مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

“قدرة منتدى دافوس على التأقلم ضمانُ استمراريته”

AFP

بعد أن تحول المنتدى الإقتصادي العالمي من مجرد ملتقى مصغر لمسيري مؤسسات اقتصادية غربية كبرى، إلى محفل دولي بارز لكبار قادة العالم، اضطر للإنفتاح شيئا فشيئا على حكومات دول الجنوب والإقتصاديات الصاعدة ومكونات المجتمع المدني.

في هذا الحوار الخاص، يحلل رام إيتاورييا، الخبير الإقتصادي والصحفي البارز في يومية “لوتون” السويسرية، الذي غطى العديد من دورات المنتدى، أسباب ودوافع هذا التحول.

يستعدّ منتدى دافوس الاقتصادي العالمي لعقد دورته الثالثة والأربعين في منتجع دافوس شرق سويسرا ما بين 23 و27 يناير 2013، بحضور 35 رئيس دولة وحكومة، ولكن بغياب ملحوظ لقيادات صينية وأمريكية.

ومن المتوقع أن ينصب التركيز هذا العام على عدد من القطاعات الإجتماعية، وفي مقدمتها القطاع الصحي بما يؤكد عملية التأقلم التي شرع فيها المنتدى تحت ضغط الرأي العام، وتأثير أصداء المنتديات البديلة، وفي مقدمتها المنتدى الإجتماعي العالمي الذي تأسس عام 2000 في بورتو آليغري بالبرازيل.

في الحوار التالي، يستعرض رام إيتاورييا، المراسل الإقتصادي لصحيفة “لوتون” (تصدر بالفرنسية بجنيف) في بروكسل، والخبير الذي تابع منتديات دافوس لعدة سنوات لـ swissinfo.ch المراحل التي سلكها المنتدى في العشريتين الماضيتين في مسار تأقلمه مع المعطيات الدولية المتغيرة.

swissinfo.ch: دفعت التقلبات التي عرفها المنتدى دافوس، سواء من حيث الجهات المشاركة أو المواضيع المطروحة، المراقبين إلى وصفه بــ “الحدث السياسي الإجتماعي الذي لا يريد أحد البقاء بعيدا عنه”، أو “الأداة الجديدة للدبلوماسية الدولية”، أو “أسلوبا من أساليب الإمبريالية الجديدة” في نظر المنتقدين. ما هو تقييمك أنت لمنتدى دافوس؟

رام إيتاورييا: أعتقد أنه كلما أتيحت الفرصة لاجتماع قادة سياسيين أو اقتصاديين من أجل الحوار، فإن ذلك يمثل خطوة جيدة. المنتدى الإقتصادي العالمي أقيم من أجل هذا الغرض. لكنه لعدة سنوات، أعطى الإنطباع بأنه مخصص بالدرجة الأولى لخدمة المؤسسات الإقتصادية، أكثر من الحكومات أو الشعوب. وما عزز ذلك الإنطباع، التواجد الكبير لكبار المسؤولين في المؤسسات الاقتصادية الذين كانوا يأتون الى منتدى دافوس، من أجل توقيع الصفقات التجارية الكبرى في الكواليس.

لكن هذا الوضع عرف تغييرا، كما تفضلتم، سواء بالنسبة للمشاركين أو بالنسبة للمواضيع المطروحة للنقاش منذ عام 2001 حسب اعتقادي. وقد تزامن ذلك مع التحديات التي بدأ يواجهها منتدى دافوس على إثر تأسيس المنتدى الاجتماعي العالمي (في بورتو أليغري بالبرازيل).

فمن قبل أن يكتسب المنتدى الإجتماعي شهرته العالمية، كان الأمر يقتصر على مظاهرات (معادية للمنتدى الإقتصادي العالمي في دافوس) والتي كان بعضها عنيفا لدرجة الإستحواذ على اهتمام وسائل الإعلام والرأي العام. وفي ظل تعاظم تلك المظاهرات في شتى أنحاء العالم، لم يكن من السهل على المنتدى الإقتصادي العالمي بدافوس تجاهل أولويات واهتمامات ممثلي المجتمع المدني. لذلك أعتقد أن منتدى دافوس اضطر لتغيير مساره، وتحقيق بعض التطور بسبب تأثير المنتدى الإجتماعي العالمي.

هل لك أن تذكر لنا بعض نجاحات أو إخفاقات هذا المنتدى الذي يتواصل منذ أكثر من 42 عاما؟

رام إيتاورييا: بحكم طبيعته ليس من المفروض أن تكون لأي منتدى نجاحات أو إخفاقات، لأن المنتدى هو محفل للقاء بين أفراد. وكما قلت من قبل، فإن أي لقاء بين الأفراد من أجل طرح المواضيع على طاولة النقاش، يعني استمرارية للأمل. ولا أعتقد بأن منتدى دافوس الإقتصادي العالمي قد قدّم وعودا بإدخال تعديلات على شيء من الأشياء، بل إن المشاركين هم الذين يلتقون، ويعلنون عن اتخاذ الإجراءات. أما تطبيق تلك الوعود أو عدم تطبيقها فهو ليس من اختصاص المنتدى.

في مقابل ذلك، تكمن قوة منتدى من هذا القبيل في قدرته على جلب الإنتباه لهذا الصراع أو ذاك، أو لهذه المشكلة الاقتصادية أو تلك، أو لما تعرفه المجتمعات من ظواهر وتطورات. فهل استطاع منتدى دافوس لعب هذا الدور وقرع جرس الإنذار قبل فوات الأوان؟

 رام إيتاورييا: لم يُفلح في كل الحالات، لاسيما خلال السنوات الأخيرة التي عرفت تطورات سريعة للغاية لحد أنه أصبح من المتعذر بالنسبة لغالبية الناس، وحتى للأخصائيين السياسيين والإقتصاديين، التمكن من التنبؤ بالأحداث والتغيرات قبل وقوعها، سواء في مجال التنمية أو في مجالات السياسة الدولية.

أعتقد بأن العولمة، وبروز دول آسيوية، ودول ذات اقتصاد صاعد مثل البرازيل والهند، عملت على التسريع  بالتغييرات لحد أنه لم يعد هناك أي طرف قادر على التكهن بما سيحدث في العالم، بما في ذلك الأمم المتحدة، وصندوق النقد الدولي، أو أي مؤسسة أخرى. لذلك لا يمكن توجيه اللّوم للمنتدى الاقتصادي العالمي وحده بكونه عجز عن التنبؤ بهذه المتغيرات.

لكن هذه التوقعات صدرت عن معارضي منتدى دافوس وأنصار المنتدى الاجتماعي البديل في بورتو أليغري منذ مدة، وتبيّن مع مر الزمن أنهم كانوا محقين في جلب الانتباه إلى مخاطر أسس النظام الإقتصادي السائد.

رام إيتاورييا: أعتقد أن المنتسبين لكلا المجموعتين، إن صح التعبير، كانوا يتحدثون عن أشياء تختلف تماما عن بعضها البعض. ولئن كانوا يتحدثون عن نفس الموضوع، فلم يتبعوا نفس المنطق. وإذا افترضنا أن المنتدى الإجتماعي العالمي كان محقا في توقعاته – وهو بالفعل كان مُحقّـا في العديد من القضايا – فيجب التوضيح أيضا بأن لكل محفل أجندته الخاصة.

فالمنتدى الاقتصادي العالمي في دافوس عندما كان محفلا يجمع بين ممثلي المؤسسات الإقتصادية الكبرى، سمح لهؤلاء بالإلتقاء في دافوس، وإبرام الصفقات المربحة في الكواليس. ومن منظور قادة هذه الشركات متعدّدة الجنسيات، فقد كان ذلك أمرا إيجابيا. كما أن منتدى دافوس هو المحفل الذي سمح للصينيين والهنود بالالتقاء بالأوروبيين والأمريكيين وإبرام الصفقات. ومن وجهة نظر هؤلاء، يُعتبر ما تم تحقيقه بمثابة إنجاز كبير، بحيث سمح بتطبيق أجندتهم المتمثلة في بسط العولمة، ورفع  الحواجز المفروضة بوجه حرية تنقل الرساميل والأشخاص. لكن اهتمامات المنتدى الاجتماعي العالمي كانت مغايرة تماما، وقد أفلح في جلب الإنتباه إلى جملة من المشاكل التي أصبحت واضحة للعيان اليوم.

بدأ المنتدى الإقتصادي العالمي أشغاله في عام 1971 تحت تسمية “منتدى التسيير الاقتصادي الأوروبي”.
 
أسسه كلاوس شفاب، رجل الأعمال الألماني الأصل، بهدف ربط الصلة بين زعماء المال والأعمال الأوروبيين ونظرائهم في الولايات المتحدة لإيجاد طرق تعزيز التعاون وحل المشاكل.
 
المنتدى منظمة غير ربحية، يوجد مقرها في جنيف، وتمول نفسها بالإشتراكات التي يدفعها أعضاؤها.
 
تحول الملتقى إلى المنتدى الإقتصادي العالمي في عام 1987 عندما اتسعت نشاطاته لتشمل إمكانية البحث عن حل لصراعات دولية. ويدعي المشرفون عليه أنه ساهم في تهدئة الخلافات بين تركيا واليونان، وبين الكوريتين، وبين ألمانيا الشرقية والغربية، وفي جنوب إفريقيا أثناء نظام التمييز العنصري.
 
يعد المنتدى تقارير مفصلة إما شاملة أو خاصة ببعض الدول، كما يقدم تقارير حول مواضيع محددة لأعضائه ويشرف على عدد من الإجتماعات الإقليمية أهمها اجتماع دافوس في الأسبوع الأخير من شهر يناير بداية السنة.
 
على مدى تاريخه، اجتذب المنتدى الإقتصادي العالمي أسماء لامعة من عالم الأعمال، والأكاديميين، والسياسة، والفن. من بينهم نلسن مانديلا، وبيل كلينتون، وياسر عرفات، وتوني بلير، وبونو، وأنجيلا ميركل، وبيل غيتس، وشارون ستون.
 
عندما عرف المنتدى توسعا وشهرة أكثر في التسعينات، تعرّض للكثير من الإنتقادات من قبل المعارضين للعولمة الذين انتقدوا تركيزه على النخب، وحصر الإهتمام بقضايا ومشاغل المشاركين فيه فقط.

في السنوات الأخيرة، عمد المنتدى إلى تنظيم دورات إقليمية من بينها دورة خاصة بالعالم العربي تعقد بالتداول في بلدان المنطقة (مصر، الأردن، الإمارات..)، التأمت أحدثها في العاصمة التونسية في ديسمبر 2012.

هل نحن اليوم أمام مشاركة من نوع جديد في منتدى دافوس؟

رام إيتاورييا: يجب أن نتحدث عن تطور طبيعي. فالمنتدى الإقتصادي العالمي استطاع تقييم التطورات والتغيرات الحادثة في العالم، وعرف كيف يتأقلم مع ذلك. وبالنسبة للقضايا المطروحة، هناك بعض المواضيع التي فرضت نفسها خلال السنوات الأخيرة، وأدمجها منتدى دافوس في برنامجه. فقبل 20 عاما، لم يكن هناك ممثلون هنود أو صينيون أو برازيليون يشاركون في المنتدى الإقتصادي العالمي، لكنهم أصبحوا اليوم  يلعبون دورا هاما على المستوى العالمي، لذلك من البديهي أن يوجه لهم المنتدى الدعوة للمشاركة. كما أن منتدى دافوس شرع منذ حوالي 10 سنوات في توجيه الدعوة لمشاركة ممثلي المجتمع المدني، وممثلين عن الديانات والمثقفين. وهذا تطور طبيعي، وقد تمكن المنتدى من إدماجهم بذكاء في برنامجه.

ولكن ذلك لم يتم إلا تحت تأثير المنتدى البديل. فعندما نفكر فيما عُرف بـ “ضريبة توبين” (المطالبة بفرض رسوم على جميع التعاملات المالية) التي كانت في بدايتها أمرا غير مقبول بالمرة بالنسبة للمشاركين في منتدى دافوس، أصبحت اليوم من مطالبات قادة دول أوروبية داخل المنتدى؟

رام إيتاورييا: إذا كان منتدى دافوس قد أدمج في برنامجه بعض القضايا التي أثارها ممثلو المجتمع المدني منذ مدة، فهذا أمر يجب أن يُفرحنا. صحيح أن هذه الضريبة عارضتها الحكومات الغربية والمؤسسات الإقتصادية والمالية بالخصوص، لكن إذا ما تمكنا، بعد سنوات من الشرح والتوضيح من قبول هذه الضريبة، بشكل من الأشكال، فهذا أمر يجب أن نرحب به. ولكنني لا أعتقد بأنه يجب أن نصنف ذلك على أنه إنجاز لهذا وإخفاق لذاك، بل إن هذه هي الطريقة التي يسير عليها العالم، إذ هناك مواضيع قد تستغرق عدة سنوات لكي تصبح من بين الأفكار المتداولة، وبالتالي أن تحظى بالأولوية.

ينبغي أن نتذكر بأن موضوع حماية البيئة لم يكن قبل عشرين سنة يحظى بالمكانة التي يحتلها اليوم، وقد كانت المؤسسات الاقتصادية تعتبرها قضية هامشية وغير جدية. أما اليوم، فقد أصبحت هذه المؤسسات نفسها تعتبر قضايا حماية البيئة من القضايا المهمة، ومن القطاعات التي قد تحقق من ورائها أرباحا طائلة، لذلك أدمجتها بذكاء في برامجها. نفس الشيء يمكن قوله عن حقوق الإنسان التي كانت قبل عشرين سنة موضوعا مهمشا، والذي تحول اليوم إلى قسم هام من نشاطات الأمم المتحدة.

جاء انفتاح المنتدى على منظمات المجتمع المدني تحت الضغط، وبطريقة تسمح له بمواصلة الإشراف على هذه المشاركة المشروطة ضمن فعاليات اجتماعه السنوي. هل اختيار المنتدى التركيز في دورة هذا العام على مواضيع اجتماعية، وفي مقدمتها الرعاية الصحية، وتوزيع الثروات، والبيئة، بدل المواضيع الاقتصادية والمالية التقليدية، بمثابة دليل ضعف قدرته على التأثير في الميادين التقليدية؟

رام إيتاورييا: لا أعتقد ذلك، بل ما أعتقده هو أن هذه القضايا أصبحت اليوم من المواضيع التي تفرض نفسها. أكيد أن آخرين (مثل المنتدى البديل) قرعوا جرس الإنذار منذ مدة بهذا الخصوص. ولكن اليوم، أصبحت تلك القضايا واقعا ملموسا، إذ أن الفوارق بين الدول وبين الأفراد في نفس المجتمع عرفت ارتفاعا كبيرا بسبب الأزمة المالية والإقتصادية التي مست بالدرجة الأولى الدول الأوروبية والولايات المتحدة. فهذه المسائل هي مواضيع دولية، ولكنها أصبحت مواضيع أوروبية وأمريكية أيضا. الإتحاد الأوروبي أصدر مؤخرا تقريرا يقول فيه بأن الفوارق بين شمال القارة وجنوبها، وبين العمال العاملين والعاطلين في نفس المجتمع تزداد عمقا. لذلك فإن هذه الفوارق المختلفة والبرامج الإجتماعية ستحتل الصدارة خلال السنوات القادمة.   

هل تعتقد أن مستقبل المنتدى مضمون بسبب هذه القدرة على التأقلم؟ وهل يمكن أن تقوده إلى حد الإندماج يوما ما مع المنتدى الإجتماعي العالمي؟

رام إيتاورييا: أكيد أن المشرفين على المنتدى الاقتصادي العالمي تجاهلوا لمدة بعض المشاكل التي تحدثنا عنها آنفا. غير أن تجاهل المشاكل قد يستمر لفترة معينة، ولكن ليس بشكل دائم. ومستقبل منتدى دافوس مضمون بسبب هذه القدرة على التأقلم. ومع ذلك، هذا لا يعني أنه يجب توقع حدوث اندماج في يوم من الأيام بين التظاهرتين. فالمنتدى الإجتماعي العالمي فقد من بريقه وتراجع منذ مدة. ولئن تواصل تنظيم بعض التظاهرات، فإن ذلك يختلف كلية عما كان يتم في بداية عام 2000. فالعالم يشهد اليوم عقد العديد من المنتديات، ولكل ملتقى جمهوره وأفكاره ومواضيعه. ومن صالح العالم أن تستمر هذه المحافل، على اختلافها، في استقبال الناس لمناقشة مواضيع الساعة، وللتعبير عن آرائهم فيها.

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية