مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

سوريا تدخل مرحلة “ما بعد تعثّـر إستراتيجية التخويف”

شعار رفعه متظاهرون سوريون في مسيرة نظمت في مدينة حمص يوم الجمعة 6 مايو 2011 Keystone

هل خسر النظام السوري رِهانه على عامِـليْ الخوف والزمن؟ سنأتي إلى عامل الخوف، الذي كان أحد الركائز الرئيسية للنظام الذي نسَـج خيوطه الرئيس حافظ الأسد قبل أربعة عقود، بكثير من الدِّراية والدقّـة، بعد قليل.

أما بالنسبة إلى عامل الزّمن، فالخسارة لهذا النظام تبْـدو مؤكّـدة وعلى المستوييْـن معاً: الداخلي والخارجي. ففي الداخل، بات عامِـل الزمن يعمَـل لغيْـر صالح النظام، حيث كل يوم يمُـر، يحمِـل معه مخاطِـر جمّـة جديدة، خاصة بعد أن اختار الرئيس بشار الأسد أسوأ “الكوكتيلات”: تبنّـي فكرة الإصلاح، ثم قمع وقتل واعتقال كلّ من يُـطالِـب به، وإلغاء حالة الطوارئ ثم تطبيق إجراءات أسوأ منها بكثير.

وعلاوة على كل ذلك، عدم التَّـأقلم مع الوقائع التي تُـشير إلى أن النظام “لم يعُـد مرتبطاً بشكل وثيق بمعتقدات الشعب السوري”، كما أبلغ الأسد “وول ستريت جورنال” قبل أيام من اندلاع الانتفاضة الشعبية في 15 مارس الماضي.

استمرار الانتفاضة وانتشارها

المستقبل الآن بات وراء الحُـكم السوري، إلى درجة بات الحديث فيها عن “مسألة فقدان السيطرة” شِـبه يومي، حتى لو بدا أن دَرْعا وبقية غالبية المُـدن والدساكر السورية، أصبحت أشبه بكانتونات أمنية وعسكرية. فهذا التطوّر الأخير، دلالة ضُـعف لا قوّة، وهو يكشف بشطحة قلم، أن ما كان جائزاً وممكناً في عام 1982، لم يعُـد جائزاً ومُـمكناً الآن.

في عام 1982، حين وقعت كارثة حَـماة، التي قُـتل فُيها ما يتراوح بين 20 إلى 30 ألف شخص وسُـوّيت خلالها هذه المدينة بالأرض، كانت خطوط المعركة واضحة: نظام شِـبه عِـلماني خارج لتَـوّه من معارك مواجهة مع إسرائيل عامي 1973 و1982، يخوض صِـدامات مع منظمة أصولية متطرِّفة، هي جماعة الإخوان المسلمين، التي تريد فرْض صيغة مُغالية ومرفوضة من الإسلام، على كلٍ من الأقليات المسيحية والعَـلَـوية والدُّرزية والإسماعيلية، وعلى الغالبية السنُـّية في آن، وهذا ما لمّ شمْـل الجميع آنذاك في صفّ النظام، على رغم إبداء التقزّز والاشمِـئزاز من مستوى العُـنف والقمع والعقاب الجماعي، الذي مورس ضدّ المدينة.

هذا كان في عام 1982، أما في عام 2011، فالمجابهة هي بيْـن نظام بات أكثر طائفية وأقلّ عِـلمانية، وبين معارضة شعبية لا رأس لها، حريصة كل الحِـرص على رفْـع الشعارات الوطنية، لا الدِّينية (من قبيل “لا سُـنّية ولا عَـلوية: وِحْـدة وطنية” و”الشعب السوري، شعب واحد” و”الله، سوريا، الحرية”)، وتتحرك وِفق قانون البالُـون المُـمتلِـئ بالماء: كلّـما دُسْـت عليه أكثر، كلَّـما انتشر فيه الماء أكثر. وفي الحالة السورية، ترجم هذا نفسه طيلة الشهريْـن الماضيين كالتالي: كلّـما ازاد قمْـع النظام، كلما انتشرت الإنتفاضة إلى أماكن أخرى.

الزمن لم يعُـد يلعَـب لمصلحة النظام من زاوية أخرى أيضا: التراجع التّـدريجي لتماسُـك مؤسسة الجيش، ما عدا الفِـرقة الرابعة والحرس الجمهوري، اللذين يقودهما ماهر، شقيق الرئيس الأسد وآصف صِـهره. حتى الآن، لا تزال الإنشقاقات في الجيش محدودة، حيث تحدّثت الأنباء عن إعدام بضعة ضبّـاط برتبة لواء وعقيد وعشرات الجنود، لرفضهم تنفيذ الأوامر بإطلاق النار على المتظاهرين.

لكن استمرار الإنتفاضة الشعبية وانتشارها، سيضعان الجيش كمؤسّـسة، عاجلاً أم آجلاً، أمام خيار من إثنين: إما انقلاب عسكري يقوده ضباط عَـلويّون كِـبار (على نمَـط العقيد غازي كنعان)، لإنقاذ النظام من داخله والإشراف على مرحلة انتقالية إلى ديمقراطية موجّهة، كما الأمر الآن في مصر وكما كان قبلها في تجارِب تركيا وإندونيسيا والبرتغال وتشيلي، أو تفكّـك الجيش على أسُـس طائفية واندِفاع البلاد إلى حَـمأة حرب أهلية، على النَّـمط الليبي.

الأمور لم تصِـل بعدُ إلى هذه المرحلة. فالثورة الشعبية السورية لم تحُـرّك بعدُ “الكُـتلة الحرجة” (critical mass) ، التي دفعت مئات الآلاف إلى الشوارع في مصر وتونس واليمن، بَـيْـد أن طبيعة التطورات المتسارعة، تشي بأن الأوضاع تتّـجه بالفعل نحْـو هذه المرحلة، وهذا ما سيجعل الضغوط لا تُـطاق على الجيش.

.. والخارج يتحرّك

هذا على الصعيد الداخلي لمفاعيل الزّمن، أما على المستوى الخارجي، فلا تبدو الصورة أقَـل قتامة للحُـكم السوري، إذ أن الإتحاد الأوروبي، الذي فرض قبْـل أيام عقوبات على 13 شخصية أمنية وسياسية سورية، بدأ يتحرّك بسرعة وقوة لإسقاط الشرعية الدولية عن النظام، سواء في المحافل العالمية أو حتى في محكمة الجنايات الدولية. والخطر هنا، أن فرنسا، أي الدولة الغربية التي أخرجت النظام السوري من عُـزلته الدولية التي فُـرضت عليه منذ عام 2005، هي بالتحديد مَـن يقود الآن هذا التحرّك، ما يشي بأن الحكم السوري ربّـما خسِـر أهَـم داعم دوليّ له في الساحة الدولية.

والإدارة الأمريكية، وبعد امتناع طويل عن اتخاذ مواقف جادّة ضد القَـمع في سوريا، بسبب ما يقال عن علاقات تاريخية متينة، وإن خفِـية، مع الأنظمة البعثية، بدأت تسير هي الأخرى باتِّـجاه تبنِّـي مواقف أكثر صرامة مع دمشق. معالِـم هذا التوجّه بدأت تترى مع تواتر الحديث عن إستراتيجية أمريكية جديدة تُـدير الظهر لأولوية تغيير سلوك النظام (خاصة ما يتعلق بروابطه مع إيران ومفاوضاته مع إسرائيل) وتضع مسألة تغيير النظام نفسه كهدف، سواء عبْـر الإنقلاب العسكري أو الثورة الشعبية.

والأهم، أن تركيا – أردوغان، التي باتت تلعَـب دوراً إستراتيجياً كبيراً في الشرق الأوسط، تبدو هي الأخرى وكأنها فقَـدت الأمل في إقناع الرئيس الأسد بتزعّـم المرحلة الانتقالية إلى الديمقراطية، وهذا ما قد يدفعها في قادِم الأيام إلى ممارسة ضغوط قوية وشديدة على النظام السوري، وهي ضغوط تخشاها دمشق بقوّة، كما هو معروف، بسبب عوامل الجغرافيا والتاريخ والإستراتيجيات.

إسراتيجية الخوف

هذا على صعيد الزّمن، أما على صعيد الخوْف، فقد دلّت مُـظاهرات “جمعة التحدّي” (6 مايو)، أن إستراتيجية التخويف التي أراد النظام إحياءها في دَرْعا، عبْـر تحويل هذه المدينة إلى “فزّاعة جماعية”، لم تعُـد تُـجْـدي نفعا.

فالمحتجّـون في بانياس، وبدلاً من أن يرهبهم مشهَـد الدبابات والمدرّعات، التي تقتحم الأحياء السكنية وأجهزة المخابرات التي تعتقِـل مئات الشبان في دَرْعا، شكَّـلوا سلاسل بشرية للتصدّي للدبابات. والمتظاهرون في حـمص، قدّموا 12 قتيلاً. والمتظاهرون في دمشق (على قلّـة عددهم)، هتفوا بشِـعار ذي مغزىً كبير: “الملايين تريد الشهادة”. وحتى في دَرْعا المحاصَـرة بالدبابات والقنّـاصة الذين يمنعون أي تحرّك في الشوارع، كان المتظاهرون يلجؤون إلى أسطُـح المنازل ليهتفوا من هناك ضد النظام.

كل هذا عنى أن حاجز الخوف سقَـط بالفعل، وهذا أخطر ما يُـمكن أن تتعرّض إليه الدّولة الأمنية أو البوليسية، التي تعتمد على سايكولوجيا الخوف للبقاء على قيْـد الحياة ولإحْـكام قبضتها على المُجتمعيْـن، المدني والسياسي. 

المعركة من الآن فصاعداً، بين المعارضة الشعبية وبين النظام، ستكون على استِـمالة الطبقة الوُسطى السورية (على اعتبار أن الطبقة العُـليا بمعظم أطيافها الطائفية لها مصالح مع النظام). فهذه الطبقة، هي التي ستكون “بيضة القـبّان”، التي ستقرِّر لِـمَـن سيُـكتَـب له النصر بين الطرفيْـن.

النظام من جهته، سيُـواصل الرِّهان على أن “كوكتيل” التخويف والقمْـع، سيُـقنِـع أعضاء الطبقة الوسطى (وغالبيتهم من صغار التجار والموظفين) بالبقاء في منازلهم ورفْـع لواء الأمن والاستقرار.

والمعارضة، بقوّة تضحياتها وإصرارها، ستعمل على إفهام هؤلاء بأنه لم تعُـد ثمّـة عودة إلى الوراء، أي إلى ما قبل الانتفاضة، وأن الطريق الوحيد للإستقرار، هو إقامة نظام ديمقراطي جديد، هذا ما يُـسمّى الآن في أدَبيات عِـلم السياسة، “معركة الكُـتلة الحرجة”: مَـن يربحها، سيربح الحرب، ومن يخسرها، يخسر كل شيء، وهي معركة طويلة ومريرة وخطرة.. إلا بالطبع، إذا ما تحقّـق سيناريو تغيير النظام من داخله، إذ حينها سيعمل الزّمن لصالح هذا الأخير ومن دون ضرورة أو حاجة لتطبيق إستراتيجية الخوف.

افادت الجريدة الرسمية للاتحاد الاوروبي التي نشرت يوم الثلاثاء 10 مايو أن ماهر الاسد الشقيق الاصغر للرئيس السوري بشار الاسد يتقدم لائحة من 13 مسؤولا سوريا فرض عليهم الاتحاد الاوروبي عقوبات بسبب مشاركتهم في قمع التظاهرات.

ويتقدم ماهر الاسد (43 عاما) الذي اعتبر “المسؤول الرئيسي عن القمع ضد المتظاهرين” اللائحة وبعده مدير المخابرات العامة علي مملوك (65 عاما) ووزير الداخلية الجديد ابراهيم الشعار (لم يحدد عمره) الذي عين في 28 أبريل وقد شملتهما العقوبات ايضا بسبب “ضلوعهما” في التحرك ضد المحتجين كما اضافت الجريدة.

وادرجت على اللائحة أيضا أسماء كبار المسؤولين السوريين مثل رئيس شعبة الامن السياسي محمد ديب زيتون ورئيس شعبة الامن العسكري عبد الفتاح قدسية ومدير ادارة المخابرات الجوية جميل حسن.

والعقوبات على المسؤولين السوريين الـ 13 الذين يعتبرون ضالعين بشكل خاص في قمع التظاهرات بعنف، تنص على تجميد أصولهم ومنعهم من دخول دول الإتحاد الأوروبي.

وقرر الاتحاد الاوروبي ايضا فرض حظر على الاسلحة، فيما دخل الاجراءات حيز التنفيذ اعتبارا من الثلاثاء 10 مايو.

وعلى اللائحة ايضا اسم شخصية وصفت بانها “قريبة من ماهر الاسد” وهو حافظ مخلوف (40 عاما) ضابط في ادارة مخابرات امن الدولة، وكذلك شقيقه رامي مخلوف (41 عاما) الذي وصف بأنه “رجل أعمال سوري شريك لماهر الاسد” و”يمول النظام ما يتيح اعمال القمع ضد المتظاهرين”.

والمسؤولون الاخرون على اللائحة هم عاطف نجيب وهو رئيس فرع الامن السياسي في درعا (جنوب) سابقا وامجد العباس رئيس قسم الامن السياسي في بانياس (على ساحل المتوسط) الذي اشير الى “ضلوعه في قمع متظاهرين في البيضا” (وسط) ورستم غزالة رئيس وحدة الاستطلاع في لبنان سابقا ورئيس فرع الامن العسكري لمحافظة ريف دمشق.

واخيرا تضم اللائحة شخصين من عائلة الاسد وهما فواز ومنذر الاسد اللذين اتهمتهما المعارضة بالمشاركة في عصابات “الشبيحة”.

ولم تشمل العقوبات الرئيس السوري بشار الاسد بسبب خلافات داخل الاتحاد الاوروبي بهذا الصدد كما قالت مصادر دبلوماسية.

وتقول منظمات مدافعة عن حقوق الانسان ان ما بين 600 و700 شخص قتلوا واصيب ثمانية الاف على الاقل بجروح منذ بدء حركة الاحتجاج في سوريا.

(المصدر: وكالة الصحافة الفرنسية أ ف ب بتاريخ 11 مايو 2011).

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية