مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

سويسرا تقود حملة عالمية لمكافحة “فاروا” النحل

بعد أن تعرّض النحل العسال في السنوات الأخيرة إلى الإبادة، هل تصبح يا تُـرى هذه الصورة من الصور النادرة! www.db-alp.admin.ch

تواجه تربية النحل خطرًا داهمًا يتمثل في طٌـفيل الفاروا الذي انتشر في أنحاء العالم بسُـرعة كبيرة منذ بداية السبعينيات من القرن العشرين، حتى لا يكاد يسلم منحل من شرّه، الأمر الذي دفع بالعلماء - بتنسيق من سويسرا - لشنّ حملة عالمية لمكافحة هذه الآفة، باعتبارها المسؤول الرئيسي عن أكبر مجازر النّـحل، التي تم رصدها مؤخرا.

وتهدف الحملة إلى تكثيف الجهود من أجل التصدّي لهذه الظاهرة والحيلولة دون حصول كوارث بيئية وأخرى اقتصادية. ويرجع اكتشاف هذه الظاهرة، التي فرضت نفسها فجأة وبشكل حاسِـم ونمطي، إلى أيام التسعينات من القرن الماضي، عندما تمّ رصد طُـفيل الفاروا في أوروبا والصين وأمريكا الشمالية، بينما سُجِّـلت خلال العامين 2003 و2008 أعلى نسبة هلاك للنّحل في سويسرا، بناءً على ما أورده الباحثون من مركز أبحاث تربية النحل التابع للمركز الفدرالي للأبحاث الزراعية في Posieux خلال المؤتمر الصحفي، الذي انعقد يوم الثلاثاء 14 أبريل 2009.

ويقول الباحثون، بأن هذه الظاهرة دقّـت ناقوس الخط، ليس عند المزارعين من مربّي النحل فحسب، بل كذلك عند جمهور العلماء والمهتمِّـين بالشؤون الزراعية.

ومن جانبه، أوضح المهندس الزراعي جون دانييل شاريير قائلا: “في الواقع، يؤدّي النحل العسال الجزء الأكبر من مهمّة التلقيح”، ويضيف: “النحلة العسالة، هي حشرة سارحة تقوم بمسح شمولي، وتؤدّي مهمة تلقيح على أعلى المستويات وفي كل الفجاج، كما أنها تقوم عبر تنقلها بين أجزاء مستعمراتها بمهمّة نقل للمعلومات”.

فبالإضافة إلى الأضرار البيئية، التي يسبِّـبها موت أعداد كبيرة من النحل العسّـال، هناك أيضا الأضرار الاقتصادية الفظيعة. ففي عام 2008، قامت دراسة فرنسية ألمانية مشتركة بحساب القيمة الاقتصادية لعملية التلقيح، فوجدت أنها بلغت سنويا نحو 153 مليار يورو على مستوى العالم، وهذا رقم هائل، خاصة إذا علمنا بأنه يمثل حوالي 10٪ من قيمة الإنتاج الغذائي العالمي.

وتقدر الدراسات التي أجراها الباحثون في المركز الفدرالي للأبحاث الزراعية قيمة ما تُـنتجه سويسرا من محاصيل الفواكه والبقوليات، التي تعتمد على التلقيح الطبيعي، حوالي 270 مليون فرنك، بينما تبلغ القيمة السنوية لمنتجات تربية النّحل (العسل والشمع وغذاء الملكات…)، حوالي 65 مليون فرنك.

وتحتل تربية النحل في سويسرا المركز الثالث، باعتبار منتجاتها بالنسبة لمنتجات تربية الحيوانات الأخرى، إذ تتقدمها تربية الأبقار والخنازير، وتأتي تربية الطيور والدواجن في المرتبة الرابعة.

خسائر تُـثير القلق

إذا ما نظرنا إلى فداحة الخَطْب، أدركنا السبب وراء تداعي العلماء بهذه السرعة، بغية تحديد أسباب هذه الظاهرة والبحث عن الحلول الممكنة، ولا يخفى كمْ هي أهمية توثيق الأرقام من أجل معرفة الخسائر، ولذلك، وبحسب شاريير، بدأ الباحثون في المركز الفدرالي للأبحاث الزراعية بحصر أعداد النحل على المستوى الوطني، فتبّـن أنه في شتاء 2007/2008، بلغ في سويسرا معدّل ما نفق من النحل 18٪ ، وهي نسبة أكبر بكثير من المعدل المعتاد الذي هو 10٪.

في موازاة ذلك، بدأ الباحثون بتقصِّـي حقيقة الأمر وإجراء الدراسات الموضعية المكثفة، لكشف الأسباب المؤدِّية لنفقان هذه الأعداد من النحل على نحو غير معتاد، ومن ثمَّ الاستفادة من هذه الدراسة خارج نطاق المختبرات ومراكز البحث.

مكافحة الفاروا بيولوجيا

دون إغفال العوامل الأخرى التي تتسبّـب في وفاة النحل وفِـقدان مستعمراته، يركِّـز الباحثون في المركز الفدرالي للأبحاث الزراعية جهودهم لأجل اعتماد طريقة في المكافحة الدائمة لطُـفيلي الفاروا، ما دام كما يقول العلماء، من المستحيل القضاء عليه تماما، ولذلك، يجدر إتِّـباع إستراتيجية مكافحة ترمي إلى تحقيق اتِّـزانٍ بين النحلة والطُّـفيلي الذي يعيش عليها، بحيث تستمِـر النحلة في الحياة وممارسة دورها، تماما كما يحصل مع أنواع النّـحل الآسيوي.

وبهذا الشأن، يصف يوكين فلوغفيلدر، جهود فرق الباحثين في المركز الفدرالي للأبحاث الزراعية قائلا، بأنهم يتبعون عدّة مسارات وأنهم يهدفون على المدى المتوسط إلى تحديد أفضل طُـرق استخدام المواد الطبيعية في مكافحة فاروا النحل وتحسين كفاءة المواد التي جرى تجريبها في السنوات الأخيرة، وتحديدا تطوير مستحضرات جديدة من مستخلصات الزيوت.

وأما على المدى الطويل، فإن هدفهم هو تطوير أساليب جديدة في المكافحة البيولوجية ضدّ فاروا النحل، وذلك بزيادة مقاومة النحلة للطُّـفيلي من جانب وإعاقة تكاثر الفاروا من جانب آخر.

تنسيق فعّـال

ومن الأهمية بمكان، كما يقول بيتر نيومان، أن يكون هناك تنسيق دولي لأجل بلورة القضية واتِّـخاذ التدابير الفعالة، ولذلك، تم إنشاء شبكة عالمية تحت اسم كولوس “COLOSS” لتبادل المعلومات ومقارنة البيانات وتطوير العمل المشترك، وقد أسنِـدت مهمّـة إدارتها إلى المركز الفدرالي للأبحاث الزراعية، وهي تضمُّ في الوقت الرّاهن 148 عضوا يتبعون لـ 35 بلدا من مختلف الدول الأوروبية وآسيا وأمريكا.

وتُـفيد الأبحاث المشتركة بأن هناك عِـدّة عوامل مُـتضافِـرة، تعمل على إيقاع الخسائر الفادحة في مستعمرات النّحل، إلا أن المتّـهم الرئيسي في قضية قتل النحل هو ذلك المخلوق الطُّـفيلي الدقيق، الذي تميل البحوث الحديثة إلى تسمية نوع جديد منه باسم “Varroa destructor”، أي “فاروا المدمِّـر”، ويطلقون عليه بالعربية “حَلَم الفاروا”، بينما تلعب العوامل الأخرى – من مثل الأمراض والمُـبيدات والتغيير في تركيبة المناحل – دورا تواطُـؤيا.

لقد بات من المقرّر لدى علماء المركز الفدرالي للأبحاث الزراعية، أن العدو رقم واحد الذي يتعيّـن محاربته، هو طُـفيلي “الفاروا” الوافد من الشرق الأقصى، وقد تمّ رصده لأول مرّة في أوروبا في نهاية السبعينات، بينما لم يُـكتشف في سويسرا إلا قبل 25 عاما، وهو يقوم بتهديد حشرة لها دور بنّـاء، وهي تكدح على وجه الأرض منذ أكثر من 30 مليون سنة.

سويس انفو – سونيا فيناتزي

النحلة الملكة: هي الأنثى الخصبة الوحيدة في الخلية، تضع 1000 بيضة يوميا، وتتغذّى على الغذاء الملكي الذي تنتجه الشغالات.

الشغالات: هي إناث عقيمة، مهمتها تأمين كل احتياجات الخلية التي تنتمي إليها.

السارحات: هي التي تجلب الرّحيق وحبوب اللقاح. فتضع حبوب اللقاح داخل العيون السُّـداسية للخلية، ومنه تتغذى يرقات النحل، أما بخصوص ما تجمعه من رحيق الأزهار، فإنها توزِّعه على الشغالات العاملة داخل الخلية، فتصنع منه العسل، وحينما ينضج العسل، يختم النحل عليه بطبقة من الشمع.

الذكور: ليس لها سوى مهمّة تلقيح النحلة الملكة، وبعد قيامها بهذا الدور تسقط صريعة وتموت.

تُـغادر أنثى الطفيلي الملقّـحة حشرة نحل العسل وتدخل في العيون السداسية المفتوحة قبل إغلاقها، وتنغمس حيث توجد وتتغذى يرقات النحل. وحين يفقس البيض ويكتمل نمو الأفراخ، تثبت نفسها على النحل اليافع أو أفراخ النحل، وتبدأ حياتها التطفُّـلية بثقبها لهيكل النحلة الخارجي، لتتغذى على “هيموليف” دمها، وتنفث إلى دمها إفرازات سامة، وتتركها عُـرضة لتسلل الجراثيم الفتاكة.

يعتبر حلم الفاروا ألدّ أعداء مربّي النحل ومنتجي العسل، لأنه يصيب صغار النحل ويعتاش على دماء اليرقات، ويتسبب للنحل العسال بتشوهات، منها التقزم واختفاء قرون الاستشعار وتشوهات في الأرجل تعطِّـلها عن العمل، كما ينقل إليها جراثيم الأمراض والفيروسات ويؤثر على جهازها المناعي، ويضعف النحل ويقصر عمره بنسبة 50٪ ويستطيع أن يُـبيد مستعمرة كاملة خلال عام، إذا لم يُبادَر إلى مكافحته.

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية