مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

دول الخليج بين نار واشنطن وضغوط الشارع

موقف بلدان مجلس التعاون الخليجي من الاصطفاف وراء الولايات المتحدة الامريكية swissinfo.ch

عادت دول مجلس التعاون الخليجي لتجد نفسها مجددا في دائرة الصراعات الدولية العنيفة بعد ان وقع الاختيار الامريكي على قاعدة الامير سلطان في المملكة العربية السعودية، لتكون المركز الرئيسي للعمليات العسكرية المرتقبة على افغانستان.

وعلى عكس عملية عاصفة الصحراء التي استهدفت العراق قبل عشر سنوات، فان عملية (العدالة) الجديدة لم تكن سهلة الهضم من قبل الدول الخليجية، التي تخشى الكثير من العواقب الامنية والسياسية من الخطة الامريكية الحالية، لذلك اسرع وزير الخارجية السعودي الامير سعود الفيصل الى واشنطن، ليكون اول مسؤول خليجي يتقابل مع كبار القادة الامريكيين بعد ضربات الثلاثاء الاسود في واشنطن و نيويورك.

و يستعد امير قطر الشيخ حمد بن خليفة ال ثاني الى زيارة مماثلة بداية شهر اكتوبر، وهو ايضا ما حدا بوزراء خارجية دول مجلس التعاون الى الاجتماع على عجل في الرياض، لتدبر ما يجب فعله في هذه الظروف الاستثنائية ومحاولة الخروج بموقف موحد يضمن للمنطقة اقل الخسائر الممكنة.

واذا كان الموقف الخليجي قد درج عادة على الاصطفاف وراء الحليف الامريكي بدون تردد، فقد بدا ظاهر الامر مختلفا بعض الشيء هذه المرة حيث برز جدل بين الرياض وواشنطن حول استخدام قاعدة الامير سلطان.

كما ورد في الصحافة الامريكية، تلاه نفي من وزير الخارجية الامريكي للامر، الذي انهم حصلوا على كل ما يريدون من دول الخليج، مما رجح ان اشاعة الخلاف قد تكون موجهة لاستهلاك الشارع السعودي الذي لا يستسيغ مع سائر الخليجيين ما تعتزم الولايات المتحدة فعله ضد بلد مسلم بدون براهين قاطعة على تورط المنشق السعودي اسامة بن لادن في عمليتي نيويورك وواشنطن.

والى ذلك تجد المملكة السعودية بعض الحرج في الامتثال الى الطلب الامريكي بقطع العلاقات مع طالبان أسوة بدولة الامارات العربية المتحدة التي لم تتردد في اعلان اقفال السفارة الافغانية في ابو ظبي.

وعلى عكس البحرين وسلطنة عمان اللذان اعلنا انخراطهما الكامل في التحالف الامريكي لمكافحة الارهاب، فقد لاحظ المراقبون ان الموقف القطري اكتفى بالتعاطف مع ضحايا الحادث وادان الارهاب بدون اعلان الموافقة أللا مشروطة على انضمام الدوحة للتحالف ذاته.

ويفسر المراقبون ذلك برغبة قطر في الاطلاع عن كثب على الخطوات الامريكية المزمعة ابان الزيارة القريبة التي سيؤديها الامير الى واشنطن، لكن البيان الصحفي لوزراء خارجية الدول الخليجية كان واضحا في دعمه لما سماه (بالجهد الدولي) لمقاومة الارهاب بما يؤشر الى الرغبة الخليجية في ان لا يتم شيء خارج توافق اممي حول هذا الامر.

دول الخليج تطلب من الاجهزة الامريكية توخي الدقة

واذا كانت دول الخليج تتوجس من الانعكاسات الامنية والسياسية للضربة الامريكية المتوقعة على افغانستان في المدى القريب، فان توجسها يتزايد حول الخطط الامريكية على المدى المتوسط، خصوصا مع ورود اسماء رعايا بعض هذه الدول من ضمن المشتبه فيهم رغم اتضاح وجود اخطاء في عدد منهم، تبين انهم يقيمون في بلدانهم، مما دعا المسؤولين الخليجيين الى طلب توخي الدقة من الاجهزة الامريكية..مع الحاح لا ينقصه العتاب على ضرورة استبعاد الربط بين الاسلام والمسلمين وبين الارهاب.

وتخشى بعض الدول الخليجية ان تصطدم بالادارة الامريكية اذا هي طلبت منها تسليم بعض مواطنيها ممن تعتبرهم واشنطن ارهابيين، وهو ما قد يضع هذه الدول في حرج شديد ومضاعف امام الراي العام المحلي الذي لا ينقصه الانتقاد المتزايد للسياسات الامريكية في المنطقة العربية وخصوصا بشان قضية سلام الشرق الاوسط، التي الح وزراء خارجية دول مجلس التعاون على عدم اغفالها مع الانشغال بمقاومة الارهاب، واصفين الممارسات الاسرائيلية بانها تصب في خانة ارهاب الدولة.

ولا يخفى على المراقبين ايضا ان هناك تعاطفا في الشارع الخليجي مع اسامة بن لادن، الذي اصبح يشكل لدى البعض عنوانا للكرامة، رغم اعلان الكثيرين عن ادانتهم لاستهداف المدنيين، لكن ثغرة الدليل الناقص الذي تطالب به اجهزة الامن الامريكية تشكل مدخلا للتشكيك في صحة المسعى الامريكي من اجل مقاومة الارهاب، مع التخوف من ان يكون ذلك ستارا لحرب دينية ضد المسلمين، رغم التاكيدات الرسمية الامريكية على ان هدفهم هو الارهاب و ليس الاسلام.

ويشترك الرسميون والشارع في الخليج حول هذه النقطة مما ادى بالادارة الامريكية الى تغيير اسم العملية القادمة من (العدالة المطلقة) الى (العدالة) فقط، نزولا عند رغبة الخليجيين الذين نبهوا الى ان الله وحده يملك العدالة المطلقة. وتلقى مثل هذه اللمسات الامريكية استحسانا لدى مجمل الخليجيين ..لكنها لا تبدو كافية لطمانتهم تماما


ولئن بدا في المحصلة ان دول مجلس التعاون لا تريد الاصطدام بالحليف الامريكي المجروح، فانها تحاول جهدها عدم الاصطدام مع الشارع المنزعج، وتسعى قدر الامكان الى استشراف المخططات الامريكية الحقيقية في المنطقة ومن حولها قبل اشتعال الجبهات لتزيد الرؤية تعقيدا.

فيصل البعطوط – الدوحة

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية