ورئيس الوزراء، كما كان الوضع فى الشهور الأخيرة، حين اشتد المرض على ولى العهد، فحدث الفصل، وتولى الشيخ صباح الأحمد الصباح رئاسة الوزراء، وهو الآن المرشح الأقوى لولاية العهد.

ودستوريا فهذا الفصل مرهون بإرادة الأمير، أما عمليا فهو يخضع لتوافق الأسرة الحاكمة، التى نشأت فيها أجيال جديدة ترنو بدورها إلى ممارسة الحكم ونيل المناصب. وربما يميل التوافق الجديد إلى فتح فرصة لممثلى هذه الأجيال ليكون منهم رئيسا للوزراء، بعد أن يتم تصعيد الشيخ صباح إلى منصب ولى العهد. ففى الفصل بين منصبى ولاية العهد ورئاسة الوزراء مساحة أوسع لإرضاء الأجيال المختلفة.

د. حسن أبوطالب – القاهرة

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية