مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

رايس واللعب في “الوقت الضائع”

من اليمين إلى اليسار: أمير دولة قطر ورئيس جمهورية العراق ورئيس جمهورية مصر العربية وأمين عام جامعة الدول العربية والعاهل السعودي ورئيس الجمهورية الإسلامية الموريتانية، المنتهية ولايته، قبيل افتتاح القمة (المصدر: AFP)

بدأ الزعماء العرب رسميا يوم الأربعاء 28 مارس 2007 قمة مدتها يومان بالمملكة العربية السعودية من المقرر أن تحيي مبادرة عربية للسلام مع اسرائيل.

وتأتي المبادرة في اطار سلسلة من الخطوات الدبلوماسية لإحياء محادثات السلام الفلسطينية الاسرائيلية ومحاولة إنهاء الصراع العربي الاسرائيلي القائم منذ 60 عاما.

بينما كان وزراء الخارجية العرب يعدّون مشروعات قرارات قمة الرياض، كانت وزيرة الخارجية الأمريكية رايس مجتمعة مع كل من أولمرت ومحمود عباس في محاولة لإعادة الاتصالات الفلسطينية الإسرائيلية بصورة منتظمة، لعلها تنتهي بكسر حلقات عدم الثقة المتبادلة بين الطرفين. في الآن نفسه، كان الحديث متكرّرا حول المبادرة العربية، هل يغيِّـرها القادة العرب وبما يرضي واشنطن وإسرائيل، أم يبقوها على وضعها المعلّـن في قمة بيروت 2002.

وفقا لتحركات رايس قبل القمة مباشرة وفي تحركات أخرى سابقة، فإن المسألة تبدو أكبر من مجرّد تغيير بند أو بندين في هذه المبادرة العتيدة والتي دأب مسؤولون أمريكيون وإسرائيليون على وصفها، تارة بالمبادرة السعودية وأخرى بالعربية، الأولى تعني صيغتها الأصلية، التي لم تتضمن بندين، يخص الأول الحل العادل لقضية اللاجئين وِفقا للقرار الدولي 194، والثاني يخص ضمان منع توطين اللاجئين الفلسطينيين في البلدان العربية التي يقيمون فيها، أما الثاني، أي الصيغة العربية فقد تضمّـنت البندين المذكورين.

من مبادرة إلى إعلان نوايا

هكذا يبدو الهدف الأمريكي ومن ورائه الإسرائيلي المباشر، محددا في تغيير طبيعة هذه المبادرة نفسها وجعلها مجرّد إعلان نوايا عربي وحسب، ثم تغيير أولوياتها والمنطق الذي قامت على أساسه، حيث الأرض مقابل السلام وحدّ أدنى من الحقوق العربية المشروعة، مقابل المصالحة الشاملة، وذلك تحت دعوى مُـراعاة التحفظات الإسرائيلية تارة، والمساعدة على عودة مفاوضات الحل النهائي تارة أخرى، ودفع مصالحة عربية إسرائيلية تارة ثالثة، تغري الإسرائيليين بالانفتاح الشامل على كل العرب وتقديم تنازلات مؤلمة للفلسطينيين لاحقا.

ومثل هذا التنوع في العبارات والأهداف يعني أن الولايات المتحدة لم تحدّد بعد أسلوبا واضحا للتعامل مع المبادرة ولا مع مفاوضات جادة وحقيقية تركِّـز على قضايا الحل النهائي، سواء للقضية الفلسطينية أولا، ثم تمتد إلى البُـعد السوري واللبناني ثانيا.

ومع ذلك، يمكن أن نلاحظ أن الولايات المتحدة وإسرائيل، ولكل أسبابه، باتا يتحدثان على المبادرة العربية بعد أن كانا لا يريان فيها قيمة الحِـبر الذي كُـتبت به، وهو ما يعني أن الذي غيّـر موقفه في الأساس، هم الأمريكيون والإسرائيليون، وحتى لا يُـقال أن التغير كان كاملا، يأتي الحديث عن نِـقاط إيجابية وأخرى واجبة التعديل والتغيير، أي محاولة إيحاء بأن ثمّـة اقتراب أمريكي وإسرائيلي من العرب، وبالتالي، فإن على العرب أن يُـقدموا ثمنا لهذا، ولكنه ثمن باهظ، قوامه نسف المبادرة من أساسها.

رؤية الدولتين وكفى

وفي هذا السياق، فالمؤكد أنه لا يكفي أن يقال أن كُـلا من الرئيس بوش ورايس يسعيان إلى تحقيق نقلة كبرى في الصراع الفلسطيني الإسرائيلي يختمان به حياتهما السياسية، التي اقتربت على النفاذ في نهاية عام 2008، من خلال تطبيق رؤية الدولتين اللّـتين تعيشان في سلام ووئام واستقرار، وهى الرؤية البوشية الشهيرة التي يعتقد الرئيس الأمريكي أنه حقّـق من خلالها تغييرا جذريا في طبيعة الفهم الأمريكي لحل الصراع الفلسطيني الإسرائيلي في المنطقة.

فأية رؤية بحاجة إلى آليات عمل وإلى موارد وإلى اتفاقات ملزمة وإلى جداول زمنية واضحة، وهي شروط تنصّـلت منها الولايات المتحدة وإٍسرائيل على نحو جلي ولا لُـبس فيه، ولا زالت تتنصّـل منها، وتكتفي فقط بالإشادة بهذه الرؤية، وكأنها قد حلّـت الأمور على الأرض.

محاولات عرجاء

هذه المحاولات، سواء ما وُصف بأنه لتغيير المبادرة العربية أو تقديم صفقة للدول العربية المعتدلة، قِـوامها بذل جهود كبرى في المسار الفلسطيني الإسرائيلي مقابل انخراط العرب أو معظمهم، لاسيما الذين يتأثرون بمواقف وتحرّكات القوى العربية الكبرى في عمل عسكري أمريكي، وربما إسرائيلي أيضا لضرب المنشآت النووية الإيرانية، تبدو محاولات عرجاء إلى حد كبير.

فالولايات المتحدة لم تتحرك بجدّية طِـوال السنوات الستّ الماضية، والآن ليس لديها ما تقدِّمه بالنسبة للفلسطينيين، اللّـهم سوى بعض لقاءات ووعود من المسؤولين الإسرائيليين لا يُنفَّـذ منها شيئا، فضلا عن تمسك واشنطن بمحاصرة الشعب الفلسطيني، رغم تشكيل حكومة وحدة وطنية، أكبر من أن يكون لحماس التأثير الأكبر عليها، وهو أمر ضئيل للغاية لا يغري أحدا من العرب أو الفلسطينيين لكي يقلب كل معادلاته لإرضاء إدارة بوش، التي ستذهب، ومعها كل المحافظين الجدد سيئي الصِّـيت، إلى غير رجعة بعد أقل من عامين.

صيغة العشرة.. إنهاك العالم العربي

هذا التحرك الأمريكي المحدود القيمة حتى اللحظة، يمكن أن يفسّـر كل هذه الأفكار التي تُـطرح من أجل تحريك الموقف تحريكا جزئيا وهامشيا أيضا، منها:

صيغة العشرة، أي التي تجمع ما بين الرباعية العربية (مصر والسعودية والأردن والإمارات) والرباعية الدولية (أمريكا وروسيا والأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي) وكل من السلطة الفلسطينية وإسرائيل، مع ملاحظة أن الرباعية العربية يُـنظر إليها ككُـتلة الاعتدال العربية، التي يمكنها أن تقود باقي العرب أو معظمهم للسير في الركاب الأمريكي، إن تقرر ضرب إيران عسكريا.

وأزمة مثل هذه الصيغة، أنها لا تضمن أن تجد التأييد من باقي العرب، بل هي كفيلة، ليس لتقسيم العرب وحسب، بل والإطاحة بكل مظهر للتضامن العربي، وأهم ما فيه التمسّـك بالمبادرة العربية للسلام أو بعبارة أخرى، أنها صيغة لقَـتل التسوية الشاملة وإنهاك العالم العربي، ولذا، لا يوجد من يؤيّـدها، حتى من بين أعضاء الرباعية العربية أنفسهم، على الأقل حتى اللحظة.

تحرك الحد الأدنى.. الواقعية تكسب

أما الصيغة الثانية، فهي الحد الأدنى من التحرك السياسي، حيث تنحصر في اللقاءات المنتظمة بين الإسرائيليين والفلسطينيين، وشخصيا بين محمود عباس وأولمرت للبحث في الأمور الجارية، وأبرزها الأمن والحصار الاقتصادي ورفع المعاناة اليومية عن الفلسطينيين وتأجيل البحث في القضايا الكبرى للمفاوضات، وهو ما أعلنته رايس شخصيا بعد لقاءاتها المكوكية بين رام الله والقدس المحتلة قبل يومين من قمة الرياض العربية.

ورغم ما يبدو، أن هذه الصيغة أقل مما ينتظره الفلسطينيون، الذين يضغطون بشأن أن يكون لهذه المباحثات أفق سياسي واضح ويفضلون أن يكون مرهونا بكامل بنود المبادرة العربية، إلا أنها تبدو أكثر واقعية من غيرها، والأسباب هنا تطُـول الجميع.

فالأمريكيون ليسوا راضين بالكامل عن حكومة الوحدة الوطنية الفلسطينية ويتعاملون معها بالقِـطعة، ومتمسِّـكون بحصارها اقتصاديا، فكيف يمكن والحال هكذا أن تكون هناك مفاوضات لحل نهائي يجب أن يمر على حكومة الوحدة الوطنية نفسها، ناهيك عن أزمة الرئيس بوش الداخلية بسبب ضغوط الكونغرس حول العراق وبرنامج سريع للانسحاب منه، والأهم الاقتراب من نهاية مدة الرئاسة الثانية لبوش وإدارته.

أولمرت.. الضعيف

أما إسرائيليا، فحكومة أولمرت، وهو نفسه شخصيا أضعف من أن يحتمل عملية مفاوضات كبرى ستنطوي حتما على قرارات مصيرية وستكون بحاجة إلى تأييد الرأي العام الإسرائيلي، الذي ينتظر بفارغ الصبر تقرير لجنة فينوغراد الخاصة بتحقيق أوجه القصور في الأداء العسكري والسياسي للحكومة، أثناء العدوان على لبنان الصيف الماضي، وهو التقرير المنتظر أن يُـطيح برؤوس كبيرة، من بينها أولمرت نفسه ووزير دفاعه وقيادات أخرى كثيرة، والمنتظر أيضا أن تنهار حكومة أولمرت وأن تكون هناك حكومة جديدة في غضون شهرين، وربما انهار كذلك حزب كاديما نفسه، وتوقعات سياسية عديدة لا تتيح أبدا بيئة حاضنة لمفاوضات مصيرية.

وبينما يكون الخيار بين البقاء في السلطة وتأجيل المفاوضات مع الفلسطينيين، فالمنطقي أن تُـهمل هذه المفاوضات أو إرضاءً للأمريكيين، يتم التعامل معها في صيغة الحدّ الأدنى، حيث الاتصالات الدورية حول وقائع يومية جارية.

الوضع الفلسطيني.. تطور إيجابي نسبي

يبقى الوضع الفلسطيني نفسه، والذي تطور إيجابيا مع تشكيل الحكومة الوطنية، ولكن على الأرض، ثمة بقايا حساسيات بحاجة إلى علاج، ومن ثم إلى وقت، كما أن انقسامات داخل كل من فتح وحماس تبرُز في أمور عديدة، وهي بدورها بحاجة إلى بعض الوقت حتى يتم تجاوزها، ويصبح الوضع الفلسطيني بكل أجزائه قابلا للدخول في عملية مصيرية كبرى.

إذن العناصر مجتمعة تنتهي إلى أن البيئات المحلية لأطراف الصراع نفسه غير مؤهلة بعدُ لمفاوضات كبرى، وإلى حين استكمال الشروط هنا وهناك، تظل جهود رايس بمثابة تمرين رياضي، وإنما في الوقت الضائع.

د حسن أبو طالب – القاهرة

الرياض (رويترز) – يحيي القادة العرب مبادرة سلام عربية مع اسرائيل حين يعقدون قمتهم في الرياض يوم الاربعاء في مسعى لانهاء الصراع مع اسرائيل الذي ينظر اليه على انه لب مشاكل المنطقة.

وتعقد القمة في ظل توترات اقليمية نظرا لتنامي المخاوف بين الزعماء العرب من هجوم تقوده الولايات المتحدة ضد ايران لرفضها الالتزام بمطالب الامم المتحدة بوقف انشطة نووية مما يزيد من زعزعة الاستقرار بمنطقتهم.

وفي الاشهر الاخيرة أوشك الفلسطينيون ان يسقطوا في براثن حرب أهلية وقاد الصراع في العراق لانقسام السنة والشيعة في المنطقة فيما عانى لبنان من مواجهة سياسية بين الحكومة المدعومة من الغرب والمعارضة التي تساندها ايران وسوريا.

وترى دول عربية حليفة للولايات المتحدة على رأسها السعودية يدا لطهران في العراق ولبنان والاراضي الفلسطينية وتعتبر الصراع العربي الاسرائيلي سببا رئيسيا للتطرف وتهديد استقرار المنطقة.

وتبدأ القمة العربية اعمالها في الساعة 12.30 صباحا (1030 بتوقيت جرينتش) ويحضرها ملوك ورؤساء عرب.

ومن المقرر أن تعرض القمة على اسرائيل تطبيع العلاقات مع كل البلدان العربية اذا انسحبت من كل الاراضي التي احتلتها في حرب عام 1967 وقبلت بقيام دولة فلسطينية ووافقت على “حل عادل” لمشكلة اللاجئين الفلسطينيين.

وعقد العاهل السعودي الملك عبد الله الليلة الماضية اجتماعات مع زعماء عرب من بينهم الرئيس السوري بشار الاسد. وتشهد العلاقات بين البلدين فتورا بسبب تحالف دمشق مع ايران الشيعية ومساندتها لجماعة حزب الله في لبنان.

ولم يكشف عما دار في الاجتماع.

ويهيمن الصراع العربي الاسرائيلي على مسودات قرارات القمة التي تعقد يومي الأربعاء والخميس وتهدف على ما يبدو لتشجيع اسرائيل على اجراء محادثات دون تغيير في نص مبادرة السلام التي طرحت عام 2002.

كما تضع القمة آلية لدعم خطة السلام يمكن أن تمهد الطريق أمام البلدان العربية التي لا ترتبط بعلاقات مع إسرائيل بما فيها السعودية لفتح قنوات اتصال مع الدولة اليهودية وهو هدف قديم للإدارات الأمريكية.

وحث الرئيس الفلسطيني محمود عباس إسرائيل على اغتنام العرض العربي واصفا إياه بأنه آخر فرصة لإسرائيل كي تعيش في سلام وسط العالم العربي والإسلامي.

وقال عباس إن المبادرة تقول ببساطة لإسرائيل إن عليها مغادرة الأراضي المحتلة وستعيش في بحر من السلام من موريتانيا غربا إلى إندونيسيا شرقا.

وتابع أنه يستبعد أن تكون هناك فرصة مشابهة لهذه المبادرة إذا لم تقبل بها إسرائيل.

ولكن المبادرة تواجه عدة عقبات فقد رفضت اسرائيل عناصر رئيسية من بينها العودة المقترحة لحدود 1967 وضم القدس الشرقية للدولة الفلسطينية المقترحة وعودة اللاجئين الفلسطينيين لديارهم في إسرائيل.

وقال الزعيم الليبي معمر القذافي الذي يقاطع القمة لقناة الجزيرة الاخبارية يوم الثلاثاء إن القمة ستبيع الفلسطينيين نتيجة الضعف امام “الإمبراطورية الأمريكية”.

ولحركة المقاومة الإسلامية (حماس) التي ترأس الحكومة الفلسطينية تحفظات على المبادرة ولكن مسؤولين فلسطينيين قالوا إنها قررت الا تعارضها.

ولا يزال يراود العرب شك كبير في قدرة زعمائهم على التوصل لاتفاق يضمن الحد الادنى لمطالب الفلسطينيين لانهاء الصراع الدائر منذ 60 عاما.

من وفاء عمرو

(المصدر: وكالة رويترز بتاريخ 28 مارس 2007)

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية