مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

مهمّة أوباما “المُستحيلة” في المملكة العربية السعودية

في 3 يونيو 2009، كان الملك عبد الله، عاهل السعودية في استقبال الرئيس الأمريكي بارك أوباما في مطار الملك خالد في الرياض. Keystone

بلغة دبلوماسية حريصة على انتقاء الكلمات بعناية، وصفت الدكتورة سوزان رايس، مستشارة الرئيس أوباما لشؤون الأمن القومي، زيارة الرئيس الأمريكي للمملكة العربية السعودية بأنها تأتي "في وقت بالِغ الأهمية"، تسعى فيه واشنطن للتوصّل إلى اتفاق مع إيران، يحُول دون حِيازتها السلاح النووي، وتسعى فيه واشنطن للتوصل لاتفاق إطار للسلام بين الفلسطينيين والإسرائيليين، كما تحاول مع شركائها تقوية ودعم المعارضة السورية.

لهذه الأسباب، ترى الدكتورة رايس أن زيارة أوباما تندرج في سياق تعميق الشراكة مع المملكة العربية السعودية ودعم الجهود الأمريكية في هذه القضايا الرئيسية، بالإضافة إلى الوضع في مصر والعراق وتشجيع دول مجلس التعاون الخليجي على الحفاظ على وِحدة المجلس، التي تصبّ في مصلحة الدول الأعضاء ومصالح الولايات المتحدة أيضا. 

ولكن، عندما تم الإنتقال من التوصيف الدبلوماسي إلى مستوى تحليل الخبراء لمهمة أوباما في السعودية، اختلفت اللغة تماما، حيث وصف ديفيد أوتاوي، الخبير في العلاقات السعودية – الأمريكية وكبير الباحثين في مركز ويلسون بواشنطن، مهمّة أوباما بالمهمّة المستحيلة، نظرا لصعوبة إيجاد أرضية مشتركة بين البلديْن، إزاء طائفة واسعة من القضايا.

وفي معرض شرح ما سبق، قال لـ swissinfo.ch: “من المستحيل على أوباما خلال هذه الزيارة، أن يهدِّئ من مخاوف الرياض إزاء المفاوضات الجارية مع إيران، والتي تسمح لطهران بالإستمرار في طموحها النووي ولكن للأغراض السِّلمية، وما قد يُفضي إليه التقارب الأمريكي مع إيران من آثار على مكانة السعودية وعلاقاتها الخاصة بأمريكا، خاصة مع شعور المملكة العربية السعودية بعجْز واشنطن عن احتواء النفوذ الإيراني في المنطقة منذ أدّى الغزْو الأمريكي للعراق إلى تسليم العراق لإيران على طبَق من فضّة وتولّي نوري المالكي رئاسة وزراء العراق ومواصلة واشنطن دعمها لبقائه”، على حد قوله.

ديفيد أوتاوي، كبير الباحثين في مركز ويلسون بواشنطن

من المستحيل على أوباما خلال هذه الزيارة أن يهدِّئ من مخاوف الرياض إزاء المفاوضات الجارية مع إيران

تشكك الرياض.. وقلق واشنطن

السيد أوتاوي يرى أيضا أن أوباما لن يستطيع التعهُّد للعاهل السعودي بأنه سيقرن أقواله المتكرِّرة حول ضرورة رحيل الرئيس بشار الأسد بإجراءات عملية تُفضي إلى تحقيق الهدف السعودي المُعلن بضرورة العمل على إزاحة الأسد عن السلطة، ولن يشعر المسؤولون السعوديون بالرِّضا، إذا ما واصل أوباما التردّد في اتخاذ موقِف حاسم من الصِّراع الدائر في سوريا واكتفى بالكلمات.

كما لن يستطيع أوباما بالتأكيد، كما قال السيد أوتاوي لـ swissinfo.ch التعهد بممارسة الضغط على إسرائيل للتوصل إلى تسوية سلمية للصراع مع الفلسطينيين، إذ “تتشكك المملكة العربية السعودية في مدى صِدق النوايا الأمريكية إزاء التوصّل لحل عادِل للقضية الفلسطينية، لأن الرياض تُدرك أن واشنطن غير راغِبة حقا في الضغط على إسرائيل، بالقدر الذي تراه الرياض ضروريا ليتناسَب مع الوساطة الأمريكية التي ارتضاها العرب، بشرط أن تمارس واشنطن دوْر الوسيط النّزيه”.

من ناحية أخرى، يرى السيد أوتاوي أن الرئيس أوباما لن يخفي قلق واشنطن أثناء الزيارة، من الصّدع الذي أصاب وِحدة مجلس التعاون الخليجي من جرّاء سحب السعودية والإمارات والبحرين سفراءها لدى دولة قطر، احتجاجا على موقِفها الداعم لجماعة الإخوان المسلمين في مصر، حيث ترى الإدارة الأمريكية أن السعودية تُـولي أهمية أكبر لمساندة الحُكم الإنتقالي بعد الإطاحة بحُكم الإخوان في مصر، وأن السعودية لم تأخذ في حسبانها أهمية الحِفاظ على وِحدة مجلس التعاون الخليجي، البالغة الأهمية للشراكة الأمريكية، وخاصة في مجال الدفاع الصاروخي.

السيد أوتاوي يُدلّل على هذا بقرار البيت الأبيض أن لا يُشارك الرئيس أوباما في اجتماع كان مقرّرا لدول المجلس أثناء الزيارة، لكي لا يكون طرفا في أجواء الخِلاف في وقت تتمركز فيه مُعظم القوات الأمريكية وتجهيزاتها العسكرية في قاعدة العيديد في دولة قطر المجاورة. ويخلُص السيد أوتاوي إلى أنه، نظرا لوجود العديد من القضايا التي يصعب التوصل فيها إلى أرضية مشتركة إزاءها بين البلدين، فإنه يُصِرّ على وصف مهمّة أوباما في المملكة العربية السعودية بـ “المستحيلة”.

الحاجة إلى “واقعية جديدة”

من جهته، يرى الدكتور أنتوني كوردسمان، الخبير بمركز الدراسات الإستراتيجية والدولية في واشنطن، أن زيارة أوباما للمملكة العربية السعودية يجب أن تستهدِف التوصّل إلى قناعة بضرورة إيجاد واقعية جديدة في الشراكة السعودية الأمريكية، تدرك أن المشاكل والتحديات التي تواجهها الدولتان في المنطقة، سوف تحتاج إلى سنوات وأن هناك حدودا ومحدّدات لِما يمكن للرياض وواشنطن عمَله إزاءها، لذلك يتعيّن على الجانبيْن، العمل والتعاون مع التسليم بوجود اختلافات في الرُّؤى وتبايُـن في كثير من المواقف ويقول: “يجب أن تقوم الواقِعية الجديدة في الشراكة الأمريكية السعودية على اقتناع كل جانب، بأنه ليس بوُسعه تجاهُل احتياجات ومصالِح الجانِب الآخر وأن البدائل المطروحة، عِوضا عن بناء شراكة أكثر فعالية أسوأ بكثير من المُضيّ قدُما في تلك الشراكة”.

وردّا على سؤال لـ swissinfo.ch عمّا إذا كانت مهمة أوباما في السعودية ستواجِه صعوبات جمّة، بالنظر إلى تبايُن المواقف الأمريكية والسعودية إزاء العديد من القضايا في المنطقة، أجاب الدكتور كوردسمان: “سيتوقف ذلك على ما إذا واصل الطرفان، الأمريكي والسعودي، التركيز على ما كان يتوجّب عمله والإنتقال بدلا من ذلك إلى ما يُمكن عمله من الآن فصاعدا، وأن يُدرك المسؤولون السعوديون والعرب بشكل عام، أن الولايات المتحدة لا تمتلك عصا سِحرية تستطيع بها تغيير ما يجري في المنطقة، والتوقف عن النظر إلى التقارُب الأمريكي مع إيران على أنه تفضيل للشِّيعة على العالم العربي، ذي الغالبية السُنية”.

أنطوني كوردسمان، خبير بمركز الدراسات الإستراتيجية والدولية في واشنطن

للسعودية والولايات المتحدة العديد من المصالح المشتركة ولكنهما غالبا ما يختلفان في ترتيب الأولويات

احتمالان.. “أحلاهما مُــرّ”

في السياق، يطرح الدكتور كوردسمان تصوُّره لعلاقة شراكة أكثر واقِعية في التعامل مع القضايا الرئيسية، التي تتباين فيها المواقِف السعودية والأمريكية، ويضرب مثالا على ذلك فيقول: “قد يرى الرئيس أوباما وخادِم الحرمين الشريفين أن من الأفضل الإتفاق على أن تقوم المملكة العربية السعودية بالدّور الرئيسي في تسليح وتمويل جماعات المُعارضة السورية المعتدِلة، بهدف إحداث تغيير على الأرض، خاصة وأن وزارة الداخلية السعودية أظهرت قُدرتها على الوصول لتلك الجماعات، ولم تستطع الولايات المتحدة ذلك”. ويضيف الدكتور كوردسمان إلى منظور الواقعية الجديدة، ضرورة أن يُدرك الرئيس أوباما والعاهل السعودي ضرورة البدْء في التخطيط لاحتماليْن، أحلاهما مُـرّ، وهما استمرار الأسد وتقسيم سوريا.

أما بالنسبة للمخاوف السعودية من التقارب الأمريكي مع إيران، فعلاجها يتمثَّـل، حسب رأي الخبير الإستراتيجي الأمريكي، في أن تعمل الولايات المتحدة مع السعودية والدول الحليفة الأخرى على تطوير قدرات عسكرية مشتركة، للتصدّي لإيران إذا ما أخفقت في الإلتِزام بإنهاء طموحها في حِيازة قُـدرات نووية عسكرية بحلول شهر يونيو القادم، أو واصلت توسيع نفوذها العسكري في العراق وسوريا أو حاولت استِخدام قوّة القدس لإثارة القلاقل في البحرين واليمن. كما يجب، حسبما يقول الدكتور كوردسمان، أن يعمل الرئيس أوباما على إبقاء المبادرة العربية للسلام التي طرحتها السعودية كخيار مفتوح وأن يبحث مع العاهل السعودي ما الذي يُمكن عمله إذا انهارت جهود الوساطة الأمريكية بين الفلسطينيين والإسرائيليين.

أخيرا، يذكّـر الدكتور كوردسمان بأن “للسعودية والولايات المتحدة العديد من المصالح المشتركة، ولكنهما غالبا ما يختلفان في ترتيب الأولويات” وهو ما يقتضي حسب رأيه أن “يُناقش أوباما مع العاهل السعودي وجها لوجه ما لا يُمكنهما مناقشته في العَلن، وبناء شراكة تستنِد إلى الواقع الجديد الذي بات يشكِّل المنطقة”.

لاهاي (رويترز) – قال البيت الأبيض الأمريكي يوم الثلاثاء 25 مارس 2014 إنه يشعر “بخيبة أمل شديدة”، في حين عبرت رابطة للصحفيين عن غضبها بعد أن رفضت المملكة العربية السعودية منح تأشيرة لمواطن أمريكي يعمل لصحيفة جيروزالم بوست الإسرائيلية لتغطية رحلة الرئيس باراك أوباما الي المملكة في وقت لاحق هذا الأسبوع.

ولا تعترف السعودية بإسرائيل لكنها قالت إنها مستعدة لتغيير هذا الموقف إذا وافقت إسرائيل على خطة سلام اقترحتها الرياض تشمل إقامة دولة فلسطينية والسماح بعودة اللاجئين الفلسطينيين إلى ديارهم السابقة.

وقالت المتحدثة باسم البيت الابيض برناديت ميهان في بيان “نشعر بخيبة أمل شديدة لأن هذا الصحفي الذي له مصداقية مُنعت عنه التأشيرة”. وأضافت قائلة: “سنواصل تسجيل قلقنا البالغ بشأن هذا القرار المؤسف”.

وقالت صحيفة جيروزالم بوست في موقعها على الإنترنت إن مستشارة الأمن القومي الأمريكي سوزان رايس ونائبها توني بلينكن عبرا عن مشاعر الإستياء للسعودية بشأن التأخير في التعامل مع طلب المراسل مايكل ويلنر والرفض المحتمل. وقالت الصحيفة إن ويلنر أمريكي يهودي لا يحمل الجنسية الإسرائيلية ولم يعش في إسرائيل على الإطلاق.

وقالت رابطة مراسلي البيت الأبيض (وهي مجموعة تمثل الصحفيين): “إن ويلنر كان العضو الوحيد بالوفد الإعلامي للبيت الأبيض الذي لم يحصل على تأشيرة. وويلنر عضو مشارك بالرابطة”. وقالت الرابطة في بيان “إنه لأمر شائن أن ترفض الحكومة السعودية السماح لمراسل بالبيت الأبيض من دخول البلاد لتغطية زيارة الرئيس باراك أوباما هذا الأسبوع”. وأضافت قائلة “لا يمثل الرفض إهانة لهذا الصحفي فقط بل لكل أفراد الطاقم الإعلامي للبيت الأبيض ولمبدإ حرية الصحافة الذي نثمنه جيدا”.

(المصدر: وكالة رويترز بتاريخ 25 مارس 2014)

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية