مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

سويسرا تريد تفعيل دبلوماسية الوساطة

Keystone

تريد سويسرا مواصلة لعب دور الوسيط الدبلوماسي على الساحة الدولية. ومنذ سنة 2000، قاد هذا البلد أو شارك في عشرين عملية وساطة غطت 15 بلدا.

وخلال ندوة صحفية عُقدت يوم الأربعاء 9 أبريل الجاري في جنيف، أكّـد طوماس غريمنغر، السفير ورئيس الدائرة السياسية الرابعة بوزارة الخارجية، أن سويسرا مهيّـأة للقيام بهذا الدور على أكمل وجه.

تؤكد سويسرا على أنها لا تشكل خطرا على أي طرف وليس لها “أجندة خفية”، وهي تتمتع بمصداقية دولية بسبب نظامها الديمقراطي الفدرالي، كما أنها تمتلك الخبرة الضرورية في هذا المجال، فضلا عن كونها “لا تضع قوائم سوداء” لما يُـفترض منظمات إرهابية، وهذه المزايا تجعل سويسرا قادرة على التعاون مع جميع الأطراف.

وألقى السفير المزيد من الضوء عن الجهود التي بذلتها سويسرا في مجال العلاقات الدولية منذ سنة 2000، وأشار إلى أنه من ضمن 20 عملية سلمية شاركت فيها برن، قامت سويسرا في 44% من تلك الحالات، بدور الوسيط الكامل ولعبت دور الميسّر للحوار في 36% منها، في حين اكتفت بتوفير الخبرة في 20% من النزاعات التي سعت إلى حلها.

وأكد السفير طوماس غريمنغر أمام الصحفيين على أن سويسرا قد أشرفت بشكل كامل على الوساطة في 19% من الحالات العشرين التي ذكر، وتعاونت مع أطراف دولية أخرى في 67% منها، واكتفت بتقديم دعم مالي في إطار معالجة 14% من تلك النزاعات.

تحديث الاولويات

وبالنسبة للمستقبل، أكّـد المسؤول بوزارة الخارجية، أن بلاده ستستثمر جهودها وعلاقاتها للتوسط من أجل حل النزاعات في المناطق المتوترة، خاصة في كولمبيا والكوسوفو والنيبال وسريلانكا بآسيا، كما أنها ستُـولي عناية خاصة بالنزاعات في منطقة البُـحيرات الكبرى وجبال النوبة بإفريقيا وقضايا الشرق الأوسط.

ففي كولومبيا، ورغم الفشل الذي انتهت إليه محاولة التوسط من أجل إطلاق سراح انغريد بيتانكور خلال هذا الأسبوع، أكّـد طوماس غريمنغر، أن بلاده ستواصل جهودها من اجل إطلاق سراح الرهائن هناك.

وتعمل سويسرا جنبا إلى جنب مع النرويج، لتسهيل المفاوضات بين حركة نمور تحرير التّامول وسلطات بلادهم، واستضافت برن عدة مرات محادثات بين الطرفين. وفي النيبال، يقود السفير غونثر بيشلار، جهود سويسرا منذ سنة 2005 من أجل وضع إطار شامل لعملية السلام هناك.

والإستراتيجية الجديدة هي نتاج جهود تبذل منذ انتهاء الحرب الباردة من اجل تفعيل الدبلوماسية السويسرية، خاصة سياسة الوساطة بين الإطراف المتنازعة، ويعترف المسؤول السويسري “أن المنافسة في هذا المجال شديدة ، وأن سويسرا تسعى لكي يكون لها دورا متميزا، ونظرا لما تتوفر عليه من خبرة وموارد بشرية ومادية يمكنها النجاح في ذلك”.

مبادرات متتالية

ويدرك طوماس غريمنغر جيدا أن النتائج لم تكن دائما في مستوى الجهود التي تبذل، أو الآمال التي تعلق على الدور السويسري. لكن ذلك ليس مدعاة للإحباط أو التوقف عن المحاولة، وفي هذا الإطار تميزت التحركات الدبلوماسية السويسرية في السنوات الأخيرة في منطقة الشرق الأوسط بأقدار كبيرة من الجرأة واستقلالية القرار.

ففي الشأن الفلسطيني، أطلقت سويسرا قبل بضعة أشهر وساطة بين إسرائيل وحماس واقترحت على الطرفين ورقة أطلقت عليها “إعلان نوايا” تتضمن دعوة لهدنة تمتد عشر سنوات تمهد لمفاوضات لتبادل الأسرى، كما تضمنت المبادرة مقترحا توقف بموجبه إسرائيل هجماتها على قطاع غزّة مقابل التزام حركة حماس بعدم السماح بإطلاق الصواريخ على إسرائيل من داخل قطاع غزة.

وعلى الجبهة السورية، سرّبت الصحافة الإسرائيلية العام الماضي خبرا حول مفاوضات سرية أجريت بين بلادهم وسوريا بوساطة سويسرية، ولم تنفي وزارة الخارجية السويسرية النبأ في حينه، بل أكدته لاحقا وزيرة الخارجية بنفسها. وترى الوزيرة أن تلك المبادرات تنسجم تماما مع دور سويسرا كبلد راعي لمعاهدات جنيف ومكلف بالحرص على تطبيقها.

ولم تغب الدبلوماسية السويسرية عن الشان اللبناني،وحاولت جمعية سويسرية غير حكومية الإسهام في إيجاد توافق بين الطوائف اللبنانية المتنازعة، متسلحة في ذلك بتجربة التعايش في سويسرا بين مكوّنات لغوية وثقافية ودينية مختلفة. ولهذا الغرض، استضافت سويسرا الصيف الماضي ثلاث جولات لحوار لبناني غير رسمي توصّل خلالها المشاركون إلى صياغة وثيقة توافق سلمت بعد ذلك إلى قيادات ابرز الأحزاب السياسية اللبنانية في بيروت. وقد تضمنت تلك الوثيقة الختامية مقترحات محددة حول القانون الانتخابي الجديد، والديمقراطية التوافقية والتوازن بين السلطات الثلاث، وآليات محددة لمعالجة تنازع السلطات في حال حدوثه. ورغم إدراك المشاركين في تلك المحادثات صعوبة إعادة إنتاج النموذج السويسري في الشرق الأوسط إلا أنه بالإمكان اعتباره مصدر إيحاء لاستلهام الحلول.

دبلوماسية الحوار

ولا يمكن الحديث عن جهود سويسرا في الشرق الأوسط دون التوقف عند مبادرة جنيف. ورغم مرور هذه المدة على إعلان المبادرة ترفض وزيرة الخارجية السويسرية أي حديث عن فشل تلك المبادرة، وتقول : “بأن وثيقة جنيف بمثابة اتفاق افتراضي، وأنها متيقنة ومقتنعة من أن أي اتفاق نهائي قد يتم التوصل إليه للصراع في المنطقة سيشتمل على أكثر من 90% من الحلول الواردة في مبادرة جنيف”. وتم التوصل إلى ذلك الاتفاق من خلال دبلوماسية الأبواب المغلقة التي يحسن السويسريين إحكامها.

ولا تنوي الدبلوماسية السويسرية تغيير طريقة العمل هذه، وبالأمس فقط أجابت ميشلين كالمي-ري عندما سئلت عن الموقف السويسري مما يجري في التبت قائلة: “بأن نهج سويسرا في معالجة المشكلات الدولية هو نهج الحوار، ورفض نهج العزلة الذي تطالب به بعض المنظمات”، وكان هذا ردها أيضا على المؤاخذات التي تعرضت لها بعد زيارتها الأخيرة لإيران ورعايتها لتوقيع اتفاقية تجارية في مجال الطاقة.

وقالت السيدة كالمي-ري في تصريح لقناة التلفزيون السويسرية الناطقة بالفرنسية مساء الأربعاء 9 ابريل: “لا تخضع الدبلوماسية السويسرية فقط لامتلاءات المصالح الاقتصادية بل تهدف أيضا لضمان احترام حقوق الإنسان، ولقد أدانت سويسرا مرارا وتكرارا العنف الذي يتعرض له سكان مدنيون، وتعبّر باستمرار عن انشغالها الشديد للمضايقات التي يتعرض لها المعارضون في العديد من البلدان”.

سويس انفو مع الوكالات

ظلت سويسرا بلد محايدا منذ سنة 1515 بعد هزيمة الجيش السويسري في معركة مارينيانو على الأراضي الإيطالية. وتم الاعتراف دوليا بصفة الحياد لسويسرا خلال مؤتمر فيينا سنة 1815.

وليس بإمكان سويسرا كدولة محايدة أن تكون طرفا في أي تحالف عسكري، إلا إذا تعرضت إلى اعتداء خارجي. ولا يمكن استخدام قواتها إلا للدفاع عن نفسها أو لحماية استقرارها وأمنها الداخلي.

كذلك لا يجوز لها أن تكون طرفا في صراع خارجي، أو تسمح لجيوش أجنبية بعبور أراضيها. لكن مبدأ الحياد لا يمنع سويسرا من تقديم الدعم الإنساني في مواطن النزاعات والصراعات.

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية