مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

الحياة النيابية في مصر.. شد وجذب ونجاحات وإخفاقات

بعد توقفه عن النشاط زهاء ثلاثة أعوام إثر الإطاحة بالرئيس المنتخب محمد مرسي من طرف الجيش، عقد الأعضاء الجدد في مجلس النواب المصري الجلسة الإفتتاحية لأعماله يوم 10 يناير 2016 في القاهرة. Keystone

بمناسبة مرور 150 عامًا على تدشين الحياة النيابية في مصر، تطرح عدة أسئلة حول حجم ونوعية المشاركة السياسية للمواطنين في هذا البلد المحوري في الإقليم، وعما شهدته من تطور أو تنوع أو تراجع من خلال تشكيلة وأدوار وأوزان المجالس البرلمانية بشتى مسمياتها في مصر على مدى قرن ونصف.

وفي محاولة منها للحصول على إجابة عن هذه التساؤلات المهمة، استجوبت swissinfo.ch في القاهرة عددًا من الخبراء السياسيين والأكاديميين والكتاب والباحثين المصريين المهتمين بهذا الملف.

الحياة النيابية.. خمس مراحل كبرى

في البداية؛ يوضح الخبير السياسي والأكاديمي الدكتور نصر محمد عارف، أنه “على مدى قرن ونصف، مرت الحياة النيابية المصرية بخمس مراحل كبرى، هي: المرحلة التأسيسية؛ التي كانت فيها الحياة النيابية في بواكيرها، إبتداءً من عام 1866، حيث لعبت الطبقة العليا، والملاك والوجهاء، الدور المحوري في تأسيس الحياة التشريعية بمصر، ووضعوا قواعد وأعراف وتقاليد حياة نيابية تفوق معطيات عصرها”، مضيفًا أن “المرحلة الثانية بدأت مع الإستعمار البريطاني عام 1882، وهنا تحولت الحياة النيابية إلى ظهير للإدارة الإستعمارية”.

وفي تصريحات خاصة لـ swissinfo.ch، يُتابع عارف، أستاذ العلوم السياسية، بكلية الإقتصاد والعلوم السياسية، بجامعة القاهرة: “وظل هذا الحال حتى دستور 1923، الذي يمثل المرحلة الثالثة، حيث ظهرت أنضج وأنصع مرحلة في الحياة النيابية شديدة الفعالية، عالية الإنجاز، قمة في الديمقراطية، والمشاركة السياسية التي فاز فيها مسيحي في مركز المراغة، بمحافظة سوهاج، على شيخ الأزهر الشيخ المراغي”.

الخبير السياسي اعتبر أن “هذه التجربة تم إجهاضها، مع قيام ثورة 23 يوليو عام 1952، التي تمثل المرحلة الرابعة، وهنا جاءت الإنتكاسة الكبرى للحياة النيابية؛ حيث سيطر الحزب الواحد، وتم القضاء على التعددية السياسية، واستمر هذا الحال حتى برلمان 1984، وهنا جاءت المرحلة الخامسة، وهي مرحلة التعددية المقيدة، أو التعددية في ظل الحزب المسيطر أو المهيمن”.

ويشير عارف إلى أنه “في كل تلك الفترات لم يتم تحقيق المشاركة السياسية الكاملة والفعالة، ليس لأسباب سياسية أو قانونية، وإنما لأسباب تعود بالأساس إلى ارتفاع نسبة الأمية، وضعف مستويات التعليم، والثقافة السياسية الفرعونية، التي تتعامل مع الحاكم كإله، أو كنصف إله، وإن لم يكن هذا ولا ذاك؛ فالشعب يتطوع لتأليه الحاكم، وتحويله إلى صنم معبود”، على حد قوله.

على هامش الإحتفالية التاريخية

يوم الأحد 9 أكتوبر 2016، افتتح الدكتور على عبد العال، رئيس مجلس النواب،احتفالية البرلمان المصرى، بمرور 150 عاما على الحياة النيابية بمصر، بحضور الرئيس عبد الفتاح السيسى، وأحمد بن محمد الجروان، رئيس البرلمان العربي، وروجرز نكودو دانغ، رئيس البرلمان الإفريقي، ومارتن ستون جنج، سكرتير عام الإتحاد البرلمانى الدولي.

شارك فى الاحتفالية وفود تمثل 48 دولة، على رأسها: رئيس البرلمان الإفريقي، ورئيس البرلمان العربي، ورؤساء برلمانات الجزائر، والأردن، وتونس، وجيبوتى، والكويت، والسودان، وكوت ديفوار، وكينيا، وناميبيا، والطوغو، وغامبيا، وموريتانيا، وقبرص، والعراق.

كما شارك في الإحتفالية، النائب الأول للمجلس الوطني الإتحادي في الإمارات، ونائبة رئيس مجلس النواب المغربي، ونائب رئيس برلمان المجر، ونائب رئيس برلمان بنين، وأمين عام الإتحاد البرلمانى العربي، ووفد من البرلمان الياباني، وأمين سر البرلمان الفلسطيني، ووفود من غانا ومدغشقر وأوغندا وبوركينا فاسو.

ثورة 1919.. تعددية سياسية وبرلمانات قوية

أما الكاتب والباحث أحمد طه، فيرى أنه تحت وطأة الضغوط اضطر الخديوي إسماعيل لإنشاء “مجلس نيابي استشاري”، بغرض “ديكوري”، لا يُبدي رأيه إلا “فيما يُعرض عليه من الأمور” فقط، وأُجريت الانتخابات في عام 1866، فجاء برلمان عند حُسن ظنّ “ولي النعم”، إذ جاء ردّ البرلمان على خطاب العرش، بخطاب ذليل، يفيض تزلّفاً وتملّقاً، بتمجيد “ولي النعم”، وبتقديس “الذات الخديوية”.

وأضاف طه، المهتم بدراسة تاريخ الحياة النيابية بمصر، في تصريحات خاصة لـ swissinfo.ch: “جاء في خطاب البرلمان ردًا على خطاب العرش… (إلى أن نفحتنا النفحات الإلهية، وأسعفتنا العناية الربانية، بالحضرة الإسماعيلية، وأعطى القوس باريها، لُطفاً بهذه الديار، ومن فيها، فتولاها العزيز بن العزيز، إلا أن الثورة العرابية كان لها تأثير كبير على الحياة البرلمانية، خاصة في فترة وضع الدستور، وما شهدته من سجالات ونقاشات)”.

واستدرك قائلاً: “لكن الطفرة الكبرى كانت مع انطلاق ثورة 1919 المجيدة، في الحقبة شبه الليبرالية، حيث عرفت الحياة السياسية معنى التعددية الحزبية، وعرف الناس معنى كلمة انتخابات نزيهة، والإنتخابات المزورة التي كانت تقوم بها حكومات الأقلية، وعليه عرفت الحياة السياسية “الوزير السياسي”، وهو على عكس “الوزير الموظّف”، كما عرفت الحياة السياسية برلمانات قوية، بغضّ النظر عن المسحة الطبقية التي شابت تشكيلها، والقوى الإجتماعية القادرة على خوض المعارك الإنتخابية”.

الباحث السياسي أحمد طه أشار إلى أنه “بعد انقلاب 1952 حدث تجريف كامل للتربة السياسية الخصبة للحقبة شبه الليبرالية، وكانت الإنتكاسة الكبرى بإغلاق أبواب المشاركة السياسية أمام الناس، وتدشين عهد التنظيم الشمولي الأوحد، وإلحاق السلطة التشريعية بالسلطة التنفيذية، وتفريغ وظيفتها من مضمونها”، مشيرًا إلى أن “هذه المعادلة لم تتغيّر حتى الآن”.

بعد انقلاب 1952 حدث تجريف كامل للتربة السياسية الخصبة للحقبة شبه الليبرالية أحمد طه، كاتب وباحث

150 عامًا من النجاحات والإخفاقات

من جانبه، يعتبر الكاتب الصحفى حمدى البصير أن “هناك تطورًا ملحوظًا فى المشاركة السياسية، في الحياة النيابية بمصر، منذ نشأتها، وعلى مدى قرن ونصف، رغم أن الديمقرطية الوليدة فى مصر، كانت منقوصة، لأننا كنا تحت الإحتلال، فقد قام الخديوي إسماعيل، بإنشاء أول برلمان عام 1866، وكان اسمه مجلس شورى النواب فى مصر، ليكون أول برلمان مصرى يمتلك اختصاصات نيابية، وليس مجرد مجلس استشاري”.

وفي تصريحات خاصة لـ swissinfo.ch، قال البصير، الذي يرأس مركز الدراسات الإقتصادية بجريدة “العالم اليوم” المصرية: “وبعد مرور 150 عامًا، وقيام العديد من الثورات فى مصر، شهدت الحياة النيابية فى مصر، حالة من الشد والجذب، والنجاحات والإخفاقات، وإصدار آلاف القوانين، وتقديم آلاف الإستجوابات وطلبات الإحاطة والأسئلة، من برلمانات عديدة، شهدت تغيير أنظمة حكم مختلفة، وعشرات الحكومات المتعاقبة”.

وأضاف أن “الحياة النيابية، عند تدشين البرلمان، كانت تقتصر على نخب سياسية منتقاة، بسبب ظروف مصر التى كانت محتلة آنذاك، فكان مجلس شورى النواب مجلسًا منسوخًا من البرلمان البريطاني، وكان يُعبّر عن مصالح إنجلترا والأجانب المقيمين فى مصر، أكثر ماكان يعبر عن طبقات الشعب”، مشيرًا إلى أن الحال تغير بعد قيام ثورة 1919، والموافقة على دستور 1923، وأصبح للشعب صوتٌ بسبب كفاح سعد زغلول ورفاقه، وظهور حزب الوفد العريق بقوة فى الحياة السياسية.

حمدي البصير أشار أيضا إلى أن “المرحلة التى سبقت ثورة 23 يوليو، لم يقم البرلمان فيها بدوره المأمول، بسبب الفساد السياسي، وضعف الأحزاب، والصراع بين القصر الملكي من ناحية، وبين الإحتلال البريطاني من ناحية أخرى، ومقاومة الشعب للفساد الملكي، وهيمنة الإحتلال معًا، والذي انتهى بقيام ثورة يوليو المجيدة، التى قامت على عدة مبادىء، منها القضاء على الإستعمار وأعوانه، وقيام حياة ديمقراطية سليمة”.

برلمانات ما بعد الملكية ماذا قدمت؟

هناك عدة مزايا للبرلمان الحالي.. إلا أنه لم يقم بدوره الرقابى ولا التشريعي كاملاً حتى الآن حمدى البصير، كاتب صحفي 

من جهة أخرى، أشار البصير إلى أن رجال ثورة يوليو، خلال الحقبة الناصرية، لم ينجحوا فى إقامة حياة ديمقراطية سليمة، ولم يكن مجلس الأمة وقتئذ، خارجا عن سيطرة التنظيم السياسى الواحد، وهو الإتحاد الإشتراكي، موضحًا أن عهد السادات، لاسيما بعد صدور دستور 1971، شهد تطورًا في الحياة النيابية، بعد قيام المنابر (الوسط واليمين واليسار)، وتحويلها إلى أحزاب، وإن لم يكن في مجلس الشعب وقتئذ، معارضة حقيقية، نظرًا لسيطرة حزب مصر (حزب السلطة آنذاك)، ومن بعده الحزب الوطني، على مُجريات الأمور السياسية، والذى لم يسمح بقيام معارضة حقيقية”.

رئيس مركز الدراسات الإقتصادية بجريدة “العالم اليوم” أوضح كذلك أن إنتخابات مجلس الشعب وقتئذ، شهدت تجاوزات عديدة، وأصبح تمثيل المعارضة أو المستقلين، بسبب تلك التجاوزات ضعيفًا وشرفيًا، بسبب هيمنة الحزب الوطنى “حزب الرئيس”، سواءً فى عهدي الرئيسين أنور السادات وحسني مبارك؛ مشيرًا إلى أن التجاوزات المشار إليها، ومنها تزوير بعض الدوائر الإنتخابية، وحصد الحزب الوطنى غالبية المقاعد البرلمانية، وهشاشة تمثيل المعارضة والمستقلين، كانت من الأسباب التي أدت إلى قيام ثورة 25 يناير 2011، والإطاحة بالرئيس مبارك، ونظام حكمه، وحل الحزب الوطني الحاكم”.

وقال حمدي البصير: “إن النظام الحالى برئاسة الرئيس عبد الفتاح السيسي، أقر دستورًا قويًا فى عام 2014، لكنه لم يفرز مجلس نواب على المستوى المأمول، بسبب ضعف الأحزاب المشاركة، وإختفاء نجوم برلمانية عن الحياة النيابية”، مشيرًا إلى أن هناك عدة مزايا للبرلمان الحالي. فللمرة الأولى تصل نسبة السيدات بالمجلس إلى (90) سيدة، بنسبة 15% من أعضائه، إضافة لوجود 9 أعضاء من ذوي الإعاقة، و8 أعضاء ممثلين عن المصريين بالخارج، فيما وصل عدد الشباب تحت 35 عاماً، إلى 25%؛ إلا أنه لم يقم بدوره الرقابى ولا التشريعي كاملاً حتى الآن”، حسب قوله.

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية