مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

رغم ارتفاع الطلبات.. سويسرا لا تواجه أزمـة لـجُـوء

لاجئ سوداني يتناول فطور الصباح باحد مراكز إيواء اللاجئين بلوزان Keystone

على الرغم من الزيادة الملحوظة في عدد طالبي اللجوء إلى سويسرا منذ بداية العام الجاري، لا يرى الخبراء أي مبرر للحديث عن وجود أزمة بهذا الشأن.

وصل إلى سويسرا منذ بداية عام 2011 أزيد من 8.000 لاجئ. وبلغ هذا العدد في شهر مايو الماضي فقط 2.254 طالب لجوء، كان أغلبهم من رعايا بلدان شمال إفريقيا، بحسب مصادر المكتب الفدرالي للهجرة في العاصمة برن.

وتبحث السلطات السويسرية عن السبل المثلى للتعامل مع تدفق أناس بائسين يبحثون عن شروط حياة أفضل. وفي الأسبوع الماضي، اتهم مدراء أجهزة العدل والشرطة في الكانتونات الست والعشرين السلطات الفدرالية بإنفاق وقت طويل في معالجة مطالب اللجوء، وبالتسرّع في توزيع نزلاء المراكز الفدرالية (الواقعة في مناطق حدودية عادة) لتسجيل طالبي اللجوء على الكانتونات.

وزيرة العدل والشرطة، سيمونيتا سوماروغا ردت على ذلك بالتشديد على ضرورة تسريع البت في مطالب اللجوء المقدمة، ومعاقبة طالبي اللجوء الذين لا ينضبطون للقوانين الساري العمل بها. وأوضحت سوماروغا، في حوار أجرته معها صحيفة سونتاغس بليك (تصدر بالألمانية في زيورخ) الأسبوعية: “حتى الآن، لا تزال سياسة اللجوء إلتزاما مشتركا بين الحكومة الفدرالية والكانتونات والبلديات”.

لا وجود لأزمة

 تنفي دينيس إيفيونايي – مادار، نائبة مدير المنتدى السويسري لدراسات الهجرة والسكان، التابع لجامعة نوشاتيل، نفيا قاطعا أن يكون ملف اللجوء يمرّ حاليا بأزمة حرجة كما كان الحال في سنوات سابقة.

وقالت في حديث إلى swissinfo.ch: “لا أعتقد أننا بصدد وضع إستثنائي في هذه اللحظة. كان هناك بإستمرار مشكلات تنظيمية، ومن هناك تم تسييس الموضوع برمته”.

وتشير إيفيونايي – مادار إلى أن عملية “إعادة هيكلة المكتب الفدرالي للهجرة التي بدأت في شهر سبتمبر 2010، استغرقت الكثير من الجهود، ولم تُسخر الكثير من الطاقات للأعمال والمهام المعتادة، ومثل بالتأكيد جزءًا من المشكلة. في نفس الوقت أضافت الظروف المحيطة بالربيع العربي بعض القلق”.

الشيء نفسه أكدته أيضا ساندرا لافاناكس، أستاذة العلوم السياسية بجامعة لوتسرن، حيث أشارت إلى أن الموجة الحالية من اللاجئين هي أقل عددا وأهمية من الموجات السابقة. وتضيف أستاذة العلوم السياسية أنه “إذا نظرنا إلى الإحصاءات، نجد أن عدد طالبي اللجوء في أوروبا قد تراجع بشكل كبير جدا منذ السنوات الأولى من عقد التسعينات”.

وتواصل ساندرا لافانكس قائلة: “وجدت البلدان الأوروبية العديد من الطرق لجعل نظام اللجوء أقل جاذبية، ووصول طالبي اللجوء أكثر صعوبة، بما في ذلك الذين تتوفّر فيهم فعلا صفة اللجوء. ورغم ذلك، يبدو أن موضوع اللجوء لا يزال يُستخدم كحصان طروادة من بعض الأطراف أثناء الحملات الإنتخابية”.

ولوضع المسألة في سياقها التاريخي، تقول إيفيونايي – مادار: “خلال حروب البلقان، كان عدد اللاجئين كبيرا جدا، حيث كان هناك الكثير منهم بحاجة للمساعدة. ففي الفترة الفاصلة بين 1991 و1999، كان بالإمكان الحديث عن أزمة حقيقية. أما اليوم، فالوضع مختلف جدا عما كان عليه آنذاك، لا أعتقد أنه بالإمكان الحديث الآن عن أزمة”.

قواعد دبلن

جغرافيا، تتوسط سويسرا خمس بلدان أوروبية تحيط بها من كل جانب، وبشكل عام لا يجب عليها التعامل مع اللاجئين الذين سبق لهم أن مرّوا – قبل وصولهم إلى أراضي الكنفدرالية – بإحدى البلدان الأوروبية الأخرى. وحسبما تنص عليه بنود اتفاقية دبلن، فمن المفترض أن يتقدم اللاجئون بطلباتهم إلى أي بلد عضو في الإتفاقية يصلون إليه أولا.

وقالت لافاناكس في هذا الإطار: “تضع قواعد دبلن عبئا ثقيلا على كاهل البلدان المحاذية لسويسرا. وبالطبع تستفيد هذه الأخيرة من هذا النظام بوصفها محميّة من قبل البلدان التي تشكل الحدود الخارجية للإتحاد الأوروبي. ويبقى تدفّق اللاجئين على سويسرا نسبيا محدودا”.

وحتى في صورة تمكن طالبي اللجوء من الوصول إلى البلدان المجاورة، يحق للسلطات المحلية في هذه الحالة إعادة ترحيلهم إلى البلد الأوّل الذي نزلوا به. وتضيف لافاناكس: “لقد أصبح من الواضح خلال السنوات القليلة الماضية أن قواعد دبلن لا تعمل بشكل جيّد وتقدم اليونان مثالا جيدا على ذلك. فقد تم تعليق إعادة طالبي اللجوء إلى اليونان بمقتضى نظام دبلن بعد صدور حكم من المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان يمنع ذلك”.

وأوضحت أستاذة العلوم السياسية بجامعة لوتسرن، أن نهج الإتحاد الأوروبي في توزيع المسؤوليات، ونقلها من طرف إلى آخر، تكون مثار جدل في بعض الأحيان، ويحصل ذلك من دون التأكد من قدرة البلدان الأعضاء على تنفيذ المعايير بفعالية وبشكل دقيق في ما يتعلق بإجراءات اللجوء وشروط الإستقبال.

وتشدد لافاناكس قائلة: “أعتقد أن القاعدة التي تنص على أن البلد الاوّل الذي يصل إليه اللاجئ هو الذي يجب أن يتكفّل بالنظر في مطلبه قاعدة غير متوازنة بشكل جيّد. ومن الناحية النظرية، يجعل الإلتزام بقواعد دبلن بلدانا مثل سويسرا وألمانيا غير مطالبتيْن بدراسة مطالب القادمين إليها باستثناء الذين يصلون إليها على متن طائرة”.

الربيع العربي.. والمخاوف

في الفترة الحالية، ينحدر أغلب اللاجئين الذين يصلون إلى أوروبا من بلدان شمال إفريقيا. وفي الوقت الذي أشاد كثيرون بثورات بلدان عربية مثل تونس ومصر وليبيا، عبّر آخرون عن انزعاجهم من احتمال تقاسمهم للثروة مع الآخرين.

وتقول إيفيونايي- مادار: “أعتقد أنه كان من المؤسف، في ما يتعلق بالربيع العربي، أن رد الفعل القوي الأوّل في أوروبا على الثورات العربية، كان هذا الخوف من تدفق اللاجئين في المستقبل. بالطبع، البعض من هؤلاء اللاجئين يفرون من وجه أخطار حقيقية، لكن غيرهم يأتون لأسباب إقتصادية”.

وتذهب الخبيرة إلى أنه لا يمكن حل هذا المشكل عبر إعادة النظر في اجراءات وسياسات اللجوء وترى أنه “لابد من اتباع نهج آخر، مثل فتح باب الهجرة القانونية، وهو ما يتطلب إبداع سياسات (هجرة) خلاّقة”. من جهة أخرى، تعتقد السيدة إيفيونايي- مادار أن الأنظمة الجديدة في العالم العربي تحتاج إلى الدعم، بالإستماع أوّلا إلى احتياجاتها، وإتاحة فرصة لرعاياها للهجرة من اجل تحسين أوضاعهم الحياتية، تاليا.

وفي المُحصّلة، تقول ساندرا لافاناكس، أستاذة العلوم السياسية بجامعة لوتسرن: “المشكلة أن هناك الكثير من اللغط حاليا في البلدان الاوروبية. في الماضي تعاونت البلدان الأوروبية بشكل وثيق جدا مع الأنظمة الاستبدادية في البلدان العربية لمكافحة الهجرة. ولا يمكننا أن نتوقّع أن المجتمعات التي أصبحت ديمقراطية حديثا سوف تقبل القيام بدوريات على حدودها لمنع مواطنيها من الهجرة، فالسفر ومغادرة الأوطان حق من حقوق الإنسان الأساسية”.

تقدم ما بين شهريْ يناير ومايو 2011 حوالي 8120 أجنبي بطلبات لجوء إلى سويسرا.

في شهر مايو لوحده، بلغ عدد طالبي اللجوء 2.254 شخصا، ما يمثل زيادة بنسبة 51% مقارنة بشهر أبريل من السنة نفسها.

معظم طلبات اللجوء التي قدمت خلال عام 2011، كانت من طرف رعايا إيريتريين (1.645)، يليهم التونسيون (758).

قالت وزارة العدل والشرطة إن سويسرا مستعدة لتوفير الحماية للاجئين الفارين من النزاع المسلح في ليبيا، لكنها لن تقبل طلبات اللاجئين التونسيين لإسباب إقتصادية.

رغم أن الأشهر الأخيرة شهدت زيادة ملحوظة في عدد اللاجئين، لكن الإحصاءات المتداولة لم تصل بعدُ إلى المستوى الذي بلغته سنة 1999 خلال حروب البلقان.

في مايو 2011، بلغ عدد طالبي اللجوء على سويسرا 38.000 نسمة، في حين وصل هذا العدد في مايو 1999 ما يربو عن 104.000 لاجئا.

في موفى 2010، بلغ عدد المشردين في جميع انحاء العالم 43.7 مليون مشرد مقابل 43.3 مليون سنة 2009، وذلك وفقا لمصادر المفوّضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين.

  

فرّ من هؤلاء النازحين 15.4% إلى بلدان اخرى، في حين إستقر 80% منهم في أماكن قريبة من ديارهم في البلدان النامية.

بالإضافة إلى ذلك، نزح 27.5 مليون نسمة عن مناطقهم ، لكنهم لم يغادروا بلدانهم الأصلية.

وصل عدد طالبي اللجوء الذين تقدموا بطلبات تحت هويات أخرى إلى 850.000 نسمة.

يتجاوز عدد الأطفال الذين تقل أعمارهم عن 18 سنة نسبة النصف بقليل من إجمالي عدد اللاجئين في العالم.

أكبر مجموعة من اللاجئين في العالم تُسجل في صفوف السكان الأفغان (3 مليون) الذين تركوا بلدهم منذ عدة سنوات بسبب النزاعات والحروب.

في موفى 2010، بلغ عدد اللاجئين في أوروبا 1.6 مليون شخص، أي بزيادة 40.700 نسمة مقارنة بالعام الفائت.

وفي آسيا، كان هناك حوالي 4 مليون لاجئ مقابل 2.1 مليون لاجئ في إفريقيا، و7 ملايين نسمة في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، و800.000 في أمريكا الشمالية وامريكا اللاتينية.

(نقله من الإنجليزية وعالجه: عبد الحفيظ العبدلي)

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية