مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

روح جويس لا زالت تسكن زيورخ

زيورخ تمنح جويس قبرا فخريا "مؤسسة جويس بزيورخ" Keystone

أصبح الكاتب الإيرلندي جيمس جويس من أشهر أبناء هذه المدينة، عاش فيها حيا وقُـبر فيها ميتا.

وبالرغم من مرور 60 عاما على وفاته، لا تزال أعماله موضع اهتمام بالغ ومثار جدل ونقاش بين المختصين المعجبين بأعماله في المدينة.

الزمان، يوم الخميس مساء، والمكان، مدينة زيورخ، رجال أعمال يندفعون عبر شارع محطة القطار للصعود إلى الترام Tram، وآخرون في المطاعم والحانات المصطفة على طول الشارع. وفي خلفية هذا الصخب، ينحرف عن شارع أوغزستينيرغاس، ممر يقود إلى أشهر شارع في زيورخ، أضواء تتلألأ عند الطابق الأعلى، حيث يوجد مقر مؤسسة جيمس جويس.

وفي الداخل، مجموعة من الكهول والشباب، بعضهم من الطلبة والطالبات مستديرون حول طاولة ومنهمكون في تشريح نص من كتاب “عمل لم يكتمل”، أحد الأعمال الأدبية الإنكليزية الأكثر تعقيدا.

كانت الطاولة ترزح تحت القواميس السميكة ومراجع اللهجات العامية ودفاتر تدوين الملاحظات، وهناك العديد من نقاط الاتفاق والكثير من نقاط الاختلاف حول دلالات نصوص جيمس النثرية، وأما النقاشات، فهي عادة ما تكون حيوية ومثيرة، ويُستقبل الزوار بحفاوة وترحاب.

ويقول فريتس شين، مدير المؤسسة: “كان جويس شديد الاعتناء بالطريقة التي يتخاطب بها الناس”. لقد استطاع محاكاة الحِـكم والأمثال بشكل جيد، واستند في بعض كتاباته إلى مراجع سويسرية ألمانية”، ولا يزال شين يتذكر اكتشافه أيام كان شابا في مقتبل العمر، إشارة جويس إلى سويسرا في فقرة عرضية من كتابه “عمل لم يكتمل”، من خلال إيراده لمقاطع من أغنية سويسرية ألمانية تقول: “أصل أبي من أبّـنزيل. وكان مكرّما مبجّلا عند العجائز”، وعندما يرتفع الصوت بتلك العبارة، يكتشف شين أنها تُـشبه إلى حد بعيد ألحان تلك الأغنية الألمانية المشهورة “أصل أبي من أبّـنزيل”.

ويذهب شين إلى أبعد من ذلك في استنطاق النص، كاشفا عن دلالات مجازية سياسية ودينية، وقاده إعجابه بجُـويس إلى تشييد مكتبة، هي الأثرى في العالم، تتضمن مجموعة من المذكرات، تُـعرض الآن في المؤسسة باعتزاز كبير. وتفاخر هذه الهيئة بإصدارها أول طبعة من روايات جويس واحتفاظها بالعصا، التي كان يستند عليها، وقطع مأثورة من البسكويت، ونسخة من الدليل الهاتفي لتوماس دابلن، الذي من المفترض أن يكون استخدمه جويس سنة 1904.

وفي زيورخ، حيث لا تزال روح جويس تسكن المكان، تعتني العديد من المؤسسات بهذا التراث. لقد عاش الكاتب متنقلا من منزل إلى آخر بين سنتيْ 1915 و1919، وهي أطول فترة قضاها في المدينة، حيث أقام في أكثر من سبعة فنادق وفي بيوت وشقق متفرقة.

إقامة السيد بلوم

إنها لمعجزة أن تلك المباني لم تنهار، بالرغم من أن البعض منها كان في وضع خراب، بما في ذلك البيت رقم 54 الواقع في شارع سيفلدشتراس، هذا المبنى الرمادي المنفتح على ممر خلفي، حيث أقام جويس في غرفة في الطابق الأرضي عام 1916. واليوم، تم دهن باب الغرفة باللون الأزرق، وعلقت شارة بيضاء أنيقة تحمل اسم القاطن الجديد، وهو السيد “بلام”، وينطق “بلوم”. ومن الصُّـدف العجيبة، أن هذا الاسم يتطابق مع لقَـبيْ الشخصيتين الرئيسيتين في “أوليسز”، وهما ليوبولد بلوم وموللي بلوم.

ومن المعروف أن جيمس، عندما كان يسكن في سيفلتشراس، كان يقطع مسافة 10 دقائق مشيا على الأقدام للقاء أصدقائه في مطعم كروننهال، وبفضله تحوّل هذا المكان إلى مزار يرتاده الكثير من المثقفين والفنانين الذين مرّوا بزيورخ في القرن العشرين، ولا يزال هذا المطعم، مرصّـع الجدران بلوحات شاغال وميرو وبيكاسو.

وقلّـما كانت تتردد على المكان، المجموعة المتفرغة إلى دراسة “العمل الذي لم يكتمل”، فقد كانت تفضل بعد انتهاء جلسة الخميس، الالتقاء في نادي جيمس جويس، الذي كان على مرمى حجر من مقر المؤسسة، وهذه الحانة كانت في القديم مقر هيئة محلفي دابلن، خلد اسمها جويس من خلال “أوليسز”، وعندما حان هدمها في السبعينات، اشتراها مصرف محلي وانتقلت ملكيتها إلى سويسرا.

وفي كوة من الحانة، تحجز كل خميس طاولة لنقّـاد الأدب، يجلس حولها الأعضاء ويواصلون حواراتهم، التي كانوا قد بدؤوها، وتوزع عليهم بعض قنينات البيرة ومشروبات إنكليزية، ويتبادلون الرأي حول معاني ودلالات “الأعمال التي لم تكتمل”.

ويقول رون بيرسون: “الانضمام إلى مجموعة القراءة، أشبه ما يكون بالسفر إلى كوكب آخر في مساء مظلم”، ويعلق رون إيوارث “إنها مثل لوحة من الكلمات المتقاطعة”، ويواصل “التحقت بجامعة دابلن قبل عدة سنوات، وأصبحت مهتما بالكتابات الإيرلندية”.

حديقة الحيوانات

حديقة حيوانات زيورخ هي المحطة الأخيرة للمسافرين الراكبين في الترام رقم 6، وكذلك كانت المحطة الأخيرة في حياة جويس الزاخرة بزيورخ. لقد دفن بمقبرة فلونترن المجاورة لحديقة الحيوانات، وسيكون بإمكانه سماع زئير الأسود، الوقت الذي سيقضيه بالقبر.

ويعلق فريتز شين قائلا: “كان جويس شخصية محبوبة من الجميع في زيورخ، وهذه المدينة تشبه إلى حدّ ما دابلن، لأنها قطب هام في البلاد، لكنها لا تزال بحجم يمكن السيطرة عليه”.

ويبقى شين أكثر الأشخاص معرفة بنمط حياة جويس في زيورخ، لكنه لم يسمع أبدا زئير الأسود الرابضة قرب مقبرة فلونترن.

سويس انفو- دال بيشتل – زيورخ

أنشئت مؤسسة جيمس جويس بزيورخ سنة 1985 من أجل الحفاظ على ذكرى الكاتب الإيرلندي، والاعتناء بأعماله.

وتعود نشأة المؤسسة وانطلاقتها إلى بداية السبعينات، عندما أصبح محبو جويس قادرين على توفير التمويل الضروري والحفاظ على حانة جويس القديمة في دابلن، التي أشارت إليها أعماله والتي نُـقلت إلى زيورخ وتمت إعادة فتحها عند حانة جيمس جويس.

تحتوي مكتبة المؤسسة على أكثر من 5.000 كتاب، بما في ذلك أعمال جويس في طبعاتها المختلفة وبعض المجموعات الأخرى.

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية