مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

بذور ديمقراطية سويسرية أينعت في الجانب الآخر من الكرة الأرضية

نائب أسترالي يتحدث خلال إحدى الجلسات في البرلمان
مشهد تاريخي: يوم 7 ديسمبر 2017، النائب تيم ويلسون يعرض الزواج تحت قبة البرلمان الأسترالي من شريكه الجالس في المدرجات المخصّصة للجمهور والذي أجاب بـ "نعم". Getty Images

بعد سنوات من الصراع، وافق البرلمان الأسترالي على السماح بزواج المثليين. وقد جاء هذا القرار السبّاق بعد أن حظى الإقتراع بأول موافقة للناخبين الأستراليين منذ أربعين عاماً. ويبدو أن هذه الموافقة فتحت شهيتهم على طلب المزيد من الإصلاحات. في الماضي، كانت مثل هذه الآليات الديمقراطية الواردة من سويسرا غالباً ما تبوء بالفشل في استراليا ونيوزيلاندا.

هذه المساهمة هي جزء من منصة #DearDemocracy تلك المنصة التي تخصصها swissinfo.ch للحوار حول مسائل الديمقراطية المباشرة. هنا يعبّر الكتاب العاملين وغير العاملين بـ  swissinfo.chعن آرائهم. ولا تمثل مواقفهم بالضرورة تلك التي تتبناها swissinfo.ch.

يُمكن القول أن الحالة المعنوية مرتفعة بصورة لم تعهدها مقاطعة العاصمة الأسترالية. هناك في هذه المنطقة القاحلة من الإقليم الأسترالي المهمل أنشئت عام 1911 ضاحية فدرالية على الطراز الأمريكي لمقاطعة نيوساوث ويلز.

تأسست عام 1913 العاصمة كانبره على مساحة تبلغ 2300 كيلومتر مربع. هنا يوجد مقر العاصمة الفدرالية بسكانها البالغين 25 مليون نسمة تقريباً. وهنا يجتمع البرلمان الفدرالي بغرفتيه.

في الآونة الأخيرة، شهدت الغرفة العليا للبرلمان (أي مجلس النواب) أحداثاً تاريخية. ففي وسطها، أي على منصة التحدث وقف تيم ولسون، إلا أن هذا النائب عن الحزب الليبرالي الحاكم لم يتناول الموضوع المُدرج على جدول الأعمال، وهي زواج المثليين.

المزيد
رجل يقف أمام مكتب اقتراع وبيده مصدح

المزيد

مائتا يوم حول العالم لِدَعم سلطة الشعب

تم نشر هذا المحتوى على قبل أيام قليلة، بدأ الكاتب والصحفي السويسري – السويدي برونو كاوفمانّ جولة حول العالم سوف تأخذه إلى أكثر من 20 بلداً في أربع قارات لمُعاينة أوضاع الديمقراطية فيها عن كثب.

طالع المزيدمائتا يوم حول العالم لِدَعم سلطة الشعب

طلب الزواج “السياسي”

فبدلاً من ذلك فاجأ ولسن الجميع: “ريان باتريك بولغر، هل تقبلني زوجاً لك؟” سأل ولسن، مُوجّهاً حديثه لصفوف المشاهدين. فهناك كان يجلس شريك حياة ولسن. وعلى الفور قال هذا الأخير نعم واستجاب لطلب الزواج “السياسي”، الذي لا تُوجد له أي سابقة من قبل.

“شكراً، أيها المواطنون الأعزاء على هذه الهدية الرائعة في عيد الميلاد”، قالت إحدى النائبات عن حزب العمل المعارض معلقة على ما حدث. وكانت تعني بها هذه الموافقة الأخيرة التي أبداها الناخبون الأستراليون في الإقتراع الذي نظم حول زواج المثليينرابط خارجي.

هذا الإقتراع الإستشاري الذي تم إجراؤه عن طريق البريد شهد مشاركة 80% من الناخبين. وقد وافقوا بأغلبية واضحة بلغت 61،6% على هذا التحديث.

لقد حاول النواب والنائبات من الأحزاب المختلفة في السنوات الأخيرة تحديث قانون الزواج الأسترالي إلا أن هذه المحاولات باءت بالفشل مراراً وتكراراً بسبب عقبات الديمقراطية الأسترالية. ذلك لأن نظام الحكم في هذا البلد يُعتبر هيكلاً مثيراً للإهتمام إلا أنه يتسم أيضاً بتعقيد شديد.

المزيج الديمقراطي

“لقد كانت الحوافز التي جاءتنا من الولايات المتحدة وبريطانيا وسويسرا من الأهمية بمكان”، على حد قول الخبير السياسي رون ليفي، الذي يقوم بالتدريس في جامعة أستراليا الوطنية الشهيرة بكانبره. ولقد شارك ليفي مطلع شهر ديسمبر الجاري في الفعالية التي ساهمت في تنظيمها السفارة السويسرية بكانبره حول موضوع “الديمقراطية المباشرة في استراليا وسويسرارابط خارجيرابط خارجي.

لقد استلهم الآباء المؤسسون لأستراليا الذين اجتمعوا عام 1891 في المجلس التأسيسي للدستور في مدينة سيدني البرلمان الأمريكي بغرفتيه. كما أضافوا إليه النظام البرلماني البريطاني على غرار وستمنستر، حيث تتربع ملكة بريطانيا كسلطة فوق الشعب.

ثم جاء الحافز الثالث الهام من سويسرا متمثلا في الإستفتاء الإجباري في حالة إجراء تعديل دستوري، حيث تم استنساخ هذا النظام حرفياً. فأي تعديل دستوري لا يُمكن أن يدخل حيز التنفيذ إلا إذا وافق كل من الشعب والمقاطعات الفدرالية عليه، فالأغلبية إذن تكون مضاعفة (أو مُزدوجة).

“حمله في قلبه”

لكن كيف جاءت أغلبية مجلس المقاطعات (أو الكانتونات) من سويسرا إلى هذا الجانب الآخر من الكرة الأرضية؟ لقد كان أحد الأشخاص الذي يُدعى هنري تاردنت هو من فعل ذلك. وهذا ما اكتشفه هانز أورس فيلي، الذي شغل منصب رئيس قسم الحقوق السياسية في المستشارية السويسرية الفدرالية في العاصمة برن لسنوات طويلة.

في عام 1880، هاجر تاردنت إلى استراليا، وتحديداً إلى كوينسلاند، إحدى المستعمرات البريطانية السابقة. لقد تتبع فيلي أثر تاردنت في سويسرا وقادته أبحاثه إلى قرية “أورمون – دوسو” Ormont-Dessous في غرب سويسرا، وهي مسقط رأس تاردنت.

كانت انطلاقة تاردنت في العالم الجديد في البداية عادية، حيث كان يعمل مزارعاً. ثم ما لبث أن طور نفسه ليصبح مدرساً للغة، قبل أن يتقدم ليشغل منصب سكرتير حزب العمل في كوينسلاند.

ثم ما لبثت الخطوة الحاسمة أن جاءت، فقد طلب منه المجلس التأسيسي للدستور في سيدني أن يترجم الدستور الفدرالي السويسري وأن يشرحه. ويبدو أن تاردنت قد أنجز هذه المهام باقتدار، ذلك لأن مؤسسي الدستور الأستراليين قد استلهموا الإستفتاء الاجباري (المعمول به في سويسرا منذ أواخر القرن التاسع عشر) في التعديلات الدستورية التي اعتمدوها. 

ولم يقتصر الأمر على ذلك فحسب، بل استلهموا أيضاً أغلبية مجلس الكانتونات (أو مجلس الشيوخ)، وهي تلك هذه الآلية التي تهدف إلى تحقيق التساوي بين المقاطعات الأسترالية (الكانتونات في سويسرا) المختلفة والمتباينة الأحجام.

بخلاف تاردنت، لعب مهاجر سويسري آخر دوراً أساسياً في هذا المجال، وهو هو هاينريش شبوندين. فلقد كان هو وتاردنت متيميّن بوطنهما حتى أن الأستراليين استنسخوا فقرات كاملة من القوانين السويسرية. ولم يكن شبوندين شخصاً عادياً وإنما كان حفيداً مباشراً للمصلح الديني السويسري هولدريخ زفينغلي (1484ـ1531)، الذي كان أول من نادى بالإصلاح الديني البروتستانتي في سويسرا.

التنقيحات الدستورية الناجحة في أستراليا

منذ عام 1901، صوّت الأستراليون بـ “نعم” لفائدة تعديل دستوري ثماني مرات فقط:

1906: إصلاح النظام الإنتخابي.

1910: الموازنة المالية بين الولايات.

1928: كبح جماح الدين العمومي.

1946: الكفاءة الإتحادية للتأمين الإجتماعي.

1967: إلغاء التمييز تجاه السكان الأصليين.

1977: استبدال مجلس الشيوخ.

1977: الحق في المشاركة في الإستفتاءات من قبل مواطني “الأقاليم” (أكت / كانبيرا، الإقليم الشمالي).

1977: إلغاء القضاة مدى الحياة.

(المصدر: اللجنة الانتخابية الأستراليةرابط خارجي)

حجر عثرة

منذ إنشاء الدولة، تحتم على الأستراليين رجالاً ونساءاً إبداء رأيهم 44 مرة في اقتراعات شعبية على المستوى الوطني لتعديل الدستور. نعم، هو ذا كما قرأتم “تحتم عليهم”، ذلك لأن هناك في استراليا واجب تصويتي. فمن لا يُسجّل نفسه في أيام الإقتراعات في أحد مراكز الاقتراع بدون سبب، توقع عليه غرامة قدرها 40 دولار استرالي (حوالي 30 فرنك سويسري).

إلا أن سادس أكبر دولة في العالم تعقد الأمور على نفسها بتحديث دستورها: ففي ثمانية فقط من إجمالي 44 اقتراعاً تحققت أغلبية مجلس المقاطعات المطلوبة (أنظر الإطار المصاحب).

أما في حالة المبادرة التي قدمت بشأن زواج المثليين فكان الأمر غير متعلق بتعديل دستوري وإنما بإصلاح قانوني. وفي هذا الصدد، يوضح الخبير السياسي رون ليفي: “بسبب فشل جميع المبادرات على مدى الأربعين عاماً الأخيرة فقد قرر رئيس الوزراء الأسترالي مالكوم تورنبول أن يقوم بدعاية انتخابية حول قانون الزواج الجديد”.

إلا أن الاقتراعات حول القوانين لها فقط صفة استشارية، أي أنها ليست مُلزمة. “فالدعاية الانتخابية تعد بالنسبة للحكومة مخرجا ممكنا من المأزق السياسي”، بحسب قول ليفي. وفي حالة زواج المثليين فقد ثبتت التوقعات السياسية لرئيس الوزراء. ذلك لأن ـ وهذا من دواعي السخرية ـ بعض الأصوات داخل التحالف الوطني الحاكم المشكل من الليبراليين والمحافظين كانوا هم الذين عطلوا اعتماد زواج المثليين بصورة متكررة في السنوات الأخيرة. “إلا أن الإقتراع الشعبي قد حل هذه العقدة الآن”، كما يقول ليفي.

الأمل في ربيع إصلاحي

“ونأمل أن نستطيع استغلال هذه الديناميكية الآن أيضاً في تحقيق إصلاحات أخرى حان أوانها منذ زمن”، كما تقول سارة هيثكوت، نائبة مديرة قسم القانون الدولي والقانون العام بجامعة أستراليا الوطنية.

وتتمنى هيثكوت التي شاركت أيضاً في فعالية كانبره أن يتم الإعتراف الدستوري بالسكان الأصليين لأستراليا. فلازال هناك حتى اليوم نصف مليون نسمة يُعدّون من السكان الأصليين الذين سكنوا القارة الخامسة قبل وصول الأوروبيين الأوائل إليها عام 1770.

ولكن كي يتحقق هذا الإعتراف يتحتم أيضاً أن تمنح أغلبية الشعب ومجلس المقاطعات موافقتها عليه.

منقذ الملكة إليزابيث الثانية

على صعيد آخر، لا زال الإحباط يسود بسبب فشل عملية استبدال الملكية بالجمهورية عام 1999. فلقد باءت هذه المبادرة بالفشل نتيجة لهذه الآلية الديمقراطية الواردة من سويسرا المسماة بـ “أغلبية مجلس المقاطعات” الأستراليةرابط خارجي.

فقبلها أظهرت استطلاعات الرأي تأييد الأغلبية الكاسحة للناخبين والنواب لإنهاء الحكم الملكي.

“والآن قد أنجز إصلاح لأجيال قادمة”، يؤكد رون ليفي. فالسلطة في أستراليا ليست للشعب ـ كما هو الحال في سويسرا – وإنما لا زالت كما كانت من قبل لملكة بريطانيا، التي تتخذ من قصر باكنغهام في لندن البعيدة مقراً لها. وهذا بسبب “أغلبية المقاطعات” التي اقتدينا فيها بسويسرا.

إذن، لا زالت الملكة إليزابيث الثانية تتربع في أستراليا ونيوزيلانده فوق الجميع. أما ما إذا كانت قد شكرت سويسرا على هذه المكانة، فإنه أمرٌ غير ثابت تاريخياً.

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية