مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

رغم التضييقات.. تفاؤُل حذر بقرب نهاية انتِـكاسة الإعلام المغاربي

صحف عديدة وعناوين كثيرة متاحة للقراء في البلدان المغاربية لكن الرقابة والضغوط على الإعلاميين لا زالت قائمة بدرجات متفاوتة

لاح أخيرا في سماء الصحافة المغاربية طائر السَّـنوْنَـو بعد غِـياب استمرّ سنوات، نتيجة تصاعُـد الاحتقان بين الإعلاميين والسلطات. وعلى عكس الغربان التي نعقت طويلا بين آثار الصحف المُـقفلة وحلّـقت فوق السجون التي احتُجز داخلها إعلاميون كُثر، حمل طيران السَّـنونو من المغرب الأقصى بارقة أمل، ربّـما تشي باقتراب الفرج، إيذانا بربيع إعلامي جديد.

وتزامن تحليقه مع عقْـد المُـناظرة (الندوة) الوطنية عن الإعلام والمجتمع، التي شارك فيها جميع الفرقاء في المشهد الإعلامي المغربي، بحثا عن خارطة طريق تضع حدّا للتّـدافع الذي سيْـطر على الساحة الإعلامية طيلة الفترة الماضية.

وأشَـرت مبادرة الدّعوة للندوة وإفساح المجال أمام الجميع للمشاركة في أعمالها بحرية على انعطاف في التعامل مع المنتقِـدين والمغرِّدين خارج السّـرب عموما، وهذا ليس الطابع المُميّـز لعلاقة السلطات في البلدان المغاربية الأخرى مع إعلامييها، حيث نالوا نصيبا وافِـرا من المُـلاحقات والمحاكمات، وتعرّضوا لأنواع من العراقيل تقهقَـرت بهامِـش حرية التعبير إلى مربّـع ضيِّـق، مثلما نبّـهت إلى ذلك جميع التقارير الدولية الصّـادرة في هذا الشأن منذ مطلع السنة.

غير أن بعض المعلِّـقين رأوا في المُـبادرة المغربية مُـناورة تكتيكية سبَـقت اجتماع القمّـة مع بلدان الإتحاد الأوروبي في غرناطة يوم 8 مارس الجاري، انطلاقا من المذكّـرة التي كان وجّـهها الإتحاد إلى الحكومة المغربية للتّـعبير عن قلقِـه من تدهْـور حرية الإعلام.

وحثّـت المفوضية الأوروبية مؤخّـرا الرباط في وثيقة داخلية على إدخال إصلاحات جوهرية في مجالَـي القضاء وحرية الصحافة، “لتقريب المسافة مع الإتحاد”، وأقرّت الوثيقة بأن المغرب “حقّـق بعض التقدّم في مجالات محدودة”، غير أنها شدّدت على أن الإتحاد “يُـولي أهمِـية حاسِـمة لإرساء نظام قضائي مستقِـل وشفّـاف، وكذلك لتعزيز حرية التعبير وحِـماية مصادر الأخبار”.

وبشكل أوضح، أشارت الوثيقة على الرباط بأن تسن قانونا جديدا للصحافة “يكون منسجِـما مع المعايير الدولية في هذا المجال وتُـغيِّـب منه تماما العقوبات الجسَـدية (العقوبات السالِـبة للحرية) في حقّ الصحفيين”. ولم يكن خافِـيا من خلال الانتقادات العلَـنية أن العلاقات أصابَـها انكِـماش واضح في الفترة الأخيرة مع تصاعُـد المُـلاحقات القضائية والأمنية في حق الصحفيين، ومحاولة إسكات الصُّـحف التي ترفع نبْـرة النقد للحُـكم، وخاصة للمؤسسة الملَـكية.

ويُصرّ الأوروبيون على وقْـف ما يعتبرونه اعتداءات على حرية التعبير، خاصة بعد الضّـغط على بعض الناشرين أو الصحفيين، لإرغامهم على كشْـف مصادر معلوماتهم. ويقول الأوروبيون، إن الضمانة لمنْـع العودة إلى اضطهاد صحفيين من أمثال أبو بكر الجامعي وعلي أنوزلا وتوفيق بوعشرين وعلي المرابط، هو سنّ قانون جديد للصحافة يُلغي بالكامل تسليط العقوبات الجسدية على الصحفيين، بالإضافة إلى العمل على تحديث المؤسسة القضائية وضمان أسباب استقلالها، لكن مستشار “اللجنة الدولية لحماية الصحفيين” (مقرها في نيويورك)، كمال العبيدي، الكاتب الصحفي اعتبَـر الندوة المخصّـصة للإعلام في المغرب، مؤشرا على تغيير الاتجاه والتخفيف من حدّة الصِّـدام مع الصحفيين والناشرين، وقال في تصريح خاص لـ swissinfo.ch “إن اللجنة الدولية لحماية الصحفيين، لاحظت تراجعا مُـتواصلا للحريات الإعلامية في المغرب منذ 2007، بل منذ 2005، مع بروز ظواهر جديدة، مثل منْـع صحفيين من الكتابة، كما هو حال علي المرابط اللاّجئ حاليا في إسبانيا، وتوظيف غرامات باهظة على المؤسسات الإعلامية لتعجيزها أسوة بـ (الجريدة الأسبوعية)، التي اضطُـر رئيس تحريرها علي عمار وناشرها أبو بكر الجامعي إلى الاستقرار مؤقتا في إسبانيا بعد الحجْـز على حساباتهما المصرفية، وهو ما يجعلهما مُهدّديْـن بالاعتقال، إذا ما عادا إلى البلد بسبب عجزهما عن سداد الغرامات”.

وفي ضربة قوية لحرية الصحافة قرّرت السلطات القضائية يوم 3 فبراير الماضي إقفال الصحيفة الأسبوعية المستقلة “الجريدة” (Journal Hebdomadaire Le) وختْـم مقرها بالشّـمع الأحمر، لعجزها عن تسديد ديُـونها. وأعلن مديرها أبو بكر الجامعي في مؤتمر صحفي عقده في الدار البيضاء على إثر تنفيذ تلك الإجراءات، أنه قرّر “الهجرة الطوعية والتوقّـف عن ممارسة مهنة الصحافة”، بعد ما تعرّضت له صحيفته.

وكالعادة، استخدمت السلطات ورقتَـي الضرائب والضّـمان الاجتماعي للانقضاض على الصحيفة المعروفة بجُـرأتها، إذ بلغت الدّيون المُـتراكمة على شركة “ميديا تروست” الناشرة للصحيفة (18 ألف نسخة أسبوعيا) تُـجاه صندوق الضمان الاجتماعي وإدارة الجِـباية وبعض البنوك 450 ألف يورو.

واعتبر الجامعي أن “اغتِـيال الجريدة الأسبوعية ينبغي أن يكون منطلقا لحوارٍ وطني حول حرية الإعلام”، أما صندوق الضمان الاجتماعي فقال في بيان صحفي، إن الديون تراكَـمت على الصحيفة “إلى درجة استوْجبت القِـيام بالإجراءات التي يقتضيها القانون لاستخلاصها، ممّـا يجعل القضية تجارية بحتة”. والجدير بالذِّكر أن “الجريدة” التي بدأت الصدور في عام 1997 اتّـسمت بجُـرأتها وإقدامها على تجاوُز كثير من الخطوط الحمراء، وخاصة في الشؤون السياسية الداخلية للمغرب. ورأى العبيدي أن هناك من بين مُـستشارِي الملك محمد السادس، مُعجبين بالأسلوب التونسي في إدارة الملف الإعلامي، مؤكِّـدا أن بعض الجهات لديها حسابات تسعى لتصفيتها مع الصحفيين.

وضرب مثلا بالتشفِّـي من الصحفي علي عمار، الذي أصدر كتابا في فرنسا تضمّـن تقويما نقديا لحصاد العقد الأول من عهد الملك محمد السادس، وهو كتاب محظور في المغرب، غير أن السلطات أرادت أن يُسدّد فاتورة تأليف الكتاب بشلّ الصحيفة، التي يرأس تحريرها، بحسب رأي العبيدي. وانتقد أيضا بروز ظاهرة أخرى تمثّـلت في انزياح نقابة الصحفيين عن نهْـجها السابق، مما جعلها تغدو “أقرب للحكومة منها للصحفيين”، وأشار إلى أن المسؤولين المغاربة أُسْـوة بوزير الاتصال خالد الناصري، ما زالوا يعتبرون بلدهم الأفضل في المِـنطقة على صعيد الحريات الإعلامية.

خطوط حمراء

وكانت منظمات حقوقية دولية منها “هيومن رايتس ووتش” ذكرت أن حرية التعبير بالمغرب تراجعت خلال السنة الماضية، حيث قالت المنظمة إن “هامش الحرية بات ضيِّـقا في ظلِّ استمرار مُـسلسل اعتقال الصحفيين بتُـهم نشر أخبار كاذبة وسريان العمل بمنطق الخطوط الحمراء، التي تحدّ من حرية التعبير”.

وقال إريك غولدشتاين، أحد المسؤولين عن المنظمة في مؤتمر صحفي عقده بالعاصمة الرباط في وقت سابق من العام الجاري، “إن هناك تراجُـعا في حرية التعبير بالمغرب، مقارنة مع بداية الألفية الحالية”.

وتزامن صدور تقرير منظمة “هيومن رايتس ووتش”، الذي أكّـد أن حرية التعبير في المغرب تراجعت مع توقّـف المدوِّنين عن الكتابة لمدّة أسبوع، تعبيرا عن رفْـضهم لِما قالوا إنه “تراجع لحرية التعبير واعتقال وسِـجن المدوِّنين والصحفيين”. وكان لافتا أن بعض المدوِّنين اختاروا توشيح مواقع مدوّناتهم بالسواد، تعبيرا عن التّـنديد بما اعتبروه “تراجعا لهامش الحرية من خلال الزجّ بعدد من المدوِّنين والصحفيين في السجون”.

وقال سعيد بن جبلي، رئيس جمعية المدوِّنين المغاربة في تصريحات صحفية، إن الامتناع عن الكتابة كان “رسالة إلى السلطات لحثِّـها على ضرورة التوقّـف عن الممارسات القديمة والكفّ عن أساليب ترهيب المدوّنين والصحفيين”. واتّهم بن جبلي الحكومة بـ “توظيف القضاء ليكون سيْـفا مسلَّـطا على رِقاب الصحفيين في سعْـي لتكمِـيم الأفواه والحدّ من انتقاد السلطات”. مع ذلك، علّـق قطاع واسع من الإعلاميين المغاربة آمالا كبيرة على نتائج الندوة الأخيرة، متوقّـعين أن تستجيب السلطات لكثير من المطالب والإصلاحات التي تقدّموا بها، وستوضع هذه المُـراهنة على مِحكّ الاختبار في الفترة المقبلة.

في البلدان المجاورة

أما في البلدان المجاورة، فلا تلوح بشائِـر مماثلة، بل على العكس خابت الآمال التي علّـقها الصحفيون على دَور القطاع الخاص في حلحلة الأوضاع وكسْـر احتِـكار المشهد الإعلامي. ففي ليبيا استعاد القطاع العام، واستطرادا الحرس القديم، السيْـطرة على مجموعة “الغد” الإعلامية، التي أسسها سيف الإسلام معمر القذافي سنة 2007، فتمّ إلحاق قناة “الليبية” الخاصة، التي كانت تبُـث من لندن بهيئة إذاعة “الجماهيرية” الرّتيبة، واحتجبت صحيفتا “أويا” في طرابلس و”قورينا” في بنغازي، لتتحوّلا إلى صحيفتين إلكترونيتيْـن تتْـبعان لمؤسسة الصحافة العامة، بعدما اعتاد القرّاء من خلالهما على نمَـط جديد من الصحافة لم يألفوه في “الزّحف الأخضر” و”الشمس” و”الفجر الجديد” و”الجماهيرية”، ذات النزعة الستالينية. ولم تقدِّم وسائل الإعلام الرسمية أية أسباب لتعليل ذلك التراجع، لكن محطات إخبارية عربية قالت إن قناة “الليبية” الفضائية كانت على وشك أن تبث تقريراً حول استخدام نظام التعذيب ضد معارضيه واضطهاده لَـهم. وذكر صحفيون أن السلطات المصرية تذمَّـرت أيضاً من ملاحظات نقدية للمعلِّـق حمدي قنديل، بُثت على الهواء في تلك القناة.

وأشار التقرير السنوي لـ “اللجنة الدولية لحماية الصحفيين” أن مكتب المدَّعى العام اعتاد على استدعاء الصحفيين للاستجواب عدّة مرات، وكثيراً ما أجبرهم ذلك على السَّـفر لمسافات طويلة، دون إعطائهم إشعاراً زمنياً كافياً. وكان صحفيو مؤسسة الغد من بين أولئك الذين استدعاهم المدَّعي العام الحكومي للاستجواب، حسب الرابطة الليبية لحقوق الإنسان المؤلفة من مجموعة من الأكاديميين والكتَّـاب المنفِـيين.

وفي السياق نفسه، ذكرت “مبادرة الشبكة المفتوحة” (OpenNet Initiative)، وهي شراكة أكاديمية تُـعنى بدراسة الرقابة على شبكة الإنترنت، أنه “تبيَّن أن عدداً من المواقع المستقلة أو المؤيِّـدة للمعارضة على الإنترنت، تتعرّض بصورة متقطّـعة للقرْصنة والتَّـشويه، ويتِـم استبدال محتوياتِها بمواد مؤيّـدة للزعيم الليبي”. وقالت المبادرة، إن عدد المدوِّنات قليل وإنها تميل إلى التركيز على الثقافة والأدب، بدلاً من السياسة.

لكن على رغْـم استمرار إحكام السلطات الأمنية قبْـضتها على وسائل الإعلام، ذكرت تقارير صحفية في فبراير من العام الماضي أن أكثر من 60 أكاديمياً وصحفياً اشتركوا في التوقيع على التِـماس يستنكِـر “المُـضايقة القضائية”. ولقي صحفي مشارِك في إنتاج البرنامج الاجتماعي “صباح الخير بنغازي”، الذي تبثه إذاعة بنغازي المحلية، صدا من مدير المحطة عن الوصول إلى مكتبه والاستمرار بممارسة عمله، بسبب بث تحقيق اعتُـبر قذفا. ودافع الصحفي عن برنامجه النّـقدي في تصريحات لقناة “الجزيرة” مؤكِّـدا أن الإدارة كانت تستهدِف عرقلته عن الاستمرار في بث انتقادات أحرجَـت جِـهات متنفذة. وفرضت الإدارة إجراءات عقابية على الصحفي، ولعبت تلك الهزّة دورا سلبيا في إحباط الإعلاميين وكسْـر حماستهم للتجديد والتطوير. وكان صحفيو الغد من بين أولئك الذين تمّ استدعاؤهم للاستجواب من قِـبل الإدِّعاء العام الحكومي، حسب الرابطة الليبية لحقوق الإنسان، وهي مجموعة من الأكاديميين والكتّـاب المنفِـيِّـين.

رقابة في الداخل ونفوذ في الخارج

أكثر من ذلك، لاحظت “اللجنة الدولية لحماية الصحفيين” أن السفارة الليبية في الرباط أقنعت النيابة العامة المغربية بتوجيه تُـهمة تشويه السُّـمعة ضدّ ثلاث صحف في المغرب هي “المسائية” و”الجريدة الأولى” و”الأحداث المغربية”، وكانت الصحف الثلاث نشرت تعاليق انتقدت صعود القذافي إلى السلطة وأطروحته السياسية “الكتاب الأخضر” والاعتقالات التي حدثت في ليبيا. وحكمت محكمة الدار البيضاء في يونيو على كلِّ صحيفة من الصحف الثلاث بدفع غرامة قيمتها 100,000 درهم (12,500 دولار أمريكي) وتعويضات عن الأضرار بقيمة مليون درهم (125,000 دولار أمريكي) بسبب “الإساءة لكرامة” الزعيم الليبي. وأظهر بحْـث أجرته لجنة حماية الصحفيين أن المحاكم المغربية يُـؤخذ عليها عدم استقلاليتها واستجابتها للتأثيرات السياسية، وهي ظاهِـرة مشتركة في البلدان المغاربية الخمسة.

وعزا مراقبون قوّة نفوذ القذافي في البلدان المجاورة إلى أهمية الاستثمارات الليبية وحجْـم المبادلات التجارية الثنائية، ما يجعل الحكومات تخشى من ردود الفعل إذا لم تستجـب إلى الضغوط الليبية بالتأثير على قرار المحكمة. وأثار الحُـكم على الصحف الثلاث غضَـباً في أوساط الصحفيين وجماعات حقوق الإنسان، لأنهم رأوا فيه “محاولة لتكميم أفواه الصحف الجريئة”. وللنظام الليبي سوابِـق في الدّفع بقضايا تشويه السُّـمعة في دول له فيها آذان صاغِـية، إذ رفع دعاوى قضائية ضدّ صحفيين مصريين عامَـيْ 2004 و2007 وضد صحيفة يومية جزائرية عام 2006 وضد رئيس تحرير صحيفة مغربي عام 2004.

انتخابات وتوقيفان

ولم تسلَـم الجزائر من موْجَـة الحملات على الصحافة، إذ لوحظ نزولٌ تدريجي لسقْـف الحريات الإعلامية وتضييق مُـتسارع لمربّـع النقد خلال السنوات الأخيرة، وخاصة بعد التجديد للرئيس عبد العزيز بوتفليقة في انتخابات أبريل من العام الماضي، إلا أن أوضاع جارتها تونس كانت أسوأ بمِـنظار المنظمات الدولية المعنِـية بالدفاع عن الصحفيين أسوة بمنظمة “البند 19″ و”الإتحاد الدولي للصحفيين” و”مراسلون بلا حدود”. وطالب الاتحاد الدولي للصحفيين الحكومة التونسية بضمان حرية الصحفيين توفيق بن بريك وزهير مخلوف وفاهم بوكدوس، وإنهاء ما سمَّـاه “مناخ التّـرهيب”، الذي تشهده الصحافة في البلد منذ الانتخابات الرئاسية التي أجريت في نوفمبر الماضي والتي حصل بمُـوجبها الرئيس بن علي على ولاية خامسة تستمِـر إلى عام 2014.

وقال أيدن وايت، أمين عام الإتحاد الذي يوجد مقره في بروكسل “على السلطات أن تتوقّـف عن ملاحقة الصحفيين الناقدين ووضع حدٍّ لحالة الترهيب”. وعبر الإتحاد عن رفضه النتائج المترتّـبة على مؤتمر استثنائي للنقابة الوطنية للصحفيين، حمل عناصر مقرّبة من الحكم إلى قيادة النقابة في أغسطس الماضي، مُزيحا فريق المستقلِّـين بقيادة رئيس النقابة ناجي البغوري الذي استُـبدل بأحد الصحفيين الرسميين. وحثّ الإتحاد على “عقد مؤتمر شامل جديد للنقابة من أجل وضعِ حدٍّ للانقسامات التي أعاقت المجتمع الصحفي”، منذ مؤتمر الصيف الماضي.

وحُـكِـم على توفيق بن بريك بالسِّـجن لمدة ستة أشهر بتُـهمة الاعتداء، وجاء توقيفه في أعقاب نشر مقالات لاذِعة في صُـحف ومواقِـع فرنسية قُـبيل الانتخابات الأخيرة. أما زميله زهير مخلوف، فحُـكم عليه بالسِّـجن لمدّة أربع أشهر لنشره تقريرا على الإنترنت عن المشاكل البيئية والاقتصادية والاجتماعية في المنطقة الصناعية بمدينة نابل. وتعرّض العديد من الصحفيين الآخرين للاعتداء والرقابة والمُـضايقات، بحسب تقارير لمنظمات حقوقية، فيما انتقدت صحف المعارضة الثلاثة تعرّضها للخنق بتشديد الحِـصار التوزيعي عليها وحجْـب الإعلانات عنها، ما حملها على الاحتجاب أسبوعا احتِـجاجا على تلك المضايقات.

وعزا ناجي البغوري الهجمة التي استهدفت الإعلام والصحفيين في الفترة الأخيرة في المغرب العربي، إلى أن الإعلام هو المِـرآة التي تعكِـس أي حراك أو تطوّر في المجتمع. وقال في تصريح خاص لـ swissinfo.ch: “شهِـدت الفترة الأخيرة محاولات للتطوير الديمقراطي في بلداننا المغاربية، وكل انتكاسة لتلك المحاولات تنعكس أوّل ما تنعكس في الإعلام، من أجْـل قتلها في المهْـد، لأنه هو الصورة المكثّـفة لتلك الأنفاس الجديدة، وبالتالي، فأي ردّة سُـرعان ما تنعكِـس تشوّها في الوجه الذي هو الإعلام”. واستدل على صحة هذه الرُّؤية بالتجربة المغربية التي قال إنها أبصرت دفعة انفتاحية في السنوات الثمان الأخيرة، لكنها انتكسَـت بعد ذلك، وكان الإعلام هو الشاشة التي انعكَـس على صفحتها، الاتجاهان على صفحة ديمقراطية.

وسارت موريتانيا على خطٍّ غيْـر بعيد عن المساريْـن التونسي والمغربي، إذ سعى الحُـكم الجديد برئاسة الجنرال محمد ولد عبد العزيز إلى ضبط الساحة الإعلامية وترويض المُـشاكسين بالجزرة تارةً والعصا طوراً آخر. ولوحظ تقريب بعض الصحفيين من دوائر الحُـكم وضمِّـهم إلى “الأكثرية الرئاسية”، مع ما يستتبع ذلك التبنِّـي من مناصب وامتيازات.

وفي المقابل، تمّ التضييق على آخرين وإيداع بعضهم السِّـجن. وحكم القضاء الموريتاني في الرابع من فبراير الماضي على حنفي ولد دحاح، مدير الموقع الإلكتروني “التقدّمي” بالسِّـجن سنتين وستة أشهر بعد اتهامه بـ “التحريض على التمرّد والقذف والمساس بالأخلاق الحميدة”، وهي من فِـئة التُّـهم الفضفاضة التي يُـمكن توليدها، كي تُغطِّـي حتى كِـتابات المُـوالين للحُـكم عند الاقتضاء.

لكن ولد الدحاح غادر السِّـجن في 24 ديسمبر الماضي بمُـوجب عفْـو أصدره الرئيس محمد ولد عبد العزيز بمناسبة المولد النبوي الشريف، وشمل العفو مائة من سُـجناء الحقّ العام، فيما عزا هو قرار الإفراج إلى “الضغوط التي مارسها الصحفيون”. كما أفاد الإعلامي خليل ولد أجدود swissinfo.ch أن محكمة أخرى قضَـت بتغريم الصحفي عبد القدّوس ولد عبيدنا مبلَـغا باهِـظا لصالح رجل الأعمال المتنفذ ولد عماتو، وهو ابن عم الرئيس ولد عبد العزيز، وانهارت بهذه الإجراءات الخُـطوات الانفتاحية التي سُجلت في السنوات الأخيرة، فتحرّك الوضع الموريتاني، الذي كان يُعتبر الأكثر حرية وحيوية في المغرب العربي، نحو المنطقة الرمادية التي استقرّت فيها تونس والمغرب، على رغم تأسيس نقابة للصحفيين الموريتانيين، أظهرت كثيرا من الحضور والحركة في خطواتها الأولى.

لمن ستكون الكلمة الأخيرة؟

وهكذا يبدو النَّـفَـس الجديد المسجّـل في المغرب (والذي ما زال لم يدعم بخطوات عملية) استثناء في المشهد المغاربي، غير أن النقيب ناجي البغوري قلّـل من الآمال المعقودة على ذلك النَّـفَـس الجديد، رابطا إيَّـاه بالقمة المغربية – الأوروبية، التي استضافتها غرناطة يومي 6 و7 مارس 2010. وقال لـ swissinfo.ch إن المناظرة الوطنية عن الإعلام أتَـت تفاعُـلا مع سياسة الجـزرة التي أقرّها الإتحاد الأوروبي مع البلدان التي يمنحها “المنزلة المتقدِّمة”، بتقديم المزيد من المساعدات الاقتصادية بقدْر ما تتّـخذ من إصلاحات في المجال السياسي والإعلامي والقضائي.

وأضاف “حاول (المسؤولون) المغاربة تلجيم الصحافة بين الفينة والأخرى، إلا أنهم أدركوا أنه، لا السياق الدولي ولا مصالح بلادهم تُجيز تلك الانتهاكات، فبدؤوا يتراجَـعون، وهذا قانون لا ينطبِـق على المغرب فقط، وإنما أدركت دُول عدّة أن هذا الأسلوب المتخلّـف لم يعُـد نافعا، لذلك، فنحن في نقابات الصحفيين، إذ نطالب بإزالة القيود عن الإعلام، نتمنى أن تُدرك كلّ البلدان أنه لم يعُـد من مصلحتها أن تسبح عكْـس التيار العالمي.

بين المغاربة الباحثين عن خارطة طريق تضع حدّا للتدافع بين الحُـكم ومنتقديه، بعد ما سيطر الصِّـراع على الساحة الإعلامية طيلة الفترة الماضية، والليبيين الذين فقدوا فسحة الأمل بعدما تذوّقوا حلاوة انفتاح إعلامي خفر وغير معهود، يبدو الجزائريون والتونسيون والموريتانيون في قلب تجاذُب لم يُحسَـم بعدُ بين إعلاميين متشبّـثين بتلابيب حقوقهم وأجهزة تسعى لفرض الأرض المحروقة، لإسكات الأصوات المُغرّدة خارج “الإجماع”. فلِـمن ستكون الكلمة الأخيرة يا تُرى؟

تونس – رشيد خشانة – swissinfo.ch

باريس – أ ف ب – أضافت مراسلون بلا حدود بلدانًا جديدة هذه السنة إلى قائمتها للدول التي تنتهك حرية التعبير على الانترنت، واضعة روسيا وتركيا “تحت المراقبة”.

وذكرت مراسلون بلا حدود في تقريرها للعام 2009 “هذه السنة قائمة أعداء الانترنت وأسوأ منتهكي حرية التعبير على الانترنت” معددة “بورما، الصين، كوريا الشمالية، كوبا، مصر، ايران، اوزبكستان، سوريا، تونس، تركمانستان، فيتنام”.

وتابعت “ان قيام عدد متزايد من البلدان بتشديد السيطرة على الانترنت، يقابله تزايد قدرات التعبئة لدى مواطنين الكترونيين يثبتون عن حس ابتكار وتضامن متناميين”. وتشمل قائمة المنظمة للدول التي تفرض رقابة من نوع ما على الانترنت ستين دولة العام 2009، اي ضعف عدد العام السابق. وصدر التقرير للسنة الثالثة على التوالي بمناسبة اليوم العالمي ضد “الرقابة على الانترنت” الجمعة في 12 اذار/مارس.

واشارت “مراسلون بلا حدود” بالاتهام الى أن دول مثل كوريا الشمالية وبورما وتركمانستان لا تتردد في قطع الانترنت عن جميع مواطنيها. وجاء في التقرير ان هذه الدول “تستخدم عدم تطور البنى التحتية ذريعة، لكن هذا يؤدي الى ازدهار السوق السوداء للاتصالات، كما يحصل في كوبا او على الحدود بين الصين وكوريا الشمالية”.

وذكرت المنظمة بين الدول “قيد المراقبة” عددًا من الديمقراطيات مثل استراليا “بسبب عزم الحكومة على اعتماد نظام متطور لمراقبة الانترنت، وكوريا الجنوبية حيث تحكم قوانين شديدة الصرامة نشاطات رواد الانترنت فتطعن في كتمان هويتهم وتدفع على الرقابة الذاتية”. ويتناول التقرير ايضًا تطور الشبكات الاجتماعية التي “وضعت في متناول الشعوب ادوات تعاون تسمح باعادة النظر في النظام الاجتماعي”.

وذكر في هذا السياق ان موقع “فايسبوك تحول الى موقع تجمع للناشطين الذين يحظر عليهم النزول الى الشارع”. واخذ التقرير على روسيا الاعتقالات والملاحقات التي تطاول اصحاب مدونات الكترونية واغلاق مواقع توصف بانها “متطرفة” غير انها ليست كذلك على الدوام.

واشار التقرير الى ان “دعاية النظام تزداد حضورًا على شبكة الانترنت، وثمة خطر حقيقي بان يتحول الانترنت الى اداة سيطرة سياسية”. وندد التقرير باغلاق تركيا الاف المواقع منها موقع يوتيوب، ما تسبب بادراجها على قائمة الدول قيد المراقبة. واعتبرت المنظمة بعض الدول على قدر خاص من التطور في ما يتعلق بتقنيات السيطرة على استخدامات الانترنت، وفي طليعتها الصين وتونس.

وذكرت “مراسلون بلا حدود” ان “المواطنين الالكترونيين يدفعون ثمن هذا القمع المتزايد” مشيرة الى انه “للمرة الاولى منذ ابتكار الانترنت، يوجد حوالى 120 من اصحاب المدونات الالكترونية ورواد الانترنت والمنشقين على الانترنت خلف القضبان”. ولفتت المنظمة الى ان “اكبر سجون في العالم للمواطنين الالكترونيين هي الصين التي تتصدر سواها بفارق كبير مع 72 معتقلاً، تليها فيتنام وايران”.

(المصدر: وكالة الصحافة الفرنسية أ ف ب بتاريخ 12 مارس 2010)

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية