مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

سويسرا تقرر تنظيم أنشِطة المُقاولين الأمنيّين

اتخذت سويسرا أولى الخطوات باتجاه منع الشركات الأمنية التي تتخذ من أراضي الكنفدرالية مقرا لها من أي تورط في القتال في الخارج. AFP

ستخضع الشركات الأمنية الخاصة، التي تتّخذ من سويسرا مقرّا لها، للمساءلة أمام اتحاد الأنشطة في الخارج، حيث تقترح الحكومة قانونا ينصّ على جُملة من الإلتزامات والمحظورات والضوابط والعقوبات، التي من المُمكن أن تفتح المجال أمام دول أخرى، لكي تحْذو حذوها.

وبهذه المبادرة، “تضع سويسرا حجَر الأساس لعملٍ رائد عالميا”: هكذا قالت سيمونيتا سوماروغا، وزيرة العدل والشرطة، لدى تقديمها مشروع القانون الفدرالي بشأن الشركات الأمنية الخاصة، التي تُمارس نشاطها خارج البلاد.

رغم تحفُّظه على بعض الملاحظات، وصف ماركو ساسولي، أستاذ ومدير قسم القانون الدولي العام وقانون المنظمات الدولية في جامعة جنيف، المبادرة بأنها: “ليست مِثالية، ولكنها الأولى من نوعها”، وألحظ إلى أن مسألة تنظيم عمل الشركات الخاصة ذات المهام العسكرية والأمنية، باتت اليوم من “أكبر هموم القانون الإنساني الدولي”.

لقد شهدت العشرون سنة الأخيرة، استِفحالا في أنشطة هذه الشركات في مناطق الأزمات والصِّراعات، واتِّساعا في مجالات عملها، بعيدا عن الرقابة القانونية، ولم تكُن سويسرا بمنأى عن هذا الفراغ. ومن شأن هذه المبادرة، التي تقترحها الحكومة، أن تجسُر الهوّة، وتوفّر الأساس القانوني الذي يحفظ للبلاد أمنها، الداخلي والخارجي، ويحقق أهداف سياساتها الخارجية، كما يُراعي حِيادها ويضمن الإحترام للقانون الدولي.

يشتمل مشروع القانون أيضا على جملة من القواعد المحدّدة فيما يتعلق بالشركات الخاصة المكلَّفة من قِبل السلطات الفدرالية بأداء بعض المهام الأمنية.

في معرض ردِّها على استجواب قُدِّم إليها، أشارت الحكومة الفدرالية في فبراير 2012 إلى أنها تُسند إلى الأجهزة الأمنية الخاصة زهاء 120 مهمة سنويا، تصل تكلفتها إلى حوالي 25 مليون فرنك سويسري.

المحظورات

تحظر نصوص المبادرة على شركات الأمن التي يوجد مقرّها في سويسرا، أي مشاركة مباشرة في الأعمال العدائية في أيّ صراع مسلّح في الخارج أو تقديم أي خدمات تُساهم في انتِهاكات خطيرة لحقوق الإنسان، ويدخل ضِمن الحظر مجرّد الإنضمام أو التدريب أو توفير اليَد العاملة، وسواء كان بشكل مباشر أو غير مباشر، كوسيط مثلا أو كإدارة وتوجيه الشركات العاملة في هذه الأنشطة.

بيْد أن هذه الأحكام اعتُبرت غيْر كافية من قِبل جوزيف لانغ، نائب رئيس حزب الخُضر السويسري، الذي تقدّم بالمذكّرة البرلمانية التي أدّت إلى إطلاق مشروع القانون، ويُطالب النائب السابق في البرلمان الفدرالي بالحظر التامّ للشركات الأمنية الخاصة العاملة في مناطق الحروب، ويؤكِّد دعم حزب الخُضر لموقفه.

ويقول لانغ: “في حروب اليوم، كما في أفغانستان على سبيل المثال، يستحيل التَّمييز بين المشاركة المباشِرة وغيْر المباشِرة”، ويُضيف: “لا يمكن التأكد بالضبط مما تقوم به هذه الشركات في ميدان المعركة”.

وفي بيان له، أشار حزب الشعب السويسري (يمين شعبوي)، من جانبه، إلى ملاحظات شبيهة قائلا: “لما تقوم السلطات السويسرية بالتحقيق وتتوصّل إلى عدم وجود أي مشاركة مباشرة في القتال، فإنما هي حالة مؤقتة، وطبيعة الصِّراع قد تتغيّر في غضون ساعات”.

أما بالنسبة للأستاذ ساسولي، فيرى بأن من المبالغة الذّهاب في مفهوم المشاركة المباشِرة إلى أبعد مما هو موضّح في اتفاقيات جنيف والبروتوكولين الإضافيين، وهو الأمر الذي أشار إليه مشروع القانون بكل بوضوح.

في الوقت الرّاهن، تكتفي رابطة شركات الأمن السويسرية بالقول بأنها “غير مقتنعة 100٪”، بحسب قول ماتياس فلوري من الدائرة القانونية للرابطة ذات الصلّة بالقضية، والتي تقوم حاليا بدراسة مقترح الحكومة، وبعد الإنتهاء من ذلك، ستقوم بعرضها على مجلس الإدارة لتداوُلها واتِّخاذ القرار الرّسمي بشأنها.

في الغالب، تحصل مقترحات الحكومة على أعلى أصوات الأحزاب ذات التوجّه اليميني، كالحزب الليبرالي الراديكالي وحزب الشعب السويسري والحزب البورجوازي الديمقراطي، فضلا عن أحزاب الوسط، أما الأحزاب اليسارية بلونيْها الأحمر والأخضر وكذلك اليمين المحافظ، فإنها تنتقد بعض النِّقاط بدعوى عدم كفايتها.

إبلاغ احترازي

من زاوية أخرى، يُبدي الخبير في القانون الدولي الإنساني استغرابه لقرار الحكومة، عدم تقييد القيام بمهام وخدمات أمنية في الخارج بالحصول على ترخيص، مع أن الحكومة ارتأت أن تلزم الشركات التي تنوى القيام بأعمال تدخّل ضِمن لائحة الخدمات الأمنية الخارجية، بتقديم بلاغٍ مُسبَق إلى السلطة الفدرالية المعنِية، وترفق معه جُملة من البيانات المحدّدة. وفي المقابل، تلتزم السلطات بإخطار الشركة في غضون 14 يوما، ما إذا كانت تعتزِم إجراء فحْص أم لا.

في الأثناء، برّرت الحكومة إلغائها لفكرة التراخيص، برغبتها في عدم الإكثار من الأعباء البيروقراطية والمالية من ناحية، ومن ناحية أخرى، لكي لا يُفسَّر الأمر على أنه تزكية من طرف الدولة السويسرية.

واعترض الأستاذ ساسولي قائلا: “لتحديد ما إذا كان العمل المُزْمَع أن تقوم به الشركة يُمثل مشاركة مباشرة في القتال، يلزم القيام بفحص جادّ، ولذلك، فإني أتساءل، كيف سيكون عمل الفحْص في إطار إبلاغ احترازي أقلّ تكلفة من عمله في إطار طلب الترخيص؟”.

في نفس السياق، لا تجد وِجهة نظر الحكومة لها أي قناعة لدى الحزب الإشتراكي، الذي يدعو هو أيضا إلى “سَنّ نظام فعّال لمنح التراخيص، بدلا من نظام الإبلاغ الهش”.

في رسالتها الموجهة إلى البرلمان الفدرالي، أشارت الحكومة السويسرية إلى أن الخدمات العسكرية والأمنية تستوعِب، على نِطاق عالمي، نحو مائة ألف موظّف، ونوهت إلى أن السوق العالمية للأمن الخاص في مناطق الحرب تُقدّر بنحو 100 مليار دولار.

 

ووفقا لتقديرات وزارة الخارجية الفرنسية، يبلغ إجمالي عائدات الشركات العسكرية والأمنية الخاصة حول العالم، بنحو 400 مليار دولار، وتنخرط في هذه السوق نحو 6500 شركة بطاقة بشرية تُقدّر بنحو مليون موظف.

في المقابل، لا توجد إحصاءات بشأن الشركات العسكرية والأمنية الخاصة في سويسرا، غير أن المكتب الفدرالي للعدل أشار في تقرير له صدر عام 2010 إلى وجود حوالي عشرين شركة أمنية خاصة في سويسرا، وأنها تمارس – أو قد تكون تمارس – نشاطها في مناطق الأزمات والصراعات.

مدونة قواعد السلوك

في ذات السياق، اعتبر ساسولي بأن اعتماد مشروع القانون لمدوّنة قواعِد السلوك الدولية بشأن الشركات الأمنية الخاصة، كشرط لتقديم الخدمات في الخارج، أمر إيجابي، لأنه سيقضي بأن تراعي تلك الشركات حقوق الإنسان والقانون الإنساني، لدى مزاولتها لنشاطها.

وعلى صعيد مُتَّصل، وكنتيجة لمبادرة تتعلق بشركات الأمن الخاصة أطْلِقت بالتّزامن مع المبادرة السويسرية، قوبِلت مدوّنة قواعد السلوك الدولية بالرّفض من قِبل فرنسا، التي ترى أنها منفذ لتملّص كُبريات الشركات الأمنية الخاصة، إذ سيكون بإمكانها أن تملي طريقتها و”تتجنّب الإتفاقات الدولية التقليدية ذات الشأن، التي ربما كانت أكثر إلزاما”، بحسب ما أورده تقرير لجنة الدِّفاع في الجمعية الوطنية الفرنسية عام 2012.

وفي تعليقه على الموضوع، قال ساسولي: “أكيد. فالمدونة جامدة ولا تتطوّر، وفي قضايا مهمّة كمسألة تحديد المقصود بالمشاركة المباشرة في القتال، لا تذكر شيئا، ولكن، ينبغي أن لا ننسى بأن السنوات الأخيرة، نادرا جدا ما شهِدت قبول الدول لمعاهدات جديدة، ولذلك، حري بنا أن نبحث عن أساليب تنظيمية جديدة”.

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية