مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

“ظل حلمي على الدوام أن أصبح منتج أفلام”

رزن طوربيه
تولى رزن طوربيه مسؤولية الإشراف على التواصل الرقمي بالمقر الرئيسي لشركة نيستله الذي يوجد بمدينة فوفي بكانتون فو الواقع غرب سويسرا. Rzn Torbey

يظل بعض المهاجرين عقودا من الزمن يبحثون عن فرصة عمل في سويسرا فلا يظفرون بفرصة تدريب واحدة. أما رزن طربيه، مهاجر سوري مقيم بجنيف، متخصص في علوم الحاسوب والتواصل الرقمي، فلا يكاد يتعاقد مع شركة حتى يجد نفسه في تجربة وظيفية جديدة، أو على مقاعد الدراسة في جامعة أو معهد عال متخصص. شعاره في الحياة "الإيجابية أفضل من السلبية، والطرق السليمة أفضل من الطرق الملتوية". 

سلسلة تجارب مهنية

يطرح حلول الإنسان بمكان لم يألفه من قبل تحديات ومصاعب جمة، قد يسعفه الحظ في بعض الأحيان، فيستأنف رحلة حياته المهنية من حيث توقّف قطارها في بلده الأصلي بيسر وسلاسة.. وقد يجبره الواقع الجديد على بداية المشوار من نقطة الصفر، إن لم يظل يراوح مكانه لسنوات طويلة. وضع المهاجرين العرب في سويسرا ليس استثناءً في هذا الباب، وتكاد تتباين مساراتهم بعدد شخوصهم. swissinfo.ch اختارت الحديث إلى عيّنة منهم، فكانت هذه السلسلة من البورتريهاترابط خارجي.

وعلى خلاف ما هو متعارف عليه بالنسبة للمهاجرين الجدد، لم يستسلم ابن الشام للعراقيل والمصاعب، بل حاول تحقيق أحلامه بأقصى درجات الإيجابية، ليلتحق مؤخرا بمعهد الوسائط الإبداعيةرابط خارجي الشهير بجنيف، إلى جانب عمله بدوام جزئي بإحدى الشركات المتخصصة في التسويق الرقمي لتعلّم اللغات الأجنبيةرابط خارجي.

تذليل العراقيل

 يرى رزن طربيه الذي غادر سوريا إلى الأردن ومنها إلى جنيف بسبب الحرب الأهلية التي اندلعت شرارتها في بلاده في 15 مارس 2011 أن الخطوة الأولى السليمة على الطريق في بلد الإقامة لكل مهاجر هو أن “يبدأ بالتفكير منذ وصوله بأن بلده الأصلي هو بلد إقامته، وليس البلد الذي قدم منه”. 

فالإنتقال من بلد إلى بلد هو وفق هذا الشاب السوري “كالإنتقال من بيت إلى بيت”. ولا يجوز أن يظل الإنسان يفكّر أن بيته هو الذي كان يؤجّره في الماضي وليس الذي يسكنه في الحاضر”. 

أما خطوته الثانية، فكانت العمل على تثمين شهاداته العلمية وخبرته العملية السابقتيْن وإستثمارهما في الإندماج في سوق العمل السويسرية بحكمة. فالمهن في كل البلدان من وجهة نظر طربيه “هي نفسها، لكن الذي يختلف هي الطريقة التي تؤدى بها تلك المهن”، وبالتالي، الامر على حد قوله “لا يتوقّف على سعة المعرفة بل على نمط الثقافة”. فالمهاجر أو اللاجئ لابد أن يفكّر مثلما يفكّر أهل البلد، وعندما “يعمل في بلد ما لابد أن يتماهى مع طريقة عمل أهله”، على حدّ زعمه. 

أما المحدّد الآخر والمهم لهذه المسيرة المميزة فهو ما واكبها من قدرة فائقة على توظيف أدوات التواصل الإجتماعية وأساليب التسويق الرقمي في الحصول على عروض عمل. ويقول طربيه في حديث إلى swissinfo.ch: “مواقع التواصل الاجتماعية إما أن تعزّز التواصل وإما أن تقتله. وكمتخصص في علوم الحاسوب والتسويق الرقمي، أشعر بأن لديّ مسؤولية، وهي ألا أستخدم هذه الوسائط إلا على أكمل وجه”. 

وفي هذا السياق، اعتمد طربيه منصّة الإنستغرامرابط خارجي مثلا للتسويق لأعماله كمصوّر وكمنتج للفيديوهات. أما الفايسبوكرابط خارجي، فهو للتواصل وللإخبار عن نشاطه ومبادراته. ويقول واصفا تجربته في هذا المجال: “لقد تلقيت بفضل الإستخدام السليم لهذه المواقع الكثير من عروض الشغل”. فهي إذن “أدوات تسويق أكثر من كونها أدوات تواصل”.

رزن طربيه برفقة أعضاء من جمعية أستقبال اللاجئين بجنيف
في وقت قصير جدا، نجح هذا المهاجر السوري في الإندماج والتواصل مع محيطه في جنيف. وهنا رزن طربيه مع أعضاء جمعية Essaim لإستقبال طالبي اللجوء المقيمين في جنيف. Rzn Torbey

تجربة مهنية طويلة ومتشعبة 

المسيرة المهنية لهذا الشاب السوري الذي شارف عمره على الثلاثين عاما، ثرية ومتشعبة بدأها، بعد حصوله على الباكلوريوس في مجال علوم الحاسوب وعلى الماجستير في نظم إدارة المعلومات بالمعهد التقاني للحاسوب بجامعة دمشق، بالعمل في قسم المعلوماتية بمركز للتدريب في دمشق (أربع سنوات ونصف)، وفي الأثناء عمل أيضا كمقدّم برامج في مجال المعلوماتية بالتلفزيون السوريرابط خارجي

وعندما غادر إلى الأردن، اشتغل مديرا لقسم التسويق الرقمي لمنتجات شركة LG في الشرقرابط خارجي (في سوريا ولبنان والأردن وفلسطين والعراق). 

أمّا في سويسرا، فأوّل عقد عمل أبرمه كان مع اللجنة الدولية للصليب الأحمررابط خارجي، التي أشرف، وبتكليف منها على انتاج عمل توثيقي سمعي بصري حول قواعد الحرب بسوريا. ورغم العراقيل الإدارية التي اعترضته بوصفه لاجئا حاملا لترخيص إقامة من صنف F، أكمل مهمّته بنجاح في غضون أربعة أشهر. ويقول عن هذا العمل: “كانت تجربة رائعة، انبسطّت لها كثيرا”. 

انضمّ طربيه لاحقا للعمل بالمقرّ الرئيسي لشركة نستليه الدولية العملاقة بمدينة فوفي بكانتون فورابط خارجي، وتعاون على وجه التحديد مع قسم الموظفين بالشركة، حيث أوكلت إليه مسؤولية التواصل الرقمي بين فروع الشركة المنتشرة في أنحاء العالم، والتي توظّف أزيد من 400.000 عامل. فهو الذي يعتني بمحتوى الموقع الإلكتروني للتواصل الداخلي (Intranet) بما في ذلك الرسوم البيانية، والصور الفتوغرافية والفيديوهات، فضلا عن مواقع التواصل الاجتماعية. 

حلم قديم يجد طريقه للتحقق 

ولكن، ورغم أن كل شخص يتمنى العمل مع شركة عملاقة وناجحة مثل نيستله اختار طربيه بمحض إرادته انهاء تعاقده معها في يونيو 2017، مفضّلا الإلتحاق بمعهد الوسائط الإبداعية بجنيفرابط خارجي لمتابعة برنامج تكويني في تخصص الإنتاج الرقمي للأفلام. (توجد لهذا المعهد فروع في أكثر من 26 بلدا، أما في سويسرا فهو موجود في جنيف وفي زيورخ). 

يقول طربيه عن هذا البرنامج التكويني: “كان حلمي على الدوام أن أصبح منتج أفلام. عندما حصلت على الباكلوريا في دمشق عام 2005، بحثت عن مؤسسة لدراسة هذا التخصص، ولكن لم تكن متاحة في سوريا، وكان الحل الوحيد الإلتحاق بأحد فرعيْ المؤسسة التي أنا مسجّل بها الآن، في بيروت أو في عمّان، لكن حال ارتفاع التكاليف دون ذلك، ولحسن الصدف، ها حلمي يتحقق من جديد بعد 12 عاما، وفي نفس المؤسسة التكوينية، ولكن هذه المرة في جنيف”. 

انتاج الفيديو حلم يتحقق
رغم عروض التوظيف المجزية والهامة، أختار طربيه التخصص في الإنتاج الرقمي للأفلام. Rzn Torbey

يستمرّ هذا التدريب الذي هو تطبيقي وميداني في الأساس (تصوير، مونتاج، إخراج،..) سنتان أو ثلاث سنوات، يتخرّج بعدها الطالب مخرج أفلام أو مساعد مخرج أو مصوّر، أو مختص في الإضاءة، أو واضع سيناريوهات،.. 

لكن ما أسباب الإصرار على التخصص في هذا المجال؟ يجيب رزن طربيه: “الفيلم أو الفيديو بالنسبة لي هو أفضل طريقة للتواصل. فالصورة لوحدها لا تعبّر بشكل كاف، والنص بات متجاوزا، الفيديو وحده قادر اليوم على إيصال الرسائل بشكل مؤثّر ومباشر”. لكن المبرّر ليس هذا فقط، فالشاب السوري يريد “التمكّن من تقنية انتاج الفيديوهات لاستخدامها لأغراض إنسانية، واجتماعية، وربما أيضا تسويقية إشهارية”. 

في الأثناء، عثر رزن طربيه، بعد مغادرته نستليه، على عمل جديد بدوام جزئي بشركة Supercomm، ومقرّها بجنيف، والتي تطوّر أنظمة رقمية خاصة بتعليم اللغات لتستخدم لاحقا في مساعدة موظفي الشركات الكبرى على تعلّم اللغات الاجنبية. ويتولى طربيه داخل هذه المجموعة الإشراف على الموقع الإلكتروني للشركة، ويتكفّل بكل ما هو انتاج سمعي بصري، وكل ما هو تواصل وتسويق رقمي. 

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية